محكمة بعلبك تتمسّك بإعادة الكشف على المعامل الملوّثة لنهر الليطاني


2021-11-09    |   

محكمة بعلبك تتمسّك بإعادة الكشف على المعامل الملوّثة لنهر الليطاني
مجرى نهر الليطاني الملوث في حوش سنيد (من الأرشيف)

مرّ عامان ونصف منذ عقدت الجلسة الأولى في ملف تلوّث نهر الليطاني أمام القاضية المنفردة الجزائية في بعلبك لميس الحاج دياب وكان عدد الملفّات آنذاك سبعة. وأصدرت القاضية أحكاماً في خمسة منها وتُشارف اليوم على الانتهاء من آخر ملفّيّن الأوّل لمجموعة معامل “المصنع، صدارة، تبارك” لمالكيها من آل الديراني، والثاني لمعمل ألبان لبنان الذي يمثّله في المحكمة المفوّض بالتوقيع مارك واكد.

في الجلسة الأخيرة التي انعقدت يوم الثلاثاء 2 تشرين الأوّل، شدّدت القاضية الحاج دياب على ضرورة التأكّد من صحّة الإجراءات التي اتّخذتها المعامل التي أفادت بالإنتهاء من تركيب محطّات التكرير. وعيّنت في الملفين خبراء جدد أوكلت إليهم مهمّة التوجّه إلى المعامل لأجل الكشف على الإجراءات وأخذ عيّنات من المياه الخارجة من محطّات التكرير وفحصها وتبيان ما إذا كانت مناسبة لرميها في مجرى نهر الليطاني من دون أن تلوثه.

ولفتت القاضية الحاج دياب إلى أنّها منذ أن استلمت ملفات تلوث نهر الليطاني لم يكن هدفها إغلاق المعامل، كونها ترى أنّ المسؤولية مشتركة بين المعامل والإدارات المعنية بالرقابة على عملها. وأوضحت أنّ الهدف اليوم هو التعاون لإجراء الإصلاحات اللازمة لرفع التلوّث عن نهر الليطاني. 

جلسة مجموعة “المصنع، تبارك وصدراة”

وقد برز تقدّم في ملف مجموعة “المصنع، تبارك وصدراة” التي تمثّل بأربعة أشخاص من آل الديراني. وأبرز المدّعى عليهم نتائج عيّنات سُحبت من محطّة التكرير تُظهر أنّ المياه التي تخرج منها نظيفة. وأكّد ممثلو المعمل أنّ هذه العيّنات أُخذت خلال وجود الخبيرة التي عيّنتها المحكمة. لكنّ القاضية أكّدت أنّه لا يمكن اعتماد هذه النتائج إلّا في حال أكّدت الخبيرة على ذلك في تقريرها الذي من المفترض أن تسلّمه للمحكمة قريباً. وأرجأت الجلسة إلى 30 تشرين الثاني إلى حين صدور تقرير الخبيرة، ومع أخذ الملف إلى المرافعة في حال لم يكن هناك أيّ توجّه لدى المتقاضين للتعليق على التقرير. 

جلسة ألبان لبنان

وحضر جلسة “ألبان لبنان”، أكبر المعامل المدّعى عليها في قضيّة تلوث نهر الليطاني، والذي مثل خلال أكثر من عامين في أكثر من عشر جلسات، وكيل الشركة والمفوّض بالتوقيع عنها مارك واكد، والمحامي رامز حمّود، إضافة إلى المحامي علي عطايا، وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني. وشددت القاضية الحاج دياب على استيضاح مسار تكرير المياه الصناعية من ألبان لبنان، وحول ما إذا كان هناك أي نواقص بعد لناحية عمل محطة التكرير، فأوضح حمّود أنّ “مشروع محطّة التكرير انتهى بانتظار أن يأتي المهندس الكندي إلى لبنان التابع للشركة التي تم شراء منها المحطة الذي تأخّرت زيارته بسبب ظروف التعبئة العامّة”. وأشار حمّود إلى دور المهندس الكندي في الإشراف على تركيب جهاز التناضح العكسي ( Reverse Osmosis، RO) الذي من شأنه تنظيف المياه الخارجة من محطة التكرير. وعلى الرغم من أنّه لم يتم الانتهاء من تركيب الجهاز المذكور، إلّا أنّ حمّود اعتبر أن المياه التي تخرج من محطة التكرير اليوم هي مياه نظيفة ولكن المعمل لا يرميها في مجرى النهر بغية الاستفادة منها في التنظيف والرّي، وهي مياه غير صالحة للشرب. وأشار إلى أنّه لا يوجد أي مخارج للمياه الصناعية من المعمل إلى مجرى النهر سوى مخرج لمياه الشتاء. 

فردّت القاضية دياب مشيرة إلى أنّ دور المحكمة هو “التحقّق من أنّ المياه نظيفة وصالحة للرّي”، وعمدت في نهاية الجلسة إلى تكليف خبيرين مهمة الكشف على المعمل وأخذ عيّنات من المحطة. وشدّد عطايا من جهته على ضرورة التأكّد من أنّ المياه التي ستخرج من محطة التكرير هي مياه نظيفة مئة في المئة تفادياً لعدم حدوث ما يستدعي في المستقبل إعادة تحويل المياه إلى مجرى النهر أو أن تختلط هذه المياه مع مياه الشتاء التي لا تزال تخرج من المعمل إلى مجرى النهر. 

وأضاف حمّود أنّ المعمل منذ عام ونصف توقّف عن رمي أي مياه صناعية في مجرى نهر الليطاني، وهو ينهي كافة المتطلّبات التي تحتاجها عملية تكرير المياه الصناعية. وشرح أنّه جرى تغليف الخزّانين المخصّصين لتجميع روث الأبقار بغلاف من الباطون لمنع انتشار الروائح. وشدد كذلك على أنّ ما يقوم به ألبان لبنان هو استكمال لمشروع LEPAP الذي وقّع عليه المعمل في العام 2017، والذي مُنح “ألبان لبنان” بموجبه قرضاً مدعوماً (بقيمة مليوني دولار) في مشروع تعاوني بين وزارة البيئة ومصرف لبنان والبنك الدولي والوكالة الإيطالية للتنمية. 

وقررت القاضية الحاج دياب أن تكلّف الخبيرين كمال سليم وطلال درويش بمهام الكشف على محطة التكرير في مصنع “ألبان لبنان” والتأكّد من كيفية عملها وأخذ عيّنات منها بهدف فحصها وبيان مدى مطابقتها للمعايير العلمية وبخاصّة لناحية مدى صلاحيتها لري المزروعات. كما كلّفت القاضية الخبيرين الكشف على البركتين التي يتجمّع فيهما روث الأبقار والكشف عمّا إذا كانت تنبعث منهما روائح تزيد عن المعدل المسموح به. 

“ألبان لبنان” تتباهى بتنظيف النهر الذي عاد وتلوّث

خلال الجلسة، أبرز حمّود لائحة للمحكمة تتضمن معلومات حول “إقدام إدارة المعمل على تنظيف وتأهيل نحو 6 آلاف كلم مربع من مجرى نهر الليطاني، ابتداءً من مخرج المياه الخاص بالمعمل إلى مجرى نهر الليطاني وعلى امتداد المساحة المذكورة”. ومن جهته، علّق عطايا على اللائحة مشيراً إلى أنّ ما حصل هو تنظيف ولا يمكن اعتباره تأهيلاً، وطلب من المحكمة إمهاله إلى الجلسة المقبلة لأجل اتخاذ الموقف في هذا الشأن. 

 ويُشار إلى أنّ التنظيف المذكور في اللائحة حصل تحت إشراف المصلحة الوطنيّة لنهر الليطاني في تشرين الثاني من العام الفائت، وذلك بعدما استعانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بتعديلات قانون المياه (16 تشرين الأوّل 2020) التي مَنَحت المصلحة صلاحيات الضابطة العدلية، فاتخذت حينها قراراً بإلزام معمل “ألبان لبنان” تنظيف مساحة 6 كلم من مجرى النهر بعدما اتّضح للمصلحة أنّ المجرى ملّوث بروث الأبقار الناتج عن مزرعة الأبقار ومخلفات المعمل التابعة لـ “ألبان لبنان”. فأحالت المصلحة الطلب إلى محافظ بعلبك بشير خضر لتنفيذ طلب تنظيف النهر وقام الأخير بتعميمه على قوى الأمن الداخلي.

وعلى إثر تقديم وكيل “ألبان لبنان” لهذه اللائحة، أبدت القاضية الحاج دياب اهتماماً بمعرفة معلومات إضافيّة حول هذا الإجراء مشيرة إلى أنّه في “الحكم الذي سأصدره من الطبيعي أن نتّجه إلى إلزام المعمل بتنظيف مجرى النهر أسوة بالأحكام الأخرى التي صدرت”. وعليه، شرح حمّود أنّ “المعمل قام بتنفيذ قرار المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تحت إشرافها”، لكنّه عاد وأشار إلى أنّ “الملوّثات التي وجدت في النهر ليست ناتجة عن المعمل وحده بل أيضاً عن مزارع قريبة بالإضافة إلى مجرى الصرف الصحّي التابع لبلدتي شمسطار وطاريا اللّتين لا تزالان حتى اليوم تحوّلان مياه الصرف الصحّي إلى مجرى النهر”. وأوضح حمّود، أنّه من الممكن اليوم في حال حصل كشف جديد أن يظهر تجمّع ملوّثات بعد مسافة 1.5 كلم من المجرى الذي تمّ تنظيفه، وهي المسافة التي تمتدّ من معمل “ألبان لبنان” إلى حد مصب الصرف الصحي الخاص بالبلدتين، وهذه المسافة (1.5 كلم) لا تزال نظيفة لأنّ معمل “ألبان لبنان” توقف منذ سنة ونصف عن رمي أي مياه صناعية في مجرى نهر الليطاني. 

من جهتها، أشارت القاضية الحاج دياب إلى أهمية هذا الموضوع، بخاصّة من ناحية وجود بلديات تصبّ الصرف الصحّي في مجرى نهر الليطاني، فأجاب المحامي علي عطايا أنّه سيدقّق فيما إذا كانت البلديتان موضوع شكوى لدى النائب العام المالي، كون المصلحة الوطنية لنهر الليطاني كانت في وقت سابق قد تقدمت بشكوى تتضمّن أسماء جميع البلديات التي تقوم بتحويل مياه الصرف الصحي إلى مجرى الليطاني. وأشار عطايا لـ “المفكرة” إلى أنّ المسار الذي تتبعه المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في موضوع البلديات مختلف، كون ملفّها مرتبط بمجلس الإنماء والإعمار. وخلال الجلسة، طلب عطايا من المحكمة إمهاله لاتخاذ موقف لناحية موضوع التنظيف الذي قام به معمل “ألبان لبنان”. 

ومن جهة ثانية، كلفت القاضية الخبيرين سليم ودرويش، الكشف على مجرى نهر الليطاني الذي جرى تنظيفه، والتحقّق من وجود أيّ مخرج للمياه في المعمل غير مخرج مياه الشتاء. وأرجأت الجلسة إلى 30 تشرين الثاني. 

ظروف عمل استثنائية في مكتب القاضية

ومن الملفت أنّ القاضية الحاج دياب تعمل اليوم في ظروف غير عادية، من الانقطاع المتواصل للكهرباء وتكدّس الملفّات أمامها واكتظاظ شديد في مكتبها الذي تستخدمه لعقد الجلسات بسبب عدم وجود قوس في قصر العدل في بعلبك. وكان ملف تلوّث نهر الليطاني واجه خلال العامين الأخيرين عراقيل عدّة منعت السير فيه بوتيرة طبيعية علماً أنّ القاضية الحاج دياب كانت تحرص على ألّا تتعدّى المدّة بين كلّ جلسة وأخرى الشهر والنصف، إلّا أنّ المسار القضائي كان لا بد أن يتأثّر بظروف البلاد لجهة تسكير الطرقات خلال التظاهرات (تشرين الأوّل 2019)، بالتزامن مع بدء الأزمة الاقتصاديّة التي رافتقها قيود مصرفية لناحية السحوبات المالية وتحويل الأموال إلى الخارج والتي كانت حجّة استخدمها بعض المدّعى عليهم لتبرير تأخّر تركيب محطّات التكرير. ومن ثم بدأت التعبئة العامّة (آذار 2020) مع انتشار فيروس كورونا ومؤخراً إضراب المحامين الذي استمر من أيّار إلى أيلول 2021. مع ذلك، ختمت القاضية الحاج دياب خمسة ملفات وأصدرت أحكاماً، وعقدت أكثر من عشر جلسات في هذا الملف.  

للاطّلاع على تفاصيل الجلسات السابقة على الروابط التالية:

بعد 6 أشهر ونصف على نيله مليوني دولار لمعالجة النفايات الصناعية: معمل “ليبان ليه” يرمي 200 ألف متر مكعب من الملوثات العادمة في الليطاني

محكمة بعلبك تنذر ألبان لبنان بوجوب معالجة التلوث من دون تأخير: “علينا أن نراعي المصلحة العامة وألا نعطي مهلاً إلى ما لا نهاية”

شركة ألبان لبنان تطلب مهلا جديدة أمام محكمة بعلبك: ومصلحة الليطاني تعارض أي استمهال ضنا بحياة الناس

دعاوى الليطاني تثير أسئلة حول أولوية القيم في بعلبك: ليبان ليه تلوح بصرف عمال والديراني تستخف بصحتهم

ألبان لبنان” تتوّجس من تغطية جلسات المحاكمة: الشركات الملوّثة لنهر الليطانيّ تعدّ الحفاظ على البيئة إعجازا

استكمال الجلسات في دعاوى الليطاني في بعلبك: حجج ومهل إضافيّة تؤخّر وقف التلوّث

استكمال جلسات الليطاني في بعلبك في 20 تموز الجاري

وكيل ليبان ليه يعتمد استراتيجة “الضحية” ضد تهم التلوث: “مؤسسة بترفع الراس وبدهم يدمروها

مئات الأمتار المكعبة من روث أبقار “ألبان لبنان” في نهر الليطاني: علوية يلّوح بمقاضاة الشركة مجدّداً

معركة تطبيق قانون المياه تبدأ من محافظة بعلبك-الهرمل: مصلحة الليطاني تلزم “ألبان لبنان” بتنظيف النهر

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، تحقيقات ، محاكم مدنية ، قرارات قضائية ، لبنان ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني