محكمة زغرتا تبطل تحقيقات الضابطة العدلية لعدم إبلاغها المدعى عليه بحقوقه

محكمة زغرتا تبطل تحقيقات الضابطة العدلية لعدم إبلاغها المدعى عليه بحقوقه
رسم رائد شرف

أصدر القاضي المنفرد الجزائي في زغرتا طانيوس الحايك قرارًا في تاريخ 3/4/2024 قضى بقبول الدفع ببطلان إجراءات التحقيق الأوّلي في دعوى معروضة أمامه واعتبار إفادة المدعى عليه في محضر التحقيق لدى مفرزة طرابلس القضائية وكافة إجراءات التحقيق اللاحقة لها باطلة لانتهاك حقوق الدفاع المكفولة بالمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

يعود سبب إبطال التحقيقات الأوّلية إلى أنّ القائم بالتحقيق لدى المفرزة استمع إلى إفادة المدعى عليه من دون أن يسبق ذلك إبلاغه بحقوقه المنصوص عليها في المادة 47، ومن دون أن يُدوّن هذا الإجراء أصولًا في محضر التحقيق. وبعد تقدّم المدّعى عليه بطلب إبطال إفادته استنادًا للبند السابع من المادة 73 من أصول المحاكمات الجزائية، اعتبر القرار أنّ هذه المخالفة تُشكل انتهاكًا للضمانات الأساسية الممنوحة للمدعى عليه في التحقيق الأوّلي لممارسة حق الدفاع وصونًا لسلامته الجسدية والنفسية وعدم تعرّضه للتعذيب. وعليه، خلُص القرار  إلى بطلان الإجراء المعيوب (الإفادة) وكافة الإجراءات اللاحقة له، فلا يعتدّ بها وتعتبر كأنّها لم تكن ولا يمكن للمحكمة الركون إليها عند إصدار الحكم، مضيفًا أنّ هذا الأمر لا يؤدّي إلى إبطال ادّعاء النيابة العامة.

وهذا القرار يستدعي الملاحظات التالية:

  • يعتبر القرار من أوائل القرارات التي ترصدها “المفكرة” والتي توافق فيها المحكمة على إبطال التحقيقات الأوّلية بسبب عدم إبلاغ المدعى عليه بحقوقه، وذلك بعد تعديل المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية بموجب القانون رقم 191/2020 في اتّجاه تعزيز ضمانات الدفاع خلال التحقيقات الأوّلية والذي أجاز للمحاكم صراحة إبطال محضر التحقيقات والإجراءات اللاحقة في حال حصول هذه المخالفة. وعليه، يعيد هذا القرار الاعتبار إلى أهمية تلاوة الحقوق المنصوص عليها في المادة 47، ليس باعتبارها ضمانة لممارسة حق الدفاع بالنسبة إلى المستمع إليه فحسب، بل أيضًا كوسيلة لصون سلامته الجسدية والنفسية وعدم تعرّضه للتعذيب، كما وضمان نزاهة التحقيقات الجزائية وقوّتها الثبوتية.
  • يشكّل هذا القرار رسالة واضحة إلى النيابات العامّة والضابطة العدليّة بكافة أشكالها، بضرورة الالتزام بتطبيق المادة 47، في مسألة تلاوة الحقوق على المستمع إليهم، كما وتمكينهم من ممارسة هذه الحقوق كالحق في إجراء اتصال هاتفي والاستعانة بمحامٍ لحضور التحقيقات (بما فيها محامٍ مكلّف من قبل نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس في حال )، والحق في المعاينة من قبل طبيب شرعي، وتسجيل التحقيقات بالصوت والصورة، بالإضافة إلى حقوق أخرى مكفولة بمواد مختلفة كتلك التي ترعى مدّة التوقيف الاحترازي بإشارة النيابة العامّة. 
  • يُعيد هذا القرار تفعيل البند السابع من المادة 73 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي ينصّ على الدفع ببطلان إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق، والذي قلّما تطبّقه المحاكم رغم المخالفات الجسيمة التي ترتكبها النيابة العامّة والضابطة العدلية في مرحلة التحقيقات الأوّلية والتي غالبًا ما تبقى بمنأى عن أي محاسبة. وفيما لا يؤدّي هذا الدفع إلى ردّ الدعوى بحق المدّعى عليه، إلّا أنّه يسمح بنزع القيمة القانونية للمحضر الرسمي المنظّم من قبل الضابطة العدلية من خلال إبطاله واعتباره كأنّه غير موجود، وتاليًا استبعاد الأدلة التي تكون النيابة العامّة قد استحصلت عليها بشكل مخالف للقانون قبل مباشرة المحاكمة.
  • يسجّل أنّ القرار لم يقض باتخاذ أي إجراء لمحاسبة عناصر المفرزة الذي خالفوا أصول التحقيق، في حين أنّ المادة 47 تنصّ على معاقبة القائم بالتحقيق، سواءً كان من قضاة النيابة العامّة أو من عناصر الضابطة العدلية، بالحبس لمدة قد تصل إلى سنة، بالإضافة إلى العقوبة المسلكية، في حال لم يراع أي من الضمانات الأساسية المذكورة في هذه المادة، وذلك من دون أي إذن مسبق من أي مرجع. وكان قرار سابق للقاضي المنفرد الجزائي في بعبدا، شادي قردوحي، صادر في 25/08/2022 قد قرر إعلان بطلان الإفادة الأوّلية لعاملة منزلية مدعى عليها بالسرقة  بسبب عدم إبلاغها بحقوقها ولوجود عيوب أخرى، كما قرر إبلاغ الحكم إلى النيابة العامّة والمفتشية العامّة في وزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات المناسبة في حق المخالفين من عناصر قوى الأمن الداخلي. وكانت “المفكّرة” قد نشرت في العام 2022 مرافعة نموذجية تتضمن حججاً قانونياً لطلب إبطال التحقيقات الأوّلية مع عاملات المنازل على خلفية مخالفة المادة 47.

يبقى أن نشير إلى أنّه في حين أنّ القرار الحالي أبطل التحقيق لعدم إبلاغ المدعى عليه بحقوقه وعدم تدوين ذلك على محضر التحقيق، إلّا أنّ عددًا كبيرًا من المحاضر التي تنظّمها الضابطة العدلية يُذكر فيها تلاوة هذه الحقوق، ويدوّن ذلك على المحضر أوتوماتيكيًّا من دون أن يحدث ذلك بالفعل أثناء التحقيق. لذلك، فإنّ ضمان حقوق الدفاع والسلامة الجسدية والنفسية للمستمع إليهم أيًّا كانت صفتهم، لا يكتمل إلّا بتطبيق كامل للمادة 47 بجميع بنودها، وبخاصّة لجهة تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة، وبممارسة النيابة العامّة رقابتها المشدّدة على الضابطة العدلية بشأن حسن تطبيق المادة المذكورة كما بتفعيل آليات المحاسبة في حال مخالفتها. ويعود للقضاء الجالس (أي المحاكم) التشدّد في أحكامه في ترتيب النتائج القانونية اللازمة على مخالفات المادة 47 كما حصل في قرار محكمة زغرتا.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني