قانون حظر تعارض مصالح المسؤولين فى الدولة المصرية مع المصلحة العامة: هل سيكون أداة لتقليص الفساد الحكومي؟ (مقاربة قانونية تقنية)


2013-12-09    |   

قانون حظر تعارض مصالح المسؤولين فى الدولة المصرية مع المصلحة العامة: هل سيكون أداة لتقليص الفساد الحكومي؟ (مقاربة قانونية تقنية)

أصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 106 لسنة 2013 بشأن حظر التعارض بين مصالح المسؤولين فى الدولة والمصالح التى تتعلق بالوظائف التى يشغلونها أو التى تدخل فى اختصاصاتهم الوظيفية. وقد نشر القرار بقانون فى الجريدة الرسمية بتاريخ 13/11/2013 على أن يعمل به بعد شهر من تاريخ نشره، أى اعتبارا من 14/12/2013. جدير بالذكر أن هذا القانون يندرج فى إطار تنفيذ مصر لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بتاريخ 9 ديسمبر 2003، والتي انضمت إليها مصر سنة 2004. وقد حدد القرار بقانون النطاق الشخصى لتطبيقه، وفرض على المسؤول الحكومي التزامات محددة، وحظر عليه بعض التصرفات التى تتعارض مع صفته الوظيفية، كما قرر بعض الأحكام لضمان عدم حدوث التعارض الذي يحظره القانون.       
      
أولا: النطاق الشخصي للقانون:
يقصد به تحديد الأشخاص الذين يخضعون للأحكام الواردة فى القانون. وقد حددت المادة الأولى من القانون هؤلاء الاشخاص على سبيل الحصر، وهم:

1-رئيس الجمهورية،

2-رئيس مجلس الوزراء والوزراء،

3-المحافظون وسكرتيرو عموم المحافظات ورؤساء الوحدات المحلية،

4- رؤساء الهيئات والمؤسسات والمصالح والأجهزة العامة .

5- نواب ومساعدي الأشخاص المذكورين أعلاه، ومن يفوضونهم في بعض اختصاصاتهم.

ويظهر من استعراض هذه الفئات أن أفرادها من الموظفين العموميين طبقا للمفهوم الإداري للموظف العام، سواء كانوا معينين أو منتخبين، وأيا كانت مدة شغلهم لوظائفهم، متى كان ينتظمهم الهيكل الإدارى للمرفق العام الذي يعملون فيه. ولا أهمية لكونهم يخضعون لقانون العاملين المدنيين فى الدولة أو لقوانين خاصة تنظم أوضاعهم الوظيفية، أو كانوا يخضعون لنظام قانونى خاص بالإضافة إلى قانون العاملين المدنيين فى الدولة، وسواء كانوا من المدنيين أو من العسكريين.

ويعد كل واحد من المذكورين فى المادة الأولى مسؤولا حكوميا فى مفهوم المادة الثانية من القانون، التى عرفت المسؤول الحكومى بأنه كل شخص يشغل أحد المناصب أو الوظائف المنصوص عليها بالمادة الأولى من القانون.
 
ثانيا: التزامات المسؤول الحكومى
حددت مواد القانون التزامات المسؤول الحكومى فى حالة قيام إحدى حالات التعارض فى المصالح، سواء كان تعارضا مطلقا أو تعارضا نسبيا. فالتعارض المطلق يتحقق فى كل حالة يترتب عليها ضرر مباشر أو محقق للمصلحة العامة أو الوظيفة العامة. أما التعارض النسبى فيتحقق فى كل حالة يحتمل فيها وقوع ضرر للمصلحة أو الوظيفة العامة.
1- يتعين على المسؤول الحكومى إزالة التعارض المطلق، إما بالتنازل عن المصلحة المادية أو المعنوية المتعارضة مع ما يتطلبه منصبه أو وظيفته من نزاهة واستقلال وحفاظ على المال العام أو عندما تكون سببا للكسب غير المشروع لنفسه أو للشخص المرتبط به(1)، أو ترك المنصب أو الوظيفة العامة. فإذا كان التعارض نسبيا، تعين على المسؤول الحكومى الإفصاح عن هذا التعارض واتخاذ الاجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع ضرر للمصلحة العامة.

2- يتعين على المسؤول الحكومي الاستقالة من عضوية مجالس إدارة الشركات أو المشروعات الخاصة أو من العمل بها فور تعيينه في المنصب أو الوظيفة العامة. فإذا كانت هناك إجراءات لقبول الاستقالة، وجب عليه عدم حضور المجلس أو المشاركة في أنشطة المشروع أو الشركة أو في اتخاذ القرارات الخاصة بها، و عدم قبول أي عائد مادي منها.

3- يلتزم المسؤول الحكومي فور تعيينه في منصبه أو وظيفته باتخاذ الإجراءات اللازمة لفصل ملكيته في أسهم أو حصص الشركات أو المشروعات التجارية عن إدارة أي أسهم أو حصص في هذه الشركات أو المشروعات أو في أي أشكال أخرى للمشاركة في أرباحها، و إلا تعين عليه التصرف في تلك الأسهم أو الحصص طبقاً للسعر العادل، وذلك خلال مدة لا تجاوز شهرين من تعيينه. وإذا كانت ملكية الأسهم والحصص في شركات خاضعة لرقابة المسؤول الحكومي أو تابعة له بشكل مباشر أو غير مباشر، تعين عليه التصرف في ملكيته خلال شهرين من تعيينه أو ترك المنصب أو الوظيفة العامة. ولا تعتبر ملكية العقارات من الأنشطة التجارية، و لو كانت مؤجرة أو مزروعة، مالم يتخذ التعامل فيها شكل الاتجار على وجه الاعتياد. 

4- يلتزم المسؤول الحكومي الذي يزاول نشاطاً مهنياً بمفرده أو بالمشاركة مع الغير قبل تعيينه في منصبه أو وظيفته أن يتخذ فور تعيينه الاجراءات اللازمة لوقف أو تصفية نشاطه أو للتصرف في حصته في النشاط خلال شهرين من تعيينه.
 
5- يجب على المسؤول الحكومى الذي يتعامل مع أشخاص القطاع الخاص بالبيع أو الشراء أو الايجار أو الانتفاع أو التصرف على أي نحو أن يكون تعامله مقابل السعر العادل، و دون الحصول على أية مزايا خاصة أو إضافية سواء بالنسبة للسعر أو مدة السداد أو سعر العائد أو غير ذلك من الشروط.
 
6- يلتزم المسؤول الحكومى بتجنب تعارض المصالح فيما لم يرد ذكره في القانون. وعلى المسؤول إخطار لجنة الوقاية من الفساد فيما يمكن أن يثير الشك أو التساؤل أو الريبة مما لم يرد في هذا القانون من حالات تعارض المصالح.
 
ثالثاً : المحظورات على المسؤول الحكومى:
حظر القانون بعض السلوكيات على المسؤول الحكومى طوال فترة شغله لمنصبه، هذه السلوكيات هي:
1- الشراء بشكل مباشر أو غير مباشر لأسهم أو حصص في شركات أو مشروعات تجارية أو زيادة حصته فيها إلا في حالتين:

الأولى : المشاركة في زيادة رأس مال مشروع يساهم فيه قبل تولى المنصب، بشرط أن تكون الزيادة مطروحة لكافة الشركاء، و ألا تؤدي مشاركته إلى زيادة نسبته في رأس المال.

الثانية: الاكتتاب في صناديق الاستثمار المصرية المطروحة للاكتتاب العام.
 
2- تقديم الخدمات الاستشارية، سواء كانت مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة.
 
3- اقتراض أموال أو الحصول على تسهيل ائتماني أو الشراء بالتقسيط إلا وفقاً لمعدلات و شروط العائد السائدة في السوق و دون الحصول على أية مزايا إضافية، و بشرط إخطار لجنة الوقاية من الفساد. و إذا كانت الجهة مانحة الائتمان تابعة للمسؤول الحكومي أو خاضعة لرقابته، فيحظر عليه التعامل معها و لو كان بالسعر العادل.
 
4- تلقي أو قبول هدايا من أي جهة عامة أو خاصة باستثناء ما يلي :
أ‌- الهدايا الرمزية التى يجرى العرف على تقديمها في الأعياد و المناسبات بقيمة لاتتجاوز ثلاثمائة جنيه. و كان من الواجب تحديد المقصود بالجنيه، هل هو الجنيه المصري أو الجنيه الاسترلينى؟
ب‌- الهدايا التى تقدم من زائرين أو مسؤولين مصريين أو أجانب في مناسبات رسمية، على أن يتم تسليمها لجهة العمل.
 
5- تولي منصب أو وظيفة في القطاع الخاص لدي شركة أو جهة كانت تابعة أو مرتبطة بعمله السابق أو خاضعة لرقابته، أو القيام بأعمال مهنية خاصة ترتبط بها، أو التعامل مع الجهة التى كان يرأسها إلا بعد موافقة لجنة الوقاية من الفساد، و ذلك لمدة ستة أشهر منذ تركه منصبه أو وظيفته. و يحظر عليه الاستثمار في مجالات كانت تابعة له بشكل مباشر أو تقديم الاستشارات لشركات كانت تابعة أو خاضعة لرقابة الجهة التى كان يرأسها. كما يحظر عليه القيام بأي عمل مما يمكن أن يعد استغلالاً للمعلومات التى كان يتيحها منصبه أو وظيفته السابقة.
 
رابعاً: ضمانات عدم تعارض المصالح:
قرر القانون عدداً من الضمانات التى من شأنها أن تحد من تعارض المصالح الخاصة بالمسؤول الحكومى أو المرتبطين به مع المصلحة العامة المكلف بمقتضى منصبه أو وظيفته برعايتها والحفاظ عليها. هذه الضمانات تتمثل فيما يلي :

1- تقديم صورة من إقرار الذمة المالية للمسؤول الحكومي خلال شهر من تعيينه وفقاً للأحكام المقررة في قانون الكسب غير المشروع.

2- إنشاء لجنة تسمى "لجنة الوقاية من الفساد"، يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصاتها قرار من رئيس الجمهورية، يعهد إليها بتطبيق أحكام القانون بما في ذلك تقدير ما يعد تعارضاً مطلقاً أو تعارضاً نسبياً.

3- تقرير عقوبات على مخالفة أحكام قانون منع تعارض المصالح لا تخل بأي عقوبة أشد نص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر. والعقوبة المقررة هى الحبس وحده الأقصى ثلاث سنوات والغرامة التى لا تقل عن العائد الذي تحقق ولا تزيد على ضعفه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وحسناً فعل القانون عندما قرر عدم الاخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين النافذة لجرائم الرشوة والتربح والاستيلاء على المال العام وتسهيل الاستيلاء والاضرار العمدي بأموال ومصالح الدولة وهيئاتها واستغلال النفوذ، لأن بعض الافعال المنصوص عليها في قانون منع تعارض المصالح تشكل جرائم عقوباتها أشد من العقوبات المقررة في هذا القانون.

 وفي جميع الاحوال يحكم برد العائد الذي تحقق بالمخالفة لأحكام قانون منع تعارض المصالح وبالعزل من الوظيفة، وهو عقوبة تكميلية وجوبية، أما الرد فهو جزاء مدني تحكم به المحكمة الجنائية.

ونلاحظ على العقوبات الجنائية المقررة على جريمة تعارض المصالح أنها عقوبات هينة، فالحبس حده الأدنى 24 ساعة. ويعنى ذلك أن القانون اعتبر الجريمة جنحة أياً كان قدر العائد الذي تحقق وجسامة الاخلال بمقتضيات الواجب الوظيفي لمسؤول في الدولة على قدر كبير من الأهمية. كما أن القانون يخير القاضي بين الحبس والغرامة النسبية المقررة، فله أن يجمع بينهما، كما أن له أن يحكم بإحدى هاتين العقوبتين فقط. ولم ينص القانون على عقوبة للشروع في هذه الجريمة، والقاعدة ان الشروع في الجنح لا عقاب عليه إلا إذا نص القانون صراحةً على عقاب الشروع في الجنحة.
 
4- ألزم القانون جميع الخاضعين لأحكامه بتوفيق أوضاعهم وفقاً لاحكامه خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به، سواء من حيث تقديم إقرارات الذمة المالية أو تسوية ممتلكاتهم و أنشطتهم المالية … الخ .
 
ونعتقد أن هذا القانون، إذا طبق على نحو جدي، يمكن أن يكون خطوة على طريق مكافحة الفساد المتفشي في الجهاز الحكومي في مصر. لكن ذلك يتطلب شموله لعدد أكبر من المسؤولين في الدولة، كما يتطلب تشديد العقوبات المقررة لمخالفته. ويلزم لتفعيل القانون مراعاة تمثيل الهيئات الرقابية المالية والادارية والمحاسبية في تشكيل لجنة الوقاية من الفساد، ومنحها السلطات الملائمة لطبيعة عملها في القرار الجمهوري الذي سوف يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصاتها، وذلك حتى لا تكون لجنة الوقاية من الفساد جهة رقابية إضافية تضاف إلى الجهات الموجودة سلفاً، والتي ثبت عجزها عن مكافحة الفساد، فتكون اللجنة الجديدة أداة لتكريس فساد المسؤولين الحكوميين وتقنينه نتيجة المجاملة أو المحسوبية أو الخوف من المسؤول الحكومى الفاسد.

كذلك يعد هذا القانون خطوة على طريق تحسين مركز مصر على مؤشر الشفافية الدولية، حيث تحتل المركز 114 في مؤشر منظمة الشفافية العالمية لقياس الفساد في 177 دولة في العالم خلال عام 2013، وهو المركز ذاته الذي احتلته في العام الماضي. وجاء في التقرير السنوى الذي نشرته المنظمة مؤخراً، تحت عنوان "مؤشرات مكافحة الفساد 2013"، أن السلطات في مصر لم تحسن الاجراءات التى تتخذها في إطار مكافحة الفساد، ونزاهة واستقلال القضاء، وتشريع القوانين. و نحذر في هذا الخصوص من أن العبرة في مكافحة الفساد ليست فقط بتشريع القوانين، لكن أيضاً بتفعيلها و تنفيذها فى حق كافة المسؤولين من دون استثناء أو وساطة أو مجاملة أو خوف.
 
 
(1)عرف القانون الشخص المرتبط بأنه كل شخص تربطه بالمسؤول الحكومى صلة قرابة حتى الدرجة الرابعة، و الشركات التى يساهمون فيها أو يديرونها.
                                            

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني