تقرير لافت لرابطة المحامين الدولية عن استقلال القضاء المصري


2014-02-25    |   

تقرير لافت لرابطة المحامين الدولية عن استقلال القضاء المصري

أصدر معهد حقوق الانسان التابع لرابطة المحامين الدولية تقريرا تحت عنوان "فصل القانون عن السياسة: التحديات التي تواجه استقلال القضاة وأعضاء النيابة العامة في مصر". يتناول التقرير الوضع الراهن في مصر سياسيا وانعكاساته على وضع القضاء والنيابة العامة، كما يبرز التقرير أهم التحديات التي تواجه استقلال القضاة وأعضاء النيابة العامة ويصيغ التوصيات اللازمة لمواجهتها.

تقسيم التقرير
ينقسم التقرير الى 5 أقسام؛ يتناول القسم الاول منها منهجية البحث التي اعتمدت على 25 مقابلة ما بين فردية وجماعية، واستشارات مع ممثلين عن الأحزاب، نادي القضاة، وزارة العدل، المجلس القومي لحقوق الانسان، نقابة المحامين، نشطاء سياسيين وغيرهم. كما قام التقرير بالاعتماد على القوانين المصرية والدولية، والمصادر الثانوية بما فيها تقارير المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة.
يتناول القسم الثاني عرضا للأحداث السياسية التي مرت بها مصر خلال السنوات الماضية منذ 2011 بما فيها الأحكام القضائية التي كان لها نتائج سياسية مثل الحكم الصادر ببطلان اللجنة التأسيسية للدستور، أو بطلان انتخابات مجلس الشعب.
أما الأقسام الثالث والرابع من التقرير، فيتناولان تباعا استقلال القضاء والتحديات التي تواجه استقلال النيابة العامة، لينتهي التقرير الى توجيه توصيات للسلطات المصرية في قسمه الأخير.
 
1-استقلال القضاء
 يعرض التقرير في المقدمة المبادئ الدولية لاستقلال القضاء وفي المنظومة القانونية المصرية. فالسلطة القضائية لا بد أن تعمل باستقلال تام بعيدا عن أي تدخلات أو ضغوط أو تهديد من قبل السلطة التنفيذية. كما تحظر المعايير الدولية على القضاة العمل في أي مهام تنفيذية (وزراء، نواب، مجالس محلية…الخ) طوال فترة خدمتهم في القضاء. كما تنص المعايير الدولية على ضرورة أن تستند تعيينات الهيئات والجهات القضائية على الكفاءة، وضرورة التدريب المهني المستمر وخضوعهم للتقييم لتحقيق المهنية. كذلك، تنص المعايير الدولية على ضرورة التزام القضاة بالنزاهة والموضوعية وهو ما يترتب عليه حظر القضاة من تقلد مناصب حزبية أو العمل في التجارة، وتكفل له حقه في التعبير والتجمع. كما يشير التقرير الى ضرورة ان يتمتع القاضي بالحصانة والثبيت في عمله ولا يتم نقله الا من خلال سلطة قضائية وبموافقته كما لا يجوز اتخاذ أى اجراءات تأديبية ضده الا من خلال هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية. كما ذكر التقرير انه على الرغم من عدم نص المعايير الدولية على حظر انشاء المحاكم الاستثنائية والمحاكم العسكرية، فان محاكمة المدنيين أمام محاكم مماثلة يقتضي أن تبقى استثنائية ومحدودة بقضايا معينة، ومشروطة بعجز المحاكم العادية على اجراء المحاكمة، وبكفالة عدالة المحاكمة (بما تتضمنه من ضمان نزاهة واستقلال القاضي).
 
وعند استعراض الأحكام الواردة في المنظومة القانونية المصرية، رأى التقرير أن استقلالية القضاء في مصر مكفولة عن طريق النصوص الدستورية خلال الثلاث دساتير الأخيرة (1971، 2012، 2014)، وأحكام المحكمة الدستورية العليا. بالمقابل، سجل أن بعض النصوص القانونية المتمثلة في قانون السلطة القضائية الصادر عام 1972 والمعدل عام 2007، تحتاج الى اعادة نظر. وقد وصف التقرير هذه المواد بانها تمثل التحديات التي تواجه استقلال القضاء، ونعرضها فيما يلي.
 
نظام تعيين وترقية القضاة
ففيما يخص نظام تعيين القضاة، يعرض التقرير طريقة تعيين القضاة في مصر والتي تتمثل في اختيار مجلس القضاء الأعلى لقضاة المحاكم الابتدائية من ضمن أعضاء النيابة العامة عند بلوغهم سن الثلاثين عاما[1]. أما أعضاء النيابة العامة فيقوم باختيارهم مجلس القضاء الأعلى[2] بعد اجراء مقابلة مع المتقدمين لشغل وظيفة "معاون بالنيابة العامة"، حسب ما ذكر التقرير. أما فيما يخص تعيينات مجلس الدولة، فانها تتم عن طريق مجلس مكون من قضاة المجلس الذين يقومون بالمقابلة والاختيار. ويبرز التقرير أزمة تعيين أبناء القضاة كأعضاء في النيابة العامة والقضاء، رغم عدم حصول البعض منهم على التقدير المطلوب للتعيين. ويشدد التقرير على ضرورة اللجوء الى امتحان قبول للنيابة العامة لضمان الشفافية، والكفاءة كمعيار للتوظيف.

أما بخصوص الترقيات، فيذكر التقرير ان كل رئيس محكمة يقوم باختيار القضاة من خلال لائحة الأسماء المقدمة له من كبار قضاة المحكمة على أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بالتصديق على الترقيات. أما الترقيات بالنسبة الى قضاة مجلس الدولة، فيتولاها المجلس الخاص لهذا المجلس.
 
تدخلات السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية
تقوم السلطة التنفيذية بالتدخل، في بعض الأحيان، في تعيين القضاة. فرئيس الجمهورية يقوم باختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا، والنائب العام. كما يقوم وزير العدل بتعيين رؤساء المحاكم الابتدائية، وقضاة التحقيق في بعض القضايا. ويشير التقرير أن وجود دور للسلطة التنفيذية في التعيينات القضائية، لا يمثل في حد ذاته تعارضا مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء، طالما يتسم مجلس القضاء الأعلى بالمهنية والاستقلال. وحسب التقرير، فان دور رئيس الجمهورية في التعيينات السالفة الذكر، مجرد دور شكلي ومنوط بموافقة مجلس القضاء الأعلى، أما دور وزير العدل فهو الذي يجب الوقوف عنده بطريقة جدية. 

يشير التقرير، انه على الرغم من عدم النص صراحة في القانون، فان وزير العدل يقوم عمليا باقتراح توزيع جغرافي للقضاة، ولا يقوم مجلس القضاء الأعلى بابداء أى اعتراض. فالمادتان 30 و31 من قانون السلطة القضائية تنصان على تشكيل الجمعية العامة من كل القضاة العاملين في المحكمة، وأن تنظر الجمعية العامة في توزيع القضايا على الدوائر المختلفة، على أن تبلغ الجمعية قرارتها لوزير العدل الذي يستطيع بدوره اعادة القرارات التي لا يوافق عليها الى الجمعية العامة للتدول فيها[3]، مما يتيح له عمليا، كما يستنتج التقرير، باختيار قضاة للنظر في قضايا معينة. وهو ما يتنقده التقرير، مشددا على ضرورة أن يكون توزيع القضايا مستندا على الخبرة، أو أن يكون عشوائيا لضمان عدم تحديد قاض بعينه للنظر في قضية ما.

بالاضافة الى ذلك، يشير التقرير الى صلاحية وزير العدل في اختيار القضاة الذين يتم انتدابهم الى وظائف غير قضائية داخل مصر، وعليه فقط أن يسمع رأى مجلس القضاء الأعلى دون أن يكون مجبرا على اتباعه. مما ينتج عنه تعيين بعض القضاة كمحافظين، أو كمستشارين قانونيين في بعض الوزرات قبل تقاعدهم، وهو ما يعصف باستقلال القضاء ويتعارض مع المعايير الدولية لاستقلاله. بالاضافة الى ذلك، يشير التقرير الى كون هذه الانتقالات تعد مكافأة للبعض لارتفاع المرتبات في هذه الوظائف مقارنة بالوظائف القضائية، أو ابعاد للبعض الآخر الذي لا يريد النقل، مما يبرهن على استخدام السلطة التنفيذية لهذه الصلاحية للتأثير على القضاة، فيكون على القاضي "ارضاء" وزير العدل للاستفادة من النقل أو اجتنابه. كما انه في بعض الأحيان، يتم نقل القاضي أو انتدابه دون رضاه مما يتعارض مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء. على الجانب الآخر، تهدد اعارة القضاة الى حكومات أجنبية أو هيئات دولية استقلال القضاة، بسبب خضوعها لسلطة رئيس الجمهورية وامكانية تعسفه في استخدام هذه السلطة. وكانت المفكرة القانونية قد نشرت مقالا للكاتبة بتاريخ 16-10-2013 عن اعارة القضاة المصريين الى دول الخليج، مشيرة الى سلبيات النظام على المنظومة القضائية واستقلال القضاء.

الى جانب ذلك، تسمح المادة 78 من قانون السلطة القضائية لوزير العدل أن يختار العاملين بادارة التفتيش القضائي، ويكون لهم صفة "الموظف الحكومي" بوزارة العدل. ووفقا للقانون، فانه يمكن لمجلس القضاء الأعلى أن يرفض لائحة القضاة الذين تم اختيارهم لهذه المناصب، ولكن حسب التقرير، فان المجلس لا يقوم بالاعتراض، مما يعني امكانية تحكم السلطة التنفيذية في التفتيش القضائي من خلال اختيار قضاة مقربين للسلطة لاستخدامهم مستقبلا في اجراء تفتيش على القضاة المعارضين. بالاضافة الى ذلك، يمتلك وزير العدل سلطة اقامة الدعوى التأديبية. ويذكر التقرير وقائع متعددة تبرهن تعسف وزير العدل في استخدام هذه السلطة بما يهدد استقلال القضاء، منها واقعة احالة المستشارين محمود مكي وهشام بسطويسي الى مجلس التأديب بعد اعتراضهما على تزوير انتخابات 2005 ومطالبتهما باستقلال القضاء. ويشدد التقرير على أن تتولى سلطتا التفتيش والتأديب هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية، مما يترتب عليه ضرورة ادخال تعديلات على قانون السلطة القضائية بخصوص هذه المسألة.
 
تمثيل المرأة والأقليات في القضاء
رغم أن تمثيل المرأة والأقليات في القضاء لا يمس مباشرة بمسألة استقلال القضاء، ولكنه يدلل على مدى تمتع القضاء بالموضوعية والحيادية تجاه هذه الفئات. وبالرغم من أن المعايير الدولية لا تشير صراحة الى المساواة الجندرية أو حقوق الأقليات، ولكنها تؤكد على ضرورة أن يستند اختيار القضاة على الكفاءة وبدون أى تمييز.

ويشير التقرير ان التقديرات ترجح وجود 42 سيدة فقط في القضاء من أصل 12000 قاضي في القضاء العدلي، وعدم تقلد المرأة منصة القضاء الاداري بمجلس الدولة مطلقا. بالنسبة الى الطائفة المسيحية، فتشير التقديرات الى أن 10% من القضاة مسيحيو الديانة، وهو ما يعادل نسبتهم في المجتمع المصري كما يشير التقرير.
وكانت المفكرة القانونية قد نشرت للكاتبة مقالا في عددها العاشر بتاريخ 31-7-2013 تبرز فيه قلة تمثيل المرأة في القضاء والتمييز الواقع ضدها في هذا المجال.
 
يشير التقرير أن خلال حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وبسبب سياسة "أسلمة" الدولة، فان المرأة تلقت هجوما على دورها في المجتمع مما حال دون تحقيق أي تقدم في مجال تقلدها المناصب القضائية، وهدد أيضا وجود المسيحيين في القضاء.
 
خفض عدد القضاة في المحكمة الدستورة العليا
لا ينص القانون على عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا، ولكن جرى العرف، كما يؤكد التقرير، أن تتكون المحكمة من 18 قاضيا. ولكن، دستور 2012، نص على تخفيض عدد قضاة المحكمة ليصبح 11 قاضيا فقط. وقد تراوحت الآراء حول أسباب هذا القرار، حسب المقابلات التي أجراها الباحثون، فالبعض رأى أن ذلك يضع مصر في مصاف الدول المتقدمة ويؤدي الى تخفيض ميزانية المحكمة، بينما ذهب البعض الآخر الى أن ذلك التعديل هدف الى تنحية عدد من القضاة المعارضين لنظام الأخوان المسلمين منهم المستشارة تهاني الجبالي، من المحكمة.
يؤكد التقرير، انه مهما كان سبب التعديل، فانه لا يتوافق مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء بسبب تطبيقه بأثر رجعي على القضاة الذين كانوا في الخدمة، وكان يجب تطبيقه بأثر مستقبلي فقط.
 
المهنية والموارد المتاحة
يؤكد التقرير على أن القضاء المستقل يحتاج الى المهنية حتى يكون فعالا، وهو الأمر الذي تفتقده السلطة القضائية في مصر الى حد كبير. فالقضاة المصريون يعانون من زيادة الأعباء عليهم، فحسب التقديرات، يتابع القاضي حوالي 300-400 قضية في اليوم الواحد، الى جانب افتقادهم للتدريب الكافي. كما يعاني القضاء المصري من نقص في الموارد، فالأحكام والقوانين غير متاحة الكترونيا، والأحكام تصدر بخط الأيدي. ويثني التقرير على المبادرة التي قامت وزارة العدل باطلاقها بالتعاون مع شركة "جوجل" لاطلاق موقع الكتروني[4] يحتوي على القوانين، مشاريع القوانين والأحكام القضائية، على الرغم من أن الموقع يظل في طور الاعداد.

يشير التقرير الى غياب حماية القضاة، مما يعرضهم لضغوط سياسية واعتداءات جسدية، كما أدى الى احاطة بعض المحاكم أثناء نظر بعض القضايا السياسية للتأثير عليها أو منع دخول القضاة.

كما يضيف التقرير أن رواتب القضاة لا تتناسب مع طبيعة عملهم، فهى تعتبر منخفضة، مما يؤدي الى زيادة نفوذ وزير العدل على القضاة حيث انه يستطيع انتدابهم للعمل في وظائف خارج القضاء على نحو يؤدي الى ارتفاع رواتبهم.

كما أشرنا أعلاه، فان التقرير أشار الى قلة التدريبات التي يخضع لها القضاة، وقد أبرز التقرير استحسان بعض القضاة لفكرة خضوعهم لتدريبات خاصة بحقوق الانسان والقانون الدولي.

ويؤكد التقرير أن الاشكاليات المطروحة بخصوص مهنية القضاء، وأهمية تحسين موارده جدية وتؤثر على فاعلية القضاء، ويمكن التصدي لها من خلال زيادة الميزانية واعتماد التدريبات للقضاة واللجوء الى المساعدة الدولية إذا تطلب الأمر.
 
المحاكم العسكرية والاستثنائية
يؤكد التقرير على ارتفاع أعداد المدنيين الذين تمت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية منذ عزل الرئيس الأسبق مبارك، مع استمرار ذلك خلال حكم الرئيس السابق محمد مرسي والرئيس الحالي عدلي منصور. ففي الفترة بين فبراير 2011 الى نوفمبر 2011، تمت محاكمة 12000 مدني أمام محاكم عسكرية. وهو الأمر الذي لا يتناسب مع المعايير الدولية لاستقلال القضاء، نظرا لافتقاد القضاء العسكري لمعيارى الاستقلال والموضوعية.
 
التعديلات المقترحة على قانون السلطة القضائية
يناقش التقرير في هذه الفقرة التعديلات المقترحة من أحزاب الوسط، الحرية والعدالة، البناء والتنمية، بالاضافة الى التعديلات المقترحة من نادي القضاة خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي.

فيما يخص اقتراح تخفيض سن التقاعد من 70 الى 60 عام، الذي تقدمت به الأحزاب الثلاثة سالفة الذكر، شدد معهد حقوق الانسان التابع لرابطة المحامين الدولية على ضرورة عدم تطبيق هذا التعديل، إذا تم اقراره، بأثر رجعي على القضاة في الخدمة حتى لا يتم اعتباره كنوع من عزل القضاة.

وقد اقترحت الأحزاب كذلك، حظر الاضراب على القضاة، وضرورة اشرافهم على الانتخابات على أن يتم معاقبة من يمتنع جنائيا أو تأديبيا. كما اقترح نادي القضاة حظر العمل السياسي على القضاة بحيث يتم منع القاضي من ابداء أى آراء سياسية بأى وسيلة كانت، أو التواجد في أى تجمع سياسي أو حزبي، بالاضافة الى حظر التحدث بلسان أى وسيلة اعلامية أو التعليق على شؤون القضاة أو القضاء، والا يتم خضوعهم للتأديب. رغم تأكيد معهد حقوق الانسان التابع لرابطة المحامين الدولية على ضرورة ابتعاد القضاة عن السياسية، فانه يعتبر أن الاقتراحات المقدمة من نادي القضاة تخطت المقبول، ومن شأنها أن تعصف بحق القضاة في ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية، كما تثير التساؤلات حول حصانة القضاة وعدم قابليتهم للعزل. وهي كذلك تناقض معايير الأمم المتحدة لاستقلال القضاء، التي تنص على أن القضاة، مثل باقي المواطنين، لهم الحق في التعبير، الاعتقاد، التجمع، مع التأكيد على أن عليهم أثناء ممارستهم لهذه الحقوق، الحفاظ على استقلالهم وحياديتهم.

وقد اقترح نادي القضاة أيضا نقل كل سلطات وزير العدل التي ينص عليها قانون السلطة القضائية الى مجلس القضاء الأعلى لضمان استقلالية أكبر للمنظومة القضائية، بالاضافة الى رفع رواتب القضاة وهي الاقتراحات التي أثنى عليها التقرير.
 
2-التحديات التي تواجه استقلال النيابة العامة
المعايير الدولية
يذكر التقرير أهم المعايير الدولية التي تضمن استقلال النيابة العامة. ومن أهم هذه المعايير ضرورة كفالة أنظمة التعيين، الترقية والتدريب لوصول الأشخاص المناسبين وذوي الكفاءة، وأن تستند الى الحيادية، وتبتعد عن المحاباة والتمييز، بالاضافة الى ضرورة النص على عدم قابلية أعضاء النيابة للعزل، وضمان شروط مناسبة للخدمة بما فيها تخصيص رواتب جيدة ومناسبة لطبيعة العمل. كما أشار التقرير، أنه يجب أن يكون دور النيابة العامة مستقلا عن القضاء، مما يترتب عليه عدم جواز شغل وظيفة عضو في النيابة العامة وقاض في الوقت نفسه، ويجب كذلك أن تكون النيابة العامة مستقلة عن السلطة التنفيذية.
 
القانون المصري
 ينص القانون المصري على خضوع جميع أعضاء النيابة العامة (معاوني النيابة، مساعدي النيابة، وكلاء النيابة…الخ) لإشراف النائب العامة. ويخضع أعضاء النيابة العامة الى نفس الشروط التي يخضع لها القضاة، مثل عدم قابليتهم للعزل، ونفس المحاذير، على سبيل المثال حظر العمل السياسي.

وكما ذكرنا سابقا فيما يخص القضاة، فان أعضاء النيابة العامة يخضعون لتدخل السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل في الحالات التالية، والتي يعتبرها التقرير أهم النقاط التي تحول دون استقلال النيابة العامة:
 –        سلطة وزير العدل في اختيار قضاة تحقيق بالاسم للتحقيق في بلاغات أو قضايا بعينها من خلال طلب ذلك مباشرة من رئيس محكمة الاستئناف.
–         امكانية طلب وزير العدل فتح دعوى تأديبية تجاه عضو من أعضاء النيابة العامة، كما أن لوزير العدل-طبقا للمادة 125 من قانون السلطة القضائية- حق الرقابة والاشراف الاداري على النيابة وأعضائها.
–         سلطة وزير العدل في الموافقة على اسماء أعضاء النيابة العامة الذين يتم ندبهم الى وزارات أو هيئات غير قضائية.
تجدر الاشارة أن التقرير اشار الى سلطة رئيس الجمهورية في تعيين النائب العام، وهو الأمر الذي كان ساريا خلال فترة حكم مبارك، والأمر الذي قام به رئيس الجمهورية السابق محمد مرسي عند تعيين المستشار طلعت مصطفى كنائب عام. ولكن دستور 2014 نص في المادة 189 منه على اختيار مجلس القضاء الأعلى للنائب العام، على أن يصدر قرار تعيينه من رئيس الجمهورية، كما نص على أن يتولى المنصب لمدة أربع سنوات ولمدة واحدة فقط، وهو التعديل الذي أثنى عليه التقرير.
 
افلات سلطات الدولة من العقاب
يبرز التقرير ضياع حق العديد من المواطنين الذين تعرضوا لانتهاكات حقوق انسان مثل التعذيب قبل ثورة 25 يناير، وذلك لأن تحقيقات النيابة العامة لم تؤدّ الى احالة القضية الى المحكمة، أو أنها لم تكن كافية لادانة الجناة عند عرضهم على المحكمة. أما بعد ثورة 25 يناير، فيشير التقرير أنه لم تتم ملاحقة الجرائم المرتكبة من سلطات الدولة خلال الثلاث سنوات بينما تمت ملاحقة الخصوم السياسيين لكل نظام سياسي خلال السنوات الماضية، وتكون بذلك فشلت الأنظمة الثلاثة (المجلس العسكري، فترة حكم مرسي، وسلطة بعد 30-6) في ملاحقة قضايا انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها سلطات الدولة وخصوصا وزارة الداخلية. فعلى سبيل المثال، لم تقم النيابة العامة بتحريك الدعوى الجنائية أو فتح تحقيقات في أحداث محمد محمود التي سقط فيها 51 متظاهر.

ومنذ 2011، ورغم ارتفاع عدد القتلى والمصابين وضحايا العنف وانتهاكات حقوق الانسان، لم تتم ادانة سوى خمسة عاملين في وزارة الداخلية ما بين ضباط وعساكر، دون ادانة لقيادات الوزارة، حسب ما جاء بالتقرير.
 
ملاحقة خصوم النظام السياسيين
يبرز التقرير اختلاف الاتهامات الموجهة من النيابة العامة الى نشطاء سياسيين حسب توجهات النظام. ففي فترة المجلس العسكري، تم توجيه اتهام "اهانة الجيش" الى نشطاء سياسيين. الجدير بالذكر، أن التقرير يشير الى أن عدد هذه الاتهامات جاوز عدد الاتهامات الحاصلة طوال فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك.

أما خلال فترة حكم الرئيس السابق مرسي، فقد كانت تهمة "اهانة الاسلام" أو "اهانة رئيس الجمهورية" هى التهمة التي كان يحال على اساسها النشطاء للنيابة العامة. ويشير التقرير انه، في الفترة بين 30-6-2012 حتى 20-1-2013، تجاوزت عدد الاتهامات ب"اهانة رئيس الجمهورية" عدد الاتهامات الحاصلة على هذا الأساس خلال 30 سنة من حكم الرئيس الأسبق مبارك، فقد تم التحقيق مع العديد من النشطاء، الصحفيين، الاعلاميين، المدونيين، كما تم غلق بعض القنوات. وعلى سبيل المثال، يشير التقرير، الى قضية باسم يوسف، الاعلامي الساخر، الذي تم تقديم بلاغات ضده بتهمة اهانة الرئيس واهانة الاسلام مع ابراز سرعة النائب العام في فتح التحقيق في هذه البلاغات، كما تم استدعاؤه للتحقيق واصدار مذكرة بضبطه واحضاره. كما يشير التقرير الى قضية الناشط أحمد دومة الذي قام وكيل النيابة بطنطا بالتحقيق معه على خلفية تصريحات تليفزونية أدلى بها بخصوص الرئيس السابق مرسي، وتم حبسه ولم يتم الافراج عنه الا بعد عزل مرسي. كما يعدد التقرير بعض القضايا الأخرى التي تم التحقيق فيها مع عدد من الاعلاميين، النشطاء، الصحفيين وغيرهم بتهمة اهانة الرئيس أو اهانة الاسلام. ويبرز التقرير انه بعد عزل مرسي وسقوط نظام الاخوان، تم تقديم حوالي 30 بلاغ للنائب العام ضد باسم يوسف لاتهامه باهانة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وقام النائب العام فعلا بفتح التحقيقات في هذه البلاغات.
 
أما بعد 30-6-2013، تمت ملاحقة المنتمين والمؤيدين لجماعة الأخوان المسلمين كما تم حبس العديد منهم، ويقدر التقرير عددهم بحوالي 3000 شخص في الفترة بين يوليو وسبتمبر 2013.
كما قام نادي القضاة بفصل 75 من القضاة الذين قاموا بالامضاء على بيان تأييد لشرعية الرئيس السابق مرسي. كما قام نادي القضاة ومجلس القضاء الأعلى بتحريك الدعوى التأديبية ضد هؤلاء القضاة بدعوى اشتراكهم في العمل السياسي.
كما لم تقم النيابة العامة، رغم مناشدة عدد من منظمات المجتمع المدني لها، بفتح التحقيقات في مقتل ما يقارب ال1000 مواطن المعتصمين في ميدان رابعة العدوية اثر فض الاعتصام في 14-8-2013.
ورغم أن النيابة العامة، قدمت مرسي وعددا من قيادات الاخوان المسلمين الى المحاكمة بتهمة قتل ثلاثة أشخاص وتعذيب 54 شخصا أمام القصر الجمهوري يوم 5-12-2012، لم تنجح في التحقيق أو في تحديد المتهمين بمقتل حوالي 7 أشخاص من الاخوان المسلمين في نفس اليوم.
 
واستنادا على كل ما سبق، فان مجلس حقوق الانسان التابع لرابطة المحامين الدوليين، أشار الى غياب المساءلة في الجرائم التي تقوم بها سلطات الدولة بالمقارنة بملاحقة المعارضين للحكومة أو للنظام الحاكم، والخصوم السياسيين للنظام الحاكم. وهو الأمر الذي يستدعي الانتباه له ويحتاج الى العلاج من خلال تعديلات قانونية، وادخال تغييرات مؤسسية وثقافية.
 
التوصيات
في ختام التقرير، قام مجلس حقوق الانسان التابع لرابطة المحامين الدولية، بتوجيه توصيات لرئاسة الجمهورية، الحكومة المصرية، وزارة العدل والبرلمان القادم، مجلس القضاء الأعلى، والسلطات القضائية المعنية من قضاء ونيابة عامة، وهي كالتالي:
–         ضرورة اتباع نظام تعيينات قضائية قائم على امتحان قبول للمتقدمين لشغل الوظائف القضائية من خريجين الحقوق، أو المحامين الراغبين في دخول السلك القضائي أو النيابة العامة.
–         أن تكون الترقيات داخل السلك القضائي قائمة على الكفاءة وعلى الفحوصات.
–         انهاء سلطة وزير العدل وخاصة سلطته في تعيين قضاة التحقيق في القضايا، وقبول استقالات القضاة، كذلك انهاء تدخله في ميزانية القضاء.
–         انهاء ندب القضاة الى الوزارات والهيئات القضائية، طوال فترة خدمتهم في السلك القضائي.
–         انهاء سلطة رئيس الجمهورية الخاصة بتمديد مدة اعارة القضاة الى الخارج.
–         اتخاذ خطوات ايجابية في سبيل دخول المرأة السلك القضائي.
–         تشكيل جهاز مستقل للتفتيش القضائي، والدعاوى التأديبية، أو نقل هذه السطات من وزير العدل الى مجلس القضاء الأعلى.
–         رفع مرتبات القضاة بما يتناسب مع طبيعة عملهم.
–         انشاء اكاديمية للقضاء لتدريب القضاة وأعضاء النيابة العامة على القانون الدولي، حقوق الانسان وغيرها من فروع القانون، كذلك لتدريب مساعدين القضاة والأطباء الشرعيين وغيرهم من العاملين في السلطة القضائية.
–         ضمان تطبيق أى تعديلات تجرى على قانون السلطة القضائية بأثر مستقبلي وليس بأثر رجعي.
–         حظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
–         انهاء أو تقليص دور وزير العدل في الاشراف على أعمال النيابة العامة. 
–         تبني مبادئ توجيهية أو ارشادات لأعضاء النيابة العامة تتناول السلطة التقديرية للنيابة العامة في تحريك الدعاوى. على أن تبرز هذه الارشادات، أهمية تحريك الدعاوى عندما تكون في الصالح العام، وألا يتم تحريك أى دعوى تقوم على انتهاك حقوق الانسان مثل الحق في التعبير، مع نشر أسباب تحريك أو عدم تحريك النيابة العامة للدعوى عندما يتعلق الأمر بقضايا سياسية أو جدالية.
–         انشاء نظام عدالة انتقالية مع لجنة تقصي حقائق مستقلة، للنظر في الجرائم المرتكبة خلال الثلاث سنوات الماضية، بما فيها تلك التي يكون المتهم فيها عضوا من القوات المسلحة. 
 



[1] راجع المادة  38 و39  من قانون السلطة القضائية.
[2] راجع المادة 116 من قانون السلطة القضائية.
[3] راجع المادة 36 من قانون السلطة القضائية.
[4] https://sites.google.com/site/mojconsultations
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني