حكم قضائي بالسفر بالمحضون للخارج للعلاج : المصلحة الفضلى للطفل أولى بالاعتبار


2024-05-28    |   

حكم قضائي بالسفر بالمحضون للخارج للعلاج : المصلحة الفضلى للطفل أولى بالاعتبار

أصدر مؤخرا رئيــــــس قســــــم قضــاء الأسرة بســــــــلا بصفته قاضيا للمستعجلات أمرا استعجاليا بالإذن لأم بالسفر بطفلها الى الخارج للعلاج رغم معارضة الأب.

وتكمن أهمية الأمر القضائي الذي تنشره المفكرة القانونية في أنه يعيد إلى الواجهة الإشكاليات التي تواجه الأمهات الحاضنات في القيام بمهام النيابة القانونية عن أطفالهن، رغم إسناد الحضانة إليهن، وكان لافتا في هذا الحكم أنه اعتمد على الاتفاقيات الدولية وما تقتضيه من مراعاة المصلحة الفضلى للطفل.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ 09/08/2023، حينما تقدمت أمّ بمقال استعجالي إلى رئيس قسم قضاء الأسرة بسلا، تعرض فيه بأنها انفصلت عن المدعى عليه، بعدما أثمرت العلاقة الزوجية بينهما طفلا، وقد أسندت إليها حضانته من طرف المحكمة، إلا أنه تعرض بتاريخ 23/01/2021 إلى حادثة سير خطيرة أدت إلى إصابته على مستوى الدماغ والرأس والوجه، وجروح وكسور ورضوض في أنحاء متفرقة من جسمه. كما دخل في غيبوبة لفترة طويلة لعدة أشهر، ولا زال يعاني من عجز كلي ولا يقوم بحاجياته الأساسية إلا بمساعدة الآخرين، كما أنّ الأكل والشرب والتنفس لا يتمّ بصورة طبيعية، وإنما عن طريق أنابيب من أجل التنفس والأكل وهو ما اقتضى متابعة طبية دقيقة وتكاليف باهظة لتتبع حالته الصحية.

وأضافت بأنها ترغب في اصطحاب ابنها إلى الخارج قصد العلاج وقد حصلت على موعد طبي للقيام بالإجراءات والعمليات الجراحية والعلاجية اللازمة، إلا أنها لم تتمكّن من إنجاز جواز سفر للطفل، لكون طليقها يتواجد بالسجن، ولتعذر الحصول منه على إذن بالسفر بالمحضون، ملتمسة من المحكمة الإذن لها بالسفر بابنها المذكور أعلاه خارج أرض الوطن بصفة عرضية قصد العلاج، مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل والبت في الصائر وفقا للقانون.

وأجاب المدعى عليه، بمذكرة التمس فيها رفض الطلب لكونه غير مبرر خاصة وأن المدعية لم تثبت الطابع العرضي للسفر، ولم تدل بأي ضمانات تفيد عودتها إلى المغرب، ولكون السفر بالطفل سيحرمه من صلة الرحم معه.

 موقف المحكمة

استجابت المحكمة إلى طلب المدعية معتمدة على العلل التالية:

  • الملف الطبي للطفل يثبت حجم الضرر الذي تعرّض له الطفل وتواجده في وضعية صحية صعبة تستلزم عناية دقيقة، كما أنّ خلاصات التقرير الطبي المدلى به تؤكّد أنه من المستحسن أن يتابع الطفل علاجه بالخارج.
  • إثبات الصفة العرضية بالسفر تبقى من تقدير القاضي الاستعجالي، وقد بادرت المدعية إلى حجز موعدين طبيين في مستشفى ARMAND TROUSSEAU بفرنسا بمصلحة الجراحة الخاصة بالأطفال بتاريخي 30/08/2023 و31/08/2023، وأن ضمان عودتها إلى مقرها الاعتيادي بالمغرب يستشفّ من حسن نيتها في التقاضي بحيث التمست تحديد السفر قصد علاج المحضون لمدة حددتها من 25/08/2023 الى 30/09/2023 فضلا عن ارتباطها بالعمل، بحكم أنها تعمل كموظفة ورئيسة مصلحة بكلية الحقوق، وبكون سكـــنها موجودا بالمغرب بمدينة ســـلا ، مما يجعل ضمانات عودتها إلى المغرب كافية.
  • أن ما تمسك به المدعى عليه بخصوص حقّه في صلة الرحم باعتباره حقا طبيعيا وشرعيا، لا يستقيم واقعيا ومؤقتا من جهة بالنظر إلى الحالة الصحية الحرجة للمحضون، ومن جهة أخرى مع وضعية المدعى عليه باعتباره معتقلا بالسجن ومدانا من أجل جريمتي الاختطاف والاحتجاز من أجل طلب فدية ومحكوم بسبع سنوات سجنا نافذا حسب المفصل بمنطوق القرار الجنائي طي الملف، وأن صلة الرحم لا تنفذ حاليا بإقرار المدعى عليه الصريح بحيث أفاد أن علاقته منقطعة بالمحضون في الوقت الحالي لكون الطفل يتلقى العلاج ولا يستطيع زيارته عكس ما كان عليه الحال بحيث كان بالإمكان نقله للمؤسسة السجنية لزيارته، مما يتعين معه رد دفعه بهذا الخصوص لكون سفر المحضون للعلاج بالخارج لمدة زمنية مؤقتة، لن يؤثر على الحق في صلة الرحم باعتبار أن هذا الحق منتفٍ وغائب حاليـــا ولو بتواجد المحضون داخل التراب الوطني.
  •   بموجب الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل المصادقة عليها من طرف المغرب، فإنّ للطفل الحقّ في التمتّع بأعلى مستوى صحّي يمكن بلوغه وبحقه في العلاج والصحة حسب ما نص عليه الدستور، والمشرع المغربي من خلال مقتضيات مدونة الأسرة، أولى عناية خاصة وفائقة لحياة المحضون وسلامته الجسدية والنفسية، مع مراعاة أن جميع الإجراءات التي قد تتخذها المحكمة والتي تتعلق بالمحضون يولى الاعتبار الأول فيها للمصلحة الفضلى للطفل.

وعليه، وبعدما ثبت للمحكمة قيام عنصر الاستعجال، ووجود الصفة العرضية للسفر، ومراعاة للمصلحة الفضلى للمحضون خلصت الى أن المدعية محقة في طلبها، وقضت بالإذن لها بالسفر بابنها المحضون خارج أرض الوطن لدولـــة فرنـــسا، قصد العــــلاج خلال المدة المحددة في الطلب، مع إرجاع المحضون لأرض الوطن بعد ذلك، والكل تحت عهدتها ومسؤوليتها الشخصية مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل.

تعليق على الحكم

يعيد هذا الحكم القضائي الذي تنشره المفكرة القانونية إلى الواجهة إشكالية قيام الأمهات بمهام النيابة القانونية على أطفالهن، والتي تعتبر من بين النقاط الخلافية التي برزت خلال المشاورات المتعلقة بتعديل مدونة الأسرة.

ففي الوقت الذي اتفقت فيه غالبية المذكرات المقدمة على كون المقتضيات القانونية الحالية تشكل حيفا على الأمهات بحيث تكون لهن الأسبقية في استحقاق الحضانة على الأبناء بعد الطلاق، إلا أن المشرع لا يعترف لهن بحق النيابة القانونية على أطفالهن، إلا على سبيل الاستثناء، إلا أن المقترحات المقدمة إلى هيئة تعديل مدونة الأسرة، تباينت بين عدة توجهات:

  • توجّه أول يقول بجعل النيابة القانونية بعد الطلاق حقا للحاضن من الأبوين؛
  • توجّه ثان يقول بجعل النيابة القانونية مشتركة بين الأبوين بعد الطلاق، وفي حالة وجود خلاف يجوز اللجوء إلى القضاء الاستعجالي، ويؤدّي تعسف أحد الأبوين في القيام بمهام النيابة القانونية إلى إسقاط ولايته الأبوية لمدة محددة؛
  • توجّه ثالث: يقول بالإبقاء على المقتضيات الحالية القائمة على التمييز بين مهام الحضانة والتي تكون فيها الأولوية للأم، ومهام النيابة القانونية التي تكون فيها الأولوية للآب في حالة وجوده، مع إمكانية تنصيص المشرع على صلاحية قيام الأم الحاضنة ببعض مهام النيابة القانونية في المجال الإداري خاصة ما يتعلق باستخراج الأوراق الإدارية وشؤون تمدرس الأطفال، وفي هذا الإطار، صدرت مؤخّرا دورية نصّت على تخويل الأمهات صلاحية استخراج جواز سفر أطفالهن.

الملاحظ في هذا الحكم رفض الأب منح الموافقة على سفر طفله، رغم ثبوت مصلحة الطفل في هذا السفر من أجل استكمال العلاج، حيث تمسّك بمبررات من قبيل حاجته إلى صلة الرحم معه، رغم أنّ هذا المبرر يتنافى مع الواقع لكونه يوجد في السجن، كما أن الطفل في حالة غيبوبة، وتؤكد عدد من الجمعيات النسائية أن المقتضيات القانونية الحالية تلزم النساء على التنازل عن بعض حقوقهن من أجل الحصول على موافقة أزواجهن السابقين للقيام ببعض الأمور المستعجلة لفائدة أطفالهن.

كان لافتا أن المحكمة اعتمدتْ على مبدأ المصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، وأكدت على وجوب مراعاة هذا المبدأ وجعله فوق كل اعتبار معللة قرارها بأنه “لضمان عدم حرمان الطفل المحضون ” ……..” من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية خارج أرض الوطن، بالنظر إلى وضعيته الصحية المعقدة والتي تحتاج تدخلا علاجيا وجراحيا دقيقا حسب ما ورد بالتقارير الطبية، فإن المصلحة الفضلى له تقتضي تغليبها على جميع الاعتبارات الأخرى”.     

للاطّلاع على الحكم القضائي بسلا

مواضيع ذات صلة

أسباب جديدة في دعاوى إسقاط حضانة الأم بالمغرب

محكمة النقض المغربية تسقط حضانة زوجة “خرجت مساء بلباس عصري

تطبيق جديد لاتفاقية حقوق الطفل بالمغرب: زواج الحاضنة لا يسقط حضانتها

زواج الأم الحاضنة لا يسقط حضانتها: سابقة قضائية تغلب مصلحة الطفلة الفضلى في المغرب

وأخيرا.. للأم المغربية حق استخراج جواز سفر لأبنائها القاصرين دون اشتراط موافقة الأب : صدور دورية تستبق تعديل مدونة الأسرة

هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب تسلّم تقريرها الختامي

مقترح قانون يُتيح للأم الحاضنة السفر بمولودها لخارج المغرب دون إذن طليقها

القضاء المغربي يقرّ حق أم عازبة في الحصول على دفتر عائلي

ورشة لتعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: أيّ توافق بين المرجعيّتين الحقوقية والدينية؟

حقّ الرؤية للأجداد أيضا عملا بمصلحة الطفل الفضلى

منحة تعليم الأطفال تُعطى للأم بأمر قضائي في المغرب

بعد المغرب، زوجة توجه إنذاراً لزوجها بالنشوز في مصر: التقاضي كوسيلة لتغيير الصور النمطية

مكانة الشريعة الإسلامية في تشريعات المغرب في ظل الدستور الجديد: استيعاب التناقضات في إطار التوافق وتحكيم “أمير المؤمنين

تحالف ربيع الكرامة يشخص الوضع الحقوقي للمرأة المغربية

انشر المقال



متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، حقوق الطفل ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني