طالبة لجوء كينيّة تواجه خطر الترحيل


2022-08-15    |   

طالبة لجوء كينيّة تواجه خطر الترحيل
الصورة من موقع حركة مناهضة العنصرية في لبنان

يحتجز الأمن العام اللبناني منذ قرابة خمسة أشهر العاملة الكينيّة المهاجرة ن. م.، وهي طالبة لجوء لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وواحدة من العاملات اللواتي شاركن خلال العام الحالي في الاعتصامات أمام القنصليّة الكينية في بدارو للمطالبة بجملة من الحقوق من بينها تسوية أوضاعهنّ القانونيّة وتحصيل أوراق سماح للسفر.

وكان الأمن العام قد برّر توقيفها للاشتباه بها في ملف تبيّن أنّها بريئة منه لكنّه استمر بتوقيفها مبرراً الأمر بـ “مخالفة نظام الإقامة”، وسط شبهات بتعرّضها للتعذيب خلال التحقيقات الأوّلية. ولكن هذه التبريرات لم تقتنع حركة مناهضة العنصريّة التي تتابع وضع ن. م.، بخاصّة وأنّها وثقت محاولة عناصره ترحيل العاملة قبل أيّام عبر مطار بيروت. وما يزيد من المخاوف هو اتجاه الأمن العام في السابق إلى ترحيل العاملات المهاجرات اللواتي ينشطن للمطالبة بحقوقهن في ظلّ إخضاعهنّ لنظام الكفالة الاستغلالي.

تشير الحركة إلى أنّ ن. م. أتت إلى لبنان في العام 2015 وعادت إلى كينيا عام 2020 وهناك تعرّضت للضرب والتهديد من قبل أفراد من عائلتها ممّا دفعها إلى العودة إلى لبنان في وقت لاحق من العام نفسه. في نيسان، بعد توقيفها، تقدمت ن. م. لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بطلب لجوء في 15 نيسان بهدف إيجاد موطن جديد آمن لها، وفتحت لها المفوضية ملفاً في 7 تموز ولا يزال طلبها قيد الدراسة. وعليه، تجد الحركة أنّ الاستمرار بتوقيف طالبة لجوء ومحاولة ترحيلها إلى كينيا يتعارض مع القانون الدولي. والوقائع هذه بالنسبة لمسؤولة المناصرة والتواصل في حركة مناهضة العنصريّة فرح البابا هي “أدلة تعزز الاشتباه بوجود علاقة بين مشاركة ن. م. في الاعتصامات التي حصلت أمام القنصليّة وتوقيفها لدى الأمن العام”. 

القضيّة بالتسلسل الزمني

تروي حركة مناهضة العنصريّة أنّ الشابّة تعرّضت للتوقيف لدى الأمن العام اللبناني في 5 نيسان بسبب الاشتباه بأمر تبيّن لاحقاً أنّها بريئة منه وتم إسقاط هذه التهمة عنها، لكن بدل الإفراج عنها استمرّ الأمن العام باحتجازها إدارياً بسبب “مخالفة نظام الإقامة”. بعد توقيفها، استنتجت حركة مناهضة العنصريّة أنّ ترحيلها إلى كينيا هو أمر شبه حتمي، إذ تجري العادة ترحيل العاملات في هكذا ظروف. وعليه، تقدّمت الحركة بطلب استرحام لدى الأمن العام طالبة إعادة النظر بوضعها القانوني ووقف إجراءات الترحيل، ووافق الأمن العام على ذلك.

وفي 3 آب فوجئ الوكيل القانوني للعاملة الموقوفة باتصال منها من مكان احتجازها تخبره فيه أنّه تمّ إجبارها على الخضوع لفحص “بي سي آر” وهو ما أثار الشكوك لدى الوكيل بأنّ الفحص جرى تمهيداً لترحيلها. وتلفت الحركة إلى أنّه “حين تواصلنا مع الأمن العام للاستيضاح قيل لنا أنّ الفحص أُجري بهدف الوقاية من فيروس كورونا”. وفي اليوم التالي، أيّ الرابع من آب، اتصلت العاملة بوكيلها وأخبرته أنّه جرى نقلها قسراً إلى المطار فتوجّهت مسؤولة الحالة في الحركة مباشرة إلى المطار وبالتوازي تواصلت حركة مناهضة العنصرية بالأمن العام لمعرفة صحة نقل العاملة ن. م. إلى المطار، فتمّ إعلامهم من الأمن العام أنّ العاملة في مركز الاحتجاز ولم يتم نقلها إلى المطار. وعلى الرغم من ذلك، تبيّن لمسؤولة الحالة التي انتقلت إلى مطار بيروت أنّ العاملة الكينية هناك مع عناصر الأمن العام وتمكّنت من ردع ترحيلها من خلال إحداث ضجّة كما ومقاومة العاملة للعناصر فأُعيدت إلى مركز الاحتجاز لدى الأمن العام.

بحسب فرح البابا، فإنّه من المستبعد أن يصدر الأمن العام مرّتين قرارات ترحيل بحق شخص واحد، لذا يتّضح أنّ قرار الترحيل الأوّل الذي وعد الأمن العام الحركة بإلغائه، لا يزال ساري المفعول. علماً أنّ وكيل ن. م. قد تواصل عدّة مرّات مع الأمن العام للاستيضاح حول وجود قرار ترحيل جديد فكان الجواب هو أنّه لا يوجد أي قرار مشابه.

شبهات تعذيب

ونقلت العاملة لوكيلها القانوني أنّها خلال التحقيقات الأوّلية لدى الأمن العام تعرّضت للتعذيب والعنف الجسدي مما أدى إلى إصابتها بالدوار وفقدان الوعي مرات عدة وكسر ساقها أثناء الاحتجاز. وحُرمت من الحصول على الرعاية الطبية والأدوية، في ما يشكّل انتهاكاً واضحاً لحقوقها بموجب المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنصّ على أنّه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”. كذلك قد يعتبر انتهاكاً للاتفاقيّات التي وقع عليها لبنان بهذا الشأن، من بينها اتفاقيّة مناهضة التعذيب. كما أنّ الإبقاء على احتجازها يخالف القانون الدولي، بحسب فرح البابا، ومذكرة التفاهم بين مفوضية اللاجئين والأمن العام المتّصلة بأوضاع المتقدّمين بطلبات اللجوء لدى المفوضيّة.

وبالنسبة للقوانين المحليّة، تعتبر الحركة أنّ الأمن العام قد خالف القانون رقم 65/2017 المتعلّق بـ معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما وأصول المحاكمات  الجزائية  بما يتعلق بمدة التوقيف والحق بالزيارات وباتصال هاتفي للموقوفين.

وقد رفض الأمن العام طلب وكيل العاملة تصحيح وضعها القانوني عبر الموافقة على كفالة جديدة لها مشيراً إلى “شكوك بأنّها كفالة وهميّة”، دائماً بحسب حركة مناهضة العنصرية.

قرار الترحيل “خفي” خلال أسبوعين

قبل أيّام  حينما عادت ن. م. من المطار بعد فشل محاولة ترحيلها اتصلت بوكيلها وأعلمته أنّ عناصر الأمن العام أخبروها بأنّ أمامها أسبوعين لترحيلها، وهذا ما يؤشر بالنسبة للحركة إلى وجود تذكرة سفر تم شراؤها وتنتهي صلاحيتها خلال أسبوعين. ولم تتمكّن الحركة من معرفة الجهة التي اشترت تذكرة السفر، علماً أنّ الأمن العام لا يشتري التذكرة بل غالباً ما تتبرّع منظمات بشرائها بموافقة الشخص المعني بالترحيل. ولفتت حركة مناهضة العنصريّة إلى أنّ “الحركة أجرت اتصالات مع جميع المنظمات التي تقوم بشراء تذاكر السفر بهدف تسفير أجانب من لبنان وجميعها أنكرت شراء أي تذكرة سفر للشابّة، فيما صرّحت واحدة من المنظمات أنّ الأمن العام تواصل معها بهدف دفع ثمن تذكرة سفر لعاملة كينيّة لكنّ المنظمة المعنية لم تتجاوب”.

تعتبر حركة مناهضة العنصريّة أنّ الأمن العام يتكتّم على الوضع القانوني للشابّة الكينيّة، حتى بمراجعات المحامي المتكررة. وتشير الحركة إلى أنّه منذ 5 آب تمتنع المديريّة العامّة للأمن العام عن التجاوب بشأن ن. م.، ولم يستطع وكيلها القانوني من الحصول على أي معلومات بشأنها كما مُنع أخصائي الحالة لدى حركة مناهضة العنصريّة من مقابلتها.

وحاولت “المفكرة القانونية” التواصل مع الأمن العام ولكن لم يردّوا على اتصالاتنا. كما تحفّظت المفوضية على إعطاء معلومات عن ملفّ العاملة حفاظاً على خصوصيّة وضعها ولحمايتها.

تعليق من مساعد القنصل الكيني 

من جهته، يؤكد مساعد القنصل الفخري لقنصليّة كينيا في لبنان قاسم جابر أنّ “القنصليّة لم يردها أي رسالة من الأمن العام اللبناني بشأن ن.م.، وأنّ أحد موظفي القنصليّة علم بشأنها صدفة من قبل موقوفات كينيّات”. ويضيف: “حين حاول الموظف التواصل معها علم من زميلاتها في مكان الاحتجاز أنّها لا تريد تدخل القنصلية”، علماً أنها قد تقدّمت بطلب لجوء ومن جهة ثانيّة، نفى جابر أن يكون قد تواصل معها بشكل شخصي أو قد تكفّلت القنصلية بأي تكاليف لدفع ثمن تذكرة السفر. وشرح أنّ القنصليّة “تحت أي قرار يتخذه الأمن العام بشكل عام، نحن ننفذ تعليماته وقراراته من دون اعتراض حتى لو كان رأينا مغايراً لهذه القرارات”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

احتجاز وتعذيب ، تحقيقات ، أجهزة أمنية ، سلطات إدارية ، منظمات دولية ، حرية التنقل ، الحق في الحياة ، فئات مهمشة ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني