محكمة مراكش تكرس حق طفلة محجبة في التعليم: لائكية البعثة الفرنسية لا تبرر  انتهاك اتفاقية حقوق الطفل


2024-06-24    |   

محكمة مراكش تكرس حق طفلة محجبة في التعليم: لائكية البعثة الفرنسية لا تبرر  انتهاك اتفاقية حقوق الطفل

أصدر الرئيس عبد السلام جوهر نائب رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش يوم الأربعاء 21 يونيو 2024 أمرا استعجاليا بالسماح لتلميذة بالولوج إلى مؤسسة تعليمية تابعة للبعثة الفرنسية مرتدية حجابها، تحت طائلة غرامة مالية قدرها 500 درهم (حوالي 50 دولارا) عن كل يوم تأخير عن التنفيذ. الأمر الاستعجالي الذي تنشره المفكرة القانونية يعيد إلى الواجهة إشكالية منع بعض المؤسسات التعليمية في عدد من بلدان المنطقة للطالبات اللواتي يرتدين الحجاب أو النقاب من ولوجها، والجدل المحتدم حول هذا الموضوع، بين من يعتبر المنع مسّا بحريات فردية، وبين من يعتبره مبررا بضرورة.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 13 يونيو 2024 حينما تقدمت ولية أمر تلميذة بمقال استعجالي أمام المحكمة الابتدائية بمراكش تعرض فيه، أن ابنتها القاصر تتابع دراستها بالمستوى الثالث ابتدائي في مدرسة فيكتور هيكو التابعة للبعثة الفرنسية بمراكش، وأنها ترتدي الحجاب كلباس رسمي لها تبعا لقناعتها الشخصية والتزامها الديني، وأنه تم منعها من ولوج المؤسسة التعليمية بتاريخ 10 يونيو 2024، وقد توصّلت بإخبار من طرف المدرسة مفاده بأن ابنتها القاصر تغيّبت عن الحضور للفصل بعدما تم إخراجها منه نظرا لارتدائها لباسا غير لائق بالمؤسسة.

 وأضافت المدعية أن قرار المؤسسة مخالف للدستور الذي يعتبر أسمى قانون في البلاد والذي يكرس الحق في التعليم لجميع الأطفال، وأنه سبق للقضاء المغربي أن قضى لفائدة تلميذة أخرى بحقها في استئناف دراستها في إحدى مدارس البعثات رغم ارتدائها للحجاب، ملتمسة إنصاف طفلتها والسماح لها بالعودة إلى فصول الدرس لمتابعة دراستها.

وأدلى دفاع المؤسسة التعليمية بمذكرة جوابية جاء فيها أنها مؤسسة تعليمية للبعثة الفرنسية وأنها تخضع للقانون الفرنسي كما تخضع لاتفاقية شراكة من أجل التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا، حيث تقدم خدماتها للطلبة الأجانب المقيمين بالمغرب وبعض الطلبة المغاربة، وأن نظامها الداخلي يمنع على جميع الطلاب ارتداء أي لباس له علاقة بالرموز الدينية، ملتمسة رفض الطلب.

موقف المحكمة

استجابت المحكمة لطلب المدعية معتمدة على العلل التالية:

-لا وجود لأي بند في اتفاقية التعاون المغربية الفرنسية يمنع على الطلاب ارتداء ملابس ترمز الى معتقدهم الديني.

-إنّ القانون الفرنسي قيد الأنظمة الداخلية للمؤسسات التعليمية بضرورة احترام تشريع الدولة التي توجد المؤسسة بترابها إعمالا للمادة 11-451 من قانون التربية الفرنسية التي نصت على أن: “حقوق والتزامات التلاميذ، وقواعد مشاركة أعضاء الهيئة التربوية محددة بطريقة تشاركية مع الهيئات الاستشارية للمؤسسة، وذلك بمقتضى النظام الداخلي لهذه المؤسسة في احترام للقواعد العامة المشار اليها في المواد 4-111 و1-236 و1-511 و2-511، وكذا تشريع الدولة التي توجد المؤسسة بترابها”.

-إنّ ديباجة الدستور المغربيّ نصّت على التزام الدولة بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني و النهوض بهما، و الإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق و عدم قابليتها للتجزئة، وجعل الاتفاقيات الدولية، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية.

-الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الانسان التي يعد المغرب طرفا فيها، نصت وبشكل واضح على تعهد الدول الأطراف بضمان جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذه المواثيق بريئة من أي تمييز بسبب العرق ، أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو غير ذلك من الأسباب ، و من بين هذه الاتفاقيات ما جاء في المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري من حق الأفراد في حرية الفكر والعقيدة و الدين، و ما نصت عليه المادتين 28 و 29 من اتفاقية حقوق الطفل من ضمان حق الطفل في التعليم ، والمادة 18 –الفقرة الثالثة- من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من أنه : “لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون و التي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية” .

الحجاب ممارسة لحريّة شخصيّة لا يمكن تقييدها إلا لضرورة

انطلاقا من العلل السابقة، خلص الأمر الاستعجالي إلى أن ارتداء الطفلة -ابنة المدّعية- للحجاب يندرج ضمن ممارستها لحريتها الشخصية، و أنه ليس فيه أيّ مساس بصحة السلامة العامة أو إخلال بالآداب العامة، و لا يشكل أي تهديد لحرية وحقوق الآخرين، وأن منعها من الولوج إلى المدرسة بسبب ارتداء ملابس ترمز إلى معتقدها الديني يشكل خرقا لمبادئ حقوق الطفل في التعليم الأساسي التي ضمنتها له جميع المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، والتي “لا يمكن أن تنتهك من أي طرف كان حتى لا يتم حرمان الطفلة من أهم حقوقها الكونية والدستورية ألا وهو حقّ التمدرس”. وعليه قضى الأمر الاستعجالي بالسماح للطفلة بالولوج إلى المؤسسة التعليمية فكتور هيجو بحجابها تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ مع شمول الامر بالنفاذ المعجل وتحميل المدعى عليها الصائر.

تعليق على الأمر الاستعجالي

يعيد هذا الأمر الاستعجالي الذي تنشره المفكرة القانونية إلى الواجهة إشكالية منع بعض المدارس أو الجامعات في عدد من بلدان المنطقة للطالبات اللواتي يرتدين الحجاب أو النقاب من ولوج المؤسسات التعليمية، والجدل المحتدم حول هذا الموضوع، بين من يعتبر المنع مسا بحريات فردية، وبين من يعتبره مبررا بضرورة.

كان لافتا في القضية التي رفعت أمام المحكمة أنها تتعلق بمدارس البعثة الفرنسية والتي تخضع من حيث المبدأ إلى قوانين الدولة الفرنسية والتي أصدرت في وقت سابق قانون حظر ارتداء الرموز الدينية داخل المدارس .

يكرّس الحكم ثقافة اللجوء إلى القضاء دفاعا على الحقوق الأساسية المكفولة في القانون حيث استندت المدعية في مقالها الاستعجالي إلى مبادئ الدستور المغربي التي تكرس حق التعليم لجميع الأطفال من دون أي تمييز، معتبرة أن النظام الداخلي لمدارس البعثات لا يمكن أن يخالف أحكام الدستور ويحرم الطفلة من متابعة دراستها.

كان لافتا أن المحكمة اعتمدت في صياغة قرارها القضائي على مجموعة من الأسانيد القانونية، بدءا من اتفاقية التعاون المغربية الفرنسية في المجال الثقافي، والتي تؤطر عمل مدارس البعثات، وقانون التربية الفرنسية. وقد أشارت بشكل صريح إلى وجوب احترام تشريع الدولة التي تتواجد فيها مقرات مدارس البعثة الفرنسية بشكل مساو لاحترام القانون الفرنسي، فضلا عن عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتي أشارت إلى وجوب احترام الخصوصية المحلية، أهمها:

– اتفاقية حقوق الطفل وقد استندت في هذا الصدد على المادة  29 والتي تكرس حق الطفل في التعليم الذي ينبغي أن يكون موجها نحو تحقيق مجموعة من الأهداف من بينها  “تنمية احترام ذوى الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمة الخاصة، والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته”، فضلا عن إعداد الطفل لحياة “تستشعر المسؤولية في مجتمع حرّ، بروح من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات الإثنية والوطنية والدينية والأشخاص الذين ينتمون إلى السكان الأصليين”.

الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري حيث يعتبر هذا الأمر الاستعجالي من بين التطبيقات القضائية النادرة لهذه الاتفاقية التي صادق عليها المغرب بتاريخ 18 ديسمبر 1970 وأعلن بتاريخ 19 أكتوبر 2006 اعترافه باختصاص لجنة القضاء علي التمييز العنصري في استلام ودراسة البلاغات المقدمة من الأفراد أو من جماعات الأفراد تحت ولاية هذه الدولة الطرف والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية، كما قدم تقريره حول الاتفاقية مؤخرا أمام اللجنة، ووقد استند الأمر الاستعجالي على المادة الخامسة من الاتفاقية المتعلقة بحق الأفراد في حرية الفكر والعقيدة و الدين.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث اعتمد الأمر الاستعجالي على المادة 18 منه والتي لا تجيز “إخضاع حرية الانسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون و التي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية”.

يبرز هذا الأمر الاستعجالي أيضا أهمية نشر الأحكام القضائية وتعميمها حيث استندت عريضة الدعوى على أمر استعجالي سابق نشرته المفكرة القانونية لرئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة أمر بعودة طفلة إلى فصول الدراسة بعدما منعت من ولوج المؤسسة التعليمية التابعة لبعثة فرنسية بسبب ارتدائها للحجاب، ويظهر أن السوابق القضائية تعتبر أساسا للتقاضي دفاعا على الحقوق الأساسية.

يختلف الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بمراكش عن مثيله الصادر عن رئيس محكمة القنيطرة في كون الاجتهاد القضائي الجديد استند بشكل واضح على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، حيث استشف منها مجموعة من المداخل الأساسية لحماية حق الطفلة المحجبة في متابعة دراستها، سواء كان موضوع هذه الاتفاقيات عاما مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أو خاصا بفئة مثل حقوق الطفل، أو موضوع معين مثل القضاء على التمييز العنصري، بينما اقتصر الاجتهاد القضائي السابق على نصوص التشريع الوطني، مع أنهما خلصا إلى نفس النتيجة وهي عدم إمكانية تقييد الحقوق إلا في حال الضرورة.

نسخة من أمر رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش

قرار قضائي يمنع إقصاء محجبة عن إكمال الدراسة في المغرب: لا تقييد للحريات إلا في حال الضرورة

المحكمة الإدارية التونسية تنهي جدلا طويلا وتكرّس حق المنقّبة في التعليم

أبعد من رفض القاضية المحجبة في لبنان، هكذا تتمّ غربلة المرشحين لدخول القضاء

بورقيبة وخسارة معركة إفطار رمضان: حدود نهج التحديث الفوقي

سياسة “إلزمي حدودكِ”: استمرار التمييز ضد المرأة التركية

الإسلام المتعلمن: التجربة التركية في ميزان التاريخ والإخفاقات

القانون كأداة تغيير إجتماعية: تركيا وأسلمة المجتمع والدولة

شواطئ لبنان الشعبية: “كونفدرالية الحريات العامة”؟

المفكرة تذكّر بثلاثة أحكام رائدة حول التسامح الديني في لبنان: الدين، الحساسية المفرطة وحرية التعبير والإبداع

التسامح الديني في حكم قضائي رائد

انشر المقال



متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، الحق في التعليم ، حقوق الطفل ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني