تعليم الأطفال السوريين في لبنان (1): ثماني سنوات على برنامج تعليم اللاجئين وجيل يصحّ وصفه بالأمّي


2022-11-24    |   

تعليم الأطفال السوريين في لبنان (1): ثماني سنوات على برنامج تعليم اللاجئين وجيل يصحّ وصفه بالأمّي
تلامذة سوريون ينتظرون بدء دوام بعد الظهر أمام مدرسة في عكّار

منذ العام 2012 ومع تصاعد أعداد اللاجئين السوريين في لبنان (1.5 مليون لاجئ حسب آخر إحصاء 2018)، شكّل تعليم اللاجئين السوريين أحد التحدّيات الأساسيّة ضمن خطط الاستجابة للأزمة السورية.

بداية وعندما كانت أعداد الطلاب السوريين عند مستويات متدنّية، دفعت منظّمات غير حكومية الرسوم المدرسية للطلاب اللاجئين مباشرة للمدارس الرسمية التي تسجّلوا فيها. وبعد العام الدراسي 2014/2015  ومع عجز المدارس الحكومية عن استقبال الأعداد المتزايدة، وُضع برنامج خاص بالتعليم عُرف بــ “رايس”  Lebanon Reaching All Children and Education لـ “توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان”.

بناء على هذا البرنامج، استُحدث دوام مسائي في المدارس الحكومية خُصّص للاجئين، وأنشئت وحدة خاصة في وزارة التربية لإدارة هذا البرنامج. وبدأ المانحون في دفع رسوم التسجيل كمبلغ مقطوع يصل عبر اليونيسيف إلى الوحدة التي استحدثت لتغطية نفقات تعليم التلامذة النظامي.

ملايين الدولارات رُصدت، مئات المدارس خُصّصت للاجئين، وحدة خاصة في وزارة التربية للمتابعة، مئات الجمعيات أنشئت تحت عنوان دعم تعليم الأطفال من اللاجئين السوريين، ورش عمل ومؤتمرات، والنتيجة جيل نسبة كبيرة منه لا يلمّ حتى بالقراءة والكتابة. فيوسف (13 عاماً) مثلاً هو عامل توصيل سوري يرتبك كلّما سأله أحد عن أيّ تفصيل في الفاتورة ويعتذر عن عدم إجادته القراءة، وأحمد (11 عاماً) التقيناه في أحد مخيّمات اللاجئين السوريين، اقترب منّا حين عرف أنّنا نسأل عن التلامذة ليخبرنا بأنّه لا يجيد كتابة اسمه لأنّه توقف عن الذهاب إلى المدرسة منذ سنوات، وريما (6 سنوات) لم تذهب هذا العام إلى المدرسة بسبب انتقال أهلها إلى منطقة أخرى بحثاً عن عمل، فانقطعت عن الدراسة قبل أن تتمكّن من تعلّم “فكّ الحرف”.

يكرّر المعنيون والمتابعون لملف تعليم أطفال اللاجئين السوريين في لبنان أنّ العديد من العوامل المتداخلة والمتشابكة أعاقتْ ولا تزال تعيق عملية تعليم اللاجئين السوريين في لبنان بفعالية، بدءاً من دمج التلامذة السوريين في نظام تعليمي يعاني أصلاً من ضعف، مروراً بعدم القدرة على بلورة أطر مراقبة تضمن الشفافية وتتبّع الأموال المرصودة لهذه العمليّة في بلد يحتلّ مراتب متقدّمة في مؤشّر الفساد العالمي، وصولاً إلى جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان والذي كان له تأثير كبير على الفئات الهشّة منها اللاجئون السوريون، وما تبعه من تحديد سقف السحوبات في المصارف وانهيار سعر صرف الليرة، فضلاً عن غياب الحوافز والرغبة عند عدد كبير من أولياء الأمور في تعليم أبنائهم لاعتبارهم أنّ التعليم استثمار مكلف لكنه من دون جدوى، طالما الطفل سيتسرّب عاجلاً أم آجلاً ولاسيّما عندما يبلغ 15 عاماً ويُفرض عليه الحصول على إقامة لإكمال تعليمه.

تخصّص “المفكّرة” تحقيقاً مسهباً من جزئين يحاول فهم أسباب فشل تعليم اللاجئين السوريين في لبنان من خلال تسليط الضوء على أهمّ العوائق والثغرات التي واجهتها عملية تأمين حقهم في التعليم في لبنان وتحديداً التعليم النظامي أي الوصول إلى المدارس. ولهذه الغاية، التقينا تلامذة وأولياء أمور وعاملين في مجال تعليم السوريين (أساتذة، مديرون، نظّار) ومع باحثين في مجال التعليم وعدد من الجهات المعنيّة تحديداً وزارة التربية واليونيسيف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان.

ويفتح هذا التحقيق المجال أمام المزيد من البحث في ملفات مرتبطة بتعليم اللاجئين السوريين في لبنان، منها فعالية البرامج التي كان من المفترض أن تدعم التعليم النظامي والتي استلمتها جمعيات غير حكومية   نشأ جزء منها خصيصاً لهدف تعليم هذه الفئة خلال السنوات الأخيرة، ومنها الأموال التي وصلت إلى هذه الجمعيات وكيفية إدارتها ومنها مدى الجدّية في التعاطي مع عملية التعليم خصوصاً بعد أن كرّر أكثر من مصدر معني بأنّ الهدف كان “التحاق الأطفال بالمدرسة ولو شكلياً”، وهذا ما يستشعره وبسهولة أيّ صحافي أو متابع لعملية تعليم اللاجئين في لبنان.

نحاول في القسم الأوّل من التحقيق أن نقف عند الكلفة المعلنة مقارنة بالنتائج، وبناء على المعلومات التي توافرت لدينا. ونحاول فهم كيفية الإنفاق ومكامن الهدر أو الإهمال مع الإشارة إلى أنّنا نركز فقط على التعليم النظامي أي تسجيل وانتظام التلامذة في الدوام المسائي الذي خُصّص للاجئين السوريين.

الفناء الخارجي لإحدى مدارس عكار

جدول العناوين (يمكنكم التوجّه مباشرةً إلى العنوان الذي تريدون قراءته من خلال الضغط عليه)

العناوين
البداية من “رايس”
كلفة تعليم اللاجئين ووحدة التعليم الشامل
فوضى وكيديّات وعلامات استفهام  حول شبهات فساد

البداية من “رايس”

قبل حوالي ثماني سنوات تقريباً، ومع ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين في لبنان، وبالتالي أعداد الأطفال منهم في سنّ الدراسة، تقرّر إدخال تعليم هؤلاء الأطفال ضمن سياسة الاستجابة الإنسانية للأزمة السورية في لبنان. ووُضع برنامج تعليمي على مرحلتين بالتنسيق بين وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان والجهات المانحة ووكالات الأمم المتحدة، تحديداً اليونيسيف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وأطلق على البرنامج اسم “توفير التعليم للجميع” أو Lebanon Reaching All Children and Education (RACE) واختصاراً “رايس 1″ (من 2014 إلى 2016 ) و”رايس 2” (2017 ل 2021) وأنشئت لإدارتها وحدة خاصة عُرفت بوحدة التعليم الشامل في وزارة التربية، أثيرت لاحقاً حولها الكثير من علامات الاستفهام.

 كان أحد أهداف هذا البرنامج وبشكل أساسي وصول 500 ألف تلميذ إلى المدرسة. إلّا أنّه اليوم  وفي حين يستضيف لبنان 660 ألف طفل سوري لاجئ في سن الدراسة يتحدّث تقييم لـالأمم المتحدة” في العام 2021 عن عدم ذهاب 30% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 6 إلى 17 إلى المدرسة قط. كما يبيّن تقرير للمجلس النروجي للاجئين نُشر العام 2020 أنّه وبعد ست سنوات على انطلاق “رايس”، بقي 58% من اللاجئين في سن الدراسة، خارج المدرسة.

وفي الأرقام أيضاً لا بدّ من ذكر مؤشّر أساسي وهو تدنّي نسبة التلامذة السوريين الذين يصلون إلى مستوى الشهادة المتوسطة مع الإشارة إلى أنّ أحد الأهداف الفرعية للبرنامج الذي رُصد له وحده 100 مليون دولار (من المبلغ كلّه) مراقبة والتأكّد من انتقال التلامذة من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وفي النتائج نرى أنّه في العام 2019 على سبيل المثال، أي قبل كورونا والأزمة الاقتصادية، لم تتجاوز نسبة من وصل إلى الصف التاسع من التلامذة السوريين، 1% إذا ما احتسبناها من 500 ألف في عمر الدراسة حسب ما تؤكّد الدكتورة مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية والمشرفة على العديد من الدراسات والأبحاث في مجال التعليم ومنها تعليم السوريين.

انتهت “رايس2” خلال العام الدراسي 2021-2022. ومع بداية العام الدراسي الحالي سيبدأ تطبيق برنامج جديد بعدما أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي واليونيسيف “الصندوق الائتماني للتربية” (TREF) لدعم مرحلة التحوّل وتعزيز المرونة والحوكمة الفاعلة في قطاع التعليم. سيدعم الصندوق الائتماني للتربية، وحسب ما أوضحت اليونيسيف لـ “المفكرة القانونية” التلامذة اللبنانيين وغير اللبنانيين المسجّلين في المدارس الرسمية التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي، وكذلك أولئك المسجلين في مسارات مرنة متعدّدة للتعليم من خلال تغطية رسوم الحضور، والتي تشمل المدفوعات للمعلمين المتعاقدين الخاصّين، وتحويل الأموال إلى صناديق المدارس وصناديق لجان الأهل.

ولتحقيق الشفافية، تتضمّن هيكلية هذا البرنامج، وحسب اليونيسيف أيضاً، تكليف شركة عالمية في إدارة المخاطر والإدارة المالية تكون طرفاً ثالثاً (TP).

وحسب اليونيسيف فإنّ البرنامج الجديد يهدف إلى تحسين التواقيت المناسبة لصرف الأموال المخصصة للمدارس والمعلمين، كي يتمكنوا من تحسين نتائج التعلّم في بيئة آمنة ووقائية مشيرة إلى أنّ جميع المدارس الرسمية، أي ما يقارب 1200 مدرسة، و12000 أستاذ، سيستفيدون من الطريقة التي ستعتمد.

وسيُحدّد الصندوق الائتماني للتربية الأموال التي ستدفع بناء على أداء كل مدرسة على حدة، خصوصاً لجهة نسبة حضور الطلاب المنتظم.

وأطلقت وزارة التربية الصندوق في حزيران 2022 مع اليونيسيف والشركاء المساهمين منهم الاتحاد الأوروبي وألمانيا من خلال بنك التنمية الألماني، بهدف المساعدة في تعزيز الحوكمة والشفافية والكفاءة وتحسين نتائج التعلم للأطفال في قطاع التعليم عموماً والرسمي بالتحديد، وتطوير مسارات التعلّم البديلة المخصّصة لتحسين الوصول الى تعليم شامل وعالي الجودة للأطفال الذين هم خارج المدرسة، حسب ما ذكرت اليونيسيف على موقعها.

سيدعم هذا الصندوق وحسب اليونيسيف أيضاً، جهود وزارة التربية والتعليم العالي في ضمان الوصول إلى التعليم الجيّد لجميع الأطفال في لبنان على النحو المنصوص عليه في الخطة الخمسية الوطنية لقطاع التعليم (2021 2025). ورُصد لهذا الصندوق 62 مليون دولار من الدول المانحة وصل منها هذا العام 18 مليون دولار، حسب ما يؤكّد الباحث في مركز الدراسات اللبنانيّة نعمة نعمة لـ “المفكرة”.

وتؤكّد اليونيسيف أنّه حتى بعد انتهاء “رايس” سيستمر انتظام الأطفال السوريين في المدارس الرسميّة في دوام بعد الظهر نافية ما يُشاع حول تسجيلها طلاباً سوريين في المدارس الخاصّة.

وفي حين أُشيع أنّ اليونيسيف تدفع 500 دولار بدل انتظام تلامذة سوريين في عدد من المدارس الخاصة نفت المنظمة ذلك لـ “المفكرة “، مشيرة إلى أنّه وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي استخدمت 19 منشأة تابعة لمدارس خاصة في إطار برنامج تجريبي استهدف في شهر شباط الماضي 5000 طفل خارج المدرسة تتراوح أعمارهم بين 8 و14 عاماً تلقّوا خلاله منهجاً تعليمياً غير رسمي، مضيفة أنّ البرنامج التجريبي انتهى  وهو حالياً في مرحلة التقييم.

وتوضح اليونيسيف في ردّها أنّ التفويض الممنوح لها يقضي بدعم الأطفال والشباب للوصول إلى تعليم جيّد وشامل في نظام المدارس الرسمية ومن خلال برامج التعليم غير الرسمية التي ترتبط بالاحتياجات الفرديّة للأطفال الأكثر تهميشاً، ولا سيّما الأطفال المنقطعين عن الدراسة. وتلفت إلى أنّ كلّ البرامج التي تدخل في إطار التعليم وتُدعم من اليونيسيف تكون جزءاً من خطة عمل سنوية معتمدة من وزارة التربية والتعليم العالي.

وليس بعيداً يوضح مصدر في بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان لـ “المفكرة” أنّه بعد انتهاء “رايس” بدأ البحث مع ألمانيا ووزارة التربية، وانطلاقاً ممّا حققته أو لم تحققه “رايس”، في الإطار الجديد الذي ستدار فيه عملية تعليم اللاجئين، ومنها تغطية مصاريف التعليم مع مقاربة جديدة تعتمد على تقييم التجربة السابقة تحديداً في موضوع الوصول إلى التعليم والجودة والكلفة مقارنة بالنتائج، فضلاً عن الشفافية التي لم تكن على المستوى المطلوب في “رايس”.

ويقول المصدر إنّ نتائج “رايس” كانت مقبولة لجهة وصول التلامذة إلى المدارس لكنّها لم تكن كافية إذا ما تحدّثنا عن الجودة والاهتمام بالنظام التعليمي أيضاً في لبنان، مشيراً إلى أنّه عند الحكم على “رايس” لا بدّ من ذكر أنّ “رايس” كانت نموذجاً (موديل) طارئاً وترافق مع أزمة كورونا والانهيار الاقتصادي فضلاً عن أنّها كانت برنامجاً موازياً لا يدخل ضمن عمل وزارة التربية، وهذا كان عامل ضعف أيضاً.

إذاً، بعد ثماني سنوات، تعتمد الجهات المعنيّة نموذجاً جديداً يعتمد نجاحه على مدى الاستفادة من الثغرات التي لم تلحظها أو أهملتها “رايس” وكلّ الجهود التي بُذلت لتعليم هؤلاء، وعلى التركيز على العوامل التي منعت الأطفال من الوصول إلى المدرسة خلال تطبيق “رايس. إلّا أنّه لا يمكن الحكم على النموذج الجديد بحسب العاملين والمعنيين في قطاع التعليم قبل الاطّلاع على تفاصيله الكاملة. وهذا ما تؤكّده الدكتورة شعيب.

وفي حين تشير شعيب إلى أنّ اليونيسيف نشرت ملخّصاً عن المشروع الجديد، رأت أنّه من الجيّد أن نعرف مزيداً من التفاصيل، لا سيّما اسم الشركة التي ستكون الطرف الثالث والآلية التي اعتمدت لاختيارها.

وتوضح شعيب أنّه يبدو أن هناك توجّهاً مؤخراً نحو المزيد من الشفافية عند الوزارة والجهات المانحة وبدأت بوادر ذلك من نشر وزارة التربية والجهات المانحة لوائح تتضمن بيانات حول المدارس الصيفية التي أطلقتها الوزارة ابتداءً من الأول من آب لتعويض الفقدان التعليمي الذي لحق بالتلامذة خلال حجر كورونا وتعطيل المدارس، بتمويل من الجهات الدولية المانحة.

وتتساءل شعيب عن الأسباب التي تمنع نشر تفاصيل البرنامج لا سيّما إذا كانت هناك نيّة من الجهات المعنيّة بالتركيز على الشفافيّة التي كانت شبه غائبة عند تطبيق “رايس”.

إحدى مدارس وادي خالد

كلفة تعليم اللاجئين ووحدة التعليم الشامل

من الصعب تحديد الأموال التي أنفقت لدعم عمليّة تعليم اللاجئين السوريين في لبنان وذلك لأسباب عدّة منها تقسيم هذه العمليّة بين تعليم نظامي مسؤولة عن تنفيذه بشكل أساسي وزارة التربية والتعليم، والأدقّ وحدة التعليم الشامل في الوزارة، وتعليم غير نظامي تنفّذه جمعيات غير حكوميّة عبر مشاريع تحصل على تمويلها من جهات مانحة. وتعنى هذه البرامج بتهيئة التلامذة الذين انقطعوا عن الدراسة (ALP)  للالتحاق بصفوف تتناسب مع سنهم، أو بمحو أميّة في القراءة والحساب (NEF) وبتمكين الأطفال من مهارات معينة. ومن المفترض أن تدعم هذه البرامج في نهاية المطاف الأطفال للوصول إلى مرحلة يتمكنون فيها من الانتظام في التعليم النظامي الرسمي.

ولمّا كان تقريرنا هذا يركّز على التعليم النظامي حاولنا أوّلاً، البحث عن أيّ معلومة أو مستند يتعلّق بالمبالغ التي صرفت على التعليم النظامي على موقع وزارة التربيّة، وتحديداً في وحدة التعليم الشامل، وذلك انطلاقاً من المنطق الذي يفرضه مفهوم الشفافية، ومن قانون الحق في الوصول إلى المعلومات لعام 2017. إذ إنّه وبحسب هذا القانون يتوجّب على الإدارة أن تنشر في موقعها الإلكتروني والجريدة الرسمية جميع العمليات التي بموجبها يتم دفع أموال عمومية تزيد عن خمسة ملايين ليرة لبنانية وذلك خلال شهر من تاريخ إتمامها أو إتمام أحد أقساطها على أن يتضمّن النشر قيمة عملية الصرف، وكيفية الدفع، والغاية منه، والجهة المستفيدة، والسند القانوني الذي بموجبه جرى الصرف. إلّا أنّنا لم نجد شيئاً. وحين استفسرنا من مديرة وحدة إدارة ومتابعة تنفيذ برنامج التعليم الشامل (لم تعد الوحدة موجودة بعد انتهاء “رايس”) صونيا خوري عن سبب عدم نشر أيّ تقارير تتعلّق بالموضوع، أجابت: “كان عنّا، كوحدة، ويبسايت ننشر عليه كل المعلومات بالتفصيل، لكن لما خلصت رايس ما عاد فييّ إدفع سكرته”، هكذا جاء الجواب وبكلّ بساطة.

في ظلّ غياب المعلومات التي كان يجب أن تكون متاحة على موقع الوحدة، سألنا خوري عن المبالغ التي وصلت لدعم عملية تعليم اللاجئين السوريين في لبنان. فجاء جوابها: “ولا لمرّة واحدة أستطيع أنا أو وحدتي معرفة مجمل المبالغ التي تتعهّد فيها الدول المانحة لدعم التعليم. فهي تكون في إطار دعم اللاجئين بشكل عام، فضلاً عن أنّ المبلغ الذي يُعلن عنه في المؤتمرات يصل مختلفاً على أرض الواقع. ولا نعرف أصلاً ماذا وصل منه؟ وإلى من سيصل؟ علما أنّه عندما نقول إن الأموال رصدت للتعليم لا يعني أبداً أنّها ستصل إلى وزارة التربية وستخصّص لموضوع التعليم النظامي”. وتوضح أنّ هذه الأموال تخسر تلقائياً ما يقارب 20% من قيمتها لقاء ما يعرف بـ “بدل إدارة” تتقاسمها المنظمات الدولية المسؤولة عن المشاريع التي ترصد لها الأموال وبعدها الجمعية التي تنفّذها، وأنّ أي أموال لا ترتبط بالتعليم النظامي مباشرة لا تصل إلى الوزارة.

وتشير خوري إلى أنّ ما وصل إلى الوحدة في إطار تعليم اللاجئين السوريين النظامي كان من مصدرين اثنين لا ثالث لهما: الأوّل، ويحوّل مباشرة أي ليس عبر اليونيسيف، كان من البنك الدولي وتقول: “عطيونا 32 مليون دولار بأول 3 سنين من رايس، كنّا ندفع منها لمجلس الأهل، وترميم مجموعة مدارس ونشتري تجهيزات للمدارس وتحديداً 10 مدارس”، موضحة أنّ هذه الأموال تُحوّل إلى وزارة المالية في مصرف لبنان ومن ثمّ إلى وزارة التربية وهي تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المتأخرة.

أمّا المصدر الثاني فهو، حسب خوري، الدول المانحة عبر اليونيسيف. وتقول إنّه “إذا أردنا معرفة ما وصل إلى الوزارة عبر اليونيسيف في إطار “رايس” فهو “حرفياً عدد الأطفال اللاجئين المسجلين في المدرسة الحكومية مضروب بـ 600 دولار (900 ألف ليرة) لكلّ تلميذ بعد الظهر، و363 دولار (544 ألف ليرة) لكلّ تلميذ قبل الظهر. وفي التعليم غير النظامي لم يكن للوزارة علاقة بالتمويل إلّا في برنامج واحد ALP، نفّذناه في مدارسنا وكان تمويله أيضاً من اليونيسيف بمعدّل 350 دولاراً عن كل تلميذ”.

وALP أو “التعليم المكثّف” هو أحد البرامج المتعلقة بالتعليم غير النظامي ضمن “رايس” ويهدف إلى إعطاء التلميذ المنقطع عن الدراسة منهجاً مركّزاً في المواد الأساسية (اللغة الأجنبية، اللغة العربية، الحساب والعلوم) للالتحاق في الصف المناسب لسنّه.

التسرّب المدرسي بدافع الانخراط في العمل

توزيع المبلغ

كيف يوزّع مبلغ 600 دولار الذي تسدّده اليونيسيف عن كل تلميذ مسجّل بعد الظهر، ومن يستفيد من دعمها؟ جواباً على هذا السؤال، أوضحت لنا مديرة وحدة التعليم الشامل صونيا خوري واليونيسيف أنّ المبلغ يوزّع على الشكل التالي:

–      160 دولاراً تذهب إلى صندوق المدرسة بعدما تعطي المدرسة معلومات للوزارة مع مستندات تتعلّق بعدد التلامذة الملتحقين بها،

–      340  دولاراً كلفة التعليم (ساعة الأستاذ والناظر والمدير)،

–      100 دولار بدل عن استهلاك مدرسة، مع الإشارة، وحسب خوري، إلى أنّ هذا المبلغ (100 دولار) كان يُرسل أوّل فترة، تصرف منه الوزارة على ترميم المدارس وتجهيزاتها، ولكنّ في السنوات الثلاث الأخيرة، لم يعد يحوّل هذا المبلغ، لأنّ الجهات المانحة قرّرت بناء 8 مدارس رسمية بموافقة مجلس الوزراء.

أما المبلغ الذي تسدده اليونيسيف عن كل تلميذ مسجل قبل الظهر (وهو 363 دولاراً)، فيقسّم إلى جزئين على هذا النحو:

–       160 دولاراً (من جهات مانحة عبر اليونيسيف) لصندوق المدرسة ومجلس الأهل والباقي للمدرّسين المستعان بهم (أساتذة ترتبط عقودهم فقط بتعليم اللاجئين السوريين وتدفع لهم الجهات المانحة)

رسم رقم 1: أعداد الأطفال غير اللبنانيين الذين تدعمهم اليونيسيف في المدارس الحكومية (KG-G9)

السنة الدراسيةمجموع
2016-2017  141,750  
2017-2018213,358  
2018-2019206,061  
2019-2020196,238  
2020-2021192,473  
المصدر: اليونيسيف

استناداً إلى كلام خوري وانطلاقاً من الأرقام التي حصلت عليها “المفكرة” من اليونيسيف حول عدد الأطفال الذين دعمتهم، وإذا انطلقنا من أنّ هناك وكما تؤكّد اليونيسيف لـ “المفكرة” ويشير معنيون في التعليم (مع اختلاف النسب قليلاً) إلى أنّ 24%( 229 ألفاً و224 تلميذاً) من التلامذة المنتظمين في المدارس من العام الدراسي 2016/2017 إلى العام الدراسي 2020/2021 كانوا في الدوام الصباحي و76% (720 ألفاً و656 تلميذاً) كانوا في الدوام المسائي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المبلغ يصل بالليرة اللبنانية للوزارة حسب ما تقول خوري واليونيسيف لـ “المفكرة” يتبيّن لنا وفي عملية حسابية صغيرة أنّ ما وصل إلى الوزارة/ وحدة التعليم الشامل منذ العام 2016 (تاريخ بدء تسديد اليونيسيف عن التلامذة السوريين) إلى 2021 هو:

مبلغ سّدد مباشرة وهو 32 مليون دولار (البنك الدولي) ومبالغ سدّدت من العام الدراسي 2016/17 إلى العام الدراسي 2020/21 عبر “اليونيسيف” تبلغ 773 مليار و288 مليون و256 ألف ليرة لبنانيّة عبر اليونيسيف[1]، أي ما مجموعه 515 مليون و525 ألفاً و504 دولارات. أي المبلغ الإجمالي 567 مليون دولار و525 ألفاً و504 دولارات إذا لم نحتسب أموال برنامج التعليم المكثّف، وإذا افترضنا أنّ هذا كلّ ما وصل إلى الوحدة. 

وتعلّق اليونيسيف على هذه الأرقام (تحديداً ما حوّل منها) بالقول إنّها تعكس تقريباً التزامها تجاه الوزارة ولكن لا يمكن القول إنّ هذه المبالغ حوّلت كلّها إلى حساب الوزارة لأسباب عدّة منها فجوات التمويل من الدول المانحة وسقوف سحوبات المصارف. وتضيف اليونيسيف لـ “المفكّرة” أنّ التحويل الفعلي الذي حصل لا يتجاوز 66% من الالتزامات الماليّة لـ “رايس”.

وبدءاً من العام 2016 وحتى انتهاء “رايس”، أصبحت اليونيسيف الجهة الوحيدة التي يتمّ من خلالها تحويل أموال المانحين إلى وزارة التربية والتعليم العالي لدعم تسجيل الطلاب غير اللبنانيين في المدارس الرسمية بعدما أنشأت وزارة  التربية “حساباً مصرفياً للطوارئ” يتلقّى التمويل/التبرّعات من اليونيسيف.

وتشير اليونيسيف إلى أنّه في بعض السنوات، شاركت وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة/البنك الدولي أيضاً في تمويل وزارة التربية والتعليم العالي/ وحدة إدارة ومتابعة برنامج التعليم الشامل، ما يعني أنّ الحصيلة النهائية للبيانات المالية لجميع الأطفال المسجلين سنوياً متواجدة في وزارة التربية والتعليم العالي.

ويتمّ، حسب اليونيسيف إجراء عمليات التخصيص للمدارس والموظفين بالليرة اللبنانية وفقاً للتعاميم الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي/مجلس الوزراء بشأن معدل الساعة لرواتب الموظفين وقيمة أموال مجلس أولياء الأمور وقيمة الأموال المدرسية. وبناءً على ذلك، ومع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، كان المبلغ الذي  تكلّفته اليونيسيف والجهات المانحة أقل بالدولار لتمويل رسوم التسجيل.

وقدّم المانحون، حسب اليونيسيف، في وقت لاحق تمويلاً أقل للالتحاق بالمدارس مع تخصيص الأموال المتبقية من فرق سعر صرف الدولار خلال العامين الماضيين لتوفير إضافات للمعلمين والمدارس، وتحويل جزء منها نحو برامج المدارس الصيفية وبرامج الاتصال الرقمي وبرامج استعادة التعلم وإلى الأنشطة الأخرى التي تدعم التشغيل المدرسي.

وفي هذا الإطار يشرح نعمة أنّ المبلغ الذي احتسبته “المفكرة” بناء على أرقام اليونيسيف ومعطيات وحدة التعليم الشامل هو ما ورد في برنامج “رايس 2” تحت بند الأموال التي التزمتها الدول المانحة وتُسلّم لليونيسيف التي تسلّمها  إلى الوحدة. وحدّدت قيمة هذه الأموال بـ 600 مليون دولار بقيمة تبلغ حوالي 100 مليون دولار سنويا، وهو قريب من المبلغ الذي احتسبناه لا سيّما مع الأخذ بعين الاعتبار حسب ما يؤكّد نعمة واليونيسيف أنّ هذا المبلغ (100 مليون) قلّص في السنتين الأخيرتين.

ولكنّ هذا المبلغ ليس إجمالي ما وصل لـ “رايس”1 و “رايس”2 حسب نعمة، فبحسب تقارير البنك الدولي والعقود التي تمكّن من الاطلاع عليها ضمن دراسة ترصد ما وصل للتعليم من أموال، فقد طلبت الدولة اللبنانيّة لـ “رايس1” (2014/2016) 600 مليون دولار وحصلت على 272 مليون دولار. ويقول نعمة: “هذا ما استطعنا الوصول إليه، لا توجد معلومات واضحة، الشفافيّة شبه غائبة”.

أمّا في إطار “رايس 2” (2016/2021) فقد طلب لبنان 2.1 مليار دولار، ولكنّه لم يحصل على المبلغ كاملاً إذ يمكن القول إنّ لبنان حصل على 204 مليون دولار من البنك الدولي ( 100 مليون قرض) و600 مليون دولار (المبالغ التي تحدّثت عنها صونيا خوري وتمرّ عبر اليونيسيف) بالإضافة إلى مساهمة غير نقدية من اليونيسيف ذاتها تقدّر بـ  129 مليون دولار و11 مليون دولار من المفوضية مساهمة غير نقديّة أيضاً و32 مليون دولار من الدول مباشرة عبر البنك الدولي ليس عبر اليونيسيف (المبلغ الذي ذكرته خوري أيضاً). يُضاف إليها 204 ملايين دولار لمشروع S2R2 (دعم برنامج رايس 2)  (100 دولار قرض و104 هبة) ، جزء منه نحو الثلث (تقريباً 68 مليون) لتطوير المناهج والباقي دعم لأنشطة “رايس 2”.

بالإضافة إلى هذه الأموال التي وصلت مباشرة لتعليم السوريين يتحدّث نعمة عن مبالغ أخرى وصلت للتعليم ومفترض أن يستفيد منها السوريون وغير واضح أين صُرفت وكيف، منها تقديم الحكومة البريطانيّة 6 ملايين دولار لوزارة التربية واليابان 8 ملايين دفعة أولى وبعدها 3 ملايين، وأموال أخرى يصعب ترصّدها وتتبع جهات صرفها وتقدّر بملايين الدولارات.

ويؤكّد نعمة أنّ هذه الأموال رُصدت بالدولار وهي تصل إلى الوزارة بالليرة اللبنانيّة ما يطرح سؤالاً عمّن هي الجهة التي استفادت من الفرق مع انهيار سعر الليرة، وهل هذه الجهة هي المصرف المركزي أو حتى وزارة المالية أو جهة أخرى. 

وفي دراسة يعمل عليها مركز الدراسات اللبنانيّة تُنشر قريباً يتبيّن أنّ المبالغ المخصّصة فقط للتعليم والتي وصلت من الخارج  والموقّع عليها لبنان رسمياً من العام 2011 إلى العام 2022  تبلغ 1.2 مليار دولار يُضاف إليها 297 مليون دولار مساعدات دعم العائلات الفقيرة لمنع التسرّب (وزارة الشؤون) وهبات ومساعدات عينيّة تقدّر بالملايين، وكان لـ “رايس” الحصّة الكبيرة من هذه الأموال.  

هذه المبالغ التي وصلت إلى لبنان في إطار تعليم اللاجئين السوريين، كانت تكفي لإدارة أفضل لتعليم هذه الفئة، إلّا أنّ “الموضوع لم يكن يوماً موضوع كلفة بل سوء إدارة، وغياباً للشفافية بالحدّ الأدنى إذا لم نرد الحديث عن فساد، فضلاً عن كيديات سياسيّة وغياب واضح للنيّة الحقيقية في تعليم اللاجئين”، حسب ما تقول شعيب.

وعن آلية تحويل هذه الأموال وتوزيعها، تشرح خوري أنّ أموال المانحين توضع في حساب مشترك لوزارة التربية واليونيسيف في المصرف المركزي، وأنّ وزير التربية والمدير العام وحدهما لهما الحق في التصرّف بالمال من أجل إرساله إلى المعنيين مباشرة، وأنّ وحدتها لا تملك أيّ صلاحية في هذا الشأن.

وتحدّد خوري دور الوحدة في الجانب المالي بالقول: “نحن نرسل كاش ريكويست (طلب للحصول على سيولة)، ويوقّع وزير التربية والمدير العامّ عليه. توقيعي غير موجود. وبعد التوقيع، يرسل الطلب إلى اليونيسيف، وعندما تُرسل الأموال إلى الحساب، يديرها الوزير والمدير العام، وبالتالي كل مبلغ يصرف هما يوافقان عليه وليس أنا”.

داخل صف مدرسي في وادي خالد

فوضى وكيديّات وعلامات استفهام  حول شبهات فساد

وعلى الرغم مما تقوله خوري حول آليّة تحويل الأموال التي تعتبرها واضحة، أصدر وزير التربية والتعليم السابق طارق المجذوب في العام 2021 قراراً يقضي بإنشاء وحدة الإشراف المالي على المشاريع الممولة من جهات مانحة على أن يتم التنسيق بين الوحدة ودائرة المحاسبة في وزارة التربية والتعليم العالي وترفع الوحدة التقارير المالية دورياً إلى وزير التربية والتعليم العالي بواسطة المدير العام للتربية.

وعندما نسأل خوري عن الحاجة إلى مثل هكذا قرار لم ينفّذ أصلاً بسبب استقالة الحكومة وتغيّر الوزير، إذا كانت الأمور واضحة كما تقول، تجيب: “الوزير طارق المجذوب كان لديه مشكلة شخصية معي، الأموال التي تصل تتطلب إمضاء الوزير لذا لا يدخل إلى الوحدة أي مبلغ  من دون إمضاء الوزير، وإذا كان لا بدّ من سؤال عن موضوع الشفافية، فالسؤال يوجّه إلى اليونيسيف والمفوضية. نحن طلبنا من اليونيسيف أكثر من مرة، اعطونا نسخ العقود مع الجمعيات التي تعنى بالتعليم، لا يعطونا، نحن لدينا حق في ذلك، بالنسبة لنا كل سنة اليونيسيف ترسل مدققاً مالياً خارجياً يراقب. آخر AUDIT عام 2020”.

وفي هذا الإطار تؤكد الجهات التي تواصلنا معها (اليونيسيف، الاتحاد الأوروبي، السفارة البريطانيّة وغيرها) أنّ لديها آليات خاصة للتأكد من وصول الأموال إلى مستحقيها، ولديها مدققوها الماليون وموظفوها الميدانيون للتأكد من وصول الأموال إلى المستفيدين منها.

وفي هذا الإطار يتحدث عدد من المعنيين والموظفين والمتابعين في الجمعيات (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) عن كيديات سياسية، عن تضارب بالصلاحيات وعن تصفية حسابات داخل الوزارة على حساب التلامذة والمدرّسين. وتتحدّث إحدى المدرّسات، على سبيل المثال لا الحصر، عن عدم وضوح في الصلاحيات في موضوع احتساب عدد ساعات المدرّسين وعدد التلامذة. وتقول: “هذا الملف عادة يُعطى لوحدة التعليم الشامل والمنطقة التربوية، يرسلون لنا المنسق الميداني لوحدة التعليم الشامل، نُفاجأ مثلاً بالوزارة ترسل لنا نموذجاً وتطلب منا تعبئته خلال 24 ساعة، ونُفاجأ أنه على أساس هذا النموذج تمّ تحديد المستحقات من دون تدقيق، وخسر عدد من المدرّسين جزءاً من مستحقاتهم”.

ومن الأمور الأخرى التي تؤخذ على الوحدة، ارتفاع عدد ورواتب موظفيها أي الكلفة التشغيلية للمشروع، وتقول خوري إنّه مع استحداث “رايس” بلّغت وزارة التربية الجهات المانحة أنها غير قادرة على تخصيص موظفين من الملاك للإشراف على عملية تعليم التلامذة السوريين فتمّ الاتفاق على تشكيل فريق من خارج الوزارة بإدارتها على حساب الجهات المانحة. وتقول: “عدد الموظفين كان 16 موظفاً ميدانياً و14 موظفاً في المكتب، وتمّ تحديد الرواتب والحاجة بالاتفاق مع اليونيسيف. ولكن الوزير المجذوب طلب تخفيض المعاشات فقمنا بذلك ما دفع عددا كبيرا منهم إلى الاستقالة، هذه الرواتب لها ميزانيتها عبر اليونيسيف وهي لا تعتبر عالية وأنّ من حدّد الحاجة والراتب لم تكن الوزارة وحدها”.

وفي حين تشير خوري إلى أنّ أعلى راتب كان 5 آلاف دولار يتحدّث البعض عن رواتب وصلت إلى 10 آلاف دولار ويتحدث عدد من الموظفين عن محسوبيات في التوظيف وأنّ المشكلة حصلت بعد انخفاض قيمة الليرة إذ أصبح هذا الراتب، لأنّه بالدولار أعلى من راتب الوزير.

أمّا الموضوع الذي كان الأكثر جدلاً في سياق الشفافية فهو التلاعب بعدد التلامذة وهذا ما كشفه تحقيق حمل اسم مدارس من رمل عرضته قناة “الجديد” ضمن سلسلة “يسقط حكم الفاسد” بيّن أنّ عدد الطلاب اللاجئين الحقيقي في المدارس اللبنانية، لا يتوافق مع العدد الذي تقدّمه وزارة التربية للمانحين الماليين بهدف الحصول على الدعم.

واعتبر التقرير أنّ تضخيم أعداد الطلاب اللاجئين السوريين، هدفه كسب أموال غير مشروعة، وأن حجم عملية التضخيم يقدر بنحو 15 ألف طالب سنوياً، ما يعني تسعة ملايين دولار سنوياً منذ بداية العام الدراسي 2014/2015، فأين ذهبت هذه الأموال؟

وكان عدد من المحامين قدّموا إخباراً موضوعه الحلقة التلفزيونيّة وانتهى الأمر باستماع النائب العام المالي جان طنّوس لإفادة خوري وعدد من المسؤولين في الوزارة ولم يحوّل الملف إلى قاضي التحقيق حسب ما أشار حسن بزّي أحد المحامين الذين تقدّموا بالإخبار، مضيفاً “لا يزال التحقيق عالقا”. 

وعن هذا الموضوع، تجيب خوري أنّ الأموال تحدّد على أساس التلامذة الذين تسجّلوا وحضروا قبل 22 كانون الأول، فالمدرسة تكلّفت عليهم. وإذا لم يحضروا يبقى من حقّ المدرسة أن تتقاضى عنهم، من دون أن تنفي احتمال تضخيم عدد التلامذة من مدير هنا أو هناك. وتضيف أنّه لو كان هناك فساد لكانت تمّت محاكمتها بعد الإخبار الذي قدّم ضدّها في هذا الصدد.

تلامذة سوريون يستعدّون لدخول صفوفهم في إحدى مدارس البقاع

وفي هذا الإطار تشير اليونيسيف إلى أنّها تعتمد على بيانات التسجيل الرسمية الواردة من وزارة التربية والتعليم العالي، وتتحقق من البيانات المقدمة بما يتماشى مع آليات الضمان الخاصة بها. وكذلك تشير السفارة البريطانية إلى أنّ الشركاء يقومون بوضع تقرير سنوي مالي عدا عن لقاءات مستمرة مع السفير البريطاني في لبنان، وأن السفارة تتأكد من تقارير التدقيق المالي للتأكد من أنّ الأموال تصل إلى حيث يجب أن تصل، عدا عن الزيارات الميدانية.

وعند سؤال اليونيسيف عن الأمر جاء الجواب بأنّه وفقاً لأرقامها، لا يوجد تفاوت بين أعداد الأطفال اللاجئين الذين تدعمهم المنظمة والأرقام التي أبلغت عنها وزارة التربية، مضيفة أنّه لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار التغيّب عن المدارس وأسبابها التي ترتبط بشكل أساسي بالانهيار الاقتصادي التي تدفع الأسر إلى تعليق تعليم أبنائها.

وتقول شعيب في هذا الصدد: كانت اليونيسيف طرفاً ثالثاً لتراقب الوزارة ولكن رأينا أنّه لم يحصل أي تحقيق بشبهات فساد في ملف تعليم اللاجئين السوريين ولا حتى في موضوع عدد التلامذة المنتظمين والمسجلين، مضيفة إذا أردنا أن نبدأ خطة جديدة يجب أولاً فتح تحقيق ومن ثمّ المحاسبة في حال تبيّن أي فساد أو إهمال. 


[1] العملية الحسابية: 648 مليار 590 مليون و400 ألفا (720,656 عدد التلامذة الذين دعمتهم اليونيسيف في الدوام المسائي مضروب بـ 900 ألف ليرة المبلغ المخصّص لكلّ طالب.

 124 مليار و697 مليون 856 ألفا (229,224 عدد التلامذة الذين دعمتهم اليونيسيف في الدوام الصباحي مضروب بـ 544 ألف ليرة لبنانيّة القيمة المخصّصة لكلّ طالب)

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الصحة والتعليم ، مساواة ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، تحقيقات ، منظمات دولية ، الحق في التعليم ، فئات مهمشة ، حقوق الطفل ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني