“حملة حقّي 2024”: نحو انتخابات دامجة تحترم التنوّع


2024-03-06    |   

“حملة حقّي 2024”: نحو انتخابات دامجة تحترم التنوّع

فيما يستعد اللبنانيون للاقتراع في الانتخابات البلدية والاختيارية المقرّرة في 15 أيار 2024، تبقى التساؤلات لدى الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركيًا، مشروعة عن مدى تمكّن الأشخاص المعوّقين وكبار السن والأشخاص ذوي الإصابات المؤقتة من الإدلاء بأصواتهم باستقلالية وكرامة. فغالبًا ما تكون مراكز الاقتراع في المباني المدرسية، وكثير منها لا يزال يفتقر إلى التجهيزات المناسبة لوصول هؤلاء الأشخاص إلى الأقلام، كما أنّ العديد منها لا تزال  تتواجد في الطوابق العليا. وهذه الأمور تخلق عقبات للأشخاص الذين لا يستطيعون صعود الطوابق العليا. 

من هنا جاء إطلاق الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركيًا أمس الثلاثاء في 5 آذار، حملة إعلامية حول مشاركة الأشخاص المعوّقين في الانتخابات البلدية والاختيارية، تحت عنوان “حملة حقّي 2024” بهدف تعميق وعي الرأي العام بحقوق الأشخاص المعوّقين السياسية والانتخابية، بما يضمن اقتراعهم باستقلالية وكرامة. وذلك بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتمويل من الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. 

هذه الحقوق السياسية، ترشحًا واقتراعًا، بدأ الاتحاد الإضاءة عليها منذ العام 2005 في إطار “حملة حقي”: الحملة الوطنية لتطبيق الحقوق السياسية للأشخاص المعوقين في لبنان، حيث لم تغب الحملة عن الانتخابات العامة خلال العقدين الماضيين. وكانت بداية تتعلّق بتطبيق القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوّقين، أما اليوم فباتت تتعلق أيضًا بتطبيق التزام لبنان بالاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري المرافق لها بعد إبرامها من قبل الحكومة

وهذا يعني أن تطبيق هذا الالتزام بات تحت المجهر الدولي، وفق ما قالته رئيسة الاتحاد سيلفانا اللقيس في الجلسة الافتتاحية لحفل إطلاق الحملة. وأملت اللقيس بأن “يشكل التقدّم الذي حصل في الانتخابات النيابية السابقة أرضية ملائمة للاستمرار في التعاون والبناء للوصول إلى عمليتي ترشّح واقتراع دامجتين تحترمان حاجات الأشخاص المعوّقين بصريًا وسمعيًا وحركيًا وذهنيًا، بالإضافة إلى احترام استقلالية وكرامة هذه الفئة التي تشكل 15% من سكان لبنان. وهذه الفئة هي من أكثر الفئات السكانية استبعادًا وتهميشًا، إذ تواجه صعوبة في الوصول إلى الحقوق والخدمات وتعاني من التهميش والاستغلال على كافة الصعد، لا سيما في الحياة السياسية. 

تتركز “حملة حقي 2024” على المشاركة الحقيقية للأشخاص المعوّقين في انتخابات دامجة تحترم التنوّع، وتسمح بمشاركة هذه الفئة بشكل حرّ وميسّر، كما تدعو  وزارة الداخلية إلى اعتماد المدارس الرسمية وتحديدًا الطابق الأرضي فيها، لتكون مراكز انتخابية دائمة في الانتخابات البلدية وفي كل انتخابات مقبلة. على أن يتمّ تزويدها بالتجهيزات الهندسية الدامجة للأشخاص المعوقين حركيًا، وبالإشارات واللافتات المناسبة للأشخاص المعوّقين سمعيًا وبلوائح على طريقة “برايل” للأشخاص المكفوفين. 

قصص من معاناة ثلاثة أشخاص معوّقين حركيًا

لونا يمين، سلام رمال ورغد حسون (26 عامًا)، من الأشخاص المعوّقين حركيًا، التقتهم “المفكرة القانونية”  خلال إطلاق “حملة حقي”، ونقلوا تجربتهم/نّ خلال اقتراعهم، للمرة الأولى في الانتخابات النيابية الأخيرة في العام 2022. 

تقول لونا “دخلت على كرسيّي المتحرّك باحة بلدية مشيخا في ضهور الشوير، وكنت أشعر بالحماس للتصويت وممارسة حقي للمرة الأولى في انتخاب من أراه يمثلني، إلّا أنّي اصطدمت بعوائق كثيرة أجهدتني كي أستطيع الوصول إلى مركز الاقتراع، مع العلم أنّه  القلم كان في الطابق الأرضي، لكني لم أستطع أن أتحكّم بالكرسي بسهولة وسلاسة، بسبب تعرّج الأرضية ووجود أحجار والكثير من الشوائب التي صعّبت عليّ الحركة. وهذا ما دفع بعض الأشخاص في الماكينات الانتخابية لسؤالي عن حاجتي للمساعدة، رفضت ذلك لأني أردت أن أمارس دوري كناخبة باستقلالية، لقناعتي أنّ تلك المساعدة ستكون بمثابة رشوة لأدعم مرشّحه. وهذا ما لا أقبل به”.
وتذكّرت لونا كيف أنّها قبل تعرّفها على الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركيًا، علقت في ذهنها مشاهد وصفتها بالمذلّة “حين يُحمل الأشخاص المعوّقون أو كبار السن إلى مراكز الاقتراع كما تُحمل أكياس البطاطس”.
اليوم لونا خضعت لورش عمل عدّة مع “حملة حقّي” وباتت من أبرز المناصرات لهذه الحملة ليس من أجل الأشخاص المعوّقين فقط بل من أجل النساء الحوامل وكبار السن أيضًا وتأمل أن يستطيع جيلها الوصول إلى تعزيز المشاركة السياسية للأشخاص المعوّقين وتحويل لبنان إلى بلد دامج في كل مفاصله. 

سلام هو من الأشخاص قصيري القامة، ولديه إعاقة حركية يقول لـ “المفكرة”: “صعدت طابقين على الدرج، وهذا الأمر سبّب لي الكثير من الجهد والتعب، لم يساعدني أحد. اثناء اقتراعي، حمل أحدهم  الصندوق وأنزله باتجاهي لأنّي رفضت أن أسلّم ظرف الاقتراع لأحد لوضعه بدلًا عنّي، بل أردت أن أمارس حقي كاملًا وأن أضع اللائحة في الصندوق بنفسي”. 

أما رغد التي تعاني من صعوبة في الحركة واقترعت في دار المريسة في بيروت، فتعترف أنّها لم تكن تعلم أنّ من حقها أن تنتخب على الطابق الأرضي، “كنت راضية بالأمر الواقع وبمعاناتي للوصول إلى الطابق الثالث والانتظار بالدور، إلى أن تعرّفت إلى الاتحاد، وبتّ أعرف أنّ هناك الكثير من الأشخاص الذين لم يكن بمقدورهم الاقتراع كونهم غير قادرين على الوصول إلى الطوابق العليا في مراكز الاقتراع”. 

لونا يمين وسلام رمال ورغد حسون

رصد انتهاكات وتصرّفات لا تحترم كرامة الناخبين

وكانت حملة “حقي” رصدت الانتهاكات في انتخابات 2022، ووثقت أنّ ما نسبته 8.7% من المواقف في مراكز الاقتراع لم تكن مؤمنة، و5.23% من مداخل أقلام الاقتراع كانت صعبة، ضيّقة أو مشغولة، وأنّه كان هناك صفر إشارات وصفر لافتات تشرح عملية الاقتراع بالمراكز الخاصة للأشخاص المعوّقين ذهنيًا. ورصدت الحملة مصاعد لم يتم تشغيلها، وصناديق اقتراع في الطوابق العليا ومشاهد إذلال متكرّرة.
وتبيّن أنّ 5.22% من أقلام الاقتراع لم تُنقل إلى الطابق الأرضي، و47% كان فيها أخطاء في لوائح الشطب الواردة في الأقلام، وكان ارتفاع العازل غير مناسب للكتابة على ورقة الاقتراع، وارتفاع الصندوق لم يسمح للمقترعين/ات بإدخال الظرف بأنفسهم.
كما لوحظ حاجة ماسة إلى تدريب رؤساء الأقلام، إذ أنّ تصرفات بعضهم كانت تنمّ عن عدم معرفتهم بأصول التعامل مع الأشخاص المعوّقين. 

وأظهر المسح الذي أجراه الاتحاد في الانتخابات الأخيرة أنّ 55% من مراكز الاقتراع هي مدارس رسمية و77% من هذه المدارس، هي عمليًا معتمدة كمراكز اقتراع، وفق ما أعلنه المهندس المختص بالتصميم الهندسي الدامج بشار عبد الصمد. واعتبر عبد الصمد أنّ “المساحة الكبيرة للمدرسة، لديها إمكانية تسهيل اقتراع عدد كبير من الأشخاص في اللحظة نفسها، وهناك انتشار واسع للمدارس تقريبًا بكل القرى والبلدات اللبنانية، إضافة إلى أنّه يؤمّن إدخال التجهيزات إلى المدارس الرسمية ويلعب دورًا في التأسيس للمدارس بمهمتها بالدمج التربوي، وهذا بالنسبة لنا أحد الأهداف الأساسية التي نعمل عليها، إضافة إلى تجهيز المدارس كمراكز إيواء في حالات الطوارئ مثل الحاجة التي نراها اليوم”.

لغة إشارة في أخبار تلفزيون لبنان قريبًا

في الجلسة الافتتاحية، أشار وزير الإعلام فريد مكاري إلى أنّ الإرادة متوفّرة لدى منظمات الأشخاص المعوّقين، وهو ما يميّز هذه القضية. ولفت إلى التعاون مع الاتحاد في السابق وجهوده في جعل وزارته “أكثر إنسانية”، كاشفًا أنّ “تلفزيون لبنان خلال الأسبوعين المقبلين سيوفّر ترجمة بلغة الإشارة في النشرات الإخبارية”. وفتح الباب أمام “منظمات الأشخاص المعوّقين والمنظمات الدولية لإعداد برنامج أسبوعي مخصّص للحقوق على شاشة تلفزيون الوطن، وهو مفتوح للجميع”.
مدير مشروع دعم الانتخابات اللبنانية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دان رادولسكو لفت إلى أنّ “تضافر الجهود بين المعنيين، كما حصل في المرحلة التي سبقت الانتخابات النيابية الأخيرة وكما يجري التحضير له قبيل الانتخابات المقبلة، يؤدي إلى اقتراب الأشخاص المعوّقين من نيل حقوقهم المدنية”، متمنّيًا أن نرى ذلك في القريب العاجل بفضل المشاركة الحثيثة من قبل جميع المعنيين.
وأشاد رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان مارتن سكليف، بالجهود المبذولة عبر المشاريع المختلفة لوصول المواطن اللبناني إلى حقّه البديهي في ممارسة الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع. وشدّد على أنّ التجهيزات والتكييفات التي توفّر عملية اقتراع دامجة للناخبين المعوّقين هي ليست لمرحلة دون أخرى، فالانتخابات النيابية في العام 2026 ليست بعيدة، وينبغي أن يقودنا التراكم إلى تمتّع المواطنين بحقهم في ممارسة ديمقراطية سليمة. وركّز على النشاطات التي تستهدف النساء والشباب والأجيال الصاعدة. 

بعد ذلك عرضت أنشطة الحملة الإعلامية “حقي 2024″، بما تضمّنته من مقاطع فيديو توعوية حول الحقوق السياسية للأشخاص المعوّقين وتسهيل عملية مشاركتهم في الانتخابات العامة، وفيديو يلخص الجلسات التدريبية التي شملت 208 متدرّبين ومتدرّبات، وجرت في بيروت وجبل لبنان وبر الياس وبعلبك وصيدا وعكار، هدفت إلى التعريف بالحملة، وتوفیر المھارات اللازمة لدى الأفراد المعوقين وغير المعوقين، وشرح أھمیة مساهمة البلديات في التنمية.

جلسة حوارية

القسم الثاني من الإطلاق خصّص لجلسة حوارية حول الانتخابات البلدية الدامجة، أدارها المهندس عبد الصمد، شاركت فيها المديرة العامة للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية والبلديات فاتن أبو الحسن التي فصّلت في دور المجالس البلدية في تسهيل مشاركة المواطنين في الانتخابات وتطبيق المراسيم والقرارات الصادرة عن وزارة الداخلية في الفترة التي تسبق الانتخابات وخلال الانتخابات. 

وردًا على أسئلة مدير الحوار عن كيفية اختيار مراكز الاقتراع وعمّا إذا كانت متوفّرة فيها الطوابق الأرضية أم لم تتوفر؟ أجابت أبو الحسن أنّه وبحسب رصد الاتحاد هناك لوائح تم تزويدها لوزارة الداخلية عن الأماكن التي يمكن  اعتمادها في الطابق الأرضي. 

وعن دور البلديات في إزالة العوائق والحواجز المحيطة بالمركز وعن عدم  تنفيذ المرسوم التطبيقي 2214/2009، الذي يتضمن الإجراءات والتدابير المتعلقة بتسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في الانتخابات النيابية والبلدية، قالت أبو حسن “بدأنا العمل منذ الـ 2009 وكانت المرة الأولى التي يُسلّط الضوء فيها على أهمية دمج الأشخاص المعوّقين وتسهيل مشاركتهم في الانتخابات. المشكلة الأساسية هي في تغيير الذهنية، استطعنا أن نغيّر ولكن لم نستطع الوصول إلى ما نطمح إليه من التغيير الكامل”.

وشددت على أهمية الحملات الإعلامية، أما البلديات فلها الدور الأساسي في وضع مخططات توجيهية في المدن والقرى، إذ يجب أن تراعي حاجات الأشخاص المعوّقين، فمن من مهام المجلس البلدي إنشاء ساحات عامة وحدائق وطرقات، ويجب أن تكون دامجة، لذا  يجب توعية رؤساء البلديات حول وضع مخططات دامجة، والموافقة على رخص بناء يكون فيها بيئة دامجة سواء بالانتخابات أو خارج الانتخابات”.من جهتها، تحدثت المديرة التنفيذية للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات “لادي” ديانا البابا عن منهجية الجمعية في مراقبة الانتخابات وإدخال معايير الدمج في صلب عملية الرصد. أما المديرة التنفيذية لمؤسسة “مهارات” رولا ميخائيل فتناولت الدور المأمول من الإعلام في تغطية العملية الانتخابية على الصعيد المدني. وفي الختام شرحت المديرة التنفيذية للاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركيًا حنين الشمالي أهمية توفير السبل لاستخدام غرف الطابق الأرضي في المراكز الانتخابية كأقلام اقتراع، ودور “حملة حقي” في رصد البرامج الانتخابية للمرشحين، وماهية البلدية الدامجة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مؤسسات عامة ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني