قرار قضائي يمنع إقصاء محجبة عن إكمال الدراسة في المغرب: لا تقييد للحريات إلا في حال الضرورة


2020-11-30    |   

قرار قضائي يمنع إقصاء محجبة عن إكمال الدراسة في المغرب: لا تقييد للحريات إلا في حال الضرورة

بتاريخ 25/11/2020، أصدر القاضي طارق بو خيمة بصفته قاضياً للمستعجلات بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة، أمرا يقضي بالسماح لتلميذة بمتابعة دراستها في احدى المدارس الخاصة، بعدما منعت من الدخول اليها بسبب وضعها لغطاء الرأس[1]. القضية التي أثارت قبل أيام جدلا إعلاميا واسعا بالمغرب، طرحت من جديد إشكالية التوفيق بين الحريات الفردية والنظم الداخلية لبعض مدارس البعثات الأجنبية بالبلاد.

ملخص القضية 

تعود فصول القضية إلى تاريخ 12/11/2020 حينما تقدم أحد الآباء بدعوى استعجالية إلى رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، يعرض فيها، أن ابنته البالغة من العمر 12 سنة، تتابع دراستها في إحدى المدارس الكاثوليكية بالمدينة. إلا أنها بتاريخ 09/11/2020 عند ذهابها للمدرسة وهي مرتدية لغطاء الرأس، مُنعت من الدخول. وهو نفس السلوك الذي تكرّر بتاريخ 10/11/2020، حيث سلمت إدارة المدرسة لوالدة التلميذة التزاما عائليا لتوقيعه، يتضمن تعهد التلاميذ بعدم تغطية الرأس، تحت طائلة الطرد من القسم، وهو ما رفضت الاستجابة له. 

وأضاف المدعي أن هذا السلوك “يعدّ ضرباً لحقّ الطفل في حرية المعتقد، والحق في التعليم”، باعتبارهما من أهم الحقوق المكفولة في الدستور، وفي الاتفاقيات الدولية، ملتمسا إصدار أمر استعجالي للمدرسة المدعى عليها، بالسماح لابنته بمتابعة دراستها، تحت طائلة غرامة تهديدية. 

أجابت إدارة المدرسة، بأنّ لها “قانون داخلي يلزم التلاميذ بارتداء زيّ موحّد، وعدم وضع غطاء للرأس”، وأن أب الطفلة “سبق أن وقع على الالتزام باحترام القانون الداخلي للمؤسسة، وأن العقد شريعة المتعاقدين”، وأن “المدرسة بصفتها جزءاً من التعليم المسيحي بالمغرب، وهي مؤسسة بعثة أجنبية تتوفر على أجهزتها الخاصة وغير خاضعة للقوانين المطبقة على التعليم الخاص”، فضلا عن أن دخول الطفلة بزي مخالف للقانون الداخلي للمؤسسة سيعطي الحق غدا لتلميذ آخر بارتداء حلية في أذنه، أو “شورت”، كما سيعطي الحق لتلميذة أخرى في ارتداء نقاب كامل داخل القسم دون أن يكون للمؤسسة امكانية التدخل، تحت حجة الاتفاقيات الدولية، وحقوق الانسان، ملتمسة رفض الدعوى.

موقف المحكمة 

استجابت المحكمة لطلب المدعي، مستندة إلى العلل الآتية:

  • القانون الداخلي بوصفه “مجموعة من القواعد التي تضعها المؤسسة من أجل تنظيم هياكلها وتحديد طريقة سير العمل بها، انسجاما مع أهدافها وغاياتها ومجال تخصصها”، لا ينبغي أن يتعارض مع “ما هو ضروري ولازم لتحقيق هذه الأهداف”، أو يتنافى “مع القوانين الدستورية والتشريعية سارية المفعول في البلد الذي سوف تطبق فيه، والتي تقر حقوقا أصيلة لا مجال للانتقاص منها”.
  • غاية المؤسسة التعليمية هي تربية التلاميذ على السلوك القويم وحسن تعليمهم وتثبيت هويتهم الوطنية، وأن هذه الغايات لن تتأثر بوضع غطاء الرأس، كما أنّ ذلك لا يشكّل أي اخلال بالسلوك الحميد الذي ينبغي أن يتحلى به التلاميذ من خلال ارتداء لباس محتشم يليق بوضعيتهم كتلاميذ ولا يعيق سير العمل العادي داخل المؤسسة، خصوصا وأنّ ارتداء غطاء الرأس جاء بالشكل المقبول مجتمعيا، ولا يتضمن أي مساس بالنظام العام، أو الأخلاق الحميدة أو حقوق الآخرين أو حرياتهم الأساسية.
  • منع التلميذة من مواصلة دراستها بسبب وضعها لغطاء الرأس يعدّ “تعديا على حقها الدستوري في التعليم”، كما من شأنه أن يؤدي إلى “الاخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بينها وباقي الأطفال”، خاصة وأنه مرّ على بداية الموسم الدراسي ما يناهز ثلاثة أشهر مما يجعل عنصر الاستعجال قائما لتعلق الأمر بحقّ دستوري وهو حقّ التعليم.

وعليه، أمرت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، باستئناف التلميذة لدراستها بالمؤسسة، تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 2000 درهم، عن كل يوم تأخير عن التنفيذ.

تعليق حول الحكم 

يلاحظ أن الحكم القضائي انتصر لحق الطفلة في متابعة دراستها، بغض النظر عن المبررات التي قدمتها المدرسة المدعى عليها؛

اعتبرت المحكمة أن الاختصاص منعقد للقضاء الاستعجالي لأن الأمر يتعلق بحق دستوري وهو الحق في التعليم، مع ما يفرضه ذلك من ضرورة استحضار الزمن الدراسي؛

ويلاحظ أن الحكم القضائي تفادى مناقشة القضية من منظور ديني، حيث استعمل عبارة غطاء الرأس، ولم يستعمل عبارة “الحجاب الشرعي”، كما أنه اعتبر أن ارتداء هذا اللباس جاء بالشكل المقبول مجتمعيا ولا يعيق سير العمل العادي داخل المؤسسة؛

استند الحكم في تعليله على مبدأ الضرورة كشرط لتقييد بعض الحريات، معتبرا أن وضع غطاء الرأس من طرف تلميذة لا يؤثر على أداء المؤسسة التعليمية لأدوارها، وأن العكس هو الصحيح، إذ أن حرمان التلميذة من التمدرس بهذه العلة من شأنه أن يمس بمبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ.

اعتمد الحكم على مقتضيات الدستور المغربي وبالأخص الفصل 31 منه الذي يكفل الحق في “الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة”، في المقابل لم يستند الحكم على اتفاقية حقوق الطفل، على خلاف عدد من الأوامر الاستعجالية التي صدرت لحماية حق الأطفال في التمدرس. 

 

[1]أمر استعجالي رقم 799، صادر بتاريخ 25/11/2020، في الملف الاستعجالي رقم 767/1101/2020، غير منشور.

 

مواضيع ذات صلة


المحكمة الإدارية التونسية تنهي جدلا طويلا وتكرّس حق المنقّبة في التعليم

انشر المقال



متوفر من خلال:

حريات ، المرصد القضائي ، محاكم مدنية ، قرارات قضائية ، الحق في التعليم ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني