تعليم الأطفال السوريين (2): بين الورشة والصفّ طريق ملؤها العقبات


2022-11-28    |   

تعليم الأطفال السوريين (2): بين الورشة والصفّ طريق ملؤها العقبات
أطفال سوريون يلهون في أحد المخيمات في بلدة عرسال

بقوّة تحكم ماجدة (8 سنوات) قبضة يدها الصغيرة على ثلاثة آلاف ليرة هي غلّة يومها من بيع البلاستيك الذي حرصت على جمعه من الحاويات القريبة صباحاً، فيما تقف ميرنا (5 سنوات) وسط مخيّم كفرملكي 038 (في سهل عكار) ممسكةً بكيس تظهر منه بعض المخلّفات البلاستيكيّة، “راح الحوّاج قبل عودتي” تقول لصديقاتها بغضب، في إشارة إلى الرجل الذي يأتي بـ “الرابيد الأبيض” كلّ يوم صباحاً ليشتري من أطفال المخيّم ما جمعوه من خردة مقابل مبلغ بالكاد يكفي لـ “بسكوتة آخدها معي إلى المدرسة” كما تقول ماجدة.

ليست ميرنا أو ماجدة استثناء: فجميع الأطفال في هذا المخيّم يبيعون الخردة أو البلاستيك قبل الذهاب إلى المدرسة، ومن كان محظوظاً منهم يكون جمع البلاستيك وبيعه هو العمل الوحيد الذي يقوم به، إذ كلّ من تجاوز عمره التاسعة يذهب إلى “ورشة البطاطا” القريبة، “الطفل عندنا يعمل بالزراعة ما أن يصبح عوده قويّاً” تقول سيّدة سورية، مضيفة لـ “المفكرة” “العلم ترف إن لم يعملوا لا نستطيع العيش، بدنا خبز بالأوّل”.

منذ العام 2012 ومع تصاعد أعداد اللاجئين السوريين في لبنان (1.5 مليون لاجئ حسب آخر إحصاء 2018)، شكّل تعليم اللاجئين السوريين أحد التحدّيات الأساسيّة ضمن خطط الاستجابة للأزمة السورية. تطرّقنا في القسم الأوّل من تحقيق من جزئين إلى أعداد التلامذة السوريين الذين أدرجوا في العملية التعليمية والكلفة المعلنة لهذه العملية مقارنة بالنتائج، بناء على المعلومات التي توافرت لدينا. وحاولنا فهم كيفية إنفاق الأموال المرصودة ورصد مكامن الهدر أو الإهمال مع الإشارة إلى أنّنا نركز فقط على التعليم النظامي أي تسجيل وانتظام التلامذة في الدوام المسائي الذي خُصّص للاجئين السوريين.

في القسم الثاني نحاول تسليط الضوء، على عوامل يمكن اعتبارها من الأمور الأساسيّة التي أعاقت وصول خطة تعليم اللاجئين إلى أهدافها، عوامل تحدّثت عنها عشرات التقارير من الجهات المانحة ومن المنظمات الدولية منها ارتفاع كلفة بدل النقل وتكاليف الدراسة، العوائق القانونيّة، وضع المدارس والمدرّسين الذين يعتبرون الحجر الأساس في العمليّة التربوية فضلاً عن غياب الرغبة عند عدد من أولياء الأمور في تعليم أبنائهم، آملين أن تلحظ الخطّة الجديدة المتعلّقة بتعليم اللاجئين هذه العوامل. فلا يمكن دعم التعليم عبر دعم المؤسّسة فقط حسب ما يشير نعمة نعمة الباحث في مركز الدراسات اللبنانيّة، بل لا بدّ من دعم المناهج والأساتذة والتلامذة وعائلاتهم. 

تجدون أدناه جدولا للعناوين (يمكنكم التوجّه مباشرةً إلى العنوان الذي تريدون قراءته من خلال الضغط عليه).

العناوين
يوم في الصف و10 في الورشة 
تواطؤ من الأهل أيضاً
“البيك آب” ومعوّقات الوصول إلى المدرسة
العنف والحساسية مع المجتمع المضيف
مدارس غير مؤهّلة وأساتذة يعانون
النتائج كارثيّة

يوم في الصف و10 في الورشة 

يعتبر تغيّب التلامذة عن الدراسة أحد المعوّقات الأساسيّة أمام عمليّة تعليم اللاجئين السوريين في لبنان. يرتبط هذا التغيّب بعاملين أساسيّين: كلفة بدل النقل، واضطرار التلامذة إلى العمل. إذ يؤكّد معظم مديري المدارس والمدرّسات الذين التقيناهم أنّ معظم العائلات تقسّم أيّام الحضور إلى المدرسة بين أبنائها توفيراً لبدل النّقل إلى حين التوقّف كليّاً عن إرسال أي ولد ولفترات طويلة خلال المواسم الزراعية.  

لا يعتبر عمل الأطفال السوريين في مجال الزراعة وتسبّبه بالانقطاع عن الدراسة ظاهرة حديثة، أي أنّه لا يرتبط مباشرة بتداعيات الانهيار الاقتصادي في لبنان، فعلى سبيل المثال كشفت نتائج دراسة بحثيّة أجرتها كلية العلوم الصحيّة في الجامعة الأميركية في بيروت ونشرت العام 2019 (قبل الانهيار الاقتصادي)، أنّ 70% من الأطفال اللاجئين السوريين في منطقة البقاع ما بين 4 و18 عاماً منخرطون في العمل وأنّ  75% من هذه النسبة تعمل في الزراعة، وأنّ 50% من الأطفال المنخرطين في العمل عبّروا عن عدم قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة بسبب العمل.

ولكنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه النسب ومع الانهيار الاقتصادي ارتفعت كما ارتفعت نسب عمل الأطفال السوريين في مجالات أخرى، إذ تؤكّد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان أنّ الانهيار الاقتصادي دفع اللاجئين السوريين إلى اتخاذ خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة كل يوم، بما في ذلك إلغاء وجبات طعام وعدم التماس العلاج الطبي العاجل وإرسال الأطفال إلى العمل بدلاً من المدرسة.

أطفال خارج صفوف المدرسة أثناء دوام التعليم

وفي تقرير لليونسيف نشر في أيلول 2021، استمرّ الاتجاه التصاعدي في عمالة الأطفال في أوساط الأطفال السوريين في عام 2021، إذ بلغ عدد الأطفال السوريين اللاجئين المنخرطين في سوق العمل نحو 27,825 طفلاً. 

حين دخلنا مخيم كفرملكي، كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحاً. وكان المخيّم شبه فارغ من الأطفال. خُيّل إلينا بداية أنّهم في المدرسة ولكنّنا سرعان ما استدركنا أنّ مدرستهم تبدأ عند الساعة الثانية ظهراً، وما أن سألنا عن الأطفال حتى جاء الجواب “في ورشة البطاطا”.

تسكن في هذا المخيّم حوالي 120 أسرة حسب “الشاويش” تضمّ أكثر من 100 طفل لاجئ في سنّ الدراسة. ولكن لا يتجاوز عدد من يذهب منهم إلى المدرسة 50 أي نصفهم، ولكن حتى هذا النصف لا يذهب إلى المدرسة بانتظام حسب الشاويش أيضاً، إذ إنّ معظم من هو مسجّل في المدرسة يتغيّب عنها في موسم الزراعة “شهرين ما بيروحوا ويمكن أكتر” يقول لـ “المفكرة”.

ما يحصل في هذا المخيم ينسحب أيضاً على معظم مخيّمات اللاجئين السوريين في المناطق اللبنانيّة التي تنشط فيها الزراعة، إن لم نقلْ كلّها، وبالتالي على معظم الأطفال السوريين وذلك انطلاقاً من أنّ تواجد مخيمات اللاجئين السوريين يتركّز في لبنان في البقاع الأوسط وسلسلة جبال لبنان الشرقية وتحديداً في عرسال بالإضافة إلى عكار فضلاً عن أنّ عدداً كبيراً ممّن لا يسكنون في مخيمات قريبة من المناطق الزراعية ينتقلون إلى المخيمات القريبة بشكل موسمي.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تركّز اللاجئين السوريين في هذه المناطق كان دفع وزارة التربية والتعليم إلى رفع عدد المدارس المخصّصة لهذه الفئة، حتّى أنّ أوّل مدرسة بدوام مسائي افتتحت في منطقة عرسال.

وفي هذا الإطار تؤكّد رئيسة وحدة التعليم الشامل صونيا خوري في مقابلة مع “المفكرة القانونيّة” أنّ نسب الغياب في الدوام المسائي تتراوح يومياً بين 13 و17%  وتصل في بعض المناطق ولا سيّما في الأطراف إلى 50%، شارحة أنّ نسب التغيّب عادة ما ترتفع في المواسم الزراعية وتحديداً في موسمي الدخان والبطاطا وأنّ التلامذة المتغيّبين بشكل أساسي  تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً. فقبل هذه السن، لا يرسل الطفل إلى الزراعة وبعدها على الأرجح يكون قد ترك المدرسة بشكل نهائي.

وعن آليات تعامل الوزارة والمدارس مع هذا التغيّب، توضح خوري أنّ القانون ينصّ على شطب التلميذ الذي يتغيّب أكثر من 15 يوماً متتالياً من دون عذر. إلّا أنّ التلامذة، وحسب خوري، يحرصون على أن يعودوا إلى الدراسة ليوم أو يومين بعدما ينقطعون عشرة أيام مثلاً وهكذا دواليك، وأنّ عودتهم غالباً ما تكون خوفاً من خسارة 20 دولاراً تدفعها اليونيسيف كبدل نقل شهري.

“المفكرة” تحدّثت مع عدد من الأهالي ومديري بعض المدارس الذين كرّروا الفكرة ذاتها عن التغيّب مع التوضيح أنّ التعاطي في هذا الموضوع  يختلف من مدرسة إلى أخرى، وأنّ الأمر متروك لمدير المدرسة،  فبعض المديرين يتواصلون مع الأهالي ويتابعون سبب التغيّب ويصرّون على التأكيد على الحضور والاطّلاع على العقبات محاولين المساعدة في حال كانت المساعدة ممكنة أو تحت طائلة اتخاذ إجراءات قانونية، فيما لا يقوم مديرون آخرون بهذا الأمر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يؤكّد مدير مدرسة تلّ حياة (عكّار) غسان السيّد أنّه في حين سجّل أوّل العام الدراسي (2021/2022) ما يقارب 450 تلميذاً سورياً، لا تتوقّع المدرسة انتظام أكثر من 270 منهم ولا سيّما في الموسم الزراعي، مع إشارته إلى أنّه يتواصل مع الأهالي بشكل مستمر محاولاً حثّهم على ضرورة انتظام أبنائهم في الصفوف.

تواطؤ من الأهل أيضاً

خلال جولتنا لطالما كرّر المدرّسون ومديرو المدارس فكرة يعتبرونها أساسيّة في موضوع إعاقة عمليّة تعليم اللاجئين تتعلّق بما أسموه “تواطؤ” أو “إهمال” أولياء الأمور الذين لا يعتبرون التعليم أولوية أو حتى جانباً يجب إيلاؤه الاهتمام.

“الانتظام بالمدارس بالنسبة لعدد كبير من أولياء الأمور هو من أجل ما تدفعه الجمعيات. على سبيل المثال كان تسجيل الفتيات لافتاً من حيث العدد بعدما بدأت إحدى الجمعيات المعنية بمكافحة الزواج المبكر بدفع 400 دولار سنوياً لكلّ فتاة سورية تلتحق بالمدرسة” يقول أحد المديرين، مضيفاً: “بعض الأهل يسجّلون بناتهم فقط من أجل هذا المبلغ، وأكثر من ذلك، الحضور يكون شبه كامل في الأيام التي توزع فيها الجمعيات مساعدات عينيّة”.

الكلام ذاته يكرّره عدد كبير من المدرّسات “الهدف عند أغلبية أولياء الأمور ليس التعلّم بل ما يدفع مقابل التلميذ من بدل نقل ومساعدات” تقول إحداهنّ.  

وفي هذا الإطار، تعتبر د. مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية والمشرفة على العديد من الدراسات والأبحاث في مجال التعليم، أنّه لا يمكن التعميم. فهناك نسبة كبيرة من أولياء الأمور يبدون رغبة ويبذلون جهداً من أجل تعليم أبنائهم ولكن هناك عوامل متداخلة تجعل قسماً منهم يعتبرون أنّ لا جدوى من العمليّة التعليميّة برمّتها. وتوضح شعيب أنّ نسب الالتحاق بالمدارس ومواصلة العملية التعليميّة في المناطق الريفيّة في سوريا أي المجتمعات الزراعية كانت منخفضة في الأساس ولكنّها انخفضت أكثر في لبنان وذلك تحديداً انطلاقاً من السؤال عن العائد المادي للتعليم إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ معظم التلامذة سينقطعون عن التعليم في مراحل لاحقة بسبب النظام التعليمي وضعف نتائج التلامذة، وإذا أكملوا ليس لديهم الحق في العمل، ما يجعل الاستثمار في التعليم مكلفاً جداً مقارنة بالنتائج أو الجدوى.

وفي ظل هذه المعطيات والفقر لا يمكن لأولياء الأمور، حسب شعيب، اعتبار إرسال الطفل إلى المدرسة أولوية على إرساله إلى العمل.

مخيمات عرسال

“البيك آب” ومعوّقات الوصول إلى المدرسة 

ما أن تقترب الساعة من الواحدة ظهراً حتى تسمع أصوات ركض الأطفال صوب مدخل المخيّم حيث ينتظرهم “بيك آب” كبير. يساعدون بعضهم البعض للصعود إلى متنه أحياناً. وأحياناً يتدخّل السائق توفيراً للوقت، فأمامه بعد نقلة أخرى وربما أكثر وجرس المدرسة يدقّ عند الساعة الثانية ظهراً. 

يحمّل هذا الـ “بيك آب” التلامذة ويرصّهم رصاً على متنه تحت أشّعة الشمس الحارقة صيفاً والبرد والمطر شتاء. يوصلهم على عجل إلى مكان قريب من المدرسة ليكملوا طريقهم مشياً، ويعود هو أدراجه إلى مخيّم آخر ليقلّ نقلة أخرى.

تحوّل الـ “بيك آب” مؤخراً إلى وسيلة نقل معتمدة للتلامذة السوريين في عدد من المناطق ولا سيّما في الأطراف كبديل متاح في ظلّ ارتفاع كلفة بدل النقل التي تعتبر وحسب ما أظهرت بيانات تقييم الأمم المتحدة  VASyR 2021 (vulnerability assessment of syrian refugees in lebanon واحدة من أكبر العوائق أمام التعليم ولا سيّما في الفئة العمرية من 6 إلى 14 عاماً.

في موضوع بدل النقل، توضح اليونيسيف لـ “المفكرة” أنّها “قدّمت دعم النقل للأطفال غير اللبنانيين المسجّلين في المدارس الرسمية، بدوام بعد الظهر، ابتداءً من السنة الدراسية 2015-2016 من أجل حلّ مشكلة تكلفة النقل وبُعد المسافة إلى المدرسة، موضحةً أنّه تمّ تقديم هذا الدعم للمرة الأولى من خلال تنظيم خدمة حافلات لنقل التلامذة مباشرة إلى المدارس. أما ابتداءً من كانون الثاني 2018، فقد تمّ استبدال الحافلات ببرنامج المساعدة النقدية لتغطية كلفة نقل الأهل أطفالهم إلى المدرسة.

خلال السنوات الدراسية 2017-2018 و2018-2019 و2019-2020، وحسب اليونيسيف، استفاد من المساعدات النقدية على التوالي حوالي 85,000 و67,000 و52,000 طفل مسجلين في  الدوام المسائي.

تدفع الدول المانحة عبر اليونيسيف 20 دولاراً كبدل نقل للتلميذ السوري في الدوام المسائي يصل مباشرة إلى أولياء الأمور عبر شركات تحويل الأموال. إلّا أنّ هذا المبلغ لا يشمل جميع التلامذة إذ توضح اليونيسيف لـ “المفكرة” أنّ بدل النقل يستهدف وبناء على الموارد المتاحة الأطفال في المدارس الرسمية ذات الدوام الثاني المسجلين في الصفوف التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، وفي الصف الأوّل والثاني (ثالث رابع خامس غير مشمول)  ومن ثمّ من السادس إلى التاسع فضلاً عن الأطفال ذوي الإعاقة في أي صف دراسي في الدوام الثاني. وفي حين تؤكد اليونيسيف أنّ اختيار هذه الصفوف جاء بناءً على أدلة من بيانات يظهر فيها انخفاض معدّل الالتحاق وانخفاض معدّل الحضور وارتفاع خطر التسرّب أكثر في هذه الصفوف ما أوجب إعطاؤها الأولوية لمساعدة التلامذة في البقاء في المدرسة في هذه الصفوف. ولكن على الأرض تبدو النتائج  مختلفة إذ دفعت هذه الاستراتيجيّة أولياء الأمور إلى توزيع بدل النقل الذي يتقاضونه عن أحد أبنائهم (أو عدد منهم) على جميعهم، أي أنهم يرسلون أبناءهم مداورة إلى المدرسة.

“لدي 5 أطفال، أقبض بدل نقل عن اثنين منهم فقط، 40 دولاراً في الشهر أدفعها عن الخمسة، فأرسلهم مداورة” يقول ناصر لاجئ سوري في أحد المخيمات في الشمال.

الفكرة نفسها يكرّرها معظم الأساتذة ومديري المدارس الذين التقيناهم، إذ ما أن يذكروا التغيّب عن الصفوف حتى يشيرون إلى اعتماد الأهالي المداورة في إرسال الأطفال إلى الصفوف توفيراً لكلفة بدل النقل.

 ويشتكي أهالي التلامذة من أنّ هذا المبلغ الذي يحصلون عليه لا يكفي إذ إنّ السائق بات يطلب مليون ليرة شهرياً عن كلّ تلميذ. فـ 20 دولاراً التي كانت تساوي 30 ألف ليرة لبنانية كانت تكفي ولكن بعد انهيار الليرة وإن كانت قيمة المبلغ أصبحت حوالي 750  ألف ليرة وأكثر لم تعد تكفي.

وفي هذا الإطار، تشير المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين  في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ المعلومات الواردة من اللاجئين تظهر أنّ النقل يمثل بالفعل عائقاً كبيراً حيث يمكن أن تصل كلفة النقل إلى 25 ألف ليرة لبنانية لكلّ طفل يومياً في بعض المناطق. 

بالإضافة إلى كلفة بدل النقل، تتحدّث بعض العائلات عن رفض السائقين الدخول إلى المخيّمات التي تكون مداخلها غير معبّدة وذلك خوفاً من تكاليف صيانة السيارة التي باتت مرتفعة جداً ما يضطرّ الأطفال إلى المشي لعشرات الأمتار تحت أشعة الشمس أو المطر للوصول إلى مدخل المخيّم.

العنف والحساسية مع المجتمع المضيف

وعند التطرّق إلى معوّقات الوصول إلى المدرسة، يتحدّث الأهالي عن عنف لفظي أو جسدي يتعرّض له التلامذة الذين يذهبون مشياً إلى المدرسة من قبل أطفال المجتمع المضيف. ويخبر عدد من أولياء الأمور أنّهم أوقفوا أولادهم عن المدرسة بسبب هذا العنف “الذي ازداد مع الانهيار الاقتصادي إذ يشعر المجتمع المضيف بأنّ السوري يعيش أفضل منه وأنّه يحصل على مساعدات  وبالدولار” على حد تعبير أحد أولياء الأمور.

ويتحدّث عدد من الأطفال عن تعرّضهم للتنمّر والشتائم وحتى للضرب بالحجارة أثناء ذهابهم إلى المدرسة. كما يخبر البعض أنّه في بعض الأحيان يضطر الأساتذة أو الناظر أو المدير إلى الوقوف كحاجز بشري منعاً للإشكالات التي تحصل لحظة خروج التلامذة اللبنانيين من المدرسة ودخول السوريين.

وعبّر عدد من أولياء الأمور عن خوفهم من أن يعود أطفالهم وحدهم بعد الظهر ولا سيّما في الشتاء “المدرسة قريبة جداً، ولكنّني أذهب وأحضرهم مساء، الساعة ستة يعني عتمة، وما في ضو على الطرقات”. 

على الرغم من تكرار عدد من أولياء الأمور تعرّض أبنائهم للعنف، أشار عدد آخر من أولياء الأمور إلى عدم اختبار أطفالهم أي نوع من العنف أو التنمّر لا من أطفال المجتمع المضيف ولا من الأساتذة. وفي هذا الإطار، يقول أحد أولياء الأمور إنّ “الأمر يختلف من منطقة وأخرى، وأنّه يكون ظرفياً في بعض الأحيان، أي أنّه يتصاعد عندما يكون هناك أي مشكل يتعلّق بالسوريين في المنطقة أي القرية أو خارجها”. 

مدارس غير مؤهّلة وأساتذة يعانون 

لا تقف العوائق التي واجهت عملية تعليم اللاجئين السوريين خارج أسوار المدارس المخصّصة لهم والبالغ عددها حسب وحدة التعليم الشامل حالياً 346 مدرسة بعدما كانت 144 مدرسة العام 2014، إذ تعاني معظم هذه المدارس وحسب شهادات أساتذة ومديري مدارس وتلامذة وجولة لـ “المفكرة” من نقص في مياه الاستخدام ووسائل النظافة والتعقيم وشحّ بالقرطاسية فضلاً عن الاكتظاظ في الصفوف.

 ويعود سبب هذا النقص بشكل أساسي إلى تحديد سقوف السحوبات من المصارف حسب مديري المدارس الذين التقيناهم.

وكانت “هيومن رايتس ووتش” قالت في تقرير إنّه على المانحين الضغط على لبنان لرفع القيود المفروضة على السحب المصرفي للمدارس. وصرّح بعض مدراء المدارس إنهم لا يستطيعون سحب أكثر من 3 ملايين ليرة لبنانية شهرياً، أي ما يساوي نحو 110 دولارات، مما يترك المدارس غير قادرة على دفع تكاليف الكهرباء أو الوقود أو أجور عمال النظافة، رغم دعم المانحين.  

“رائحة المدرسة يمكن شمّها من بابها الرئيسي، لا مياه للخدمة، وبطبيعة الحال لا مياه للشرب، لا يوجد من ينظّف الحمامات التي تملأ رائحتها المدرسة، أصلاً لا مواد للتنظيف أو التعقيم، لا أعرف كيف يمكن لأي أستاذ أن يعطي صفاً بهذه الظروف” تقول إحدى المدرّسات في الدوام المسائي متحدّثة عن عام دراسي صعب جداً بعد كورونا، عن غياب للتدفئة، عن برد قارس كان يحاصر المدرّسات والتلامذة “كنت أحضر معي حراماً أضعه عليّ في الصفّ، البرد كان ينخر عظامنا”.

ويتحدث عدد كبير من المدرّسين عن نقص القرطاسية، لا أوراق ولا أقلام، حتى الامتحانات لم تكن مطبوعة كنا نكتبها على اللوح، وفي بعض الأحيان نصوّرها على حسابنا الخاص” يقول أحد المدرّسين، مضيفاً أنّ الأمر لم يقف عند هذا الحدّ فهناك نقص بالكتب أيضاً “كنت أعطي صفاً معظم طلابه من دون كتب، كنت ألخّص الدرس وأكتبه على اللّوح، الأعباء والصعوبات التي نواجهها تجعل إعطاء الدرس تحدياً”.

يبلغ عدد المدرّسين والمدرّسات المستعان بهم لتعليم اللاجئين السوريين حوالي 3 آلاف. يشكو معظم من التقيناه منهم من غياب أيّ حافز للذهاب إلى التعليم بعد الظهر وعن رغبة بترك التعليم بعد الظهر إذ يشعرون أنّهم يعملون بالسخرة. فساعتهم كانت تحتسب بـ 13 ألف ليرة ومن ثمّ رفعت لـ 18 ووصلت مؤخراً لـ 20 ألف ليرة (رُفع بعد إقرار الموازنة) إذ يقبضون مجموع ساعاتهم فصلياً، ولا يستطيع أغلبهم سحب ما يحوّل إليهم كاملاً بسبب سقوف السحوبات التي وضعتها المصارف.

ويقول أحد المدرّسين لـ “المفكرة” “صارت خالصة السنة وقبضنا جزءا صغيرا من مستحقاتنا، الفصل الأول وهو ت2 وك1 وشباط وآذار، أمّا في ما خصّ الحوافز، قبضنا جزءا بسيطا ولأنها حسب الساعات فمنها ما تعدى الـ 20”.

ويقصد بالحوافز مبلغاً حُدّد بـ 90 دولاراً يُعطى من الدول المانحة كمساعدة للأساتذة شهرياً.

يكرّر الأساتذة حاجتهم إلى ضمان أو تأمين صحي: “نطالب باستشفاء، كلّ لي طلّعتن حطّيتن استشفاء، التلامذة يمرضون بشكل دوري بسبب الظروف التي يعيشونها ونحن معرّضون دائماً للعدوى، أقلّ ما يمكن فعله تأمين الاستشفاء لنا”.

تحدّثت مديرة وحدة إدارة ومتابعة تنفيذ برنامج التعليم الشامل (لم تعد الوحدة موجودة بعد انتهاء “رايس”)  صونيا خوري خلال لقائنا معها عن شروط حُدّدت لاختيار المدرّسين وشرحت أنّه تمّ الاتفاق مع الجهات المشاركة في “رايس” على إعطاء الأولوية لمن هم في ملاك قبل الظهر ومن ثم للمتعاقدين، وفي حال الحاجة إلى مزيد من المدرّسين يتمّ الاستعانة بمدرّسين مجازين وفي الاختصاص الذي يدرّسونه. إلّا أنّ  المدرّسين الذين التقتهم المفكرة تحدّثوا عن تنفيعات وعن أساتذة غير مجازين وعن استنسابية لبعض مديري المدارس في موضوع تحديد الساعات رافقت عملية تعليم اللاجئين السوريين. 

“كان مدير المدرسة يستعين بمدرّسات رغم وجود معلّمات، من باب التنفيعات الشخصيّة، وأحضر ابنته، شهادتها في المحاسبة وهي لا يحق لها أن تعلّم ما تعلمه” تقول مدرّسة، فيما يقول مدير إحدى المدارس عندما سألناه عن الموضوع “ربما في البداية كان من الممكن أن نتحدث عن تنفيعات، ولكن أي تنفيعات حالياً، بالكاد يقبل الأستاذ أن يعلّم، راتبه لا يكفيه بدل نقل”.

في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة يكرّر مديرو المدارس الذين التقيناهم أنّ تأمين مدرّسين للتعليم في القطاع الرسمي بشكل عام وفي دوام بعد الظهر سيكون أحد العوائق الأساسية في استمرار المدارس إذ إنّ معظم الأساتذة يعبّرون عن رغبة بترك التعليم العام المقبل.

وعند الحديث عن المعوقات داخل المدارس، يتحدث الأساتذة أيضاً عن عوائق تواجه التلامذة منها أنّ نشاط الطفل وقدرته على الاستيعاب لن تكون في دوام بعد الظهر مثل قبله بخاصّة أنّ نسبة كبيرة من التلامذة المنتظمين في دوام بعد الظهر يعملون قبله.

كما يتحدث القيّمون على المدارس عن مدى تأثير إلغاء الصفوف الترفيهيّة (لأنّ الدوام 4 ساعات) على التلامذة الذين قد يفقدون الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، “برنامجهم لا يتضمّن نشاطات خارجيّة مثل برامج باقي التّلامذة، لا حصص للفنون أو الموسيقى، التلميذ يشعر وكأنّه لا يتنفّس ما يؤثر على أدائه، ولا سيّما أنّ معظم هؤلاء الأطفال يعيشون ظروفاً صعبة” يقول مدير أحد المدارس.

النتائج كارثيّة

تحمل فرات الطفلة السورية التي التقيناها في مخيّم كفرملكي (تلميذة سورية، 7 سنوات) كتاب القراءة العربيّة، تقلّب صفحاته، تقف عند صفحة تفترض أنّها لا تزال تحفظ ما كتب فيها، تحاول التذكّر، ترتبك ثمّ تنظر إلينا وتخبرنا بأنّها لا تزال في الصفّ الأوّل وأنها لا تجيد قراءة كلّ الحروف بعد، “هذا العام عدت إلى المدرسة، كان درسنا من قبل عبر الهاتف، ولم يكن معي هاتف طوال الوقت، فالهاتف لأبي، وأصلاً ما في كهربا، ولا إنترنت” تقول، وتضيف مستدركة: “أجيد العدّ من الواحد إلى العشرة باللغة الفرنسية” وتبدأ العدّ وهي تنقل نظراتها بين أقرانها باعتزاز.

بالقرب من فرات تقف منار (10 سنوات) تحمل حقيبتها أيضاً، ترينا الكتب، تقلّب الصفحات بحماسة، وتخبرنا بأنّها تحبّ المدرسة وأنّها ستتعلّم القراءة والكتابة هذا العام لأنّها لا تجيدهما بعد، وأنها ستتعلّم كتابة اسمها قريباً. ترتبك حين نسألها عن صفّها تجيب “أنا في الصف الأوّل” تصحّح لها أمّها “هي في الصف الثاني، ما تعلّموا شي خلال السنوات الماضية، كورونا، إضرابات، وما في إنترنت دايما، ولا كهربا لشحن الهواتف”.

تلخّص منار وفرات بكلماتهما البسيطة الصعوبات التي واجهها الأطفال السوريون في الوصول إلى التعليم خلال فترة الإقفال المرتبطة بكورونا. وفي هذا الإطار، يشير استبيان أجراه مركز الدراسات اللبنانية عن فترة الإقفال العام، واعتماد التعليم أونلاين إلى أنّ 51% من الأطفال السوريين المنتظمين في عملية التعليم بعد الظهر عبّروا عن ضعف شبكة الإنترنت فيما عبّر 25% من المدرّسين عن الأمر نفسه. 

وبحسب الاستبيان الذي ارتكز على شهادات تلامذة ومدرّسين أيضاً أنّ 22% من الأطفال السوريين لم يكن لديهم وصول للإنترنت في منازلهم، و81% لم يكن لديهم حاسوب لوحي (تابلت) و88% لم يكن لديهم حاسوب خاص.

كلّ هذه العوامل (كانت مشتركة ولو بنسبة أقل مع التلامذة اللبنانيين) أثّرت على جودة العملية التعليميّة ودفع التربويين إلى الحديث عن فاقد تعليمي )learning loss(، وأظهرت دراسة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية  USAID (دراسة تقييم القراءة 2021) أجريت في 120 مدرسة رسمية (2362 طالباً) في عام 2021 أنّ أداء التلامذة في القراءة في الصفّين الثاني والثالث ينذر بالخطر، إذ إنهم يقرأون أقل بكثير من مستوياتهم الصفية المتوقعة.

توضح هذه الأرقام نتائج التعلّم المتدنيّة في لبنان لجميع الأطفال بمن فيهم الأطفال اللاجئين حسب المفوضيّة التي تعتبر أنّه من دون معالجة الأمر سيكون للزيادة المحتملة في “فقر التعلم” تأثير مدمر على الإنتاجية المستقبلية والأرباح والرفاهية لهذا الجيل من الأطفال، كما والشباب وعائلاتهم ونمو لبنان وازدهاره.

وفي الإطار نفسه تقول “اليونيسيف” لـ “المفكرة” إنّ الأزمات المتعدّدة (الاقتصادية، كورونا، انفجار الرابع من آب) أدّت إلى زيادة نسب عدم التساوي في الوصول إلى التعليم وأدّت أيضاً إلى فاقد تعليمي واضح لدى الأطفال السوريين فضلاً عن تأثير سلبي على تطويرهم. وليس بعيداً تعتبر السفارة البريطانيّة (واحدة من الجهات المانحة الأساسية) في حديث مع “المفكرة” أنّ مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب منخفضة بشكل مثير للقلق بين الأطفال اللاجئين، وإذا لم تتم معالجة الأمر سوف يسوء الحال.

وهنا تشير شعيب إلى أنّه بالتأكيد كان لكورونا والإقفال تأثير كبير لا يمكن تحييده، على العملية التعليميّة بين اللاجئين السوريين. إلّا أنّه من غير المقبول أن نحمّل كورونا مسؤولية إعاقة وصول الجهود المبذولة في العملية التعليمية لناحية النتائج المرجوّة من حيث عدد الأطفال السوريين المنتظمين بالتعليم أو لجهة جودة التعليم. وتلفت شعيب إلى مؤشرين اثنين: الأوّل عدد التلامذة الملتحقين بالمدارس قبل وبعد كورونا ونتائج امتحانات الشهادة الرسمية، فالأمور لم تتغيّر كثيراً قبل وبعد كورونا. وعلى سبيل المثال، لم يلتحق (وحسب عدد من الجهات المعنية) في العام الدراسي 2017- 2018 (أي قبل الأزمة الاقتصادية وكورونا)  أكثر من نصف الأطفال اللاجئين في سن المدرسة (631 ألف تلميذ هو مجموع عدد التلامذة في سن التعليم) بالتعليم الرسمي، حيث تبيّن الأرقام أنّ عدد من التحق في هذا العام الدراسي (قبل كورونا) كان يقارب 210 آلاف في المدارس الرسمية المدعومة، فيما تتكلّم الجهات نفسها عن التحاق عدد أقل بعشرة آلاف فقط في العام الدراسي الماضي (بعد كورونا).

واستناداً إلى أرقام أرسلتها “اليونيسيف” لـ “المفكرة”، يتبيّن أنّها دعمت (من خلال المانحين) 206,061 تلميذاً في العام الدراسي 2018-2019 أي قبل أزمة كورونا مباشرة في حين أنّها دعمت 192,473 تلميذاً في العام الدراسي الماضي 2020- 2021 (بعد عودة المدارس).

أمّا في ما خص الشهادة المتوسطة، فتلفت شعيّب إلى أنّ عدد التلامذة السوريين المتدنّي الذين يصلون إلى هذه المرحلة، يؤشر إلى ثغرات تعتري عملية تعليم السوريين في لبنان، فضلاً عن أنّ نسبة من ينتقل من الناجحين في هذه الشهادة من التلامذة السوريين إلى المرحلة الثانويّة لا يتجاوز 4% فقط ويصل منهم 1% إلى الصف الثاني عشر.

لم تتمكّن “المفكّرة” من الحصول على عدّد التلامذة السوريين في كلّ مرحلة لرصد انتقال هؤلاء من صف إلى آخر أو من مرحلة إلى أخرى، ولا سيّما أنّ ضمان الانتقال كان هدفا من أهداف “رايس” رُصد له وحده 100 مليون دولار.

تفاصيل أرقام التلامذة السوريين وتوزّعهم على المراحل غير واردة  في النشرات الإحصائيّة التي ينشرها المركز التربوي للبحوث والإنماء سنوياً ويفصّل فيها أعداد التلامذة والأساتذة في المدارس. وما وجدناه من تفصيل كان فقط في نشرتين اثنتين في نشرة العام الدراسي 2017/2018 ونشرة العام الدراسي 2018/2019 مع إشارة المركز إلى أنّّ مصدر هذه الأرقام هو وحدة التعليم الشامل التي اعطتنا بدورها أعداد التلامذة في الشهادة المتوسّطة لثلاثة أعوام فقط.

وإذا أردنا تحليل الأرقام الواردة في نشرات المركز التربوي نرى أنّه في العام الدراسي 2017/2018 بلغ عدد التلامذة في صفّ التاسع في الدوام المسائي 2419 تلميذاً فيما عدد التلامذة في الصفّ الأوّل أساسي كان 33542. 

أمّا عددّ التلامذة  في العام الدراسي 2018/2019 فكان 2434 تلميذاً في الصف التاسع في الدوام المسائي بينما كان عدد التلامذة في الصفّ الأول أساسي 22955 تلميذاً.

وإذا قارنا هذه الأرقام والتي من المرجّح أن تكون متقاربة خلال الأعوام الدراسيّة المختلفة حسب ما أكّد معنيون، نجدّ أنّ نسبة من يصل إلى الصفّ التاسع أي الشهادة الرسميّة من التلامذة السوريين المنتظمين في الصفّ الأوّل أساسي لا تتجاوز 6% وتنخفض إذا ما قارنّا عدد من يصل إلى هذا الصفّ من أصل المنتظمين في صفوف الروضة أو ممن هم في سنّ التعلّم ليصبح أقل من 1% في بعض الأحيان كما تشير شعيب.

أمّا إذا أردنا الحديث عن نسب النجاح للتلامذة السوريين فوحدة التعليم الشامل زوّدتنا بأرقام ثلاث سنوات  دراسيّة فقط مشيرة إلى أنّ من ترشّح للشهادة الرسمية المتوسطة من التلامذة السوريين كان 1،706 في  العام الدراسي 2015/2016  وارتفع إلى 2،381  (1433 قبل الظهر و948  بعد الظهر) في العام الدراسي 2016/2017 ومن ثمّ إلى 2894 (1634 قبل الظهر و1260 بعد الظهر) في العام الدراسي 2017/2018 وأنّ نسب النجاح كانت 59,81% و 66,17 %  و72,64%  على التوالي.

وفيما تعتبر خوري أنّ هذه النّسب هي مؤشر جيّد على صعيد تعليم اللاجئين السوريين تشير شعيب إلى أنّ التقييم يجب أن يكون انطلاقاً من الصورة الكاملة، يعني وصول 1700 تلميذ إلى الصفّ التاسع من أصلّ أكثر من 500 ألف في سن التعلّم يعني أقلّ من 0.3%، وإذا أردنا احتساب نسبة من يصل إلى هذا الصفّ من نسبة المنتظمين واعتبرنا أنّ جميع المنتظمين هم وحسب معظم الأرقام حوالي 270 ألف طالب ترتفع النسبة إلى 0.6%، ونسبة من نجح منهم (في الصف التاسع) بمعدل النصف، ولا ينتقل من هؤلاء أكثر من 4% إلى المرحلة الثانويّة ولا يصل إلى الثالث الثانوي إلّا 1%.

وتعتبر شعيب أنّ هذه النسب هي التي تعكس الواقع الحقيقي لتعلّم اللاجئين مشيرة إلى عائق أساسي في إطار تقديم الطلاب السوريين الشهادة المتوسطة واستكمال تعليمهم الثانوي وهي حاجة التلميذ (بعد الـ 15 عاماً) لإقامة صالحة في وقت أنّ 20% فقط من السوريين في لبنان لديهم إقامات صالحة.

وفي هذا الإطار، تشير المفوضية لـ “المفكرة” إلى أنّه ليس هناك أيّ شرط للحصول على تصريح إقامة للالتحاق بالمدارس الابتدائية. وبالتالي يجب، من حيث المبدأ، أن يتمكن جميع الأطفال اللاجئين من الالتحاق بالمدارس الابتدائية لافتة إلى أنّ هناك تقارير تفيد بأنّ بعض المدارس تطلب وثائق إضافية، مثل تصريح إقامة جديد. وهو أمر يصعب للغاية الحصول عليه ولا ينبغي أن تطلبه المدارس مضيفة أنّه عند التنبّه إلى مثل هذه المواقف، تستخدم المفوضية وشركاؤها آلية الشكاوى في قطاع التعليم، والتي تذهب إلى وزارة التربية والتعليم العالي، والتي يمكنها بعد ذلك التأكيد على مدير المدرسة بأن الإقامة ليست شرطاً للتسجيل الابتدائي.

أمّا في ما خصّ المستوى الثانوي والوصول إلى الاختبارات والنتائج الرسمية، توضح المفوضية أنّ تصريح الإقامة هو شرط، وأنّها تساعد اللاجئين في معالجة تصريح إقامة التلامذة من خلال تسليم شهادة سكن في الوقت المناسب في جميع مراكز التسجيل لديها، وكذلك من خلال تقديم المشورة القانونية. 

ويُشار هنا إلى أنّه لطالما يعمد مجلس الوزراء اللبناني وقبل أسابيع قليلة من موعد الامتحانات الرسمية إلى إصدار قرار يسمح بموجبه للتلامذة التقدم للامتحانات استثنائياً حتى لو تعذّر عليهم تأمين المستندات المطلوبة ومن ضمنها وثيقة الإقامة السارية.

وهنا تسأل شعيب لمَ يتمّ هذا الأمر سنوياً قبل الامتحانات بفترة قصيرة وبعدما يعيش الطلاب قلقاً وخوفاً من عدم تمكّنهم من تقديم الامتحانات، واضعة الأمر في إطار الابتزاز ربما للحصول على مبالغ مستحقة من الدول المانحة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الصحة والتعليم ، مساواة ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، تحقيقات ، منظمات دولية ، الحق في التعليم ، فئات مهمشة ، حقوق الطفل ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني