قانون المنافسة، واجهة جديدة لواقع ليس كذلك


2022-02-07    |   

قانون المنافسة، واجهة جديدة لواقع ليس كذلك
رسم عثمان سلمي

ما قيمة التشريع إذا كان تنفيذه، في الواقع، معطَّلاً؟ وما قيمة فقه قضاء مجلس المنافسة إذا كانت أحكامه، في معظم الأحيان، لا تُنفَّذ؟

حسب الإحصاءات المتوفّرة، أصدر مجلس المنافسة، بين 1991 و2019، 111 قرار إدانة، تضمّنت خطايا يبلغ مجموع قيمتها نحو 35 مليون دينار، أكثر من نصفها ناتج عن خطايا سُلِّطت خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ضعف قيمة الخطايا نتيجة طبيعية لمحدوديّة تدخّلات المجلس، كمّياً، وسقف الخطايا الذي يضعه القانون، وهو 10% من رقم معاملات المؤسّسة المُخالِفة السنوي في السوق الداخلية، أو 100 ألف دينار لمَن ليس لديه رقم معاملات. لكنّ هذا السقف ليس استثناءً تونسياً، إذ نجد قواعد مماثلة في القانون المقارَن، وهي تهدف إلى تجنّب تهديد ديمومة المؤسّسات الاقتصادية بشكل قد يؤدّي، عكسياً، إلى التقليص من المنافسة، وإلى ضمان قدرة المؤسّسات على دفع الخطايا فعلياً.

لكنّ الإشكال، في تونس، هو أنّ الخطايا تكاد لا تُستخلَص إلّا استثناءً. إذ لا تتجاوز نسبة المبالغ المستخلَصة من مجموع قيمة الخطايا، إلى حدود سنة 2019، 13% أي 4.5 مليون دينار. يُرجِع القاضي الإداري وعضو مجلس المنافسة محمّد العيادي، في مداخلة حول الموضوع، ضعف التنفيذ إلى أمور عديدة، أبرزها غموض النصّ القانوني في هذا المجال. إذ ينصّ الفصل 44 من قانون إعادة تنظيم المنافسة والأسعار الصادر سنة 2015 (في صياغة لا تختلف كثيراً عن الفصل 36 من قانون 1991)، على أنّ وزير التجارة يتولّى “بالتعاون مع الجهات المختصّة، اتّخاذ الإجراءات الضرورية لمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة ضدّ المخالفين والمتعلّقة بالأوامر الموجّهة لهم لإنهاء الممارسات المخلّة بالمنافسة أو الغلق المؤقّت للمحلّات موضوع المخالفات المرتكبة ولدفع الخطايا المستوجبة”. يؤوّل مجلس المنافسة هذا الفصل بأنّه يسند مسؤوليّة التنفيذ بأكملها إلى وزير التجارة، بخاصّة أنّ القانون يعطيه صلاحيّات الضابطة العدلية، في حين يقتصر دور المجلس على إكساء القرار صبغة تنفيذية، وإرسال نسخة منه إلى الوزير. أمّا مصالح وزارة التجارة، فتتحجَّح تارة بأنّ “متابعة التنفيذ” لا تعني المسؤوليّة عن التنفيذ، وطوراً بأنّ صلاحيّاتها حسب الفصل ذاته تقتصر على الأحكام الصادرة مباشرة عن مجلس المنافسة، بما يقصي القرارات الاستئنافية والتعقيبية الصادرة عن المحكمة الإدارية. وبما أنّ لجوء الشركات المُدانة إلى الاستئناف يكاد يكون آلياً، فلا يتمّ تنفيذ القرارات التي تؤكّد فيها المحكمة الإدارية الإدانة.وما يضمن عدم تنفيذ هذه القرارات، هو أنّ كتابة المحكمة الإدارية لا تسلّم نسخة تنفيذية إلى وزير التجارة طالما لم يكن طرفاً في القضيّة، وهو حال ثلثَيْ قضايا المنافسة تقريباً. بل إنّ الأحكام الصادرة عن مجلس المنافسة، التي لا يقع استئنافها، يتعطّل تنفيذها هي الأخرى، بسبب امتناع كتابة المحكمة الإدارية عن تسليم شهادة في عدم الاستئناف، طالما لم يقع الاستظهار بما يفيد تبليغ قرار المجلس إلى الأطراف المعنيّة به بموجب عدل تنفيذ. والحال أنّ مجلس المنافسة يعتمد الطريقة الإدارية لتبليغ قراراته، وذلك حتّى قبل أن يتيح قانون 2015 ذلك. تتضافر هذه العوامل القانونية والإجرائية جميعها لتجعل تنفيذ القرارات في مجال المنافسة الاستثناء لا القاعدة. لكنّ تقاعس السلطة عن حلّ هذه الإشكاليّات منذ ثلاثة عقود، رغم سهولة ذلك، يوحي بأنّ الأمر لا يتعلّق بسهو، بل قد يرقى إلى مرحلة التواطؤ. أي أنّ قانون المنافسة ربّما لم يشرَّع لكي ينفَّذ، وإنّما ليكون واجهة جميلة تُصدَّر إلى الشركاء الدوليين، في حين تواصل الكارتيلات الاقتصادية في الواقع اتّفاقاتها، والشركات المهيمنة على سوق ما استغلال مركزها لخنق أيّ منافس جديد.

نشرت هذه المقالة في العدد 24 من مجلة المفكرة القانونية – تونس: الريع المُخضرم مرفقة بمقالة “إشكالات قضاء المنافسة: مجلس المنافسة نموذجا”


1 حسب أرقام نشرها القاضي محمد العيادي عضو مجلس المنافسة.

2 محمد العيادي، “إشكاليات تنفيذ أحكام مجلس المنافسة”، نشر في أسماء بن عبد الله (إشراف)، أعمال ملتقى علمي تحت عنوان منازعات المنافسة والأسعار، ص. 188 وما بعدها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، تونس ، اقتصاد وصناعة وزراعة ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني