راجية العاكوم ضحية جديدة لقتل النساء وابنتاها: كيف نستمرّ بلا آباء وأمهات؟


2023-06-09    |   

راجية العاكوم ضحية جديدة لقتل النساء وابنتاها: كيف نستمرّ بلا آباء وأمهات؟
ابنتا راجية العاكوم تحملان صورة تجمعهما بوالدتهما

صباح أمس الخميس، في الثامن من حزيران الحالي، انتظرت خديجة (17 عامًا) وراما (16عامًا) برفقة خالاتهما وأخوالهما وأقاربهما على رصيف قصر العدل في بعبدا، وشقيقهما الأصغر عفيف انتظر في المنزل، ما ستحمله جلسة التحقيق الأولى في جريمة قتل والدتهم جهينة العاكوم في 25 أيار الماضي، التي يُشتبه أنّ والدهم علي العاكوم نفّذها على مرأى منهم. في هذا الصباح نفسه، تسلّلت الأخبار الأولى عن جريمة قتل جديدة في جزين، يُشتبه أن نفذها الزوج الرقيب الأول في أمن الدولة ربيع فرنسيس في حق أم أولاده الثلاثة سحر داغر ووالدتها تريز الحايك، ومن ثم انتحاره.

بعد سماع الخبر، كان التعليق الأوّل لخديجة الصبية المفجوعة بمقتل والدتها: “كيف يمكن لنا الاستمرار بلا آباء ولا أمهات؟”. وبصوت غاضب ومنكسر قالت: “خلص ما بقى حدا يقتل زوجته، على الأقل كرمال الولاد عم يتيتّموا وعم تروح علينا. من لديه مشكلة مع زوجته ليجد لها حلًا بينه وبينها. أنا راح مستقبلي، أمي راحت وما عدت قادرة شوفها أبدًا. أمي كانت رفيقتي وأختي وكل حياتي. بترجّاكم، رأفة بأولادكم اختاروا الشخص الصح عند الزواج”.

أما راما التي لا يمكنها نسيان  يوم الجريمة. فقد بدأت العلاج النفسي علّها تتمكّن من استيعاب الأمر فقالت: “نحنا شفنا الجريمة بعيوننا، أي شخص طبيعي ما بيبقى بعقله عند هيك مشهد ولا يستطيع الاستمرار بالوقوف على رجليه. ولكننا مع ذلك، سنحاول أن نكون أقوياء إكرامًا لأمي، وسيرى الناس من ربّت وكيف ربّت. سأكمل طريقي في التعليم وأثبت نفسي لأجلها. نحن هنا لنأخذ حقها، وأي شي يساعد لأخذ حقها، فأنا مستعدة أن أقوم به”.

وتزامنت جريمة جزين، مع وقفة عائلة الضحية العاكوم، أمام قصر العدل في بعبدا، بدعوة من حزب “لنا”، تحت شعار “من أجل العدالة للضحيّة ‎راجية العاكوم، وتأكيدًا لوجوب محاكمة المجرمين ووضع حدّ للإفلات من العقاب”، بعد أن قتلت في بلدة بسابا أمام أعين أولادها الذين أفادوا أن والدهم وطليقها وابن عمّها المؤهّل أوّل في قوى الأمن علي العاكوم وجّه لها طعنات بآلة حادة ثم قام بدهسها بسيّارتها مرارًا ليتحقّق من وفاتها بعد أن حاولت الهرب منه. وبعد توقيفه يوم حصول الجريمة، اعترف وفقاً للأمن الداخلي بجريمته، ثم مثّلها في 29 أيّار في موقع تنفيذها تحت إشراف المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي رامي عبد الله، مسترسلًا في شرح تفاصيلها.   الجلسة التي أجرتها قاضية التحقيق في جبل لبنان ساندرا المهتار، انتهت إلى إرجائها  إلى الخميس المقبل في 15 الجاري، بعد أن استمهل المدّعى عليه لتوكيل محامٍ. وقد أشار وكيل أهالي الضحية المحامي علي العاكوم لـ”المفكرة القانونية” أنّ القاضية المهتار أصدرت مذكرة وجاهية بحقه تبعاً لادّعاء النيابة العامة سندًا للمادة 549 عقوبات التي تعاقب بالإعدام على القتل العمد عن سابق تصوّر وتصميم

“خطّط ونفّذ وهو بكامل قواه العقلية”

وردًا على الحجّة المتكرّرة في جرائم مماثلة بأنّ المدعى عليه كان في حالة غضب أو يعاني أمراضًا نفسية أو يستخدم المخدرات، يحذّر محامي أهل الضحية في حديثه لـ “المفكرة” من اعتماد حجّة أنّه فاقد قواه العقلية، ويقول: “كل الوقائع موجودة في الملف، واعترافه بأنّه قتلها عن قصد واعترافاته تشير إلى أنّه خطّط للجريمة عن سابق إصرار وتصوّر”. ويضيف أنّ الأدلة “تدلّ على أنّه بكامل قواه العقلية وبكامل إرادته”.
ويضيف المحامي: “لدينا الثقة الكاملة في القضاء اللبناني والقضاة الشرفاء في البلد. هذه الإنسانة قتلت ظلمًا وبأبشع أنواع التعذيب. نطالب بالإعدام ولا شيء سوى الإعدام، بغض النظر إذا القضاء اللبناني يطبّق هذه العقوبة أم لا”.

9 نساء قتيلات منذ أوّل السنة

إذًا، جريمتان في أسبوع واحد، راح ضحيّتهما ثلاث نساء، وحرم 6 أبناء وبنات من الأم والأب معًا، لتضافا إلى سبع نساء قتلن خلال النصف الأوّل من هذا العام على أيدي أزواجهنّ وشركائهنّ السابقين، ليصبح عدد جرائم قتل النساء منذ بداية العام لغاية تاريخه: 9 ضحايا قتل، 3 ضحايا لمحاولات قتل، و6 محاولات انتحار، بحسب ما رصدته منظمة “كفى عنف واستغلال”. من بين هؤلاء النساء منى الحمصي التي قتلها زوجها في جبل محسن بعد ثلاث سنوات من انفصالها عنه وزينب زعيتر التي قتلها زوجها حسن موسى زعيتر أمام أولادها بعشر رصاصات في آذار الماضي وفرّ من وجه العدالة بعد أن قرر شقيقها مصالحة الزوج واعتباره القتل “جريمة شرف” مصرّحًا “أنا ما في شي بيني وبين حسن (الزوج)، الّي عمله حسن أني كنت بدّي أعمله”.    

تسع  سنوات مرّت على إقرار القانون 293/2014 الخاص بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، إلّا أنّ لا رادع كافيًا حتى اليوم، يحمي النساء من القتل والتعنيف. المحامية ليلى عواضة تؤكّد في اتصال مع “المفكرة” وجود تقصير في موضوع حماية المرأة عند متابعة ملفات جرائم العنف ضد النساء في القضاء. وتلفت إلى أنّ “ما يؤثر في فعالية الحماية هو البطء في المحاكمات وعدم تشديد العقوبة، كما حصل في ملف رولا يعقوب التي قتلت على يد زوجها في عام 2013، وتأخر صدور الحكم في قضيتها حتى العام 2022. كما أنّه ما  زالت هناك جرائم ارتكبت في الـ 2013 و2014 لم تصدر الأحكام فيها، ما يشكل انتهاكًا كبيرًا لحقوق النساء الضحايا ويؤدي إلى تأخّر إنصافهنّ”. وتتابع أنّ “منح القاضي أسبابًا تخفيفية للزوج وتبريراتٍ للانفعال في أثناء الجريمة، يؤدّي إلى التراخي في العقوبة والبطء في المحاكمات ويساهم أيضًا في عدم تفعيل قانون حماية النساء”.

وتأسف عواضة لعدم وجود إحصاءات دقيقة عن حجم ازدياد العنف ضد النساء وعدم وجود أرقام دقيقة عن عدد ضحايا العنف ضد النساء، لكنّها مع ذلك، ترى أنّ “الوعي الذي بات يتمتّع به المجتمع اليوم، في قضايا العنف ضد النساء مهم جدًا، فقبل سنوات كانت النساء تقتل بصمت، وتدفن من دون أن يعلم بقصّتها أحد، أمّا اليوم فنجد استنفارًا إعلاميًا واجتماعيًا إلى جانب أي ضحية من ضحايا العنف الأسري”. وتشير إلى أنّه “وبسبب الأزمات الاقتصادية فمن المتوقع أن تزداد وتيرة العنف، وهذا ما يحصل في كثير من الجوانب الحياتية، ونراه اليوم في الفلتان الأمني وفي ازدياد عمليات السرقة وغيرها، أي أنّ العنف يزداد بشكل عام”.

قوانين الأحوال الشخصية شريكة في الجريمة

من هو المسؤول عن استمرار جريمة قتل النساء؟ ترى عواضة أنّ الأهم أنّنا يجب أن نفهم أنّ مرتكب الجريمة، الزوج أو الأب، ليس هو الفاعل الوحيد أو المجرم الوحيد بحق النساء المعنّفات. صحيح أنّه ارتكب فعل القتل، لكن هناك شركاء له في الجريمة. أهم شريك له هي قوانين الأحوال الشخصية التي نعتبرها المحرّض الأساس على قتل النساء، كونها هي التي كرّست الفكر الذكوري في المجتمع والسلطة الابوية، وهي منحت الرجل السلطة المطلقة داخل الأسرة، وعزّزت له الإحساس بالملكية تجاه أفراد الأسرة، يتعاطى معهم على أساس أنهم أشياء يمتلكها، زوجته هي ملكه، كذلك أولاده، يتعاطى كمن يحق له أن يقتلهم علنًا في الشارع وأمام كل الناس، وكأنه يمارس حقًا طبيعيًا”. وتصيف “هذا ما ظهر واضحًا في كل جرائم قتل النساء، فإذا كانت  تريد الطلاق وهو لا يريد ذلك يقتلها، أو إذا كان لديه مشاكل اقتصادية وليس قادرًا على الاستمرار، فيقرر أن يقتل نفسه ويقتل عائلته، معتقدًا أنّ هذا القرار يعود إليه وحده”.

يمكن للضحية أن تكون أمًا أو أختًا، وفقدانها بجريمة بشعة كارثي على العائلة بأكملها وما تعيشه رتيبة شقيقة الضحية راجية من ألم وغضب في آن، لا يمكن وصفه: “19عامًا وشقيقتي تتحمّل منه العذاب والعنف والتهديد بالقتل وقتل أولادها. بقيت معه طوال السنوات الماضية خوفًا على أولادها، وعندما لم تعد قادرة على التحمّل أكثر، قرّرت الطلاق، فقرر إنهاء حياتها”. وتختم “جئنا اليوم لنطالب بأقصى العقوبة وهي الإعدام”، وتغرق في الصمت وتشيح بنظرها إلى البعيد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة ، قضاء ، مساواة ، جندر ، المرصد القضائي ، تحقيقات ، تشريعات وقوانين ، فئات مهمشة ، لبنان ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني