كتب مختارة: Jonathan M. Metzl, Étouffer la révolte. La psychiatrie contre les Civil Rights, une histoire du contrôle social


2024-02-09    |   

كتب مختارة: Jonathan M. Metzl, Étouffer la révolte. La psychiatrie contre les Civil Rights, une histoire du contrôle social
Editions Autrement, 2020. Traduit de l’anglais: The Protest Psychosis: How Schizophrenia Became a Black Disease”, Beacon Press, 2010.

تُخصّص المفكّرة – تونس في أعداد مجلّتها الفصليّة قسما لتقديم عدد من الكُتب المختارة، نراعي من خلالها تنوّع المواضيع ولغة الكتابة وجدّة الإصدار وراهنيّة الإشكاليات، وذلك بمساهمة من قرّاء وكتّاب متعاونين.

في كتابه “قمع التمرد، الطب النفسي ضد الحقوق المدنية: تاريخ من التحكم الاجتماعي”، يغوص جوناثان متزل، وهو طبيب نفسي وباحث في الأنثروبولوجيا الطبية، في أرشيف مستشفى أيونيا بولاية ميشيغان في شمال الولايات المتحدة، ليرصد تطور تمثلات مرض السكيزوفرينيا أو الفصام واستعمالاته المختلفة في سياق التغيرات الاجتماعية التي عرفها المجتمع الأمريكي مع تطور الحركة النسوية وخصوصا حركة الحقوق المدنيّة للسود.

حسب ميتزل، يظهر تأثّر خطاب الطبّ النفسي الأمريكي بنظريات التفوق العرقي للبيض منذ القرن التاسع العشر، حيث نجد في المجلّات الطبية المرجعيّة آنذاك تشخيصات مرضية من نوع Drapétomanie الذي “يصيب العبيد السود وتتمثل أعراضه في التمرّد ومحاولات الهرب من الأسياد البيض!” ، في حين يشكل مرض dysaesthesia aethiopis نوعا من الجنون “يتمثل في عدم احترام مِلكيّة الأسياد”، ويعتبر “الجَلد بالسياط أحد أنجع الوسائل العلاجية المنصوح بها”. وقد استمر أطباء وأخصائيون نفسيون بارزون حتى مطلع القرن العشرين في تكرار أنّ السود غير مؤهلين نفسيا ليكونوا أحرارا. 

في مطلع القرن الماضي، وقع التخلّي تدريجيا عن مثل هذه التشخيصات الفجّة في عنصريتها، وذلك بالتزامن مع ظهور مصطلحات وتشخيصات جديدة تطمح لأن تكون أكثر صرامة علمية. في هذا السياق صاغ Eugene Bleuler وهو طبيب نفسي سويسري مصطلح السكيزوفرينيا في 1912 للتعبير عن حالة مرضية تجمع بين جملة من الأعراض من قبيل الهلوسات ونوبات الهذيان واضطراب المشاعر وتراجع القدرات الذهنية. ويرجع Bleuler أسباب المرض إلى انقسام في الجهاز النفسي ممّا ينتج أشخاصا لامبالين، انطوائيين وقد يكونون أكثر قدرة على الخلق والإبداع. 

قبل هذا التاريخ كانت أعراض الفصام تُصنف تحت تشخيص آخر وضعه أحد أقطاب الطب النفسي Emil Kraeplein وهو الخرف المبكّر أو Daementia praecox .

الجدل العلمي حول هذين التشخيصيْن وصل إلى الولايات المتحدة مع مطلع عشرينات القرن العشرين. حسب ميتزل، ففي حين لاقت السكيزوفرينيا قبولا رائجا لتوصيف الحالات التي يشخصها الأطباء لدى البيض، فإنّ معظم الأطباء النفسيين واصلوا استعمال تشخيص الخرف المبكر لدى المرضى الذين يعانون بنفس الأعراض، إذ أن الأساس البيولوجي لهذا التشخيص يتقاطع مع تصورات الأطباء الأمريكيين عن دونية بعض الأعراق مثل السود.

هكذا إذًا، يوثّق الكاتب في حقبة أولى تمتدّ من 1920 إلى 1950، حضورا طاغيا للمرأة البيضاء من الطبقة المتوسطة والمثقفين البيض في إحصائيات المرضى الذين يقع تشخيصهم بالفصام. ويُصوّر المرض على كونه اختلالا في المشاعر ناتجا عن حساسية مفرطة للضغط الاجتماعي، تجعل المريض ينقطع عن عالمه المحيط ويعيش بشكل هادئ وسلمي مع تخيلاته وهلوساته.

مع تطور حركة الحقوق المدنية للسود بداية الخمسينات ومع تصاعد نضالاتها وحتى نهاية السبعينات، تتغير الصورة ويصبح الفصامي في تمثلاته النمطية شخصا أسود غاضبا ومتمرّدا يتسم خطابه بهذيان الاضطهاد من قبل البيض، حتى أنّ شركات الأدوية لا تتورع عن استعمال صورة رجل أسود رافعا قبضته على طريق “البلاك باور” black power للترويج لفاعلية أدويتها المهدئة. حتّى أن أحد أعلام الطب النفسي الأمريكي لم يتوارَ عن توصيف الفصام بذهان الاحتجاج (العنوان الأصلي للكتاب بالانجليزية). هذا التكييف الباثولوجي لهؤلاء السود الغاضبين واستعمال تصنيفات الطب النفسي لوصفهم لا يقتصر على المؤسّسة الطبية فحسب، بل يقع استعادته من مناضلي حركة الحقوق المدنية من أمثال مارتن لوثر كينغ ومالكم إكس وغيرهم كدليل على الأثر المدمر لهيمنة البيض على نفسية السود، وفي هذه الحالة يتحول الفصام إلى تمظهر طبيعي ونتيجة حتمية للهيمنة والقهر الذي يخضع له السود.

يتقصّى الكاتب هذه التحولات بالغوص في أرشيف مستشفى ايونيا عبر حالات عيانية لمرضى مرّوا بهذا المستشفى وعبر حوارات مع عاملين سابقين به.

من المهمّ التأكيد على أن الكاتب يتمايز بشكل واضح، عن تيّار معارضة الطب النفسيّ (Courant antipsychiatrique)، فهو لا يعتبر المرض النفسي كوهم أو كخرافة، ويشدّد على وجود أسباب بيولوجية للفصام والذي يصيب 1% من الناس في مختلف المجتمعات. رغم أن المرض يصيب البيض والسود بشكل متساو، فإنّ تمثّلاث المرض واحتمالات التشخيص تخضع لسطوة الخطابات المهينة، بما فيها التحيز المسبق المبني على العرق والنوع الاجتماعي والانتماء الإثني. يدللّ الكاتب على ملاحظته هذه بمقارنة احتمالات التشخيص بالفصام في الولايات المتحدة في وقتنا الحالي، فاحتمال أن يتلقى مريض أسود البشرة تشخيصا بالفصام هي أكبر بـ 4 أضعاف من نظيره أبيض البشرة وهو ما يعتبره كاستمرار لنوع من التمييز العنصري المؤسّسي.

نشر هذا المقال في مجلة المفكرة القانونية- تونس العدد رقم 28
للاطّلاع على العدد بصيغة PDF

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني