حظر مقاطعة إسرائيل أو التضامن مع فلسطين


2023-11-13    |   

حظر مقاطعة إسرائيل أو التضامن مع فلسطين

في تموز 2023، صوّت البرلمان البريطاني لصالح مشروع قانون يحظر على المجالس المحلية والجامعات والهيئات العامة الأخرى مقاطعة الدول الأجنبية. وقد خصّ القانون بالذّكر إسرائيل وحدها تأكيدا على سعيه  إلى حماية كافة وحداتها الاستيطانية في أرجاء فلسطين (الضفة الغربية) وفي مرتفعات الجولان السورية.

وتبريرًا لهذه الخطوة، يزعم حزب المحافظين البريطاني بأنّ السياسة الخارجية هي شأن حكومي بحت. أمّا بالنسبة لإسرائيل، فهو يذهب أبعد من ذلك ويقرُن حظر المقاطعة بتضييق الخناق على حركة “مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها” (المعروفة بحركة “بي دي إس” BDS) التي يقودها الفلسطينيون. 

حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات في الهيئات العامة البريطانية

أحرزت حملات المقاطعة، في المملكة المتحدة، تقدمًا على مستوى المجالس المحليّة. ففي العام 2010، أصدر مجلس مدينة سوانزي قرارًا يلتزم فيه بعدم توقيع أيّة عقود مستقبلية مع شركة “فيوليا” التي كانت تدير مشروع بناء نظام شبكة السكك الحديد الخفيفة في القدس الشرقية المحتلة. وبدوره، أقرّ مجلس مدينة ليستر، في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، سياسةً لمقاطعة البضائع المنتَجة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، في حين صوّت مجلس غوينيد لصالح فرض حظر تجاري على إسرائيل. [1]

وفي ظل التهديد المنبثق عن نجاح تلك الحملات، رفعت مؤسسة خيرية مسجّلة في بريطانيا تدعى “هيومن رايتس ووتش اليهودية” دعوى للمراجعة القضائية ضد تلك المجالس البريطانية الثلاثة> وقالت: “إنّ مستوى الكراهية التي يعاني منها الشعب اليهودي اليوم في المملكة المتحدة وأماكن أخرى له علاقة كبيرة بحركة المقاطعة BDS”[2]. غير أنّها وفي قرار تاريخي اتخذته في العام 2016، رفضت المحكمة العليا في لندن هذا الإجراء القانوني وحكمَت بإمكانية مواصلة المقاطعة من قبل المجالس المذكورة. 

عدا عن ذلك، فقد أقرّ مجلس مدينة لانكستر في العام 2021 اقتراحًا يدعو إلى سحب ما يقارب 8 ملايين جنيه إسترليني يجري استثمارها في شركات لها روابط مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وفي العام نفسه، قرّر صندوق لوثيان للمعاشات التقاعدية في إدنبرة البدء بمقاطعة بنك “هبوعليم” الإسرائيلي.[3]

كما اكتسبت حملات سحب الاستثمارات زخمًا في قطاع التعليم العالي في المملكة المتحدة. ففي العام 2018، كانت جامعة ليدز أوّل مؤسسة بريطانية تسحب استثماراتها من الشركات التي تقدّم خدماتها لقوات الاحتلال الإسرائيلي.[4] وفي العام 2020، حذت جامعة مانشستر حذوَها فسحبت استثمارات تقارب قيمتها مليوني جنيه إسترليني من الشركات المتواطئة في استعمار فلسطين.[5]

وبالنتيجة، فإنّ القانون الجديد إنما يرمي على وجه التحديد إلى وضع حدّ للعديد من النجاحات التي حققها نشاط المقاطعة على مستوى السلطات المحلية والأكاديميا. ووفقًا لمايكل غوف، الوزير البريطاني الذي قدّم مشروع القانون المذكور، فإنّ “هذه الحملات (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات) لا تقوّض السياسة الخارجية للمملكة المتحدة فحسب، بل تؤدّي إلى خطاب معادٍ للسامية وإساءات مروّعة”. [6]  غير أنّ حركة المقاطعة (BDS) أكّدت بأنّها تستهدف التواطؤ لا الهوية. فما يستدعي إجراءات المقاطعة ليست يهوديّة الشركة أو الفرد بل تواطؤهم ماديًا مع الممارسات الاستعمارية. 

القمع في ألمانيا

ليست الحكومة البريطانية وحدها التي تستخدم اتهامات معاداة السامية سلاحًا ضدّ حركة المقاطعة (BDS). ففي العام 2021، أصدر البرلمان الألماني (البوندستاغ)، مدعومًا من كافة الأحزاب السياسية تقريبًا، قرارًا أدان فيه حركة المقاطعة باعتبارها معادية للسامية. وقد اعتمد البوندستاغ صراحة في قراره هذا ضدّ الحركة على التعريف العملي للتحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) لمعاداة السامية. ورغم أنّ قرار البوندستاغ كان غير ملزم، كما وجد تقرير حديث صادر عن المركز الأوروبي للدعم القانوني، إلّا أنّ لديه صفة أمر رسمية authoritative ويجري تطبيقه على أنّه ملزم قانونًا [7].

وتكمن قوّة قرار البوندستاغ المناهض لحركة المقاطعة وكذلك تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة بشكل أساسي في اللجوء إلى مصادر السلطة غير المنصوص عليها في القانون. وقد جرت الاستفادة من هذه الأدوات غير القانونية، في تطبيق مجموعة من الإجراءات القمعيّة جدًا في ألمانيا، إذ مُنعت المنظمات والفلسطينيون الداعمون للمقاطعة من الحصول على الأموال العامة والاستفادة من الأماكن العامة. وحَرَمت الجامعات الألمانية وحكومات الولايات والمؤسسات العامة الفلسطينيين من حقهم في مقاومة مضطهديهم.[8]

وفي العام 2021، عمدت هيئة الإذاعة الألمانية العالمية “دويتشه فيله” إلى فصل العديد من الموظفين العرب، كلّهم من الفلسطينيين أو اللبنانيين، مستندة في تحقيقٍها على تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة المشار إليه أعلاه [9]. وكذلك شرطة برلين استندت على التعريف نفسه في شهر أيار من العام 2022، لتبرير قرار منع إحياء ذكرى النكبة. يذكر أنّ هذه الحالات ليست منفردة أو محصورة بل هي جزء من توجّه أوسع يتعاظم في العديد من البلدان.[10]

تحدّي القمع

أدخلت الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، مجموعة من القوانين الرامية إلى مكافحة المقاطعة بهدف حماية إسرائيل. فقد أصدرت ولايات أميركية عدة، معتمدة على تشريعات سابقة هدفت إلى مواجهة مقاطعة الدول العربية لإسرائيل في السبعينيات، قوانين تلزم الهيئات العامة بحجب العقود والمِنح والاستثمارات عن الأشخاص المشاركين في حملات المقاطعة. [11] وبات حاليًا لدى 35 ولاية أميركية بعضٌ من أشكال التشريعات أو الأوامر التنفيذية المتعلقة بمكافحة المقاطعة.[12] ومن المقرّر أن تلجأ المملكة المتحدة، كما فعلت الولايات المتحدة، إلى القوانين حيث تسعى التشريعات صراحة إلى حظر استخدام عمليات المقاطعة وسحب الاستثمارات.

وحتى اليوم، ما زال تنفيذ العقوبات هزيلًا، فيما استطاعت مجموعة “العمل الفلسطيني” الناشطة أن تستهدف بشكل فعّال شركات صناعة الأسلحة الإسرائيلية بحملة ناجحة من التخريب الاقتصادي. فقد تمكّن النشطاء باستخدام تكتيكات العمل المباشر – المتمثّلة أولًا باحتلال occupying مصانع الأسلحة ومن ثمّ تعطيل إنتاجها – من إلحاق ما يكفي من الضرر باقتصاد وسمعة شركة “إلبيت سيستمز”؛ أكبر شركة خاصة لصناعة الأسلحة في إسرائيل، لإغلاق أحد مصانعها في أولدهام وإغلاق مكاتبها في لندن عدا عن خسارتها ما يقارب 350 مليون دولار أميركي في العقود المبرمة مع وزارة الدفاع البريطانية.[13] وتشكّل هذه “العقوبات من الأسفل” تصدّيًا هامًا لتواطؤ الحكومة والجهود واسعة النطاق لتجريم التضامن مع الفلسطينيين.

وفي الوقت عينه، شكّلت مجموعات من المجتمع المدني في بريطانيا تحالفًا واسعًا يعمل على التعبئة لمناهضة مشروع قانون مكافحة المقاطعة بشكل خاصّ، وما يسمّونه هجومًا على الحقوق الديمقراطية الأوسع وحرية التعبير.[14] ويقول بيتر ليري، المسؤول في “حملة التضامن مع فلسطين”، إنّ هناك جهدًا متناميًا عبر المجتمع المدني لمواجهة الحكومة، إذ إنّ القانون المقترح من شأنه أن يقيّد مجموعة واسعة من الحملات التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمناخية.[15] وتُعَد الحملات الرامية إلى رفع الوعي على المستويين الشعبي والإعلامي، فضلًا عن الضغط على أعضاء البرلمان، من بين التكتيكات الرئيسية التي يمكن للمنظمات المعترف بها والناشطين اعتمادها في محاولة منهم لممارسة بعض الضغط. إلى ذلك، يشير ليري إلى أنّ مشروع القانون قد دخل مؤخرًا ما يسمّى “مرحلة اللجان”. ومن الواضح أنّه لم تتمّ دعوة أيّة منظّمة أو فرد فلسطيني للإدلاء بشهادتهم الشفهية، بل جرى الاستماع إلى مجموعات مثل: “أصدقاء إسرائيل المحافظين”، و”محامون بريطانيون من أجل إسرائيل”، و”مؤسسة هنري جاكسون” الفكرية التابعة للمحافظين الجدد. [16]

يشار إلى أنّ “حملة التضامن مع فلسطين” كانت قد حقّقت في العام 2020، انتصارًا أمام المحكمة العليا ضدّ لائحة حكومية بريطانية تمنع صناديق التقاعد في البلديات المحلية من سحب استثماراتها في الشركات المتواطئة في القمع الإسرائيلي للفلسطينيين. [17] وبعد هزيمتها في المحكمة، تحاول الدولة البريطانية حاليًا بالدفع بالإجراء المناهض لحركة المقاطعة قدُمًا عبر البرلمان. ولا يزال مشروع القانون المذكور يواجه بعض العقبات قبل أن يصبح قانونًا – يمكن تعديله في المراحل التالية وفي مجلس اللوردات – لكنه مع اجتياز القراءة الثانية، أوشك أن يشكّل تصعيدًا كبيرًا ضدّ حركة التضامن مع فلسطين. وفي حال عدم مقاومة هذه الخطوة، فإن تداعياتها سوف تمتدّ إلى ما هو أبعد من بريطانيا، كونها قد تشكل سابقة تقتدي بها حكومات أوروبية أخرى. 

لقراءة المقال باللغة الانكليزية يمكنكم الضغط هنا

[1] Asa Winstanley, “Welsh council embargoes Israel over Gaza “savageness””, The Electronic Intifada, 17 October 2014.

[2] Karim El-Bar, “UK court dismisses call to ban council boycotts of Israeli settlement goods”, Middle East Eye, 29 June 2016.

[3] “Further boost to BDS as UK’s Lancaster local council divests from Israel firms”, Middle East Monitor, 5 July 2021.

[4] “In first, UK university divests from firms supplying Israel army”, Middle East Monitor, 5 November 2018.

[5] “University of Manchester divests nearly £2m from companies complicit in Israel’s oppression of the Palestinian people”, Palestine Solidarity Campaign, 6 August 2020.

[6] Nadeem Badshah, “UK government expected to table bill banning boycotts of Israeli goods”, The Guardian, 17 June 2023.

[7] “Suppressing Palestinian Rights Advocacy through the IHRA Working Definition of Antisemitism”, European Legal Support Center, June 2023.

[8] Hebh Jamal, “Dear Germany, you will not repress Palestine solidarity”, The New Arab, 28 April 2023.

[9] Linah Alsaafin, “‘We are scapegoats’: Arab journalists fired by Deutsche Welle”, Al Jazeera English, 11 February 2022.

[10]  لمزيد من الأمثلة، انظر الملاحظة رقم 7. 

[11] Davina Herman and Didi Cooper, “Doing activism like a state: Progressive municipal government, Israel/Palestine and BDS”, Environment and Planning C: Politics and Space, 38(1), 2020, p. 40-59.

[12] لمزيد من المعلومات حول تشريعات مكافحة المقاطعة في الولايات المتحدة، راجع Palestine Legal.

[13] Huda Ammori, “Why we’re laying siege to an Israeli weapons plant”, The Electronic Intifada, 11 April 2023.

[14]  انظر حملة Right to Boycott .

[15]  مقابلة أجريت عبر  تطبيق زووم في 6 أيلول 2023.

[16] “Economic Activity of Public Bodies (Overseas Matters) Bill”, Committee Stage, UK House of Commons, 5 September 2023.[17] “Palestine Solidarity Campaign defeats UK Government over pensions divestment”, Palestine Solidarity Campaign, 28 April 2020.

انشر المقال

متوفر من خلال:

منظمات دولية ، مقالات ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني