توريد العلم الوطني في ذكرى الاستقلال في تونس: أي فهم لاستقلالنا؟


2017-03-22    |   

توريد العلم الوطني في ذكرى الاستقلال في تونس: أي فهم لاستقلالنا؟

إختارت الحكومة التونسية أن تكون الراية الوطنية عنوان احتفالاتها بالذكرى الواحدة والستين لاستقلال تونس. فهيأت ساحة وسط العاصمة تونس أطلقت عليها تسمية ساحة العلم. وكما تدل على ذلك التسمية كان العلم الوطني أبرز ما في تلك الساحة. بحضور موكب رسمي تقدمه رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد ووزراؤه، تم بتاريخ 20-03-2017 رفع علم تبلغ مساحته ثلاثمائة متر مربع على سارية شاهقة بلغ ارتفاعها 65 مترا في الساحة. بدا الاحتفال بعيد الاستقلال عند هذا الحد مشبعا بالرمزية يعيد للعلم الوطني اعتباره.

 لم يمنع البعد الوطني للحدث من تداول الإعلام التونسي خبرا مفاده أن الراية التي تم رفعها مستوردة. وهو أمر أكدته الحكومة على لسان وزير التجهيز والإسكان السيد محمد صالح العرفاوي مبررة إياه بأن شركة المقاولات التي هيأت الساحة اضطرت لأن تورد العلم من شركة نسيج تركية بعدما تبين لها عدم قدرة شركات النسيج التونسية التي اتصلت بها عن حياكة علم من ذات نوعية القماش المطلوبة للراية[1]. واعتبر رئيس الحكومة إثارة هذه المسألة التفصيلية خطابا شعبويا ينتهي أثره بما يخلفه النظر للعلم من رهبة. وبعيدا عن المحاولات الرسمية للتقليل من قيمة معطى توريد العلم، فإن اقتران عملية التوريد باحتفالية عيد الاستقلال الوطني يحتم طرح السؤال حول قيم الاستقلال الوطني في ظل قيم العولمة.

 لم ترَ الحكومة التونسية عند إعدادها لكراس الشروط الذي يربطها بالمقاول الذي عهدته بإنجاز الساحة العامة حاجة لأن تضمّنه  شرطا يفرض أن يكون العلم الذي سيرفع مصنعاً بتونس. كما لم تتابع وزارة التجهيز تقدم أعمال معاقدها لتنبهه عند توجهه لاختيار التوريد أن هذا يتعارض مع رمزية العلم الوطني وقيم الاستقلال الذي سيرفع في الإحتفال بمناسبته. ويظهر هذا التقصير هاما لاعتبار أنه يبرز كمباركة رسمية لثقافة التوريد من الحكومة التي كان ينتظر منها  تحفيز المواطنين على  استهلاك المنتوج المحلي كاختيار يحمي الاستقلال والسيادة الوطنية.

 وينتظر أن تحصد الحكومة سريعا ثمرة تقصيرها: فالراية الموردة التي احتفلت برفعها ستحتاج بعد مدة زمنية لأن تستبدل بغيرها  عملا بالمناشير الرسمية التي تفرض ألا تكون الاعلام الوطنية التي ترفع بالية بما يلزمها بالبحث عن مزود لها بهذه الراية. وإن اختارت حينها ذات المزود واتجهت للتوريد ثانية، فهذا يعني أن العلم الضخم سيتحول إلى عنوان دائم  للتبعية الاقتصادية بعدما كانت الغاية من رفعه الإحتفاء بالإستقلال الوطني. ويبدو من المهم في ظلّ هيمنة قيم العولمة الإقتصادية والسياسية البحث عن تعريف شامل للاستقلال الوطني يتجاوز المقاربات التي تربطه بالنضال من أجل التخلص من سلطة الاستعمار. كما يتعين على نواب الشعب في إطار ما لهم من صلاحيات دستورية مساءلة الحكومة على تقصيرها كي لا يؤدي التجاوز عنه إلى تماديها في انتهاج سياسات اقتصادية لا تحمي الإستقلال الوطني.

 


[1] وزير التجهيز والإسكان يوضّح حقيقة صنع العلم التونسي في تركيا – 20-03-2017 –موقع  اذاعة أي اف أم                                                                           

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني