“بين المهنة والحريّة اخترت أن أكون محاميًا حراً”: نزار صاغية في خضم معركة الحريّات


2023-04-21    |   

“بين المهنة والحريّة اخترت أن أكون محاميًا حراً”: نزار صاغية في خضم معركة الحريّات
تصريح صاغية أمام الاعلام بعد انتهاء جلسة الاستماع في نقابة المحامين

(تمّ تحديث هذه المقالة في 22 نيسان 2023 لإضافة مواقف متضامنين ومتضامنات.)

“خُيّرت بين مهنتي وبين الحرية، فاخترت أن أكون محاميًا حرًا”. بهذه الكلمات اختار المدير التنفيذي لـ “المفكرة القانونيّة” المحامي نزار صاغية أن يستبق دخوله إلى جلسة الاستماع أمام مجلس نقابة المحامين أمس الخميس. الجلسة التي تبيّن أنّ هدفها التحقيق معه حول “حملة التشكيك في الدور الوطني لنقابة المحامين”، وهو اتهام ردّ عليه صاغية مرارًا خلال الجلسة معتبرًا أنّ “ما يُفسّر على أنّه حملة تشكيك هو في الواقع حق دفاع لمحامٍ تمّ تجريده من أهم ما يملك، وهي الحرية”. 

استدعاء صاغية إلى مجلس نقابة المحامين للاستماع إليه جاء على خلفية معارضته للتعديلات الأخيرة التي أقرّها المجلس على نظام آداب مهنة المحامين والتي تقضي بإلزام المُحامين الحصول على إذن مسبق من النقيب قبل الظهور في أي وسيلة إعلامية أو ندوة قانونية. وقد رفض صاغية التعديلات منذ البداية معبّرًا عن رأيه في مقالات نُشرت في موقع “المفكرة” وعبر بياناتائتلاف استقلال القضاء” وعبر تغريدات نشرها على تويتر، كما وعبر الطعن بها أمام القضاء. 

وقد حمل استدعاء صاغية من قبل مجلس النقابة دلالات على احتمال شطبه من النقابة بموجب قرار إداري، ولكن خرج صاغية من الجلسة التي استمرّت نحو خمس ساعات متفائلًا حيث وصف الأجواء بـ “الإيجابيّة”. وأمام حشد من المناصرين لهذه القضية الّذين أتوا للتضامن بناء على دعوة من ائتلاف استقلالية القضاء وتحالف حريّة الرأي والتعبير، قال صاغية: “شرحت بوضوح أنّ هدفي هو تصويب أداء النقابة لأني أعتبر أن مجلس النقابة ارتكب كبيرة وخطأ كبير” من خلال التعديلات الأخيرة على نظام آداب المهنة “والتي تُشكل خطرًا على أجيال من المحامين في المستقبل”. وأضاف: “هم لديهم رأي مختلف، فعبّرت عن رأيي وشددت على أنني أمارس حريتي التي هي من حقي ومن حق زملائي ولا يُمكن لأحد تقييدها”. 

ويترقّب صاغية صدور قرار مجلس نقابة المحامين بعد انتهاء عطلة عيد الفطر وفقًا لما أبلغ به في ختام جلسة الاستماع. وبالنظر إلى الإيجابية التي سيطرت على أجواء جلسة الاستماع فمن الممكن أن يتوجه المجلس إلى عدم اتخاذ قرار بالشطب بحق صاغية، وهو ما ألمح إليه بعد خروجه من الجلسة إذ رجّح أن يكون القرار “يشبه الأجواء الإيجابية”. لكنّ في الوقت نفسه أكدّ صاغية على مواصلة هذه المواجهة عبر التوجه إلى القضاء في حال ذهبت الأمور باتجاه مختلف. وعلى خط موازٍ، فإنّ نتيجة الطعن الذي تقدّم به 13 محاميًا ومن بينهم صاغية أمام محكمة الاستئناف المدنية ضد قرار التعديلات، يصدر في الرابع من أيّار المقبل. وعليه، فإنّ المحكمة أمام استحقاق يضعها أمام خيارين، إمّا قبول الطعن في التعديلات أو رفضه ما يعني حرمان المحامين من حرية التعبير. 

أنا مستمر على نهج الحريات

بعد خروجه من الجلسة التي استمرّت خمس ساعات، أكّد صاغية أنّ مجلس النقابة لم يوّجه له أي أسئلة حول الشكاوى التي وردت ضده من شخصيات نافذة على خلفية تصريحاته، إنّما انحصر التحقيق فيما اعتبره المجلس “حملات التشكيك في الدور الوطني لنقابة المحامين”. وشرح صاغية أنّ الأسئلة التي طُرحت عليه خلال الجلسة تناولت آراءه التي يُشاركها على وسائل التواصل الاجتماعي ومقالاته في “المفكرة”. فكان ردّه “التمسّك بحقّي في المواجهة والدفاع، وعند المسّ بهذه الحقوق تكون النقابة فقدت دورها”. وقال صاغية: “أنا مستمرّ على النهج نفسه في تنبيه المجتمع على المخاطر سواء في القضاء أو التشريع”. 

وكان صاغية قد دخل الى بيت المحامي مع مجموعة من المحامين المتضامنين، لكنّ المجلس رفض السماح لمحاميه بحضور جلسة الاستماع لكون المجلس “ليس محكمة”. فتحفظّ صاغية على محضر الجلسة حفاظاً لحقوق بالدفاع. وقد حضر الجلسة النقيب السابق ملحم خلف بصفته عضو دائم في المجلس وغرّد أنّه خرج استثنائياً من البرلمان لحضور الجلسة لأنه “لا مساومة على الحريات العامّة” ولأن “تقييد حرية المحامي هو تقويض لرسالته ودوره الوطني الطليعي”.

وبعد انتهاء الجلسة، انضمّ صاغية إلى مجموعة المتضامنين معه أمام قصر العدل وأعلن أنّه اليوم شكّل “مدماك لولادة نموذج جديد من المحاماة هو المحامي المناصر للقضايا الاجتماعية، والذي لا ينبغي تقييد حريته بل بالعكس يجب حمايتها بالكامل”. وأكد أنّه شرح لأعضاء المجلس أنّ “التعديلات على نظام آداب المهنة هي اعتداء على الحقوق الأساسية للمحامين ومن غير الممكن أن يُخيّر المحامي بين حريته ومهنته، وهذا هو المغزى من المعركة”. واعتبر أنّها معركة مشروعة للحفاظ على هذه الحرية، مشددًا على أنّ المجتمع اليوم انتصر لهذه الحقوق. وعن توقعاته بالنسبة للقرار المرتقب لمجلس النقابة شرح أنّه يتصوّر أنّه سيكون قرارًا “يشبه أجواء الجلسة”. وأشاد صاغية بالدعم الذي حازته هذه القضية معتبرًا أنّه ما كان ليحصل لولا “الناس التي دعمت عملنا كمحامين”.

وخلال حوار على إذاعة “صوت الشعب” أوضح صاغية أنّه أوضح أنّ “ما يفسّروه بحملة تشكيك في الواقع هو حق دفاع لمحام تم تجريده من أهم ما يملك وهي الحرية”. وتابع صاغية: “أعلنت أنّ المعركة هي الاختيار بين حريتي ومهنتي، وأنا دخلت لأكون محامٍ حر وإلّا سأفقد قدرتي على الدفاع أمام المحاكم وكذلك أمام الرأي العام”. وشرح صاغية أنّ هذه المعركة يخوضها لأجل الجيل المقبل من المحامين، كما بهدف منع أي محاولة لنقل هذا النوع من التعديلات إلى نقابة المحامين في طرابلس. وشرح مخاطر المضيّ بهذه التعديلات كونها قد تزيد الضغط على القضاة، وأنّ هذه المهن القضائية هي الشاهدة على العدالة في هذا البلد، فإذا تم تقييد حريتها يعني قمعاً للعدالة. ولفت إلى أنّ التضامن دلّ على أنّ “القانون في خدمة الناس”. 

مجلس النقابة يصف الانتقادات بـ “الحملة المسعورة” 

أظهرت جلسة الأمس التي تبعها مؤتمر صحافي لنقيب المحامين ناضر كسبار تباينًا واضحًا بين مفهوم حرّية الرأي والتعبير الذي تطمح إليه النقابة وبين مفهوم الحرًيات الذي ينادي به صاغية كما مساندي قضيته. إذ اعتبر النقيب كسبار في بيانه أنّ “حريّة تعبير المحامين ليست من دون حدود”، وقال: “تحدّ هذه الحرية بشكل خاص موجبات الاحترام والتآخي التي أقسم المحامون على احترامها”. واعتبر أنّ “النقابة والمجلس يتعرّضان لأبشع حملات التجنّي والإساءة والتنمّر”، واصفاً الانتقادات التي تتلقاها النقابة إزاء التعديلات الأخيرة بـ “الحملة المسعورة”.

وشرح صاغية بدوره بأنّ وصف الحملة بالمسعورة هو خطاب غير مقبول من قبل مؤسسة خاضعة للمساءلة في ديمقراطية. وأضاف أنّ “الوعي الذي نشأ من خلال هذه القضية والتضامن الواسع يدلّ على أنّها قضية ذات شأن عام، وهذا ما أحرج السياسيين”.  

وبرر كسبار التعديلات على آداب مهنة المحاماة أنّ هدفها “الحد من الخروق المتكررة لهذه الموجبات”. وهذا ما رفضه المحامون المعارضون لها، ومن بينهم الطاعنين في قرار النقابة أمام محكمة الاستئناف، الّذين اعتبروا أنّ نظام آداب المهنة لا يحتاج لأي تعديلات جديدة للحد من التجاوزات التي يقوم بها محامون إذ يتضمن بنوداً كافية للتعامل مع تجاوزات المحامين بشكل لاحق. إذ عبّر كسبار في أكثر من مرحلة عن وجود فوضى يُمارسها بعض المحامين، من بينهم من يقدّم استشارات على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الوسائل الإعلامية. وبالتالي، ذهب مجلس النقابة من خلال التعديلات إلى منع كلّي للظهور الإعلامي إلّا بإذن من النقيب بدلاً من التعامل المباشر مع الأشخاص الّذين يمارسون هذه التجاوزات. 

ومع أنّ بيان كسبار أكدّ فيه على أنّ “مجلس النقابة يعلن تمسّكه التام بالحفاظ على حرّية تعبير جميع اللبنانيين والدفاع عنها”، عاد ليُظهر توجّه محافظ تجاه الحريّات انطلاقًا ممّا ورد في بيانه أنّ “الحملة البائسة، بما تضمّنته من افتراءات وتضليل للرأي العام وتزوير للحقيقة وقدح وذم وتشهير وتجريح بكرامة نقابة المحامين في بيروت، نقيبًا وأعضاء، أثبتت أنّها بعيدة كلّ البعد عن احترام القانون واحترام الحريات”، معتبرًا أنّ ذلك حصل جرّاء “استدراج السلطات السياسية للتدخّل في قرارات مجلس النقابة، عندما تناولت إعلاميًا ملفًا عالقًا أمام القضاء (قاصدًا الطعن بقرار التعديلات)، لا يزال في طور المحاكمة وذلك بهدف الضغط والتأثير المعنوي، وبالإحياء للرأي العام أنّ الموضوع هو كمّ للأفواه وتقييد للحريات فيما هو مجرد تعديل في نظام آداب المهنة هدفه الحد من الدعاية التي يمارسها بعض المحامين عبر الإعلام لاكتساب الموكلين بطريقة غير مشروعة”. 

ورداً على دور الأحزاب السياسية في هذه القضية، اعتبر صاغية خلال حواره على “صوت الشعب” أنّ تضامن الأحزاب مع هذه القضية هو أمر طبيعي، معتبرًا أنه ليس للأحزاب أن تتدخل في قضايا صغيرة داخلية للنقابة، لكنها لا يمكنها أن تسكت أمام قضية من “الكبائر” التي تعني الحريات العامة، بخاصّة وأنّ عددًا من أعضاء مجلس النقابة قد رشحتهم الأحزاب السياسية. ولفت أنّ الأحزاب منها من قدّم بيانا تضامنياً واضحاً فيما آخرين بيانات ملتبسة، لكنّ المهم أنّ هذه القضية مركزية وليست قضية محام بينه وبين نقابته”.

وعاد كسبار وشرح في بيانه بأنّه لن يُناقش “موضوع الطعن طالما لم تبت المحكمة به لعدم التأثير على مجرى القضية”، في حين اعتبر صاغية أنّ مجلس النقابة بإمكانه الرجوع عن التعديلات قبل صدور قرار المحكمة.

ولفت كاسبار للمرة الأولى منذ قرار التعديلات إلى أنّها “لا تتصل إطلاقًا بأي إطلالة إعلامية للمحامي تتعلق بقضايا سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية. كما أنّ الأمر لا يتعلق بمن يودّ من الزملاء إلقاء محاضرة في أي مكان وفي أي موضوع قانوني أو غير قانوني”. وهي المرّة الأولى التي يشرح فيها كسبار هذا التوجه علمًا أنّ التعديلات نصّت صراحة على إلزام المُحامين الحصول على إذن مسبق من النقيب “للاشتراك في ندوة أو مقابلة ذات طابع قانوني عام تنظمها إحدى وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية أو المجموعات”.

وعلّق “ائتلاف استقلالية القضاء” على ما جاء في مضمون بيان النقيب من خلال بيان أعرب فيه عن القلق تجاه “افتقار البيان لأيّ خطوة جدّية باتجاه إعادة النظر في تعديلاته واصفًا الاعتراضات عليها بأنها “حملة مسعورة” على شأن داخلي للنقابة بدلًا من الإقرار بأنّها قضية شأن عام وحرّيات تعني الجميع وليس فقط المحامين”. كما حذّر الائتلاف من اتخاذ أي اجراء عقابي بحق صاغية، مؤكّداً على الاستمرار في المعركة إلى حين إلغاء التعديلات ووقف استدعاءات المحامين على خلفية ممارستهم حرّيتهم في معارضة التعديلات.

السلطة بلغت ذروة القمع بتقييد حرية المحامين

تمثل الحشد الذي رافق صاغية إلى قصر العدل بهدف التضامن والدعم، في حقوقيين وناشطين وصحافيين ونوّاب ديمقراطيين (فراس حمدان، حليمة قعقور، ابراهيم منيمنة، ميشال دويهي، مارك ضو) كما وأحزاب تغييرية كالحزب الشيوعي والكتلة الوطنية، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الحاكمة كالتيار الوطني الحر. وعلى مدى أكثر من خمس ساعات استمرّ الداعمون والداعمات في وقفتهم أمام قصر العدل، ومعهم لافتات أعربوا فيها عن رفضهم للاستدعاء المحامين. وعلى إحدى اللافتات دُوّن “لا عدالة دون حريّة”، فيما حملت أخرى عبارة “إذن مسبق للدفاع عن الناس، يا للعار!”. 

في وقفتهم أجمع المتضامنون على أهمية حريّة الرأي والتعبير التي يظهر أننا في لبنان لا نزال نُصارع لتكريس مفاهيمها. ووفقًا لمفوض العلاقات الدولية في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بسام القنطار الموضوع أبعد من مسألة “كمّ الأفواه”، “ففئات ثلاث في لبنان لطالما واجهت هذا الصراع، القضاة الّذين يواجهون قيودًا تفرض عليهم الصمت، مع العلم أنّ أوضاعهم تحسّنت في السنوات القليلة الماضية، كذلك المدافعون عن حقوق الإنسان بهدف منعهم من تشكيل رأي عام، واليوم المحامون في الواجهة. ويُضيف القنطار أنّ “التوجّه في هذا الزمن لمنع المحامين من الكلام هو أمر غير منطقي”، مشيراً إلى أنّ المفاهيم السائدة عزلت مهنة المحاماة في إطار المهنة الحرّة والبيزنس، وربطت انتظامها بعلاقة المحامي بموكله بينما دور المحاماة أبعد من ذلك. ويؤكد على أنّ إرجاع هذه المهنة إلى الانتظام المهني والسلوكيات، أمر خاطئ، كون سلوكيّات المحامي ليست مرتبطة بحرية تعبيره. واعتبر أنّ “منع المحامين من الكلام بالمطلق خشية ارتكابهم خطأ، هي فكرة قروسطية أي من العصور الوسطى”. لهذا السبب يؤكد القنطار أنّ “أي أحد يريد أن يرفع راية الحريّات في المستقبل عليه أن يتواجد اليوم في هذه المعركة”. 

يتفق الباحث القانوني والناشط السياسي علي مراد مع القنطار بأنّه من “الممكن أن تكون خلفية هذه التعديلات على نظام آداب مهنة المحاماة آتية من خلفية محافظة وكلاسيكية في النظرة إلى مهنة المحاماة ودورها المجتمعي”. ويعتبر في حديث لـ “المفكرة” بأنّ المنظومة السياسية وصلت إلى الذروة حين بدأت بتقييد حرية المحامين، ويرى أنّ “التعديلات تتقاطع مع مصالح المصارف والمنظومة السياسية التي تستفيد من قمع المحامين الممسكين بالملفات الحقوقية كاستقلالية القضاء والحقوق الاجتماعية والملفات المالية وغيرها”. ويجد مراد أنّ هذا يؤكد على “ضرورة عدم عزل القضية كما كان يهدف البعض على اعتبار أنّها قضية قطاع مهني حصرًا، بينما هي ضربة للطرف الأكثر وضوحًا والأكثر نشاطًا في الحالة الحقوقية في لبنان”. 

ويجد الصحافي الاقتصادي محمد زبيب أنّ “الكلام هو أحد الأسلحة التي يجب التمسّك بها أمام محاولة انتزاعها منّا”. ويعتبر أنّ “قضية الحريات في نقابة المحامين هي جزء من صراع بدأ منذ سنوات طويلة ويتم استكماله بأوجه مختلفة، وهذا يرتّب علينا أن نكون حذرين”.

ويؤكدّ أمين عام الحزب الشيوعي حنّا غريب أنّ “قضيّة اليوم لها أسبابها، هي نتيجة الانهيار الشامل في السياسة والاقتصاد ومؤسسات الدولة، وهي تظهر عجز السلطة الذي دفعها لاستخدام أدواتها الموجودة في النقابات ومن بينها نقابة المحامين”. ويجد غريب أبعادًا مختلفة لهذه القضية من خلال وجود أساليب مشابهة لمنع التحركات عبر “التضييق الذي يُمارس في الروابط، كما يحصل مع الأساتذة والموظفين في القطاع العام”. ويشرح أنّ الموظف في القطاع العام يتعرّض للاقتصاص من حقه نتيجة التعبير عن الرأي والإضرابات، من خلال تخفيض درجته، نقله من مكان العمل أو تغيير الدوام وغيرها”. 

استهداف للدور الاجتماعي للمحامي

وتشرح المحامية دينا أبو زور من رابطة المودعين أنّ “هذه التعديلات أتت في وضع استثنائي في هذا البلد، حيث نحن في أمسّ الحاجة للمحامين والنقابة الّذين هم في خط الدفاع الأول عن القضايا المفصلية في هذا البلد”. وتسأل “في حال استعصى على المحامين القيام بدورهم اليوم من خلال إطلاع الرأي العام في البلد في القضايا الكبرى وتصويب البوصلة قانونيًا واجتماعيًا بالشكل الصحيح سنكون أمام أزمة”. وتشدد على وجود تبعات كبيرة لكمّ أفواه المحامين بخاصّة في ظل سلطات تُحاول قدر المستطاع التعتيم على قضايا هامّة. ومن هذا المنطلق، تؤكد على أنّ هذه القضية ليست قضية بين صاغية والنقابة وحدهما، بل هي تمس بنا جميعاً كمحامين وكمدافعين عن القضايا الاجتماعية. 

ويرفض المحامي علي عبّاس “تقييد حريّة المحامين، من منطلق قدسية الحريّة وكونها الركن الأساس داخل أي مجتمع نقابي”. ويفسّر أهميتها انطلاقًا من دور المحامي في القضايا الاجتماعية التي هو جزءً منها، قائلًا: “أنا متضرر في جراء تفجير مرفأ بيروت ومدّعي، فلا يُمكن منعي من الكلام في هذه القضيّة، كما إنني مودع ونهبت أموالي في المصرف”. ويلفت إلى أننّا “نحترم سريّة التحقيقات ولا نتناولها في معرض ظهورنا الإعلامي، ودورنا يكمن في تنبيه المجتمع على الحقوق”. ويشدد على “رفضنا أن يتم استخدامنا كمحامين كأداة للقمع”. 

وتعتبر المحامية شادن الضعيف أنّ “هذه التعديلات تُعدّ هجومًا على عملنا كمحامين وهي تخدم السلطة السياسية التي أكثر من يضرّها هم المحامون العاملون في الشأن العام”. وتقارب شادن الموضوع من زاوية حق المحامي في الدفاع عن قضايا الشأن العام من منطلق أنّه لا يُمكن حصر مهام المحامي في الأمور المتعلقة بالشأن الخاص فيما له خيار التوجه إلى القانون العام بدلاً من القانون الخاص. وتستغرب الضعيف  عزل المحامين عن قضايا المجتمع وتصويره كأنّه مدافع عن مصالح القطاع الخاص”. 

من جهته، يؤكد المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس” محمد نجم أنّ “مهنة المحاماة وحرية الرأي والتعبير منطلقان أساسيّان لحماية الحق العام”. ويذكر من المسارات التي قادها المحامون إلى جانب المجتمع، الأملاك العامّة البحرية، والقضايا المالية لحقوق المودعين، التي يعتبر أنّ جوهرها حريّة الرأي والتعبير التي سنخسرها في حال المضي بربط المحامين بالأذونات المسبقة للتعبير عن آرائهم”. ولهذا، يجد نجم أنّه من “حقنا التشكيك في هذه القرارات ومن حقنا المساءلة ولهذا السبب نحن متواجدون هنا. أمّا المهندس علي درويش الذي خاض إلى جانب المحامي نزار صاغية معركة الدفاع عن الأملاك العامّة البحريّة، فيجد أنّ “حريّة التعبير مصانة بالدستور ومن غير المنطقي منع المحامي من التعبير عن رأيه في الوقت الذي لم يُمّيز الدستور بين مواطن وآخر في تكريس هذا الحق”. وعليه يعتبر أنّ المحامي الذي يتحدّى الفساد ويواجه علنًا في القضايا المفصليّة، على نقابته أن تحميه بدلًا من تقييد حريّته. ويستغرب من النقابة “المكلّفة صون الحريّات العامّة أن تطلب من أعضائها اتخاذ الإذن”. 

قطاعات وفئات عديدة معنيّة أيضًا

وتحوز هذه القضية على اهتمام واسع من منطلق تفعيل الدور المجتمعي والسياسي لنقابات المهن الحرّة، والتي توضحها المهندسة ناهدة خليل لـ “المفكرة” مشيرةٍ إلى أنّ الإنجازات الأخيرة التي تمكنّا من تحقيقها في النقابات، في نقابة المحامين وفي نقابة المهندسين منذ 17 تشرين الأول 2019، فهي إنجازات لا تُناسب المنظومة التي تهدف لإسكات الأصوات المعارضة. وتشدد خليل على أنّ قضية اليوم ليست محض صدفة، مشيرة إلى القضايا العالقة كالقضايا المالية والاقتصادية كما قضيّة تحقيق المرفأ. وتجد خليل أنّه من مصلحة السلطة إسكاتنا، لأنّ “المهنيين يسعون إلى نشر المعرفة عبر تشكيل ائتلافات وحراكات للمواجهة على مستويات عدّة”. وتلاحظ أنّ القمع يأخذ أشكالًا مختلفة كلّ مرّة لكنّه سياق متّصل تسعى إلى تحقيقه المنظومة السياسية، مشيرةً إلى “إسكات الناشطين السياسيين كما الكوميديين وسحبهم للتحقيق وكذلك الصحافيين، واليوم أتى دور المحامين كجزء من الّذين يعرقلون إعادة السلطة السياسية إنتاج نفسها”. 

ويتفق المهندس والنائب الحالي إبراهيم منيمنة مع خليل على أهمية دور المهنيين في التغيير السياسي، ويعتبر أنّ هذه القضية “تهدد وجود البلد، لأنّه يتم ضرب قيمة أساسية من هوية الشعب اللبناني”. ويُضيف: “بُني هذا البلد على قيمة الحرية وعلينا جميعًا كمواطنين وناشطين وقوى سياسية ونوّاب أن نكون خط الدفاع الأساسي”.  

الأستاذة الجامعيّة وفاء نون شددت على أنّ الأساتذة معنيون بهذه المعركة، إذ تُمارس بحقهم محاولات لمنعهم من التعبير عن الرأي: “نحن معنيّون لأنّ قبل سنوات صدر قرار عن رئاسة الجامعة اللبنانية بمنعنا من التصريح والنشر، لذلك نحن معنيون. فأنا هنا لأتضامن مع نفسي بالدرجة الأولى”. 

وتلفت رئيسة اتحاد الأشخاص المعوّقين حركيًا سيلفانا اللقيس إلى خوض الاتحاد مع صاغية لـ “عقود معركة الدفاع عن الأشخاص المعوّقين والتي يلتزم بها بعمق ومثابرة” وفقاً لتعبيرها. فبالنسبة للقيس، “نزار ملتزم قضيتنا وقضايا لفئات مجتمعيّة متعددة، وما يحصل بحقه يحصل بحق الحريّة والعدالة، وهي محاولة للقضاء على آخر فرصة للوصول إلى حقوقنا”. 

ويعدّ التضامن الذي حازه صاغية في هذه القضية أساسياً في مواجهة قمع الرأي الحر، على ما تؤكد عليه منسقة نقابة الصحافة البديلة إلسي مفرّج مشيرةً إلى نجاح النشاط التضامني في عدّة مواجهات من بينها “استدعاء الصحافي في ميغافون جان قصير للمثول أمام جهاز أمن الدولة على خلفية عمله الصحافي، وتمكنّا من الدفع باتجاه التراجع عن الاستدعاء”. وتشير أيضًا إلى “النجاح في قضية رئيسة تحرير موقع “مصدر عام” لارا بيطار في نقل الشكوى ضدّها من مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية إلى محكمة المطبوعات التي هي المكان الصحيح لمحاكمة الصحافيين”.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني