انتفاضة المستخدمين تعطّل ثانويات طرابلس: لن نرضى بـ 30 ألف ليرة بعد اليوم


2021-11-23    |   

انتفاضة المستخدمين تعطّل ثانويات طرابلس: لن نرضى بـ 30 ألف ليرة بعد اليوم
ساحة التل - طرابلس

إذا كان أجرك اليومي 22 ألف ليرة، وأجرة النقل ضعف ذلك، فالأفضل لك أن تبقى في منزلك. هذه المعادلة المنطقية، ولّدت انتفاضة غير مسبوقة في ثانويات طرابلس من قبل  قطاع الحجّاب والمستخدمين، وأدّت إلى إغلاق أكبر 3 مؤسسات تربوية في عاصمة الشمال. حيث أغلقت ثانويات عدنان الجسر الرسمية المختلطة، الحدادين الرسمية للبنات، وأندريه نحّاس الرسمية للبنات أبوابها بسبب الإضراب، وعدم قدرة الإدارات على تشغيل المدارس من دون وجود بوّاب، وحارس، ومساعدات وعمّال نظافة. 

تواصلت “المفكرة القانونية” مع مدراء المدارس التي أغلقت أبوابها، وكذلك المستخدمين. تحفّظت المديرات عن الإدلاء بأحاديث صحافية رسمية من دون أخذ الإذن من مديرية التعليم الثانوي. واستشعرت “المفكرة” من خلال التواصل مع الكوادر التربوية في المدارس حجم الإرباك الذي يعانيه القطاع التربوي مع بدء العام الدراسي الجديد، في ظلّ عدم توافر الإمكانيات المادية والمستلزمات الضرورية والتشغيلية لإطلاق عام دراسي جديد. فمن جهة تعيش الثانويات ضغوطاً متعددة الجوانب تطال الكوادر التربوية والمستخدمين والطلّاب، ومن ناحية أخرى لا إمكانية لشراء المنظّفات والمعقّمات، حيث بقيت وعود الدولة في خانة التسويف. 

الأجر لا يكفي ثمناً للخبز 

في كلّ صباح، تنتقل منار من منطقة القبّة إلى أبي سمراء للالتحاق بمركز عملها في ثانوية عدنان الجسر. تستقلّ التاكسي من الموقف، وتنتقل إلى منطقة مرج الزهور النقطة الأقرب إلى مدرستها، والتي يمكن للتاكسي بلوغها. فهي آخر الخط بالنسبة لسائق الأجرة، ولكنّها نقطة انطلاق لرحلة جديدة للشابة. فهي تعود لتكمل الطريق سيراً على الأقدام إلى المدرسة برفقة إحدى زميلاتها من أجل توفير بدل السرفيس. فيما يقوم أحد أفراد الهيئة التعليمية “بالتفضّل بتقريبنا بعض الشيء إلى الموقف في طريق العودة”، “لأنّ السرفيس المباشر إلى المدرسة كلفته 15 ألف ليرة، لذلك تمشي لنوفّر” تقول منار.

تتقاضى منار 22 ألف ليرة كأجرة عمل يومية، وبدل نقل هو 8 آلاف ليرة. أمّا أجرة النقل من الموقف فهي 7 آلاف ليرة ذهاباً أي 14 ألف ليرة يومياً، وعليه فإنّ نص أجرها اليومي يذهب للسرفيس. منار هي أم لثلاثة أولاد وبالتالي فإنّ العائلة تحتاج أقلّه إلى ربطي خبز يومياً ثمنها 14 ألف ليرة، وهنا يبدأ العجز المالي للأسرة، وتبرز التساؤلات، كيف يمكن أن تتغذّى العائلة بعد ذلك، أو تتعالج في حالة المرض. تقول منار “كلّ شيء غالي، والله بيعلم كيف عايشين، لأنّ 30 ألف ما عادت تعملّنا شي”. تروي أنّ أحد أبنائها بحاجة إلى دواء ربو، وهي لم تعد تستطيع شراءه بعد رفع الدعم “كان ثمنه 23 ألف، أمّا اليوم فـ 154 ألف ليرة، كم يوم يجب أن أشتغل لتأمين جرعة الدواء” تتساءل منار.   

تعتبر منار نموذجاً للمُستخدمين في الثانويات الرسمية، الفئة التي تضعها الدولة خارج الحسابات رغم أهميّتهم في تسيير المرافق العامّة، والتي وجدت نفسها مضطرّة لإعلان الإضراب والتوقّف عن العمل. تلفت الشابة إلى أنّ هناك 5 مستخدمين في المدرسة، من ضمنهم شابة تأتي من إيزال الضنية حيث تدفع للتاكسي أكثر من قيمة يوميّتها، مشيرةً إلى “أننا أحياناً نعمل على العتمة، وفريق المدرسة منيح معنا، بس ما بإيدهم يعملوا شي”. وتحمّل باسم زملائها، الدولة مسؤولية عدم تصحيح أوضاعهم حتى الآن “لأنّ المسؤول ما بيعطي إبنه 30 ألف بل يعطيه مصروفه بالدولار”. 

تلفت منار إلى أنّهم ليسوا هواة إضراب، لذلك فهم سيعبّرون عن حسن نيّتهم، وينظّفون المدارس نهار الثلاثاء من أجل معاودة الدراسة يوم الأربعاء. وتوجّه رسالة إلى الرأي العام والدولة لتفهم موقفهم لأنّه يتم احتساب أجرهم على النهار الحضوري، وبالتالي “يوم العطلة أو الإضراب لا يتمّ تقاضي أجره”، فهم لا يمكنهم أن يتغيّبوا حتى لو كانوا في حالة مرض لكي لا يتمّ حسمه عند احتساب أيام العمل. فعلى سبيل المثال تقاضوا 90 ألف عن شهر أيلول، و120 ألف عن شهر تشرين الأوّل، متسائلة “إلى متى سيبقى حقّهم مهضوماً، خصوصاً أنّه في غيابنا، الوسخ يملأ المدرسة”على حد وصفها.

عدنان الجسر: توقّف قسري

خلال الأسبوع الماضي، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في طرابلس بتسجيل صوتي لمديرة ثانوية عدنان الجسر في طرابلس نبيلة بابتي، تشكو فيه العجز الذي وصلت إليه الثانوية الذي أعاق بداية العام الدراسي التي استمرّت يومين فقط.

تواصلت “المفكرة” مع الإدارة والهيئة التربوية في الثانوية، حيث علمت أنّ “التسجيل الصوتي كان في مجموعة واتساب داخلية للأساتذة، وتمّ تسريبه”. ولمست “المفكرة” حجم الإرباك والخوف على مصير العام الدراسي، فمن جهة تقف الإدارة عاجزة عن تأمين النفقات التشغيلية أو إكمال التشغيل. ومن جهة أخرى تشهد الثانوية إضراباً للحجّاب وعمّال النظافة، الأمر الذي أحال المدرسة التي تضمّ 600 طالب إلى مكان غير قابل ليتواجد فيه الطلّاب بسبب انعدام النظافة. كما أدى غياب المستخدمين الستّة إلى زيادة خطر الإصابة بكورونا، لأنّه لم يعد هناك إمكانية لتعقيم الصفوف والحمّامات بصورة دائمة ودورية، أو تنظيم الدخول والخروج الآمن والصحّي للطلاب ومتطلبات النظافة. 

وعبّرت الإدارة عن تعاطفها مع هؤلاء لأنّ أجورهم لم تعد كافية لتأمين الحد الأدنى من الحاجات الأساسية، مشيرة إلى أنّ سقف البدلات اليومية تحدّدها وزارة التربية، آملة أن “تشمل الإعانات التي أقرّتها الدولة للقطاع العام هذه الشريحة الأساسية في المدارس، ولكن لم نتبلّغ شيئاً رسمي حتى الساعة”. 

وتسبب العجز الذي تحدثت عنه المديرة في التسجيل الصوتي بنفاذ المازوت الذي أدّى إلى توقّف المولّدات، وبالتالي إلى تعطيل الإنارة والأنظمة الرقمية، والكمبيوترات، وآلات التصوير، وأجهزة العرض التعليمية داخل الصفوف. وبحسب الإدارة “كنا ندخل إلى المدرسة لإجراء المعاملات الرسمية على ضوء التلفون، بعد أن فرغت كمية المازوت التي اشترتها المدرسة بخمسة ملايين ليرة خلال أيام، لأنّ التصميم الهندسي للمدرسة يُلزم الاستعانة الدائمة بالكهرباء، فعلى سبيل المثال فإنّ الأقسام الإدارية في الطابق الأوّل تحت الأرض، وبالتالي لا يمكن القيام بأيّ مهام من دون إنارة. وتشير إدارة ثانوية عدنان الجسر إلى أنّها “موعودة بتأمين المازوت، ولكن هناك أمور لا تنتظر الإجراءات والتعقيدات البيروقراطية”.

وبحسب مصدر في الإدارة، فقد جمعت بعض التبرّعات للمستخدمين كما تمّ التبرّع بكمّية من المازوت للثانوية ما جعلها تفتح أبوابها اليوم الثلاثاء ولكن ليس هنا ما يضمن بألّا يتكرّر الإغلاق، لأن أوضاع الكادر البشري لم تصحّح، وكذلك التجهيزات لم تتأمن بشكل مستدام. فهذه العودة ظرفية بانتظار تأمين عوامل ديمومة واستقرار للعام الدراسي من تصحيح الأجور، وتأمين المنظفات، واستمرارية المازوت، والقرطاسية، وغيرها من الحاجيات التي عصف بها الدولار، و”إلّا نكون أمام تأجيل الأزمة وليس حلّها” حسب إدارة الثانوية التي “تعتقد أنّ لا أحد من المسؤولين يتحمل مسؤولية 60 ألف طالب خارج المدارس الرسمية للعام الثالث على التوالي”، و”كذلك الإستمرار في إهانة الأساتذة الذين يقاومون رغم كل ظروف البلاد”.

ثانوية الحدادين: على الدولة التحرّك سريعاً 

المشهد يتكرّر في ثانوية الحدادين للبنات التي تستقبل حوالي 600 طالبة، حيث اضطرت الإدارة مكرهة على الإغلاق بسبب إضراب الحاجبات، والإعلان عن إصابات بكورونا وعدم القدرة على تعقيم الثانوية. وتسعى الإدارة للعمل مع الحاجبات لفك الإضراب، وتلقّت وعداً بأن يتمّ تعقيم الثانوية اليوم الثلاثاء من أجل معاودة الدراسة نهار الأربعاء. 

توضح مصادر الثانوية أنّ المستخدمات الخمس يتقاضين أجورهنّ من صندوق المدرسة “30 ألف أجر يومي”، وكذلك الحارس الذي يتقاضى الحد الأدنى الرسمي للأجور. وتعتقد أنّ “رفع بدل النقل لموظفي القطاع العام يجب أن يشمل الحجّاب، وبالتالي أن يرتفع من 8 آلاف إلى 64 ألفاً، وفق المقاييس المنطقية”. وقد نقلت الإدارة إلى وزارة التربية في بيروت التململ في أوساط الحجّاب، لأنّ “مطلبهم مطلب حق”، كما أنّ “الإدارة كانت قد طلبت من وزارة التربية الإذن لتعيين حاجبين جديدين، ورغم موافقة الوزارة إلّا أنّهما رفضا حين علما أنّ الأجر 30 ألف يومياً”. 

يكشف المطّلعون أنّ “الإدارة طلبت من الوزارة في العام الماضي الأخذ بعين الاعتبار العدد الكبير من أيام التعطيل، وإعطاءهم الأجور اليومية المستحقة عن أيام التعطيل وكأنهم حاضرون في المؤسسة”.     

أندريه نحّاس: كيف يصل الأساتذة إلى المدرسة؟ 

على غرار الثانويات الأخرى أقفلت أندريه نحاس أبوابها بسبب استقالة مستخدماتها الخمس، ففي هذه المدرسة التي تضمّ حوالي 500 طالبة، “استقالت إحدى المستخدمات لأنّها تدفع 40 ألف ليرة لتأتي من أبي سمراء إلى المدرسة، فيما تتقاضى 30 ألف ليرة كأجر يومي”. 

أمام هذا الواقع، عاش مبنى الثانوية المؤلّف من 4 طبقات وضعاً مأزوماً بسبب غياب مستخدماتها العاملات لديها، إلى جانب ظهور حالات كورونا بين الأساتذة، في ظلّ “صندوق فاضي، ولا يمكن للإدارة شراء المعقّمات”.

حاولت الإدارة حلحلة الأمور، واستعانت بمجموعة من العمّال من خارج المدرسة للتنظيف بصورة مؤقتة. بعد معالجة هذا الأمر، ظهرت شكوى الطواقم التعليمية، حيث اتّصل 17 أستاذاً بإدارة الثانوية لإبلاغها بأنّ “أجورهم نفذت، ولم يعد هناك إمكانية لتأمين كلفة النقل إلى المدرسة ذهاباً وإياباً”. لذلك اقترحت الإدارة على المعلمين “تقنين أيام التعليم”، واتباع قاعدة “الكحل أحسن من العمى”، و”التعليم يومين في الأسبوع”. 

تؤكّد أوساط الثانوية أنّه “ليس لدينا نيّة بعدم التعليم، وإنّما لم يعد بإمكاننا القدوم إلى مدارسنا، وتحديداً من يأتي من أماكن بعيدة، ولديه متطلّبات حياة كثيرة، لا يمكنه الاستمرار بالكذب على الذات”. وتستغرب “غطرسة المسؤولين وعدم الالتفات لحال الأساتذة الذين يشكو بعضهم من عدم إمكانية شراء زيت الزيتون لإعداد سندويش الزعتر لأطفالهم”، كما تحمّل أوساط أندريه نحّاس قرار الرابطة العودة إلى التعليم من دون ضمانات “في الثانويات صوّتت الجمعيات العمومية ضدّ العودة، ولكن الرابطة رضخت للسياسة”. 

يبرز تخوّف على عدم استمرارية العام الدراسي الحالي، كما أنّ هناك قلق على مستقبل التعليم الثانوية بشكل عام في ظلّ غياب الدافع لدى الأساتذة للاستمرار في مهمّتهم التربوية، وكذلك عدم وجود خطة دائمة لإنقاذ القطاع التربوي على الأمد البعيد.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، نقابات ، قرارات إدارية ، الحق في التعليم ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، الحق في الصحة والتعليم ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني