ذكرى سنة على جنون الساعة اللبنانية


2024-03-30    |   

ذكرى سنة على جنون الساعة اللبنانية
رسم رائد شرف

احتاج العبث الدستوريّ والقانونيّ أن يبلغ أقصاه حتى تنكشف مخاطر “الموافقة الاستثنائية” المعتمدة في اتخاذ القرارات الحكومية في فترات تصريف الأعمال في لبنان. انكشف العبث بعدما عمد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى تعديل قرار حكومي سابق باعتماد التوقيت الصيفي بقرار منفرد قوامه إرجاء تقديم الساعة إلى نهاية شهر رمضان، مختزلًا بذلك الحكومة بشخصه. وسريعًا ما انكشف أنّ القرار اتّخذ بناء على طلب رئيس المجلس النيابي نبيه بري (طلب سُرّب بالصوت والصورة) وذلك بهدف تسهيل أداء فريضة الصوم. وإذ عمدَتْ قوى سياسية وإعلامية إلى إبراز الجانب الطائفيّ من المسألة وصولا إلى إعلان العصيان ومعه “انقسام الساعتين” في بلد واحد، خفتَتْ المواقف التي تسعى لمعالجة أساس الأزمة وأسبابها بصورة مؤسساتية وأهمّها المشكلة المتمثّلة في اعتباطية الموافقة الاستثنائية وهي البدعة التي سمحتْ لميقاتي بشخصنة العمل الحكوميّ واختزاله بشخصه. منذ ذلك الحين، عادت حكومة تصريف الأعمال إلى الاجتماع دوريا رغم احتجاجات الوطني الحرّ ومقاطعة وزرائه وتوقّف العمل بالموافقة الاستثنائية.

وعليه، يهم التذكير بالمعطيات الآتيّة:

  • إنّ ميقاتي اختلق هذه البدعة غير الدستورية للمرة الأولى في 2013 بعد استقالة حكومته آنذاك، وهي تقوم على اختزال الحكومة بشخصين (رئيسي الحكومة والجمهورية) في فترات تصريف الأعمال، وبالأحرى على اغتصاب شخصيْن صلاحيات مجلس الوزراء (الذي هو صاحب السلطة التنفيذية وفق ما ورد في الدستور). فبموجبها اتُّخذت القرارات الحكومية في تلك الفترات بموافقة هذيْن المسؤولَيْن من دون دعوة مجلس الوزراء للانعقاد وتاليًا من دون حصول أيّ تداول فيها. وقد استعاد العمل بهذه البدعة رئيسا الحكومات اللاحقة سعد الحريري وحسّان دياب، قبل أن يعيد نجيب ميقاتي العمل بها تبعًا للانتخابات النيابية بموجب التعميم رقم 17/2022 الصادر عنه في أيار 2022 تبعًا للانتخابات النيابية.
  • إنّ هذه البدعة تفاقمت مخاطرها بعدما زادت فترات تصريف الأعمال في مجمل زمن الحكومات المتعاقبة. وليس أدلّ على ذلك من أنّ هذه الفترات وصلت إلى 63% من زمن حكومات ما بعد 17 تشرين الأول 2019، ممّا أدّى إلى التطبيع مع هذه البدعة وجعل اللجوء إليها أمرًا غالبًا، يتعارض تمامًا مع أيّ حديث عن “الاستثنائية”. وقد تفاقمت أيضًا مخاطرها بعد فراغ سدّة رئاسة الجمهورية، حيث باتت هذه البدعة تعني اختزال الحكومة ليس بشخصيْن كما كان يحصل سابقًا، بل بشخص واحد (رئيس الحكومة وحده). واللافت أنّه استمرّ في إعمال هذه البدعة رغم دعوة الحكومة تصريف الأعمال للانعقاد مرّات عدة، بما يعكس تراجعا عن الموقف السابق المتمثل في عدم دستورية انعقاد حكومات مماثلة. 
  • ولجَبه هذه الحالة، قدّمت “المفكرة القانونية” في 2020 طعنًا بالموافقة الاستثنائية على تمديد إعلان الطوارئ أمام مجلس شورى الدولة. وإذ أيّدت المستشارة المقررة ميشال منصور مزهر ذلك في أيار 2021، فإن الهيئة الحاكمة لم تتّخذ قرارًا حاسمًا في هذا الطعن رغم انقضاء ما يقارب سنتين من وضع القضية موضع تداول. كما عادت “المفكرة” وقدّمت في تموز 2022 طعنًا مع النائبين حليمة قعقور وإبراهيم منيمنة بتعميم ميقاتي 2022 بإعمال هذه البدعة مجددًا، إلّا أنّ شورى الدولة رفض وقف تنفيذ التعميم ولا يزال الطعن عالقًا أمامه.
انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني