في قرار تتفرد “المفكرة” في نشره: المحكمة الإدارية تنقض حصانة مراسيم سعيّد


2022-03-26    |   

في قرار تتفرد “المفكرة” في نشره: المحكمة الإدارية تنقض حصانة مراسيم سعيّد

في قرار صدر عنه بتاريخ 23-03-2022 في مادة إيقاف التنفيذ، أعلن القاضي أحمد سهيل الراعي رئيس الدائرة الابتدائية الجهوية للمحكمة الإدارية بالمنستير أن تحصين الفصل السابع من الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية من دعاوى الإلغاء لا يمنع القاضي من بسط رقابة دفع على أحكامها تتيح له عدم اعتماد ما يتعارض منها مع أحكام الدستور فيما يعرض عليه من منازعات.

وقد اعتبر القرار القضائي أنّ إيقاف موظّفة عن عملها لعدم استظهارها بجواز التلقيح الخاصّ بفيروس الكورونا يمسّ بحقوقها بدعوى حماية الصحة العامة من دون مراعاة لمبدأ التناسب بين القيد على الحقّ والحاجة لذلك الذي يرسيه الفصل 49 من الدستور. وقد تابع القرار أن الفصل 6[1] من المرسوم عدد 01 لسنة 2021 الذي نظم الجواز المذكور[2] واستندت إليه الجهة الإدارية في قرارها المطلوب إيقاف تنفيذه “لا يعكس مراعاة التناسب بين عدم استظهار العون العموميّ بجواز التلقيح والجزاء الذي يقع تحت طائلته ضرورة أنه يفضي الى تعليق مباشرة العون المعني لعمله دون توخي سبيل التدرج بانتهاج غير ذلك من التدابير مما دونه وطأة…” ويعلن بالتالي استبعاد تطبيقه لعدم دستوريته.

هذا القرار يستتبع الملاحظات الآتية:

أولا: إنّه ينقض عدم قابلية مراسيم الرئيس لأي رقابة قضائية

أكد القرار على أحقية القضاء في رقابة دفع بعدم دستورية مراسيم الرئيس قيس سعيد خلافا لما جاء في الأمر الرئاسي الذي جعلها محصنة حيال أي رقابة قضائية[3]. وهو يؤسّس بالتالي نظريا لتقاضٍ دستوري ضدّ مراسيم الرئيس أمام المحكمة الإدارية. ولإدراك أهمية ذلك، يجدر التذكير بأن الرئيس كان تولّى تعطيل تركيز المحكمة الدستورية قبل 25 جويلية وحلّ الهيئة الوقتية لرقابة دستورية مشاريع القوانين.

ثانيا: إنّه تفعيل هامّ لمبدأيْ التناسب والضرورة (الفصل 49)

شكل القرار تطبيقا هامّا ونادرا للفصل 49 من الدستور التونسي الذي يُرسي مبدأيْ التّناسب والضرورة عند تقييم أي تدبير من شأنه المسّ بالحقوق والحريات. ومن شأن تفعيل هذا النصّ في موازاة بسط رقابة المحكمة الدستورية على مراسيم سعيّد أن يشكل ضابطا بالغ الأهمية في ظلّ انهيار أغلب الضوابط المؤسساتية وغير المؤسساتية الأخرى.

ثالثا: إنّه يكشف عن جرأة  قضائية في حماية القيم الدستورية

فضلا عما تقدّم، يعكس القرار جرأة قضائية استثنائية في زمن استولتْ فيه السلطة السياسية على المؤسسات الضامنة لاستقلالية القضاء وعملتْ على استضعاف القضاة وصناعة الهشاشة لديهم، بما يؤكد مجددا حاجة تونس لشجاعة قضاتها في الدفاع عن قيم وظيفتهم وعن التصور الجديد لوظيفتهم والقائم على حماية الحقوق والحريات.

رابعا: إنه يشكل إجابة على سؤال يطرح عالميا حول سبل مكافحة الجائحة

أخيرا، يعبّر هذا القرار عن موقف قضائي في تونس بشأن مسألة تطرح في أكثر من دولة بشأن حدود السلطة في تقييد الحريات في إطار مكافحة جائحة كورونا. وكانت المفكرة القانونية نشرتْ بعيْد صدور المرسوم الرئاسي المتصل بجواز التلقيح مقالا ناقشت فيه مخاطره على صعيد المس بالحريات المضمونة دستوريا. كما كانت علّقتْ من قبل على أحكام صدرت عن عدد من القضاة أدّت إلى الحدّ من غلواء مكافحة الوباء بما يتعارض مع مبدأي التناسب والضرورة في تقييد الحريات.

واذ تنشر المفكرة هذا القرار القضائي الهامّ لتُمكّن قرّاءها من الاطلاع والتعليق عليه، فإنها تأمل في أن تعقبه أحكام وقرارات قضائية بذات قيمه المنتصرة للقضاء السلطة[4] ليكون دوما وفي كل الحالات القاضي هو الحامي للحقوق والحريات.

لتحميل القرار


[1]  الفصل 6 ينص على أنه “يترتّب عن عدم الاستظهار بجواز التلقيح تعليق مباشرة العمل بالنسبة إلى أعوان الدولة والجماعات المحلية والهيئات والمنشآت والمؤسسات العمومية وتعليق عقد الشغل بالنسبة إلى أجراء القطاع الخاص، وذلك إلى حين الإدلاء بالجواز. وتكون فترة تعليق مباشرة العمل أو عقد الشغل غير خالصة الأجر”.
[2] مرسوم عدد 1 لسنة 2021 مؤرخ في 22 أكتوبر 2021 يتعلّق بجواز التلقيح الخاص بفيروس “سارس كوف – 2”
[3] سبق لمحكمة الاستئناف بتونس في قرار صدر عنها بتاريخ 05-02-2013 أن اعتبرت أن الحقوق والحريات الأساسية فوق دستورية وبالتالي فخرقها ولو في غياب نص دستوري يعيب التشريع للاطلاع على هذا القرار انقر هنا.  
[4]  ينفي الرئيس سعيد عن القضاء صفة السلطة ويروج لفكرة الوظيفة التي تمارس في إطار الدولة وفي التزام بسياستها
انشر المقال



متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، الحق في الصحة ، تونس ، حقوق العمال والنقابات ، جائحة كورونا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني