انهيار مبنى ثانٍ في الشويفات ومحاولات رمي المسؤولية على الضحايا السوريين


2024-02-20    |   


انهار مبنى من 3 طبقات في الشويفات ليلة أمس الإثنين، حاصدًا أرواح أربعة أشخاص من الجنسية السورية، بينهم طفلان، فيما انتشل 6 أشخاص أحياء بينهم اثنان من آل العلي يرقدان في المستشفى حتى الساعة وتقول مصادر طبية إنّ أحدهما في وضع حرج نتيجة كسر بالجمجمة. 

وهذه الكارثة هي الثانية من نوعها في المنطقة خلال أقلّ من 10 أيام، بعد أن انهار مبنى أمهز السكني في منطقة صحراء الشويفات ليلة السبت 10 شباط الجاري. وإذ كُتبت النجاة لسكان مبنى أمهز الـ 65، بعد أن غادروه على عجل لمّا أحسوّا عليه يتزلزل بهم، كان للقدر رأي آخر ليلة أمس.

وفور وقوع الكارثة ليلة أمس، قال مسؤولون رسميّون ووسائل إعلام إنّ السكّان، وجميعهم مستأجرون سوريّون، تلقّوا إنذارات سابقة بضرورة الإخلاء، محمّلين إيّاهم مسؤولية البقاء في مبنى “مهدّد بالانهيار”، وهو ما نفاه سكّان العقار لـ “المفكّرة القانونية”. بدورها أكّدت البلديّة لدى تواصلنا معها أنّ لا علم لها بأيّ إنذارات إخلاء.

حوالي الساعة 9:15 مساءً يوم الإثنين، اهتزّ المبنى بساكنيه الـ17. في الطابق الأول، كانت تعيش عائلتا العمر وهاشم، وفي الطابق الثالث، كانت تقيم عائلتا العلي وطكو. نافذة النجاة أغلقت سريعًا، أسرة العلي نجا 4 من أفرادها وقضى صغيرها الطفل أحمد الذي لا يتجاوز العاشرة من عمره، فيما قضى العروسان الجديدان محمد طكو وشام علي ورضيعهما عزّو ذو الأشهر الثمانية. بدورهما أسرة هاشم كانت خارج المنزل، وكانت أسرة العمر في زيارة إلى جيرانها، باستثناء طفليها نور العمر (12 سنة) وعمر العمر (8 سنوات) اللذين كانا في منزلهما لحظة الانهيار وأنقذهما جيرانهما بجروح طفيفة.

يروي الجار محمد حسين سمّو لـ “المفكرة القانونية” أنّ صوتًا هائلًا دوى بعد أن انهدّ الجبل على المبنى، لينهار بأكمله مرة واحدة: “كانت أسرة العمر في زيارة خاطفة إلينا حينها، ركضت مع شقيقي نحو موقع المبنى المنهار، فوجدته كومة حطام هائلة”. دار محمد وشقيقه حول المبنى، واستطاعا الوصول إلى طفلي أسرة العمر عبر ثغرة بين الحطام وانتشلاهما وعادا بهما إلى أسرتهما في منزله، قبل وصول أي من فرق الإنقاذ. 

ومع انهيار المبنى، هرعت طواقم الدفاع المدني اللبناني والصليب الأحمر وفرق الإسعاف من المناطق المجاورة، وكذلك من المخيمات الفلسطينية في بيروت، لتبدأ عمليات إنقاذ صعبة استمرّت حتى ساعات الصباح الأولى. وما زاد خطورة عمل المتطوّعين والمتطوّعات هو تضرّر كبير لحق بمبنيين مجاورين، ما جعلهما مهدّدان بالانهيار. وعلى أطراف موقع الانهيار، وقفت الأسر المخلاة من المباني المجاورة، وهي بدورها كلّها سورية، ومعها عدد من أقارب الضحايا، يترقّبون الإعلان عن ناج مرّة، أو ضحية مرة أخرى، من أحبائهم العالقين تحت الأنقاض.

رميٌ للمسؤولية على كاهل السكان الضحايا

فور وقوع الكارثة، انتشرت روايات عبر وسائل الإعلام الاجتماعي والتقليدي تقول إنّ السكان كانوا قد تلقّوا إنذرًا رسميًا باحتمال انهيار المبنى وهم من تشبّثوا بالبقاء. والمفارقة أنّ هذه الأخبار تلت تصريح النائب طلال إرسلان لدى وصوله إلى الموقع قال فيه: “علمنا أنّ بلدية الشويفات سبق ووجّهت إنذارًا إلى أصحاب هذا المبنى قبل سنتين بسبب وضعه غير السليم”.

وعلى الأرض أكّد بعض أقارب الضحايا والناجين وسكان من المبنيين المجاورين اللذين تم إخلاؤهما بأنّ لا إنذار قد وجّه إلى سكّان المبنى المنهار وأنّهم لم يكونوا يعلمون أنّ المبنى مهدّد بالسقوط. وقد استفزّ كلامهم شبانًا لبنانيين متجمّعين في المكان وأخذوا يهددون السوريين الذين أنكروا علمهم بأي إنذار. وتوجّهوا إلينا بالقول: “صوّروا لنا وجوه من ينكرون أنّ السكان كانوا منذرين، لأنّنا سننال منهم غدًا”. وقد وشت هذه الأجواء بأنّه رغم أنّ الضحايا كانوا لا يزالون تحت الأنقاض، إلّا أنّ هناك رغبة برفع المسؤولية عن الجميع وتحميلها إلى الضحايا أنفسهم.

ولدى مراجعتنا بلدية الشويفات، نفى المحامي سعيد السوقي (الذي أحالنا إليه عضو بلدية الشويفات محي الدين الشاهين الذي تواصلنا معه بعد اعتذار رئيس البلدية عن التصريح بسبب سفره) عِلم البلدية بأيّ إنذار بالإخلاء، مشيرًا إلى أنّ المبنى لم يكن مصنّفًا بأنّه مهدّد بالانهيار أصلًا: “أساساته سليمة، وهو لم ينهَر من تلقاء نفسه أو بسبب خلل في بنيته، بل بسبب سقوط صخور وتراب عليه”. وهو ما ينفي أيضًا الرواية التي تناقلتها وسائل إعلام ومستخدمون لوسائل التواصل بأنّ السكان السوريين استأجروا الشقق في المبنى بعد أن أخلاه سكانه اللبنانيون قبل خمس سنوات بعد إنذارهم بإمكانية انهياره.

وبمراجعة ملفات البلدية، يتبيّن أنّ المباني الثلاثة المتجاورة تعود إلى عقار واحد لم يفرز، ولا تتوفر له رخص إسكان “بسبب مشاكل بين أصحاب العقار”، بحسب المحامي السوقي، وبالتالي “فلا عقود إيجار رسمية مسجّلة ولا رخص من البلدية”. فتأجير الملّاك للأسر السورية كان من دون عقود، علمًا أنّ بلدية الشويفات ترفض أصلًا تسجيل عقود إيجارات للسوريين، علمًا أنّ تعميم وزير الداخلية بهذا الشأن ينصّ على عدم تأجير أي عقار لأي لاجئ سوري قبل التثبّت من تسجيله لدى البلدية وحيازته على إقامة شرعية في لبنان.

ويشير المحامي السوقي إلى أنّه قبل 5 سنوات، انهار سور الدعم الخاص بالمبنى “أ” المجاور للمبنى المنهار اليوم “ب” (على العقار ذاته)، بسبب سقوط صخور وأتربة من الجبل، وقد كشف خبير من قبل البلدية حينها على العقار، وأوصى بتدعيم السور المنهار، وهو ما نُفّذ بالفعل. يومها تضرّر المبنى “ب” “بشكل طفيف، لكنه ظلّ سليمًا”، ولم يتمّ تدعيم السور الداعم له والذي يقرّ المحامي أنّه كان بالفعل أقصر مما يجب، مع العلم أنّ سبب انهيار سور المبنى “أ” حينها، هو نفسه سبب انهيار المبنى “ب” اليوم.

يشار إلى أنّ المبنى عمره أكثر من 3 عقود، وتعود ملكية العقار المشيّد عليه إلى ورثة المرحوم عفيف الريشاني. ويقول أحد السكان الناجين إنّهم كانوا قد بلّغوا أحد الملّاك بأنّهم يخشون سقوط أتربة من الجبل على مبناهم، من دون أن يؤخذ أيّ إجراء بهذا الخصوص. فيما ينفي أحد الورثة الذي رفض ذكر اسمه، أيّ علم للملاّك بهكذا خطر، أو أن يكون قد بلّغه أحد بشيء. في المقابل، يقول محامي البلدية إنّ الأخيرة علمت بعد انهيار المبنى برواية السكان حول تحذيرهم الملّاك سابقًا من خطر انهيار أتربة باتجاههم، إلّا أنّ “أحدًا لم يبلغنا بذلك”. 

يشار إلى أنّه في شباط 2023، وبعد أسبوعين من الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا وتأثر به لبنان، صدر تعميم من وزير الداخلية طلب فيه من البلديّات واتّحاد البلديّات والقائمقامين المباشرة فورًا بإجراء مسح شامل للأبنية المتصدّعة وغير الصالحة للسكن كما والانجرافات الحاصلة على الطرقات، على أن يتمّ الاستعانة بنقابتيْ المهندسين في بيروت وطرابلس، والعمل على تدعيم أو ترميم الأبنية المتصدعة من قبل أصحابها وإذا تعذّر ذلك من قبل البلديات المعنية. وردًا على سؤالنا عن التعميم خصوصًا على ضوء الحادثتين الأخيرتين، يرد محامي البلدية أنّ “ما طُلب ليس في قدرة البلدية فمن الذي يحدّد أي أبنية مهدّدة بالسقوط”، متابعًا أنّ “مسحًا شاملًا يعني جميع الأبنية في المدينة، وهذا أمر يتجاوز قدراتنا، ونحن نعتمد دائمًا على الشكاوى من المواطنين وعلى أساسها نكلّف خبراء بالكشف ليبنى على الشيء مقتضاه”.

من يؤوي الناجين والمشرّدين اليوم؟

خلال زيارة رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير موقع الكارثة فجر اليوم، سألناه عن مصير الناجين والمُخلين من بيوتهم (من سكان المبنيين المجاورين القائمين على العقار ذاته)، أكّد أنّ لا تعويضات “لأنّ كلّ مواطن مسؤول عن عقاره”، ومع سؤالنا عن التقديمات للمتضرّرين من السكان، قال: “كلّ حالة بحالتها، منلاقيلها حلّة، مع الإشارة إلى أنّهم من السوريين وليسوا من اللبنانيين”. وعن وضع المبنيين الآخرين المجاورين، قال خير إنّ أعمدتهما متضرّرة ومهدّمة، ما يعني بالتالي أنّ لا إمكانية لعودة السكان من دون إجراء عملية تدعيم وترميم للمبنيين.

وبحسب معلومات “المفكرة”، فإنّ حوالي 6 عائلات سورية قد شرّدت اليوم بلا مأوى، فيما أُمّنت لها بعض البطّانيات لتقيم مؤقتًا في قاعة تابعة لبلدية الشويفات، وبإشراف من الصليب الأحمر اللبناني. بدوره يقول محامي البلدية إنّ الهيئة العليا للإغاثة أكدت لبلديّته أنّ “لا إيواء ولا تقديمات للسوريين، ما يدفعنا لمحاولة التواصل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خصوصًا أنّه لا يمكن أن يبقوا في قاعة البلدية لمدة طويلة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مـيديـــــا ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، فيديو



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني