شبهات فساد تلاحق الرئيس الأول لمحكمة التعقيب التونسية: سؤال عن أداء المؤسسات


2020-11-19    |   

شبهات فساد تلاحق الرئيس الأول لمحكمة التعقيب التونسية: سؤال عن أداء المؤسسات

مع بداية السنة القضائية 2020-2021، تداول القضاة فيما بينهم وثائق تبرز تضخما كبيرا لثروة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب التونسية وتحدثوا عن دور له في تكوين الدائرة القضائية التي صدرت عنها أحكام مسترابة في قضايا تهريب كبرى. كما تحدثوا عن تعهّد المجلس الأعلى للقضاء بمطلب رفع حصانة في حقه سنده أبحاث قضائية في الموضوع ونية لتوجيه الاتهام له فيها.

عند هذا الحدّ، لم يبرز أي موقف رسمي للمجلس الأعلى للقضاء في الموضوع. وقد عزا البعض هذا الصمت إلى حاجة المجلس للإستقراء في طلب صدر عن وكيل الجمهورية بشير العكرمي تبعا لتنحيته عن منصبه، حيث خشي المجلس وفق هؤلاء أن يكون الدافع إلى هذا الطلب الخصومة بين الرجلين وتصفية حسابات بينهما. بالمقابل، عزا البعض الآخر صمت المجلس إلى قوة الرئيس الأول وأهمية عدد من يوالونه داخل المجلس من قضاة وغير قضاة وبما له من علاقات سياسية متشعبة يصعب معها أي حديث عن مؤاخذة قد تطاله. كان يظن عند هذا الحد أن الربط بين رفع الحصانة ووكيل الجمهورية المثير للجدل سينتهي لقبر الملف ولأن تخرس الأصوات القضائية التي تطالب بفتحه.

الأمور تتطور: قضية رأي عام تتفاعل رغما عن محاولات كتمها

في الجلسة العامة التي خصصها مجلس نواب الشعب بتاريخ 12-11-2020 للحوار مع المجلس الأعلى للقضاء، تعرض نائبان على الأقل للقضية بتفاصيلها وطلبا ردا حولها. لم يتنبه الإعلام للموضوع وعاد ليلفه التعتيم. وقد ساعد على ذلك دخول القضاة في تحركات احتجاجية على علاقة بوضعهم المالي والاجتماعي. لكن هذا لم يدم طويلا. ففي سياق بدا كما لو كان حرب تسريبات، تداولت صفحات التواصل الإجتماعي جانبا من التقرير الذي حرره وكيل الجمهورية في حق الرئيس الأول فيما تداولت أخرى تقريرا حرّره الرئيس الأول ضد وكيل الجمهورية يتّهمه فيه بالتغطية على الإرهاب والإرهابيين. وهنا، لفتت التسريبات مجددا النظر للقضية ولما لها من أهمية باعتبار الشخصية التي يشتبه في اتهامه فيها وبالنظر لما تسبب الفساد الذي تم بمناسبتها فيه من ضرر لموازنة الدولة يقدر بعشرات الملايين من الدينارات التونسية إن لم يكن مئات الملايين. ويبدو من المهم عند هذا الحدّ أن يتم الخروج من مربّع شخصنة الموضوع ولن يتحقق هذا ما لم تتولّ المؤسسات المعنية ممارسة ما هو واجب عليها من تعاطٍ جدي معه وهي أساسا المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية.

من المسؤول؟ المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية

ينتظر من المجلس الأعلى للقضاء أن يبتّ بأسرع الآجال في مطلب رفع الحصانة المقدم له. وعليه قبل ذلك وتنفيذا لأحكام الفصل 40 من قانونه الأساسي[1] أن يدعو جلسته العامة للتداول في تجميد نشاط الرئيس الأول لمحكمة التعقيب صلبه. ويبدو إبطاء المجلس الذي يحمّله الدستور واجب ضمان استقلال القضاء أولا واحترام تلك الاستقلالية ثانيا في ذلك غير مبرر. 

كما يعدّ الرئيس الأول لمحكمة التعقيب من القضاة السامين الذين نصّ الفصل 106 من الدستور على كون تسميتهم تتمّ “بأمر رئاسي بالتشاور مع رئيس الحكومة، بناء على ترشيح حصري من المجلس الأعلى للقضاء” بما يعني أن رئيس الجمهورية وعملا بالمبدأ القائم بتوازي الصيغ والإجراءات يظل صاحب اختصاص عزله من خطته بناء على ذات آليات التشاور المحددة لتعيينه.

نقدر هنا أن أهمية الشبهات التي تلاحق المسؤول القضائي، تمنع مستقبلا أن يكون في موضع يسمح له بتمثيل القضاء التونسي أو بالحديث باسمه. ويوجب هذا أن يتدخل رئيس الجمهورية لتنحيته من مهامه وإعلان شغور منصبه، إذ لا يعقل أن يواصل رئاسة محكمة القانون من كان محل شبهة احتراما للقضاء ومؤسساته.

 

[1] ينص الفصل 40 من القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء على كونه “إذا ارتكب رئيس المجلس أو أحد أعضائه فعلا قصديا موجبا للتتبّع الجزائي أو خطأ جسيما موجبا للمؤاخذة التأديبية، فإنه يقع تجميد عضويته بقرار من الجلسة العامة في انتظار البتّ فيما نسب إليه طبق الإجراءات الخاصة بذلك الواردة بالنظام الداخلي. “

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، سياسات عامة ، أطراف معنية ، البرلمان ، استقلال القضاء ، مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني