حملة “أنا زاده”: خطوة جديدة في طريق طويل ووعر لمناهضة العنف ضد المرأة


2019-11-25    |   

حملة “أنا زاده”: خطوة جديدة في طريق طويل ووعر لمناهضة العنف ضد المرأة

لا تكاد تمر حادثة اعتداء جنسي لتليها أخرى أشد بشاعة من سابقتها. تواتر هذه الجرائم يعكس أن هذه السلوكيات اقتحمت كل المؤسسات الاجتماعية، حتى مدارس الأطفال، على غرار ما حصل في مدرسة دوار هيشر في محافظة منوبة هذا الأسبوع بعدما قُبض على حارس المدرسة الإعدادية بشبهة الاستغلال الجنسي لأطفال لم يتجاوز سنهم 15 سنة. عنف يتمدد في مقابل حراك نسوي يتقد خلال الأسابيع الفارطة تحت شعار “أنا زادة” لفضح الجرائم المرتكبة في حق النساء وكسر حاجز الصمت القسري الذي تفرضه الأعراف المجتمعية على ضحايا مثل هذه الجرائم. مبادرة نجحت هذه اللحظة في خلق الاستثناء مقارنة بالتجارب السابقة وفي تحرير النساء اللاتي كن ضحايا الاعتداءات الجنسية من عقدة الخوف والخروج إلى العلن لتوجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى جلاديهم.

مع ارتفاع وتيرة هذه الجرائم، تزايد في المقابل حجم التحركات والاحتجاجات للحركات النسوية في تونس، فلم تكن الجلسة الافتتاحية بمجلس نواب الشعب كغيرها من الجلسات الأخرى التي احتضنتها قبة قصر باردو. فلم تصطف جموع الناس أمام البرلمان لمساندة النواب الذين اختاروهم، أو توديع المغادرين منهم، بل اجتمع عدد كبير من النساء للاحتجاج ضد نائب جديد ما زال لم يؤدّ القسم بعد. إذ نفذت مجموعة من الجمعيات على رأسهم جمعية “أصوات نساء” وقفة احتجاجية أمام مجلس نواب الشعب يوم 13 نوفمبر الجاري، في إطار حملة “أنا زادة”. حيث تم رفع العديد من الشعارات المنددة بالتحرش، كان أبرزها ‘المتحرش ما يشرّعش’. كرسالة مباشرة إلى النائب زهير مخلوف عن حزب قلب تونس باعتباره مشتبها به في قضية تحرش جنسي.

وتعود أطوار هذه القضية إلى 11 أكتوبر 2019، حين نشرت المتضررة على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” صورا فاضحة للنائب المُنتخب صورتها إبان محاولته التحرش بها بحسب أقوالها. السلطات الأمنية والقضائية لم تتأخر في التفاعل مع الحادثة ليتم فتح تحقيق في الغرض واستدعاء المدعي عليه ليمثل أمام وكيل الجمهورية قبل إحالته لاحقا في 14 أكتوبر إلى قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في محافظة نابل الذي قرر الإبقاء على المتهم في قضية التحرش والتجاهر بما ينافي الحياء في حالة سراح في انتظار استكمال الأبحاث. أما على الصعيد السياسي، ووسط صمت شبه مطبق من باقي الأحزاب السياسية تجاه الحادثة، أصدر حزب قلب تونس الذي ينتمي إليه المظنون فيه بيانا مقتضبا في نفس اليوم أعلن فيه فتح تحقيق داخلي مع زهير مخلوف وداعيا الجميع “إلى الابتعاد عن حملات التشويه والمساس من سمعة المواطنين والمواطنات دون التثبت من الحقيقة”. هذه الحادثة، سرعان ما طمستها الأحداث المتلاحقة عقب نتائج الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، ليبقى الملف مفتوحا حتى اليوم في انتظار استكمال التحقيقات وبتّ القضاء، بينما يواصل النائب زهير مخلوف مزاولة نشاطه النيابي بعد أدائه القسم في 13 نوفمبر الجاري.

حملة أنا زاده“: بعفوية النساء كُسِرَ حاجزُ الصمت

كانت حادثة النائب المنتخب زهير مخلوف القطرة التي أفاضت الكأس، حيث تزامنت مع انتشار وسم أنا زاده أنا أيضا الذي غزا بشكل واسع منصات التواصل الاجتماعي. الهدف من إطلاق هذه الحملة كان تشجيع النساء اللواتي كن ضحايا لحالات تحرش أو اعتداء جنسي، على سرد قصص الاعتداء عليهن واستعراض الظروف المكانية والزمانية التي أحاطت بتلك الحوادث، لتكون النتيجة إقبال الضحايا على كتابة قصصهن مع التحرش بأقلام حرة وبمحض إرادتهن بعدما كسرن حاجز الخوف من مآلات أو تبعات ما يكتبنه. انطلقت المبادرة بتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي لتتطور إلى صفحة ومجموعة تتجمع فيها الشهادات وتتفاعل فيها الضحايا والمتابعون مع مختلف القصص لتبلغ الحملة أوجّها مع النزول إلى الشارع في يوم أداء النواب الجدد للقسم. تحرّك أدار إليه الرقاب وهو يجمع عشرات المشاركات اللاتي رفعن شعارات تستنكر تواجد من تتعلق بهم شبهات تحرش تحت سقف مقر السلطة التشريعية وتمنع من يكونون قد تورطوا في مثل هذه الجرائم حق مناقشة وسن القوانين التي من المفروض أن تحمي ضحاياهم. تعليقا على الحملة، أكدت المديرة التنفيذية لجمعية أصوات النساء، سارة بن سعيد ل “المفكرة” أن ما يحدث هو حملة استثنائية بامتياز مختلفة عن كل الحملات التي سبقتها، نابضةُ من عفوية النساء اللاتي اخترن بمحض إرادتهن نشر قصصهن مع التحرّش الجنسي، وقد نجحت في خلق تضامن كبير مع الضحايا“. في نفس السياق، اعتبرت هيفاء ذويب الناشطة النسوية والمكلفة بمشروع مناهضة العنف ضد النساء والفتيات بجنوب المتوسط ضمن جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية عند اتصالنا بها، أنّ حملة أنا زاده تعتبر مختلفة عن الحملات السابقة لأنّها لم تنطلق من أطر وجمعيات ومنظمات بل كانت عفوية وصادقة وهو ما أدى إلى نجاحها“.

حملة أنا زادهمحطة جديدة في مسار طويل

هذه الحملة الجريئة والمفاجئة، جاءت كثمرة لجهود انطلق منذ عشرات السنين لتعزيز حقوق المرأة في تونس. فالصيحة التي أطلقتها مجموعة من النساء بكل عفوية لم تكن الحملة النسوية الأولى في البلاد بل محطة متقدمة ضمن سلسلة من المحطات المتعاقبة التي يُكمل بعضها بعضا. حيث شددت الناشطة النسوية هيفاء ذويب على أن كل الجمعيات النسوية في تونس تشتغل كلٌ بطريقتها الخاصة، وتركز على زاويا معينة وهذا ما يصنع الاختلاف الذي يفضي إلى أنها تُكمل بعضها البعض عبر أنشطتها المختلفة، سواء في الموضوع أو في الطرح أو الرؤى“.

وكان مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة (الكريديف) قد أطلق في سنة 2016 حملة واسعة حول ظاهرة التحرش الجنسي ضد المرأة في وسائل النقل العمومي ودور الاجهزة الأمنية في القضاء على هذه السلوكيات المنحرفة، تحت عنوان ماتسكتش، ماكش وحدك، لا للتحرش الجنسي، ودعت آنذاك دلندة الأقرش مديرة المنظمة إلى عدم الصمت إزاء هذه الظواهر بتعلة التستر على الافعال المشينة والخوف من ردود الفعل الاجتماعية“. لم تمض أكثر من سنة، حتى بادر نفس المركز إلى إطلاق حملة جديدة تحت شعار المتحرش ما يركبش معانا. ليكون الهدف الأساسي منها توعية المجتمع حول ضرورة محاربة التحرش عبر الإبلاغ بهذه الجريمة سواء من قبل الضحايا أو الشهود من أجل معاقبة المعتدين والحد من ظاهرة التحرش الجنسي. الجديد في هذا التحرك، هو التوجه للاعتماد أكثر فأكثر على ما توفره التكنولوجيا من إمكانيات لتوثيق وإثبات حالات الاعتداء وبالتالي نشرها والتشهير بمرتكبيها وذلك عبر استخدام تطبيقيْن على الهواتف الذكية، الأول لتصوير حالات التحرّش ومشاركتها والإشعار بها، والثاني للتنديد بهذه السلوكيات، إضافة إلى ترويج مقاطع مرئية للتشهير بالمعتدين على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما شهدت السنة الفارطة، إقدام عدد من مكونات المجتمع المدني على إطلاق مبادرة بعنوان “كيفك كيفها”، والتي تضمنت تنظيم حملة وقائية لإدانة تعنيف المرأة جسديا ولفظيا عبر نشر المعلقات والإعلانات والبلاغات الإذاعية واعتماد شبكات التواصل الاجتماعي للتحسيس بخطورة هذه الممارسات.

أما على المستوى الرسمي، فقد انخرطت مؤسسات الدولة المعنية بقضايا المرأة في مختلف التظاهرات الهادفة إلى مناهضة العنف ضد النساء. إذ شاركت وزارة المرأة والأسرة والطفولة سنة 2018 في الحملة الدولية ”16 يوما من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة“. عبر تنظيم اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة تحت شعار ما تعنفنيش. واسمعني زادا، إضافة إلى إصدار بيان وضحت من خلاله أنّ هذه الحملة تهدف إلى “كسر حاجز الصمت إزاء العنف ضد المرأة ودعم الوعي وخلق رأي عام مساند لمناهضة كافة أشكال العنف القائم على نوع ما“.

رغم ترسانة التشريعات، العنف ضد المرأة يتفاقم

إلى جانب الحملات التي تطلقها منظمات المجتمع المدني أو مؤسسات الدولة الرسمية كوزارة المرأة والأسرة والطفولة، فإن الجانب التشريعي في تونس سعى قدر الإمكان إلى الحفاظ على حقوق المرأة ومناهضة كل أشكال العنف الموجه ضدها. فالفصل 21 من الدستور التونسي ينص على أنّ المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز“. أمّا الفصل 46 من الدستور فقد خصّ به المشرّع التونسي المرأة وجاء فيه تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة“.

ليس الدستور وحده هو الضامن لحقوق المرأة بل إن مسيرة النضال لترسيخ حقوق المرأة قد انطلقت منذ 13 أوت سنة 1956 مع إصدار مجلة الأحوال الشخصية والتي تضع الأطر القانونية الكفيلة بحماية المرأة وتعزيز مكانتها الاجتماعية والأسرية. وفي 11 أوت 2017، تمت المصادقة على القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، والذي اعتبر قانوناً مفصليا وحدثا قانونيا ومجتمعيا هاما.

ولئن تعددت القوانين، فإن المديرة التنفيذية لجمعية أصوات النساء، سارة بن سعيد تعتبر أن الإشكال لا يكمن في وجود مثل هذه الترسانة القانونية بل في تطبيق هذه القوانين وترجمتها عمليا إلى ممارسات على أرض الواقع.” لتضيف موضحة خلال اتصالنا بها؛ في قضايا التحرش يفرضُ القاضي على ضحية الاعتداء أنْ تثبت الواقعة بدلائل مادية، وعملية الإثبات صعبة، وهذا ما يحدث اليوم على سبيل المثال في قضية النائب المنتخب زهير مخلوف والمتهم بالتحرش. فرغم وجود الصور التي توثق الحادثة، إلاّ أن القاضي يعتبرها غير كافية لتكون حجة على القيام بالتحرش الجنسي، بل يؤولها إلى تجاهر بما ينافي الحياء“.

موقف المديرة التنفيذية لجمعية أصوات نساء يتقاطع مع الإحصائيات المفزعة حول واقع المرأة التونسية وحجم العنف المادي المسلط عليها. فقد تم تسجيل أكثر من 40 ألف قضية عنف ضد المرأة والأطفال في مختلف جهات البلاد خلال الفترة الممتدة بين فيفري 2018، تاريخ دخول قانون القضاء على العنف ضد المرأة حيز النفاذ، والى غاية ديسمبر 2018 حسب ما كشفت عنه المكلفة بملف مقاومة العنف ضد المرأة وبرنامج ترسيخ المساواة بوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن حنان البنزرتي، على هامش الندوة التي انعقدت في مارس الفارط تحت عنوان “سنة بعد المصادقة على قانون القضاء على العنف ضد المرة: تحديات التنفيذ والتوصيات”. وتتجاوز هذه الممارسات الفضاء الأسري، لتمتد إلى الفضاء العام وفق دراسة ميدانية أجراها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة في سنة 2016 والتي كشفت أن 75.4% من النساء المستجوبات تعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي في الفضاء العام ولو مرّة طيلة حياتهن، كما كان 41.2% منهن عرضة للعنف المادي في الشارع أو في وسائل النقل المشتركة. أما على الصعيد الاقتصادي، فتكشف الإحصائيات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2019، عن تعرض المرأة للإقصاء على مستوى التشغيل، إذ تبلغ نسبة البطالة بشكل عام لدى الإناث 22% مقابل 12% بالنسبة للذكور، لتتضاعف هذه المؤشرات لدى حاملي الشهادات العليا لتبلغ نسبة بطالة النساء الجامعيات 38.3% مقابل 16.5% بالنسبة للرجال من خريجي مؤسسات التعليم العالي.

تعكس هذه الأرقام بشكل جلي قصور الترسانة التشريعية عن درء العنف والإقصاء عن المرأة التونسية بشكل فعال، إلا أن الناشطة النسوية بجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية تعتبر أن القوانين التي سنها المُشرّع التونسي تعتبر صمام أمان ومكسبا وطنيا، وهو ما يضمن الحد الأدنى من حقوق المرأة ويمثل نقطة للارتكاز والتقدم إلى الأمام“.

أنا زاده“: حملة استثنائية ونقائص للمعالجة

رغم تزايد عدد المنظمات الناشطة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة، ومع تطور عدد الحملات المنددة بهذه السلوكيات، إلا أن هذه التحركات ظلت تعاني من العديد من النقائص، أهمها ما يتعلق بالجانب الزمني، إذ أن كل هذه الحملات كانت ظرفية ومقيدة بحيز زمني معين، ليتحول غياب الاستمرارية لأحد أهم العوامل التي تحد من تأثير تلك المبادرات. علاوة على ذلك فإن جُلّ هذه الحملات التحسيسية والتوعوية يتم إحياؤها في العاصمة أو في المدن الكبرى، مما يضيف إلى قصر الحيز الزمني محدودية المجال الجغرافي وهو ما يحصر صداها وارتداداتها ضمن مجموعات ضيقة.

مقاربة قلقت من أهميتها الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي في تصريح ل “المفكرة”، مذكرة “أن النضال لا يمكن أن يقاس بالأشهر أو بالسنوات بل بالنتائج والمستجدات، إذ أن جمعية النساء الديمقراطيات تناضل منذ أكثر من 30 سنة على سبيل المثال“.

لكن حملة أنا زاده التي انطلقت منذ ما يزيد عن شهرٍ وما تزال متواصلة بنسق تصاعدي ملفت، مثلت استثناء على مستوى هذه التحركات، فهي لم تكتف بتجاوز مشكلة قصر نفس مثل هذه الحملات، بل خرقت حدود الحيز الجغرافي، فالتجأت إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن للجميع الوصول إليها بسهولة والتي تعد خزانا بشريا هائلا نظرا لعدد مرتاديه في تونس والذي يتجاوز 7 ملايين شخص. أما العامل الثاني المميز لحملة أنا زاده مقارنة بسابقاتها فهو فسح المجال للضحية عند نشر قصتها بأن تخفي هويتها الأصلية، وهو ما يشجع باقي الضحايا على مشاركة قصصهن للعموم دون إظهار هوياتهن. داخليا وعلى مستوى التنظيم، وعلى الرغم من تولي جمعية ‘أصوات نساء’ تأطير وتوجيه الحملة فإنها ظلت ذات طابع عفوي بامتياز، لا تخضع لقوانين زجرية ولا لخطوط حمراء يُحظر تجاوزها. وهو ما تؤكده سارة بن سعيد المديرة التنفيذية لجمعية أصوات النساء التي شددت على أن دور جمعية أصوات نساء يقتصر على التنظيم العام فحسب. وبسؤالها عن مستقبل هذه الحملة اعتبرت بن سعيد أن الحملة ستظل حية وفاعلة في الحراك النسوي بما أن النائب زهير مخلوف موجود تحت قبة البرلمان، إذ لا يمكن السكوت حيال شخص متهم في قضية تحرش وتوكل إليه في نفس الوقت مهمة تشريع قوانين لمناهضة العنف الجنسي المُسلط على النساء، الأمر لا يستقيم، كما أن ما يعزز إمكانية تواصل هذه الحملة هو أنها تزامنت مع التظاهرة السنوية المتمثلة في حملة 16 يوم من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة والتي ستنطلق بداية من يوم الاثنين 25 نوفمبر إلى يوم 10 ديسمبر القادم“.

بالعودة إلى كل الحملات السابقة، فإن دوافعها وأهدافها كانت تتمحور حول حث النساء اللاتي تعرضن إلى العنف على كسر حاجز الصمت وفضح المعتدين، إلا أن خصوصية حملة أنا زاده تكمن في تمثيلها لما يمكن اعتباره مرحلة نُضج فكري واجتماعي في مسار النضال لمناهضة العنف ضد المرأة وفي آليات التشهير بالمعتدين. فالحملات المتكررة التي قادتها منظمات الدفاع عن حقوق المرأة كانت بمثابة تأهيل وإعداد وتحضير لحملة أنا زادهالتي لبَّت كل أهداف الحملات السابقة، ونجحت فعليا في كسر حاجز الصمت.

وقد اعتبرت الناشطة النسويّة بجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية هيفاء ذويب أنّ حملة أنا زاده هي تعبير لمرحلة وعي للنشاط النسوي الذي ظل يراكم الخبرة منذ سنوات. حيث نجحت النساء بمحض إرادتهن في كسر حاجز الصمت وفي سرد قصص الاعتداء عليهن دون الخوف من عواقب ذلك“.

لكن المرحلة التي وصلت إليها النضالات النسوية من وعي ونضج في التعاطي مع مختلف الاعتداءات والقمع المعنوي والمادي المسلط على النساء، لم يحجب حقيقة توجس بعض الناشطات من تواصل مركزة النشاطات واقتصار تأثيرات هذا الوعي على فئة دون أخرى. حيث اعتبرت نائلة الزغلامي أن هذه الحملة تعبير فعلي عن حالة نضج ويجب على الجميع الانخراط فيها، ولكنها تعتبر غير كافية إذ أن السواد الأعظم من النساء داخل الأرياف يتعرضن للاعتداءات ولكن لا تتوفر لديهن الإمكانيات للانخراط في هذه الحملة نظرا للهوة الكبيرة بين الحواضر والريف على مستوى الوعي بخطورة هذه الجرائم أو القدرة على الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي“.

رغم مرور أسابيع على انطلاق حملة أنا زاده، إلاّ أن هذه المبادرة استطاعت أن تواصل بنفس النسق مراكمة المزيد من النجاحات مع تضاعف أعداد المتفاعلين الذين يعدون بالآلاف يوميا، وعشرات الآلاف من المناصرين، إضافة إلى التغطية الإعلامية المكثفة. ويكمن الرهان اليوم لدى الناشطات في هذه المعركة في تعميم حالة النضج على أوسع نطاق ممكن والانتقال من التدوين الإلكتروني إلى العمل والحراك الميدانييّْن وكسر مركزية النقاش والحركة نحو أحزمة الغبن حول المدن الكبرى في مناطق الظل أين تعاني عشرات الألاف من النساء من شتى أنواع العنف وسط صمت قسري من مجتمع طبّع لعقود مع هذه الظاهرة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني