حكم قضائي يخفف من هشاشة الأساتذة المتعاقدين في المغرب: للمتعاقدين حق اجتياز مباريات التوظيف أيضا


2022-10-07    |   

حكم قضائي يخفف من هشاشة الأساتذة المتعاقدين في المغرب: للمتعاقدين حق اجتياز مباريات التوظيف أيضا

أصدرت المحكمة الإدارية بفاس بالمغرب حكما مبدئيا قضى بإلغاء قرار مدير برفض الترخيص لأستاذ متعاقد باجتياز مباراة للتوظيف[1].

وكان لافتا في الحكم القضائي الذي تنشره المفكرة القانونية كونه عمل على التوفيق بين مبدأ استمرارية المرفق العمومي ومسؤولية الإدارة في تيسير أسباب الاستفادة من الحق في الولوج الى الوظائف العمومية حسب الاستحقاق وضمان تكافؤ الفرص للجميع.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 14/02/2022 حينما تقدم أستاذ متعاقد بمقال افتتاحي أمام المحكمة الإدارية بمدينة فاس يعرض فيه أنه سبق وأن تقدم بطلب إلى المدير الإقليمي لوزارة التربية والتعليم عن طريق السلّم الإداري للترخيص له باجتياز مباراة لولوج السلك العادي للمعهد الملكي للإدارة الترابية. إلا أنه تفاجأ بقراره القاضي برفض الترخيص له باجتياز المباراة المذكورة، معتبرا أن هذا القرار يخرق مبدأ التزام الدولة بتيسير الولوج لجميع مواطنيها إلى الوظائف العمومية حسب الاستحقاق. كما أنه قرار غير معلّل حيث اكتفت الإدارة المطعون في قرارها، بتعليله بحاجتها إلى خدماته، وهو تعليل مجرد لم توضح من خلاله طبيعة هذا الاحتياج، خاصة وأنها منحت تراخيص موازية لغيره من الموظفين، ملتمسا إلغاء قرار الإدارة برفض الترخيص له لاجتياز المباراة المذكورة مع النفاذ المعجل.

موقف المحكمة

قررت المحكمة الإدارية بفاس الاستجابة إلى طلب المدّعي وإلغاء قرار رفض الترخيص له لاجتياز مباراة توظيف جديدة، معتمدة على العلل التالية:

  • تنفيذ الدولة لالتزاماتها المقرّرة دستوريا والمتعلقة بضمان الحقّ في التعليم، يجب أن يتمّ في إطار مبدأ المشروعية، الذي يستوجب مراعاة العقود التي تؤطر علاقاتها بالأفراد، ومنها العقود الإدارية التي تحكم العلاقة النظامية بينها وبين موظفيها؛
  • تمسك الإدارة في قرارها المطعون فيه بحاجة المؤسسة إلى خدمات الطاعن وضرورات المصلحة دون تحديد تجلياتها لا يمكن أن يبرر رفضها الترخيص له لاجتياز مباراة توظيف جديدة؛
  • يقع على عاتق الإدارة التزام آخر جدير بالحماية يتمثل في تيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في الولوج إلى الوظائف العمومية حسب الاستحقاق وضمان تكافؤ الفرص للجميع، وهو ما يستوجب الترخيص للموظفين باجتياز مباريات التوظيف الخارجية، وبتنظيم مباريات التوظيف بشكل يسمح بالاستفادة من أطر جديدة لها نفس الكفاءة والتخصص القادرة على القيام بنفس المهام.

وعليه خلصت المحكمة الإدارية الى أن قرار منع الترخيص لأستاذ متعاقد لاجتياز مباراة للتوظيف الخارجي هو قرار إداري غير معلل ومخالف للقانون، وهو بذلك قرار غير مشروع، يتعين إلغاؤه بما يترتب على ذلك من آثار قانونية.

تعليق على أهمية نشر الحكم القضائي

يأتي هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية في سياق حراك كبير تقوده تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم نظام التعاقد للمطالبة بإدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية من دون أي تمييز، حيث يعتبرون أن إقرار هذا النظام يرسخ نوعا من الهشاشة ويعصف بالأمن الوظيفي للأستاذ، كما أنه يفرز نوعا من التمايز، بين فئات الأسرة التعليمية، في ظل تواجد أساتذة مرسمين يخضعون لقانون الوظيفة العمومية، وأساتذة متعاقدين تتصف وضعيتهم بالضبابية في ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص.

وتعود كرونولوجيا إقرار المغرب للتوظيف بالتعاقد في قطاع التعليم إلى حكومة عباس الفاسي، وذلك حينما صدر تعديل للفصل 6 مكرر من قانون الوظيفة العمومية حيث أصبح ينص على أنه: “يمكن للإدارات العمومية عند الاقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود…. لا ينتج عن هذا التشغيل في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة”.

في عهد حكومة عبد الاله بنكيران سنة 2011 تم إقرار مرسوم يقضي بفصل التكوين عن التوظيف بالنسبة لطلاب المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، كما صدر مرسوم آخر ينظم التوظيف بالتعاقد.

وانطلاقا من سنة 2016 تم إلغاء التوظيف العمومي وتعويضه بنظام التعاقد.

ومع مطلع سنة 2017 بدأت أولى ثغرات هذا النظام تظهر للعيان بطرد أستاذين بشكل تعسفي بدون إشعار أو تعويض كما جاء في العقود. وهناك اكتشف الأساتذة المتعاقدون حقيقة وضعيتهم إذ أنهم لا يتمتعون بأي حقوق يضمنها قانون الوظيفة العمومية، ولا حتى الحقوق المخولة لباقي الأجراء طبقا لمدونة الشكل، نتيجة عقود الإذعان التي وقعوا عليها. وتفاقمت وضعية الأساتذة المتعاقدين حينما وقفوا على بعض الشروط الموجودة في عقود توظيفهم والتي تمنع عليهم التقدم لاجتياز مباريات التوظيف، أو المطالبة برفع أجورهم أو تقديم طلبات للانتقال خارج حدود الأكاديميات التي يعملون فيها، أو الاحتفاظ بنظام تقاعد أساسي على غرار زملائهم في سلك الوظيفة العمومية وهو ما جعلهم أمام ما يشبه عقود إذعان. فانتظم عدد من الأساتذة المتعاقدين في تنسيقية -وهي إطار لا يخضع لقانون الجمعيات- من أجل تحصين أوضاعهم والمطالبة بإدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية بمناصب مالية مُمركزة قارّة وإسقاط نظام التعاقد.

كما قرر عدد من الأساتذة اللجوء إلى القضاء للطعن في بعض الشروط الواردة في نظام التعاقد، أو في قرارات بعض المدراء رفض تمتيعهم ببعض حقوقهم. وفي هذا السياق تبرز أهمية الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية في كونه يكرّس حقّ اللجوء إلى القضاء لإخضاع القرارات الصادرة عن مدراء التعليم لرقابة المشروعية، حيث أقر هذا الحكم المبدئي قاعدة مفادها ضرورة التوفيق بين مبدأ استمرارية المرفق العام ومبدأ ضمان تكافؤ الفرص للجميع للولوج الى الوظائف العمومية معتبرا أن أي تقييد لهذا المبدأ يستوجب مراعاة التناسب والضرورة، وأنه يقع على عاتق الإدارة تبرير أي قيود تفرضها على ممارسة هذا المبدأ، وأن الاكتفاء بمبرر “ضرورات المصلحة دون تحديد تجلياتها” لا ينهض كسبب مشروع لرفض الترخيص للموظف باجتياز مباراة توظيف جديدة، مؤكدا أهمية مباريات التوظيف الداخلية والخارجية في تجديد النخب من خلال السماح بالاستفادة من توظيف أطر جديدة لها نفس الكفاءة والتخصص القادرة على القيام بنفس المهام.

ومن المأمول أن يسهم نشر هذا الحكم القضائي في تعزيز التقاضي الاستراتيجي وتشجيع ثقافة اللجوء إلى القضاء باعتباره الضامن الأول لممارسة الحقوق والحريات وفق أحكام الدستور والمعايير الدولية.

مواضيع ذات صلة

المتعاقدون مستمرّون بالإضراب: معلّمون يتّجهون نحو خط الفقر


[1] حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد 187 في الملف عدد 50/7110/2022، صادر بتاريخ 28/03/2022.

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، الحق في التعليم ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني