شهر على فقدان قارب هجرة غير نظامية في المتوسط: 85 عائلة معظمها سورية تنتظر..


2024-01-09    |   

شهر على فقدان قارب هجرة غير نظامية في المتوسط: 85 عائلة معظمها سورية تنتظر..

تعيش 85 عائلة سورية ولبنانية حالة من القلق على مصير أبنائها الذين انقطع الاتصال بهم بعد فترة قصيرة من انطلاق رحلتهم إلى قبرص على متن أحد قوارب الهجرة غير النظامية. ففي 12 كانون الأول 2023، انطلقت 4 قوارب من قبالة أحد الشواطئ في شمال لبنان. وحسب المحامي محمد صبلوح مدير مركز سيدار للدراسات القانونية، وصلت 3 قوارب منها إلى قبرص، فيما لا تبذل جهود لجلاء مصير القارب الرابع الذي “يُعتقد أنّه ضلّ طريقه في البحر المتوسط”. ويشير صبلوح إلى أنّ المركز يبذل مجهودًا مع المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة (فرع قبرص) لتحديد مصيرهم. وتمكّن من توثيق أسماء 75 راكبًا، أغلبيتهم من السوريين، وفلسطيني واحد يتحدّر من طبريا، فيما يُعتقد أنّ القبطان لبنانيّ.

وفي الانتظار، يعيش الأهالي حالة من اللايقين، بين قلق من احتمال غرق القارب، ورجاء بسبب أخبار غير مؤكدة تردهم بأنّهم قد ضلّوا طريقهم، وتم إيقافهم من قبل خفر السواحل القبرصي واقتيدوا إلى أحد مراكز الاعتقال هناك. ويتمنّى بكر (قريب أحد الركاب) “أن يكونوا معتقلين، وليس مهمًّا محاكمتهم أو إعادتهم إلى بلادهم، ولكن المهم أن يكونوا أحياء”. 

المصير المجهول 

يتحدّر ركّاب المركب من مناطق مختلفة في سوريا، وتشير عملية التوثيق التي قام بها مركز سيدار، إلى أنّهم من درعا، إدلب، حمص، حماة، حلب وريفها، ريف دمشق، الحسكة، والقنيطرة. وصل البعض منهم على عجل من خلال المعابر غير الشرعية الممتدة على الحدود الشمالية اللبنانية، فيما البعض الآخر، من المقيمين في لبنان. تعيش عائلة قبلاوي المقيمة في طرابلس حالة من الصدمة بفعل انقطاع الاتصال مع ثلاثة من أبنائها، حاولوا الهجرة إلى أوروبا من خلال القوارب غير النظامية. يؤكد محمود قبلاوي انقطاع الاتصال مع ابنه الأصغر محمد، البالغ من العمر 18 عامًا والذي سافر على متن المركب الضائع برفقة أقارب له، وعشرة من أبناء منطقته. و”تعيش العائلة ظروفًا صعبة في لبنان على غرار كافة الشعب اللبناني والمقيمين في البلاد”، فقد “كان الشاب يعمل مع أهله في بيع الخضار، ولكن الظروف تبدّلت واضطرّته إلى الهجرة سعيًا إلى تأسيس حياة جديدة، وتحسين أوضاعه الشخصية، وحال عائلته”. يعوّل الأب على بعض الجهود التي تبذلها الجهات الحقوقية، مشيرًا إلى تلقّيه اتصالًا من المفوضية العليا للاجئين من أجل التأكد من خبر رحيل محمد، وطرح أسئلة عن بعض التفاصيل حول الرحلة، وآخر اتصال بين العائلة وابنها. 

تؤكّد عائلة قبلاوي أنّ آخر تواصل مع ابنها كان عند خروجه من المنزل، فيما تمكّنت عائلات أخرى من التواصل مع أبنائها، حيث تلقّت رسائل صوتية تفيد بانطلاق المركب نحو قبرص. وعبّر الركاب حينها عن أملهم ببلوغ الشاطئ ظهيرة الثاني عشر من كانون الأوّل الماضي. فيما أشار أحد الركاب إلى اضطرارهم إلى إزالة الشرائح اللبنانية، ووقف التواصل مع عوائلهم بناء لطلب المهرّب كي لا يتمّ التقاط إشارتهم من قبل الأجهزة الأمنية وخفر السواحل. تضمّنت التسجيلات بعض الوعود، وطلب من الأهل الانتباه على أبنائهم، والدعاء. لكن المؤشر الأوضح حول وضع الرحلة، كان الفيديو الذي يُظهر عددًا كبيرًا من الركاب على متن قارب صيد، يجلسون متلاصقين. فيما زنّر البعض منهم نفسه بأطواق النجاة تحسّبًا لأي طارئ. 

الهجرة حتمًا 

تشي روايات الأهالي بإصرار أبنائهم على الهروب من الواقع السيّئ الذي بلغته سوريا. يروي الشاب ضيا  أنّ عمّه وجدي المهاجر على متن القارب الضائع، عاد إلى لبنان عبر أحد المعابر غير الشرعية، وذلك بعد أن أحبط الجيش اللبناني قبل أسبوع رحلة سابقة كان على متنها (في 4 كانون الأول)، وقام بتوقيفهم، وإعادتهم إلى سوريا. وجاء إصراره بسبب الأوضاع الاقتصادية المزرية هناك، و”هو كان يعمل سابقًا في لبنان، ولكنه عاد قبل عامين إلى سوريا، ليكتشف أنّ الأوضاع بائسة”، “لذلك بدأ رحلة البحث عن أي طريقة للخلاص، والهروب بغية تأسيس واقع جديد، لعلَه يتمكّن من جمع القليل من المال، وتأسيس شغل وعائلة”. يؤكد الشاب (المقيم في قبرص)، أنّه “لم يكن هناك أيّ تواصل مع عمّه. ولكنّه فوجئ عندما تلقّى اتصالًا من العائلة لإبلاغه بأنّ عمّه على متن رحلة متّجهة إلى هناك، ومطالبتهم له بالبحث عنه”، ليكتشف الشاب عبر الإعلام المحلي أنّ هناك قوارب جديدة وصلت إلى قبرص. ولكن عمّه لم يكن على متنها بعد مراجعة البيانات من خلال إحدى الصديقات الحقوقيات. يأمل الشاب جلاء مصير ركاب القارب، لأنّ “ذلك من شأنه إراحة قلوب الأهالي”. 

جهود حثيثة 

مع مرور الأيام، بدأت تتكشف حقيقة الوضع. يقول المحامي صبلوح: “تلقّينا اتصالات من جهات مختلفة تسألنا عن قارب ضائع في المتوسط”، وهذا الأمر قاد إلى محاولة التحقق من مصيرهم، ولكن لعبت عطلة الأعياد ضد إرادة الأهالي والفريق القانوني. ويتابع: “تأكدنا من الأهالي بانطلاق 4 قوارب، ووصول ثلاثة منها، فيما بقي مصير الرابع مجهولًا”. قام المركز على الأثر بنشر رقم خاص، لتلقّي اتصال الأهالي، وتمكّن من إعداد قائمة بيانات خاصة بـ 75 راكبًا على الأقل. في موازاة ذلك، بدأ مسارًا قانونيًا داخل لبنان وخارجه. في لبنان، تقدّم بإخبار لدى النيابة العامّة التمييزية لأنّ المركب انطلق من لبنان، وقد أحيل إلى فرع معلومات الشمال للتحقيق، بالإضافة إلى كتاب لوزارة الخارجية اللبنانية. كما راسل مركز سيدار فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري ناهيك عن “التواصل مع المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة فرع لبنان للتأكد من الأخبار عن وجودهم في قبرص، فقامت الأخيرة بمراسلة فروعها في قبرص اليونانية، وقبرص التركية، والقاعدة البريطانية المتواجدة هناك، للسؤال عن الأسماء الواردة في القائمة” التي أعدّها المركز. ويتحدث صبلوح عن “إجراءات بطيئة تحتاج إلى تسريع لأنّ الأهالي يعيشون في أسوأ حالاتهم حيث تتقاذفهم الأخبار حتى أنّ البعض أخبرهم بأنّهم معتقلون في قبرص من دون إمكانية تأكيد ذلك”، مشددًا “نحن أمام 85 إنسانًا لا يمكن تركهم يواجهون مصيرهم وحيدين”. 

تهريب الأشخاص مستمر 

تستمر عمليات الهجرة غير النظامية عبر لبنان، حيث يدخل أغلبية المهاجرين خلسة إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية، قبل تجميعهم في أماكن خاصة من قبل المهرّبين بانتظار ساعة الصفر حسب تأكيدات بعض الأهالي. وتتجه الرحلات الشتوية نحو قبرص لقرب المسافة المكانية والزمنية، وتجنّبًا لمخاطر الاتجاه نحو إيطاليا البعيدة ومواجهة احتمالات المنخفضات الجوية. في موازاة ذلك، أكد الجيش اللبناني “إحباط تسلل نحو 700 سوري” خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر كانون الأول، و”أوقف حاجز شدرا – عكار 9 سوريين كانوا قد تسلّلوا إلى الأراضي اللبنانية داخل صهريج معد لنقل الغاز”. كما نجح في ضبط محاولتي تهريب للركاب، الأولى، في 17 كانون الأول، على متنها 51 راكبًا، 49 سوريًا، وراكبين فلسطينيين، والثانية في 26 كانون الأول، لقارب كان على متنه 54 راكبًا من التابعية السوري. 

ورغم ذلك لا تزال عمليات تهريب البشر مستمرّة، فهناك ركاب يرغبون في الهرب من واقعهم نحو “حياة أفضل”، في المقابل، هناك تجار يجنون أرباحًا خيالية من هذه المراكب. ويعلّق أحد المطلّعين من أبناء منطقة عكار أنّ “الرحلات مستمرة لأنّ هناك رغبة شديدة في الهجرة، لأنّ الأوضاع في سوريا سيئة، وجواز سفرهم يساوي صفرًا. والبعض منهم مستعدّ للهروب حتى لو يكن هناك مهربين، إذ قد يشترون قاربًا ويغادروا على متنه. لكنهم يقصدون المهربين لأنهم أصبحوا يمتلكون الخبرة، ويجهّزون المراكب بحرفية لتقليل مخاطر الغرق”. 

في مقابل الأرباح الكبيرة للمهربين، انعكست عمليات التهريب سلبًا على شاطئ العبدة لصيد الأسماك، وعدد كبير من عائلات ببنين العكارية. يعتقد زاهر كسّار، رئيس رابطة مخاتير ببنين عكار، أنّ رحلات التهريب انخفضت بحدود 90 في المئة انطلاقًا من العبدة، ويضيف: “زار وفد من مخاتير ببنين قيادة الجيش للمطالبة بتخفيف القيود على الصيادين في مرفأ العبدة، وإعادة المراكب المصادرة إلى أصحابها الذين ظلموا بسبب إخبارات ووشايات غير دقيقة”. ويعتقد كسّار أنّ “هناك أناس يُظلمون على حساب آخرين يحققون أرباحًا هائلة. فالمهرّبين هم بالعشرات ومعروفون، ولذلك لا يمكن ظلم الآلاف من العائلات التي لا يمكنها تأمين معيشتها”. ويشدّد على “تلقّي وعود من قيادة الجيش لناحية كبح التهريب والمهربين، والحفاظ على أمن الناس وحياتهم”. ويطالب كسّار بإعطاء الأولوية لأرواح الناس وضبط الشاطئ الذي يمتد من العريضة إلى شكا- وتنطلق منه رحلات من دون معرفة أحد، أو “ربما بتواطؤ من أشخاص، ومسؤولين سياسيين، أو غيرهم من النافذين”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، فئات مهمشة ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني