حملة تحريضية على صحافيين عرب في “بي بي سي” وثّقوا انتهاكات إسرائيليّة


2024-03-21    |   

حملة تحريضية على صحافيين عرب في “بي بي سي” وثّقوا انتهاكات إسرائيليّة

استفاقت الزميلتان في “بي بي سي” عربي ماري-جوزيه القزّي وسهى إبراهيم قبل أيام على صورهما واسماهما منتشرة في صحف بريطانيّة فضلًا عن عدد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي في إطار حملة تحريضيّة مطالبة بالتحقيق معهما وفصلهما من العمل. يأتي ذلك على خلفيّة تحقيق شاركتا في إعداده نُشر في “بي بي سي – عربي” يعرض شهادات أفراد من طاقم مجمّع ناصر الطبي في غزّة، توثّق تعرّض الطاقم للانتهاكات على يد الجيش الإسرائيلي.

لم تُناقش أيّ من هذه الصحف مضمون التحقيق بل ركّزت على من قالت إنّهم “يقفون وراءه” أيّ الصحافيتان المذكورتان وصحافي مستقلّ شارك في التغطية وهو معاذ الخطيب، موردةً أنّ هؤلاء الصحافيين “أبدوا إعجابهم” بمقاطع فيديو أو منشورات تحتفل بـ “هجمات حماس الإرهابية” أو “مناهضة لإسرائيل” على وسائل التواصل ما يجعلهم “منحازين” بشكل يدفع بالتشكيك في ما ورد في التقرير، وبالتالي سؤال “بي بي سي” عن “الصحافيين الذين توظفهم” وهي المموّلة من ضرائب البريطانيين.

الصحف ذاتها التي تحدّثت عن “الانحياز” استشهدت في تقاريرها بمتحدّث باسم “كاميرا” التي عرّفتها “تلغراف” بأنّها “منظمة تسعى إلى مراقبة التغطية الإعلامية لإسرائيل” والتي كانت نفسها وراء التحقيق مع أربع من العاملين لصالح قناة “فرانس 24” الفرنسية العام الماضي ووصمهم بـ “معاداة السامية”.
وفي حين شدّدت “بي بي سي” على أنّها “تقف إلى جانب الصحافيين” وأنّ من قرأ التحقيق “سيعرف أنّ هيئة الإذاعة البريطانية كانت شفافة”، أوضحت أنّه في ما يتعلّق بنشاط وسائل التواصل الاجتماعي للموظفين فإنّها تأخذ “مزاعم انتهاك إرشاداتها الخاصة بهذه الوسائل على محمل الجد” واتخذت “إجراءات عاجلة للتحقيق في كل حالة بالتفصيل”.

وعلى الرغم من أنّ التحقيق مذيّل بأسماء عاملين آخرين شاركوا في إعداده ولاسيّما لجهة التحقّق من المعلومات، لم تطل الحملة إلّا العرب منهم، ما يُعيدنا إلى حديث عدد من الصحافيين العاملين في مؤسّسات إعلاميّة عالمية والذي عبّر عدد منهم لـ “المفكّرة” عن تحوّلهم إلى “محط شكوك واتهام لمجرّد أنّهم عرب” فباتوا “يشعرون بعدم راحة” ولاسيّما بعد السابع من أكتوبر.

وأكثر ما يزعج هؤلاء الصحافيين ليس الأنظمة الداخلية للمؤسّسات والتي تحدّ بشكل ما نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بل ازدواجيّة المعايير في تطبيق هذه الأنظمة إذ لا يُحاسب أيّ زميل يُعجب بأي منشور مؤيّد لإسرائيل، بينما يُحاسبون هم على نواياهم وعلى منشورات يعود تاريخها إلى ما قبل التحاقهم بالمؤسّسة وعلى أساس كيف تُفسّرها مجموعات صهيونيّة تعلن انحيازها لإسرائيل.  

ويُكرّر أكثر من صحافي عربي عامل في مؤسّسات إعلاميّة غربيّة أنّ الأمر لا يتعلّق فقط بشعورهم بأنّهم باتوا مأسورين برقابة ذاتيّة بل أيضًا بشعورهم بعدم الأمان، فاتهام أيّ منهم بـ “معاداة الساميّة” قد يعني المسّ بحقّهم في التنقّل إذ هناك دول تعتبر معاداة الساميّة جرمًا وبالتالي قد لا تمنحهم تأشيرة دخول، فضلًا عن تقليص فرص عملهم في مؤسّسات إعلاميّة عدّة، هذا من دون أن نتحدّث أيضًا عن تهديد أمنهم بعد نشر صورهم والتحريض عليهم.

وفي هذا السياق يرى مدير معهد التدريب والبحوث الإعلامية في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور جاد ملكي، أنّ الإعلام هو جزء من الحرب الدائرة حاليًا، وأنّه في ظلّ عدم قدرته وقدرة المنظمات الصهيونيّة منع وصول ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات، إلى الجمهور، يسعى إلى التشكيك في أي تقرير ينتقد إسرائيل أو التشكيك في خلفيات معدّيه ويسهل الأمر عندما يكونون عربًا. 

وبما أنّ تهمة “معاداة الساميّة” هي الأكثر إمكانية للتسويق ليس في الظروف الراهنة فحسب بل من قبل نظرًا للتأييد الواسع لإسرائيل في الأوساط الغربية، فإنّها تُلصق بالصحافيين، ليس من باب تعريفها الفعلي بل من باب تحويلها إلى اتهام لكلّ من ينتقد إسرائيل وممارساتها. ولعلّ اعتماد هذه التهمّة أيضًا يأتي في سياق إسكات الصحافي مدى العمر وجعل فُرصه في العمل شبه معدومة.

تشهير بصحافيي “بي بي سي” العرب 

في 12 من آذار الحالي نشرت “بي بي سي – عربي” تحقيقًا يتحدّث عن تعرّض الطاقم الطبّي في مجمّع ناصر في غزّة لانتهاكات من قبل الجيش الإسرائيلي. ووثّق التحقيق الذي جاء تحت عنوان “طاقم مجمّع ناصر الطبي يروي لبي بي سي تعرّضه للإذلال من قبل القوّات الإسرائيلية”، شهادات أطباء وعاملين في الرعاية الطبيّة تعرّضوا للاحتجاز. ومن هذه الشهادات شهادة أحمد أبو صبحة وهو طبيب في مستشفى ناصر، الذي تحدّث عن “ظروف احتجازه لمدة أسبوع” وقال إنّه “تمّ إطلاق كلاب مكمّمة عليه وإن جنديًا إسرائيلياً كسر يده”، وطابق التحقيق الرواية مع روايتين لشخصين من الطاقم الطبي “اختارا عدم الكشف عن هويتهما خوفًا من إجراءات انتقامية بحقهما”.

وقدمت “بي بي سي” تفاصيل شهاداتهم إلى الجيش الإسرائيلي وقالت إنّه “لم يردّ بشكل مباشر على الأسئلة المتعلّقة بهذه الشهادات، كما لم ينفِ مزاعم محدّدة بسوء المعاملة. لكنه نفى تعرّض الطاقم الطبي لأيّ أذى خلال العملية”.

وتحدّث التقرير أيضًا عن تسجيلات فيديو حصلت عليها “بي بي سي” منها من أحد شهود عيان في مستشفى ناصر تظهر “جنود الجيش الإسرائيلي يقومون بتحريك سريرين في المستشفى وأيدي من فيهما مرفوعة فوق رؤوسهم وهي مقيّدة”، مشيرًا إلى أنّ “بي بي سي” “تحقّقت من صحّة هذه المقاطع”.

وتحدّث التقرير أيضًا عن لقطات منفصلة نشرها الجيش الإسرائيلي حيث “يمكن رؤية أشخاص مستلقين على الأسرّة في المستشفى وأيديهم مقيّدة، وأذرعهم مرفوعة بوضع مماثل” مع الإشارة إلى أنّه “لا نعرف من هم هؤلاء الأشخاص، أو ماذا حدث لهم بعد التقاط هذه التسجيلات”.

بعد أيّام قليلة من نشر التقرير، فوجئت الصحافيتان من “بي بي سي” واللتان ورد اسماهما على التقرير كمشاركتين في التغطية، ماري-جوزيه القزي وسهى إبراهيم، بأنّ أسماءهما وصورهما منشورة في صحيفة “ديلي مايل” مع بلد إقامتهما باعتبارهما صحافيتان “منحازتان” أعجبتا بـ “منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مناهضة لإسرائيل”. كما ذكرت الصحيفة الصحافي معاذ الخطيب وهو صحافي مستقل ساهم أيضًا في التغطيّة المتعلّقة بالتقرير.

ومع أنّ التقرير المذكور ليس مذيّلًا فقط بأسماء هؤلاء الصحافيين (سهى ومعاذ وماري-جوزيه) بل أيضًا بأسماء لثلاثة عاملين آخرين في “بي بي سي” شاركوا في التحقّق من المعلومات، اقتصرت الحملة على الصحافيين العرب.  

وادّعت الصحيفة أنّ الصحافية سهى إبراهيم ضغطت نقرة الإعجاب على مقطع فيديو يُظهر ناشطين يقطعون لوحة زيتية لرئيس الوزراء البريطاني السابق آرثر بلفور، وأنّها أيضًا نقرت زرّ الإعجاب في السابع من أكتوبر على مقاطع فيديو لأشخاص من لبنان وتونس يهتفون ويرقصون ويلوّحون بالأعلام الفلسطينية في الشارع، وأعجبت بمقطع فيديو لمشجعي كرة قدم مصريين وهم يهتفون “دمنا وأرواحنا من أجل فلسطين” في أعقاب السابع من أكتوبر.

وفي ما خصّ الصحافيّة ماري-جوزيه القزي فقالت الصحيفة إنّها “وصفت إسرائيل بأنّها دولة فصل عنصري إرهابية” في منشور يعود تاريخه إلى عام 2018 وتمّ حذفه.

وفي حين لم تنشر الصحيفة صورة الصحافي معاذ الخطيب قالت إنّ الأخير نشر في السابق منشورًا معاديًا لليهود على “فيسبوك” أثناء إجازته في تايلاند في عام 2016، وذكرت أنّه صحافي مستقل ومقيم في القدس ويعمل بدوام جزئي في وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.

وذكرت الصحيفة أنّ أسماء هؤلاء الصحافيين وحسب ما نقلت عن متحدث باسم منظمة “كاميرا”: “ينضمون إلى القائمة المتزايدة التي تضمّ الآن أكثر من عشرة موظفين في “بي بي سي” الذين يغطون الحرب لصالح المؤسسة بينما تشير حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي بوضوح إلى أنهم ليسوا محايدين”.

وتُعرّف منظمة “كاميرا” عن نفسها بأنّها تسعى “لتحرّي الدقة في تغطية أخبار الشرق الأوسط والتي تتخذ من مدينة بوسطن الأميركية مقرًا لها” ويسعى الموقع حسب ما يذكر إلى “متابعة مجموعة من وسائل الإعلام الغربية الصادرة باللغة العربية التي تغطي الصراع العربي الإسرائيلي، والكشف عن التغطية غير الموضوعية والتواصل مع القائمين على هذه الوسائل في مسعى لتصحيح أخطائها”.

لم يقف الأمر عند “ديلي مايل” فقد نشرت صحيفة “تلغراف” البريطانيّة مقالًا تحت عنوان “بي بي سي تُجري تحقيقًا بعد أن “أعجب” مراسل بمنشورات مؤيدة لحماس”. وأوردت الصحيفة أنّ “بي بي سي” ستُحقّق “في استخدام موظفيها لوسائل التواصل الاجتماعي” بعد أن أعجب صحافي نشر “مزاعم بأنّ جنودًا إسرائيليين ضربوا مسعفين في غزة، بمنشورات مؤيّدة لحماس”على وسائل التواصل الاجتماعي تدّعي أنّ إسرائيل تمارس “إبادة جماعية” وأنّ “حماس” هي عبارة عن “مقاتلين من أجل الحرية”.

وركّزت “تلغراف” على الصحافية سهى إبراهيم فعدّدت منشورات إضافية قالت إن سُهى أعجبت فيها منها “مقطع فيديو يشرح تبرير المفكر الماركسي فرانتز فانون للناس استخدام العنف لمعارضة القمع”،  ومنشور لـ “جيريمي كوربين يدافع فيه عن المسيرات المؤيدة لفلسطين التي تجري في جميع أنحاء المملكة المتحدة”.

وعلى غرار “ديلي مايل” ذكرت “تلغراف” منظمة كاميرا “التي تسعى إلى مراقبة التغطية الإعلامية لإسرائيل” ناقلة عنها مخاوف بشأن موظفي “بي بي سي” ولاسيّما “أن هناك موظفين في هيئة الإذاعة البريطانية يغطون الحرب لصالح المؤسسة بينما تشير حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي بوضوح إلى أنهم ليسوا مراقبين محايدين”.

ومن الحديث عن تحقيق وأسئلة حول وجود هذا “النوع من الصحافيين” في “بي بي سي”، بحسب الصحيفتين اللتين تعدّان من الصحافة الصفراء في بريطانيا، تدحرجت الكرة إلى “نيويورك بوست الأميركية” وهي أيضًا تعتبر من الصحف ضعيفة المصداقية في أميركا التي عنونت: “ضغط على هيئة الإذاعة البريطانية لإيقاف الصحافيين الذين “أعجبوا” بمقاطع الفيديو التي تحتفل بيوم 7 أكتوبر أو كتبوا منشورات مناهضة لإسرائيل”، ناشرة أيضًا صور الصحافيتين ماري-جوزيه القزّي وسهى إبراهيم.

وليس بعيدًا انتقد المذيع البريطاني مايك غراهام عبر “توك تي في” (Talk TV)، “بي بي سي” لأنّها تأخذ وقتًا طويلًا” لإيقاف صحافيتين وصفتا إسرائيل بـ “الإرهاب” معتبرًا أنّه ليس من حق هاتين الصحافيتين اللتين نشر صورهما (ماري وسهى) أن تكونا في “بي بي سي”. وطبعًا اتّسعت الحملة إلى حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، حرّضت على الصحافيتين ونشرت صورهما وصولًا إلى اتهامهما بـ “الإرهاب”. 

التشكيك في الصحافيين حيث يصعب التشكيك في الخبر 

يضع بعض المعنيين الحملة على صحافيي “بي بي سي” في إطار حملة أوسع على “بي بي سي” نفسها التي رفضت مثلًا “تصنيف حماس منظّمة إرهابيّة”. “الصحافيون العرب في “بي بي سي” كبش محرقة بمعركة سياسيّة داخل بريطانيا يقودها اليمين والمحافظون لوقف تمويل الخدمة العالمية” يقول أحد الصحافيين في مؤسسة إعلامية أوروبية. إلّا أنّ ما يحصل مع صحافيي “بي بي سي” لا يمكن فصله عن اعتبار وسائل الإعلام الغربية ولاسيّما بعد السابع من أكتوبر جهة في الحرب عليها أن تقف إلى جانب إسرائيل وإن ضربت عرض الحائط بمبادئ الحياد والموضوعية والمعايير المهنيّة، وإلّا تُشنّ عليها هجمات.

وفي هذا الإطار يرى مدير معهد التدريب والبحوث الإعلامية في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور جاد ملكي أنّ الإعلام هو جزء من الحرب الدائرة حاليًا، وأنّه في ظلّ عدم قدرة الدول المؤيّدة لإسرائيل والمنظمات الصهيونيّة على منع وصول ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات إلى الجمهور، يتمّ التركيز ليس فقط على ضخ الأخبار المضلّلة بل أيضًا على التشكيك في أي تقرير يُنشر يُبيّن هذه الانتهاكات، وفي حال كان التقرير “مبكّلًا” يتمّ السعي إلى التشكيك بخلفيات معدّيه ويسهل الأمر عندما يكونون عربًا. “التشكيك إن نجح وفي ظلّ الضخّ الهائل للأخبار التي تصل إلى المتلقي، يكون وسيلة فعّالة أيضًا”، يضيف.

ويوضح ملكي أنّ محاسبة الصحافي لم تعد تنطلق من معايير مهنيّة، ففي حين تُشنّ هجمات على صحافيين لمجرّد الاعتقاد بأنّهم انتقدوا أي فعل لإسرائيل أو تُرجم أيّ تصرّف منهم كانتقاد لإسرائيل، يُترك صحافيون فبركوا أخبارًا وضلّلوا الرأي العام، ومنهم من يتبجّح ويقول إنّه سبق أن خدم في الجيش الإسرائيلي، ولا يفوّت فرصة لإبراز تأييده لإسرائيل، مشيرًا في هذا السياق إلى أنّ تهمة معاداة الساميّة، وهي الأكثر قدرة على التسويق، منذ سنوات إلى اليوم لا ترتبط بأكثر الأحيان بمعناها وتعريفها الحقيقي بل باتت تُلخّص بانتقاد ليس إسرائيل بل مجرّد السؤال عن أي تصرّف تقوم به ولو كان الأمر حقيقة واضحة.

وفي تعليق عن نشر بعض الصحف صور الصحافيين وبلد إقامتهما وتعارض ذلك مع أخلاقيات العمل الصحافي كونه يعرّضهم للخطر ويشهّر بهما من دون إجراء تحقيق، يرى الملكي أنّه بما أنّ وسائل الإعلام تعتبر نفسها جزءًا من حرب أُبيح خلالها لإسرائيل تخطّي كلّ ما يتعلق بالقوانين وشرعة حقوق الإنسان، لن تلتزم بطبيعة الحال بالمهنيّة. ويشير إلى أنّه كلّما طالت الحرب وكلما أصبحت انتهاكات إسرائيل أكثر قدرة للوصول إلى الناس كلّما استشرس الإعلام المؤيّد لإسرائيل وكلّما ازداد قمع الصحافيين حتى نعود إلى الديكتاتوريّة التي مارستها أميركا مثلًا خلال الحرب العالميّة الثانية على الصحافة.

“بي بي سي” تُدافع عن محتوى التقرير 

تواصل “المفكرة القانونيّة” مع الصحافيين هدف الحملة إلّا أنّهم رفضوا التعليق أو الإدلاء بأي تصريح. أمّا إدارة “بي بي سي” فقالت في بيان نقلته الصحف المذكورة، إنّها “تقف إلى جانب الصحافيين” وإنّ من قرأ  التحقيق “سيعرف أنّ هيئة الإذاعة البريطانية كانت شفافة في إخبار الجمهور أين وكيف يتم تأكيد المعلومات وإسنادها، وأين لم يكن ذلك ممكنًا” وإنّها “قدّمت ​​العديد من الروايات المباشرة” وقامت “بتسمية مصادر مستقلة” و”شاركت الأدلة المرئية” وضمّنت “حقوق الرد طوال الوقت”.

أمّا في ما يتعلق بنشاط الموظفين على وسائل التواصل الاجتماعي، فقال متحدث باسم “بي بي سي” إنّها تأخذ “مزاعم انتهاك إرشاداتها الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي على محمل الجد” واتخذت “إجراءات عاجلة للتحقيق في كلّ حالة بالتفصيل”.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يُثار نشاط صحافيي “بي بي سي” العرب على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب “مواقع متخصّصة تُراقب الصحافيين العرب العاملين في المؤسّسات العالمية” وتلاحقهم على “لايك أو تفاعل أو منشور تشعر بأنّه غير حيادي وتحديدًا لجهة فلسطين” حسب تعبير عدد من الصحافيين الذين تواصلت معه “المفكرة”. وكانت “بي بي سي” أوقفت، نهاية العام الماضي، مؤقتًا عن العمل 6 من صحافييها العرب (عاد 4 منهم إلى العمل) في مكتبي القاهرة وبيروت وأحالتهم إلى التحقيق الإداري، بسبب ما أسمته “نشاطهم المتحيّز لفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي”. 

وتعرّض هؤلاء حينها أيضًا لحملة تشهير إذ نشرت جريدة “تلغراف” مقالًا بعنوان “يبدو أنّ مراسلي “بي بي سي” في الشرق الأوسط يبرّرون قتل المدنيين على يد حماس” ذاكرة تحت هذا العنوان أسماء الصحافيين مع صورهم، وحذت حذوها صحف بريطانيّة أخرى من بينها “ذا صن” و”ديلي ميل”.

التهمة التي لا تموت 

“سواء تمّ التحقيق مع الصحافيين في “بي بي سي” أو لم يتم، وبغض النظر عن أيّ إجراءات قد تُتّخذ أو لا تُتخذ بحقّهم، مستوى الرقابة الذاتيّة سيرتفع حتمًا عند هؤلاء” تقول إحدى الصحافيات العاملة في مؤسّسة عالميّة، مضيفة: “بكل أسف نحن كصحافيين عرب في مؤسّسات عالمية، بعد سبع أكتوبر شعرنا بضغط إضافي. فقط لأنّنا عرب، لا يُسمح لنا بالتعبير عن رأينا  في الأمور التي تقوم بها إسرائيل، لأنّ الأمر سيُرى ضدّ إسرائيل من شخص عربي كاره للإسرائيليين واليهود، بينما قد يكون التوصيف حقيقيًا”.

وتُضيف هذه الصحافية أنّ الخطير في الموضوع أنّ محاسبة الصحافيين العرب باتت على منشورات أو نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي يعود تاريخها ليس فقط إلى ما قبل السابع من أكتوبر بل إلى سنوات قبل انتسابهم إلى مؤسّسات تفرض سياساتها الداخلية قيودًا على وسائل التواصل الإجتماعي. وتقول: “ليس اعتراضنا على سياسات داخلية وافقنا عليها، اعتراضنا أنّها تُطبّق على العرب فقط وبالمواضيع التي تمسّ بأي تصرّف لإسرائيل أو حتى تُفهم من مجموعات مؤيّدة لإسرائيل أنّها كذلك”.

وفي السياق نفسه يتحدّث صحافي آخر عن تغيّر طريقة التعامل مع المحتوى العربي في بعض المؤسّسات العالمية:” الرقابة على هذا المحتوى باتت أكبر، في السابق كان يُدقّق فقط من المسؤولين عن المحتوى العربي، اليوم بات يُترجم قبل النشر ويُدقّق من قبل أفراد غير عرب، محتوانا بعد السابع من أكتوبر بات مشكوكًا فيه فقط لأنّنا عرب”.

لا يقف موضوع التشهير بالصحافيين ووضعهم في خانة “معاداة الساميّة” أو “معاداة إسرائيل” فقط على موضوع حريّة التعبير وقمعها، بل تذهب تأثيراته إلى إنهاء مسيرة الصحافي والحدّ من حريّة تنقله وتهديد أمنه الذاتي “وربما هذا المقصود، إخفات أي صوت مغاير” يقول أحد الصحافيين.

وفي هذا الإطار تروي إحدى الصحافيات التي كانت خضعت لتحقيق من مؤسّستها على خلفيّة اتهامها من قبل “مجموعات مؤيّدة لإسرائيل” بمعاداة الساميّة بسبب نشاط لها على وسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات، كيف تمّ “تدمير حياتها”.

وتروي لـ “المفكرة” أنّه على الرغم من أنّ القاضي في محكمة العمل حيث تمّ تحويل ملفّها، قال إنّ ما نشرته على وسائل التواصل الاجتماعي لا يدخل ضمن “معاداة الساميّة” وعلى الرغم من ظهورها على الإعلام المحلي حيث تُقيم في بلد أوروبي، استمرّ التشهير فيها من قبل وسائل إعلام، واستمر نشر صورها والتحريض عليها. “لم يتواصلوا مع القاضي، لم يسألوا الوكلاء القانونيين في القضيّة، شهّروا بي، رغم أنّ الحكم كان لصالحي”.

التهمة التي برأّتها منها المحكمة منذ سنوات تُلازم هذه الصحافيّة حتى يومنا هذا، فهي لم تستطع الحصول على عمل كما تواجه مشاكل في تجديد إقامتها. “لم أتمكّن من الحصول على عمل، أكتب بمنصات عربيّة باسم مستعار حيث راتبي يجعلني تحت خط الفقر، لأنّ مجرّد ظهور اسمي يُعيد الحملة ضدّي، وأعيش بلا إقامة بورقة تُفيد بأنّه يتمّ دراسة إقامتي” تقول. 

وتعبّر هذه الصحافيّة عن وضعها قائلة: “أنا لغيت وجودي كصحافية، لا أنشر باسمي، وليس لدي سوشل ميديا، بسبب تعرّضي لمضايقات مستمرة، وتتبّعي بشكل دائم، ما كان يُشعرني بعد الراحة والأمان، نفسيتي تدمّرت”.

وفي السياق نفسه يتحدّث صحافي سبق أنّ اتهم بـ “معاداة الساميّة” عن كيف أثّرت هذه التهمة على حصوله على فرصة عمل :”أنا لا أستطيع العمل في أي مؤسّسة محليّة هنا حيث أقيم، تهمتي التي لم تثبت عليّ تقف حاجزًا بيني وبين حصولي على عمل” يقول لـ “المفكرة”. ويضيف: “أشكر ربي أنّني أّقيم في بلد لا يعتبر حتى اللحظة “معاداة الساميّة” جرمًا وإلّا لكنت واجهت متاعب أكثر، رغم أنّ المحتوى الذي اتهمت على أساسه ليس معاديًا للساميّة”.

يشار إلى أنّ شبكة “دويتشه فيله” الألمانية فصلت عددًا من موظفيها في القسم العربي، موجّهةً إليهم اتهامات بـ “معاداة السامية” و”العداء لإسرائيل”، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قرّرت المؤسسة وضع تعريف لمعاداة السامية وجعله ملزمًا للعاملين في المؤسسة. ولا يشمل التعرف الجديد فقط إنكار الهولوكوست بل أيضًا رفض “الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مؤسسات إعلامية ، لبنان ، مقالات ، فلسطين ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني