منذ حصول مجزرة بيروت، بدرت مؤشرات سلبية عدة على سير التحقيقات فيها. أبرز هذه المؤشرات، الآتية:
1- عدم اتخاذ تدابير فورية لحفظ مسرح الجريمة
تفرض الممارسات الفضلى اتخاذ تدابير فورية لحفظ مسرح الجريمة بهدف منع أي تلاعب بالأدلة. هذا فضلا عن أن قانون أصول المحاكمات الجزائية يفرض عند حصول جناية مشهودة، انتقال النائب العام وقاضي التحقيق الأول المختصين بصورة فورية إلى موقع الجريمة. وفيما انتقل مفوض الحكومة العسكري بالإنابة فادي عقيقي، لم ينتقل أي من رئيسي دائرتي التحقيق لدى المحكمة العسكرية فادي صوان أو العدلي في بيروت شربل أبو سمرا إلى مكان الحادث.
2- الإحالة إلى المجلس العدلي
اتخذ مجلس الوزراء قرارا بإحالة ملفّ الدعوى إلى المجلس العدلي، وذلك بناء على طلب وزيرة العدل ماري كلود نجم. والمؤشر السلبي يتمثل هنا في كون المجلس العدلي محكمة استثنائية، لا تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة، لا تجاه الضحايا ولا تجاه الأشخاص الذين قد يقع اتّهامهم أمامها.
فعدا عن أن الإحالة إليه تتم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وبصورة انتقائية، فإن وزير العدل هو الذي يتولى تعيين قاضي تحقيق عدلي خاص بالقضايا المحالة بناءً على موافقة مجلس القضاء الأعلى (المعيّن في 8 من 10 من أعضائه من قبل السلطة التنفيذية) من دون أي معايير موضوعية.
هذا فضلا عن أن قرارات قاضي التحقيق العدلي والمجلس العدلي كلها لا تقبل الإستئناف. وعليه، تبقى إجراءات القاضي والمجلس وأعمالهما وأحكامهما بمعزل عن صوابيتها عرضة لانتقادات واسعة. ومن المهم هنا التذكير بالتقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية في تشرين الثاني من العام 2004 تحت عنوان: “سمير جعجع وجرجس الخوري: تعذيب ومحاكمة جائرة”، والذي خلص إلى المطالبة بالإفراج عن سمير جعجع أو إعادة محاكمته أمام محكمة أكثر احتراما لشروط المحاكمة العادلة. ومن المحتمل أن تثور انتقادات مماثلة عاجلا أم آجلا.
3- النيابة العامة التمييزية غير محايدة: مؤشرات تضارب مصالح وارتياب مشروع
قبل إحالة الملف إلى المجلس العدلي، سارع النائب العام التمييزي غسان عويدات إلى سحب ملف التحقيقات من مفوض الحكومة العسكري وفق الصلاحيات الإستثنائية المعطاة له قانونا والتي تمنحه صلاحية شاملة للتحقيق في أي جريمة وفق ما يراه مناسبا. والواقع أن ثمة معطيات تثير ارتيابا مشروعا حول حيادية عويدات. ومن أهمها: (1) أن وزارة الأشغال العامة والنقل هي التي طلبت من القضاء تعويم السفينة وتفريغ بضاعتها في سنة 2014 أي في السنة التي كان وزير الأشغال العامة فيها هو غازي زعيتر أي زوج شقيقة عويدات، (2) أن عويدات نفسه كان تلقى كتبا تحذيرية من قبل أمن الدولة ولم يبادر إلى إتلاف البضاعة وفق اتفاقية هامبورغ 1978 حفاظا على السلامة العامة.
ولا يردّ على ذلك أنه يمكن معالجة تضارب المصالح من خلال تكليف أحد أعضاء النيابة العامة التمييزية وذلك لأن القانون يولي النائب العام التمييزي حق توجيه وإعطاء الأوامر الخطية والشفهية لكل هؤلاء من دون أي ضوابط.
كما يسجل أن النائب العام التمييزي يشغل منصب نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، مما يوليه نفوذا كبيرا على مقررات هذا المجلس، ومن أهمها بما يعنينا هنا الموافقة على اقتراح تعيين محقق عدلي في القضية الحاضرة. ومن شأن هذا الأمر أن يضاعف من مخاطر تضارب المصالح، بحيث يجعل هذا الأخير شريكا في تعيين القاضي الذي يجدر فيه النظر في صحة طلباته في القضية المذكورة وتقييمها.
4-9 ستّ مؤشرات سلبية في تعيين قاضي التحقيق العدلي:
بعد إحالة القضية إلى المجلس العدلي، توجّب على وزيرة العدل تعيين قاضي تحقيق عدلي بعد الحصول على موافقة مجلس القضاء الأعلى. ومن البيّن أن لهذا القرار أثر كبير على مجريات التحقيق بفعل الصلاحيات الواسعة الممنوحة لقاضي التحقيق (اتّخاذ قرارات التوقيف وإخلاء السبيل وتدابير التحقيق وصولا إلى تحديد الجرائم المرتكبة والأشخاص المتهمين أي ما يشكل إطارا ملزما للمحاكمة) وتفرّده في ممارسة هذه الصلاحيات من دون أن يكون هنالك أي مجال لاستئناف قراراته كما سبق بيانه. وعليه، تصبح المواصفات الشخصية لهذا القاضي عاملا أساسيا لضمان استقلالية التحقيق وفعاليته في ظل غياب الضمانات الأخرى، وبخاصة بفعل خطورة هذه الجريمة. ومن هنا أهمية التوقف عند مواصفات هذا القاضي ومعايير اختياره.
وقد اقترحت وزيرة العدل ثلاثة قضاة تباعا (وهم سامر يونس وطارق بيطار وفادي صوان)، قبل الحصول على موافقة مجلس القضاء الأعلى على الإسم الثالث. ورغم تكتّم وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى على المعايير المعتمدة للتعيين أو الرفض، بإمكاننا تسجيل المؤشرات السلبيّة الآتية:
4- قاضي تحقيق من طائفة “الضحية”
أنه تمّ تطييف هوية قاضي التحقيق العدلي. وقد بدا هذا الأمر واضحا من خلال الإصرار على أن يكون مسيحيا على اعتبار أن الأحياء الأكثر تضررا هي تقليديا أحياء مسيحية. وفيما تتحمل وزيرة العدل مسؤولية حصر الأسماء المقترحة بقضاة مسيحيين، كانت “المفكرة القانونية” سجلت منذ فترة بروز نوع من العرف يقضي بتعيين المحقق العدلي وفق هوية الضحية الطائفية، سواء كانت هذه الضحية شخصاً سياسياً أو جماعة تعرضت لهجوم معين. وهذا ما نتبينه مثلا بشأن التعيينات في القرارات الصادر عن وزير العدل الأسبق أشرف ريفي في 2014 بخصوص تفجيرات بئر العبد والرويس وحارة حريك وطرابلس وتفجير المستشارية الإيرانية واغتيال الوزير الاسبق محمد شطح ورفاقه.
وهذا الأمر يتعارض مع مبدأ المساواة بين القضاة ولكن أيضا مع مبدأي الاستقلالية والحيادية الظاهرتين واللذين يفرضان بقاء القاضي على مسافة من الضحايا والمتهمين على حد سواء.
5- رفض مجلس القضاء الأعلى تعليل قراراته
رفض مجلس القضاء الأعلى تعليل قراراته برفض تعيين القاضيين اللذين اقترحتهما وزيرة العدل، بحجة أن قانون تنظيم القضاء العدلي يلزمه بسرية المداولات. وقد أعلن المجلس هذا الموقف مرتين: المرة الأولى في 12 آب ردا على طلب وزيرة العدل بإبلاغها أسبابه في رفض القاضي سامر يونس. وقد جاء فيه أنّ مداولات المجلس سرية ولا يمكن لأحد إلزامه تعليل عدم قبوله بتعيين القاضي يونس محققا عدليا. والمرة الثانية بموجب بيان صدر عنه تلقائيا بعد تنامي الإنتقادات الإعلامية لمسار التعيين (19 آب). وقد أوضح في هذا البيان أن أي تشكيك يتناول موقفه يبقى في إطار التكهنات التي لا تأتلف مع الواقع وأن المجلس يتحفظ عن ذكر مداولاته بهذا الصدد نظرا للسرية التي ترعاها، “مهيب”ا بالجميع عدم التشكيك في التحقيقات التي جرت وتجري وإيلاء القضاء الثقة الكاملة”. وإذا صحّ أن المداولات تعدّ سرية قياسا على مداولات المحاكم بموجب القانون (المادة 11 من قانون تنظيم القضاء العدلي)، وجب القول أن هذه السرية تماما كما سرية مداولات المحاكم لا تشمل لا القرار النهائي المتخذ تبعا للمداولات ولا أسبابه الموجبة ولا وجهة تصويت أعضاء المجلس. وعليه، بمعزل عن مدى سدادة قراراته في رفض أو قبول الأسماء المقترحة، فإن الدعوة الموجهة منه إلى الرأي العامّ بوجوب منح الثقة الكاملة للقضاء هي بمثابة دعوة لمنحه ثقة عمياء. كل ذلك في ظلّ تحكّم نائبه (عويدات) بالتحقيقات والتعيينات رغم توفّر أسباب تضارب مصالح واضحة توجب كفّ يده عن ذلك.
6- اختيار تحت ضغط الوقت
مؤشّر سلبيّ آخر تقتضي الإشارة إليه وقد تمثّل في وجوب تعيين القاضي تحت ضغط الوقت. وهذا المؤشّر يتأتّى عن النتائج السّلبية للإحالة إلى المجلس العدلي، حيث لا يكون قاضي التحقيق المختصّ معيّنا مسبقاً وفق ما يفرضه مبدأ القاضي الطبيعي، إنّما يتمّ تعيينه في وقت لاحق لهذه الإحالة. وما يجعل عامل ضغط الوقت أكثر إلحاحا هو وجود موقوفين في القضية المحالة بقرار من النيابة العامة. فمن المعلوم أنّ أيّ تمديد لهذه التوقيفات بما يتجاوز 4 أيام يتطلب صدور مذكرات توقيف عن قاضي التحقيق المختص. ومن هذه الزاوية، أصبح تسريع اختيار هذا القاضي ضروريا تجنبا للإفراج عن الموقوفين أو إبقائهم موقوفين تعسّفاً. فضلا عن ذلك، فإن من شأن أي تأخير في تعيين هذا القاضي أن يؤدي إلى إبقاء يد النائب العام التمييزي مبسوطة بشكل كامل وأحادي على التحقيقات. وبفعل هذا العامل، جرى اختيار قاضي التحقيق من دون اللجوء إلى الممارسات الفضلى في هذا المجال، كدعوة القضاة للترشح أو الإستماع إليهم تمهديا لاختيار المرشح الأكثر كفاءة.
7- رفض تعيين قاضٍ مشهود باستقلاليته ونزاهته من دون مبرر
كما سبق بيانه، تمّ رفض اقتراح وزيرة العدل بتعيين القاضي سامر يونس من دون أي مبرر. وفيما أشار بعض الإعلاميين إلى بعض المآخذ عليه وهو أن “طبعه صعب” (وهي عبارة رائجة في المنظومة القضائية عموما أنه متزمّت حيال أي تدخّل في عمله)، أو أنه مسيّس أو أنه من عائلة سياسية أو أيضا أنه كان مستشارا لوزير العدل السابق سليم جريصاتي. وكدليل على ما تقدم، أعاد بعض هؤلاء نشر مقال قديم تناول محاضرة ألقاها يونس بشأن الإتجار بالبشر بصفته ممثلا لوزير العدل جريصاتي. وقد بدا واضحا أن الهدف من هذه التسريبات هو تبرير موقف مجلس القضاء الأعلى برفض اقتراح تعيينه ودفع وزيرة العدل إلى التخلي عنه.
وبمقابل صمت المجلس إزاء التعرّض لقاضٍ مشهود بنزاهته واستقلاله، عمد القاضي يونس إلى إصدار بيان نفى فيه أي روابط مع أي قوة سياسية، موضحا فيه أنه مثّل وزارة العدل في عهدة وزراء عدة من منطلق تكليفه بمتابعة ملف الإتجار بالبشر، وهو ملف إنساني، من دون أن يترتب على ذلك أي روابط خاصة مع أيّ من هؤلاء الوزراء. والأهمّ من تفنيده ما أثير ضده، هو تضمين البيان إضاءات هامة على الأسباب التي رجّح يونس أن تكون دفعت المجلس أو أكثرية أعضائه إلى رفض اقتراح تعيينه.
وقد جاء في هذا الإطار حرفيا في مستهلّ بيانه: “أنا القاضي الذي لم يعلن يوما عدم اختصاصه أو عدم معرفته أو عدم قدرته. وقفت وحدي عام 2010 متصديا للجريمة السوداء في “الوايت هاوس” حيث كان الجميع يتبارى ويتسابق لدفن الحقيقة ولتبرئة النافذين فنال صغار المجرمين فقط عقابهم أو ربما لم ينالوه”. ويشار هنا إلى أن الجريمة المقصودة هي الجريمة التي ارتكبها عدد من مرافقي المصرفي أنطوان الصحناوي والذين قصدوا “الوايت هاوس” (وهو مطعم في بيروت) بمعيته. وقد تمثلت هذه الجريمة في إطلاق نار على عدد من الأشخاص المتواجدين آنذاك في المطعم، من بينهم أحد خصوم الصحناوي في نزاع تجاري. وندرك أهمية التذكير بهذه الجريمة في مستهلّ بيانه، حين نعلم أن وقوف يونس إنما حصل بشكل خاص في مواجهة القرارات الصادرة آنذاك عن قاضي التحقيق الأول بصرف الإستماع إلى الصحناوي، وأن هذا القاضي لم يكن إلا النائب العام التمييزي الحالي غسان عويدات.
فكأنما يونس يخبرنا أن استبعاده تم ليس فقط لأنه كافح للوصول إلى الحقيقة في هذه الجريمة وجرائم أخرى وفق ما يمليه عليه تصوره لوظيفته القضائية واستقلاليته بل أيضا لأنه شاهد على تخاذل بعض أبرز أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين على العكس من ذلك تماما تباروا وتسابقوا لدفن الحقيقة، وهم الذين “يقفون على أعتاب هذه الجهة السياسية أو تلك ليقنصوا أعلى المناصب ويغنموا أرفع المواقع” أو أيضا “العملاء” الذين يبدأون بتزوير الحقائق وصولا إلى وأدها ودفن الجريمة.
وبذلك، لم يكن البيان توضيحيا لكيفية رفض تعيينه وأسبابه وحسب، بل كان قبل كل شيء بمثابة صفارة إنذار شديدة البلاغة إزاء ما يتهدد التحقيقات في مجزرة بيروت، بفعل فساد بعض القضاة الذين شغلوا وما يزالون أعلى المراكز .
8- رفض تعيين القاضي طارق بيطار وسط شائعة “اعتذاره”
لم تتضح الظروف المحيطة بردّ اقتراح تعيين القاضي طارق بيطار، المعروف أيضا بمناقبيته واستقلاليته. إلا أنه هنا أيضا تسرّب إلى الإعلام حديث عن اعتذاره، من باب إبراء مجلس القضاء الأعلى من أي مسؤولية حيال رفضه. وقد أصدر القاضي بيطار من خلال المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى بيانا كان واضحاً لجهة أنه كان مستعدّا لأداء مهمّته، وإن تكتّم القاضي بيطار عن توضيح فحوى التحفّظات التي أعلم مجلس القضاء الأعلى بها. وكان من المعبّر في هذا المجال أن سرى بين القضاة الإصلاحيين توصيف لموقفه بأنه “عُذِّر” ولم يعتذر.
9- تعيين فادي صوان محققا عدليا
فضلا عن ذلك، شكّل استعجال مجلس القضاء الأعلى في قبول تعيين القاضي فادي صوان (وهو يشغل مركز قاضي تحقيق عسكري منذ 2009) مؤشرا سلبيا آخر. وهذا الأمر يتحصّل من تقاعسه عن الإنتقال إلى مسرح الجريمة خلافا لما يفرضه عليه القانون كما أشرنا أعلاه وأيضا من معطيين آخرين ينشأ عنهما ارتياب مشروع بشأن تصوّر القاضي صوان لاستقلالية القاضي.
المعطى الأوّل يرتبط بكيفية ممارسة صوان لمهامه في رئاسة دائرة التحقيق في المحكمة العسكرية. ففيما أن رئاسة هذه الدائرة توليه مسؤولية توزيع الملفات التي ترد إليها بين مختلف قضاة التحقيق وفق قناعاته، فإنه تردّد بشكل واسع لم يكذّبه القاضي المذكور أنه استجاب في 2019 لطلب الوزير السابق سليم جريصاتي (الذي كان يشغل منصب وزير شؤون رئاسة الجمهورية أو وزير القصر كما كان يحلو له تسمية نفسه) في إحالة جريمة قبر شمون إلى قاضي تحقيق بعينه. وهذا الأمر إنما يعكس تصورا لدى صوان لاستقلاليته مفاده أنها تبقى تحت سقف الطلبات التي ترده من القصر الجمهوري.
المعطى الثاني، يرتبط بأدائه كقاضي تحقيق في قضية مقتل “شهيد الثورة” علاء أبو فخر، حيث أنه اتخذ قرارا بإخلاء سبيل العقيد نضال ضو المشتبه به بإعطاء الأمر بقتل هذا الأخير. وقد عاد القاضي صوان ليخلي سبيل العقيد مرة ثانية، في ظل الإغلاق التام تصديا لجائحة الكورونا، بعدما فسخت محكمة التمييز العسكرية قراره الأول بإخلاء سبيل المذكور.
فضلا عن ذلك، يُعرف عن صوان بشكل عام، بانسجام الإجراءات المتخذة منه وقراراته الظنية مع طلبات ومطالعات النيابة العامة العسكرية، حيث قلما يخالفها أو يقرر التوسع في التحقيق بما يتجاوز الإطار المرسوم منها.
10- التسريبات الإعلامية الموجهة
منذ بدء التحقيقات، عمد بعض الصحافيين إلى تسريب معلومات معينة بهدف توجيه أصابع الإتهام في اتجاه معيّن أو إبعادها عن اتجاه آخر.
وقد تناولت هذه التسريبات مسار التحقيقات وتمثلت في نشر معلومات أو استنتاجات خاطئة كما بيّنا أعلاه تبعا لرفض اقتراحي تعيين القاضيين سامر يونس وطارق بيطار، أو أيضا نشر معلومات مفادها وجود “حملة شعواء” لسحب ملف التحقيقات من النائب العام التمييزي بهدف الإفراج عن مدير عام الجمارك.
وقد تناولت هذه التسريبات المسؤوليات الناجمة عن تخزين مواد النيترات والأمونيوم في مرفأ بيروت في اتجاه التقليل من شأن تحذيرات المديرية العامة لأمن الدولة للنيابة العامة التمييزية أو من شأن تقاعس هذه الأخيرة عن اتخاذ قرار بإتلاف المواد الخطرة صونا للسلامة العامة أـو في اتجاه إبعاد الشبهات عن وزير الأشغال العامة السابق غازي زعيتر، رغم أن وزارة الأشغال العامة (ممثلة بالمديرية العامة للنقل البري والبحري) هي التي طلبت من القضاء تعويم السفينة وأن الوزارة تحرّكت بناء على طلب مكتب محاماة ثبت أن نجل الوزير المذكور كان آنذاك متدرجا فيه.
وتؤشر التسريبات أنها تحصل من أوساط مقربة من النائب العام التمييزي لكونها تتصل بمعلومات يفترض أنه الأكثر اطلاعا عليها وكونها تؤدي إلى التخفيف من مسؤوليته ومسؤولية المقربين منه. ومن شأن هذا الأمر أن يزيد من خطورة هذه التسريبات وأيضا من خطورة تضارب المصالح لدى هذا الأخير والمشار إليه أعلاه.
11- تأكيد النيابة العامة على حصانات الوزراء
هذا المؤشر السلبي نجم عن الخبر المنسوب للنيابة العامة التمييزية والمنشور على موقع الوكالة الوطنية بتاريخ 14 آب 2020. وقد تضمّن أخبارا مفادها أن النيابة العامة التمييزية أرجأت الإستماع إلى وزراء الأشغال العامة والنقل الحالي والسابقين. وفيما أمكن تفسير هذا الأمر بانتقال الملف إلى قاضي التحقيق المعين حديثا والذي أصبح بنتيجة ذلك سيّد التحقيق، فإن خبر الوكالة سارع إلى إضافة عبارة أخرى مفادها أن المحقق العدلي سيرسل “كتابا إلى النيابة العامة التمييزية حول عدم إختصاصه في التحقيق مع وزراء بحيث يعود الأمر إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”. وقد بدا هذا الخبر بمثابة تمهيد يوحي لقاضي التحقيق أو يسمح له بصرف النظر عن الإستماع إلى هؤلاء بحجة عدم اختصاصه.
وقد سارع نادي قضاة لبنان بتاريخ 15 آب 2020 إلى نشر بيان ذكّر فيه بقرار سابق للهيئة العامة لمحكمة التمييز (27/10/2000) أقصت بموجبه هذه الحصانة في الجرائم التي لا تتّصل مباشرة بالوظيفة. وقد اعتبر النادي أن جريمة قتل المواطنين العزّل (القصد الاحتمالي) أو التسبب بقتلهم تبقى عملا بهذا القرار من صلاحية القضاء العدلي ولا يستفيد من أي حصانة. كما أكد النادي أن ما يزيد من ضرورة العمل بوجهة هذا القرار منعا لضياع حقوق الضحايا، هو عدم تكوين المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء حتى الآن وصعوبة إن لم يكن استحالة تحقيق أي ملاحقة من قبله في ضوء الفساد السياسي والإقتسام الطائفي القائمين في البلد وخلو أرشيف مجلس النواب من أية ملاحقة. ويذكر هنا في الاتجاه نفسه أن أي إحالة إلى المجلس الأعلى لا تتم إلا بموجب اتهام من ثلثي النواب.
12- إعلان حالة الطوارئ
يُضاف إلى كلّ ما تقدم مبادرة الحكومة المُستقيلة إلى إعلان حالة الطوارئ في بيروت تِبعاً للكارثة. ومن المعلوم أنّ هذا الإعلان يؤدّي عمليا إلى تخويل السلطة العسكرية العليا (قيادة الجيش) اتخاذ قرارات استثنائية مقيّدة للحريات، منها قرارات منع تجوّل أو منع التظاهر أو التجمع أو إخضاع حرية النشر للرقابة المسبقة أو أيضا إخضاع الأشخاص للإقامة الجبرية أو انتهاك حرمة المنازل من دون إشارة قضائية مسبقة. وأكثر ما يُخشى في هذا المضمار هو أن تستخدم السلطة العسكرية هذه الصلاحية لتضييق حرية التعبير والنشر في ما يتصل بسير التحقيقات. وهذا الخطر الذي نتلمحه في البيان الذي أصدرته المديرية العامة لأمن الدولة بتاريخ 11 آب 2020 ردّا على التسريبات التي طالت مديرها العام أنطوان صليبا. فبعدما أهاب البيان بالجميع الإبتعاد عن التحليلات والتسريبات لأنها تضلل التحقيقات الجارية، ذكر بما يشكل تهديدا مبطنا “أننا الآن في مرحلة إعلان حالة طوارئ في مدينة بيروت، ما يرتب مسؤوليات جسيمة على المرتكبين”. ويُفسّر هذا البيان طبعا ليس على أنه تهديد بمباشرة ملاحقة من ينشر أخباراً كاذبة حول التحقيق، بل على أنه تمهيد لإخضاع النشر للرقابة المسبقة طبعا للصلاحية الممنوحة للسلطة العسكرية.
وما يزيد من خطورة هذا الأمر هو تمديد حال الطوارئ لأكثر من شهر بموجب مذكرة إدارية صادرة عن أمين عام مجلس الوزراء محمود مكية، بناء على موافقة رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة المستقيلة حساب دياب. وكانت “المفكرة القانونية” أوضحت في بيانها أن هذا الإعلان قد تم بموجب قرار باطل وبمثابة غير موجود.
- لقراءة المقال باللغة الانجليزية اضغطوا على الرابط أدناه:
Twelve Bad Signs at the Outset of the Beirut Massacre Investigation