الممرضة المعتدى عليها من مديرها تلجأ إلى القضاء: أتمنى ألّا تفسد السياسة القضية


2022-06-05    |   

الممرضة المعتدى عليها من مديرها تلجأ إلى القضاء: أتمنى ألّا تفسد السياسة القضية

قبل أيام انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر تعرّض الممرضة فاطمة يحيى لاعتداء من مدير مستشفى بنت جبيل الحكومي (حيث تعمل) الدكتور توفيق فرج أثناء اعتصام للموظفين للمطالبة بمستحقات لهم لا تدفعها المستشقى، ليتبيّن لاحقاً أنّ الحادث يعود إلى أيّام تسبق انتشار الفيديو وأنّ الأمر كان ليمرّ من دون أي محاسبة لو لم ينتشر مقطع الفيديو .

فإثر انتشار المقطع أعلن المكتب الإعلامي في وزارة الصحة العامة في  بيان أنّ “الجهات المختصة في الوزارة استمعت إلى المعنيين بالخلاف الذي حصل في أحد المستشفيات الحكومية والذي تم التداول بمقطع فيديو في شأنه على مواقع التواصل الاجتماعي، وبناء عليه قررت الوزارة إحالة الملف على التفتيش المركزي لاتخاذ الإجراءات المناسبة”.

فضلاً عن التفتيش المركزي الذي يترتّب على تقريره إجراءات إداريّة، لجأت يحيى إلى القضاء الجزائي إذ أكّدت لـ “المفكرة القانونيّة” أنّها قدّمت إخباراً بالحادث في النيابة العامة في النبطيّة بدعم من نقابة الممرضات والممرضين، التي استنكرت بدورها في بيان ما تعرّضت له يحيى باعتباره “يشكّل استباحة غير أخلاقية لكل العاملين في مهنة التمريض أثناء مطالبتهم بحقوقهم التي يجب أن تكون محترمة ومكرّسة وخاصة في المستشفيات الحكومية” .

تأمل يحيى أن تأخذ العدالة مجراها، وألّا تخرج قضيّتها عن سياقها القانوني الحقوقي، وألّا تسيّس في بلد تفسد فيه السياسة كلّ القضايا، وألّا يمرّ تعرّضها للاعتداء مرور الكرام، أقلّه لجهة دفعها بقوةّ من قبل فرج خلال اعتصام للموظفين، التصرّف الموثّق بالصوت والصورة، متحدثة عن تعرّضها أيضا للترهيب والتهديد وممارسات كيديّة وصلت إلى حدّ الخصم من راتبها كعقاب لها لأنّها تطالب بحقوقها كما تقول، وهو الأمر الذي تنفيه المستشفى نفياً قاطعاً.

تعنيف وعقاب كيدي

“القصة قصة قلوب مليانة، وما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا خمس دقائق من عذاب خمس سنوات” تقول يحيى لـ “المفكرة” شارحة أنّها لطالما كانت تتحدّث باسم الموظفين والعاملين بالمستشفى مطالبة بحقوقهم وأنّها باتت تتعرّض لمضايقات من فرج بعدما أخبرت وزير الصحة الأسبق جميل جبق وخلال زيارة له للمستشفى بأنّ الموظفين ولاسيما الممرضين والممرضات يعملون ساعات إضافيّة، مشيرة إلى أنّها لطالما شعرت بأنّ هناك من يتقصّد إزعاجها وتضيف: “ملفي مليء بالاستجوابات لأبسط الأسباب، ربما نوع من الضغط عليّ لأنّي أتحدّث باسم الموظفين والعاملين في المستشفى باعتبار أنني عضوة في الهيئة التأسيسية لنقابة العاملين في المستشفيات الحكومية”.

وبالعودة إلى اليوم الذي صوّر فيه مقطع الفيديو تشرح يحيى بأنّ الحادث وقع أثناء اعتصام كان واحداً من سلسلة اعتصامات ينفّذها الموظفون منذ حوالي عشرة أيام سابقة، وذلك للمطالبة بحقوقهم والمحدّدة برفع أجرة المياومين التي لا تتخطى 100 ألف بلا بدل نقل مقابل 12 ساعة عمل، وإعطاء الموظفين بدل غلاء المعيشة أو المساعدة الاجتماعية التي أقرّتها الحكومة نهاية العام الماضي، فضلاً عن المطالبة بمستحقات تتعلّق بسلسلة الرتب والرواتب تعود إلى العام 2017 .

وتقول يحيى: “نحن نقبض رواتبنا الشهرية ولكنّها باتت بلا قيمة، وما كنّا نطالب به هي حقوق أقرّت رسميا، زيادات سلسلة الرتب والرواتب التي نتقاضاها اليوم وبعدما فقدت قيمتها بالتقسيط، وهو، أي المدير، غالباً ما ينتظر ارتفاع الدولار ليعطينا جزءاً منها”.  

وتوضح يحيى أنّه على الرغم من اعتصام الموظفين المتكرّر لم يأت مدير المستشفى يوماً للحديث معهم ولم يستدع أحداً لمحاورته، الأمر الذي كان يزعج الموظفين، وأنّه يوم الحادثة ورغم وجود أبواب أخرى أصر المديرّ على الخروج من باب مكاتب الحالات الباردة (باب الطوارئ وباب غسيل الكلى مفتوحان) حيث يعتصم الموظفون في خطوة تعتبرها يحيى مستفزّة وكأنّه لا يراهم: “اقتربت منه لأذكره بحقوقنا كموظفين، أجابني ما إلك عندي شي، كان هناك موظف يصرخ ويقول مش قادر جيب تياب لولادي، ساد التوتّر، أصرّيت على الحديث معه قلت له بدي حقوقي بدأ بدفعي بقوّة كما هو واضح في مقطع الفيديو، فضلاً عن توجيه كلام مسيء مثل روحي ياه” تقول يحيى مضيفة: “هناك كلام أكثر إساءة وُجّه لي ولم يظهر بمقطع الفيديو، لطالما كان يوجّه كلاماً جارحاً للموظفين، كل ما حدا يحكيه بموضوع الحقوق يتعرّض للذل”. 

وعن العصا التي كان يحملها فرج وظهرت في مقطع الفيديو تقول يحيى: “لا أريد أن أدخل بالنيّات، هذه العصا نستخدمها لغلق الباب وربما حملها بهدف فتحه لا ضربي، ولكنّني شعرت بخوف كبير عندما رأيتها فوقفت جانباً وتركته يخرج”.

وكان فرج أوضح أيضاً في مداخلة مع موقع “بنت جبيل” أنّ العصا تستخدم لغلق الباب وأنّه حملها بهدف فتحه. 

وفيما تشير يحيى إلى أنّها لم ترد نشر مقطع الفيديو لاعتبارات عائليّة ومهنيّة، توضح أنّها بعدما سمعت من عدّة أشخاص أنّه سيُصار إلى فصلها من العمل على خلفية الحادث أرسلت المقطع إلى مجموعة على واتساب، سائلة إن كان ما قامت به ممكن استخدامه كحجّة لفصلها، “وفجأة وجدّت الفيديو منتشراً على وسائل التواصل الاجتماعي مع حملة تضامن معي من المواطنين وعدد من النقابات، شعرت بالارتياح، كسرت حاجز الصمت، فهناك الكثير من الإدارات تتعامل مع الموظفين بطريقة مذلّة، عبر التهديد، صوتنا يجب أن يصل”. 

حاجز الصمت الذي كسرته يحيى لم يكسر حاجز الخوف وعدم الأمان الذين تشعر بهما حالياً: “تعرّضت أكثر من مرّة للتهديد المباشر من المدير إذ كان يقول لي “انتبهي على حالك” حتى يوم الحادث كرّر العبارة نفسها، أتمنى أنّ يكون القانون الفيصل بيني وبينه سواء عبر الإخبار الذي قدّمته للنيابة العامة أو من خلال تقرير التفتيش المركزي المنتظر”.

يشار إلى أنّه بحسب المادة ٣٢٩ من قانون العقوبات يعاقب على “كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية، بالحبس من شهر إلى سنة، اذا اقترف بالتهديد والشدة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه الجسدي أو المعنوي.

لم ينته الأمر عند الاعتداء على الممرضة إذ تقول يحيى إنّ إدارة المستشفى عاقبتها “كيدياً” على اعتراضها طريق المدير بخصم 10 أيام من راتبها فلم يبق لها إلّا أيام قليلة إذ إنها لم تعمل أكثر من 12 يوماً الشهر الماضي”.

من معتدى عليها إلى معتدية 

ما تقوله يحيى تنفيه مستشفى بنت جبيل الحكومي نفياً قاطعاً إذ يقول مصدر في المستشفى في اتصال مع “المفكرة القانونيّة” إنّ الممرضة لم تتعرّض لأي ضغوطات أو مضايقات لا لجهة تهديد بالراتب أو تغيير دوام.

ويعتبر المصدر أنّ الممرضة هي من حاولت منع فرج من الخروج من باب مرفق عام من غير وجه حق، وأنّها اجتزأت من مقطع الفيديو، وأنّ المستشفى تحت سقف القانون وهي تنتظر نتائج تقرير التفتيش المركزي ليبنى على الشيء مقتضاه إذ إنّ المستشفى لا تتخذ أي إجراء من نفسها ضّد فرج ولاسيّما أنه رئيس مجلس إدارة وقائم بأعمال المدير منذ أكثر من خمس سنوات بالإنابة ومجاناً، حسب المستشفى، وبالتالي لا يخضع لقانون الموظفين.

فكرة اجتزاء مقطع الفيديو ووضع يحيى بموقع المعتدي على مدير المستشفى وليس المعتدى عليها باعتبار أنّها منعته من الخروج من باب مرفق عام كانت حجّة فرج في الدفاع عن نفسه أيضاً مع استخدام أسلوب يحمل فوقية واضحة، إذ كان قال وفي المداخلة على موقع بنت جبيل: “بدي إضهر وقفت بجسمها بوج جسمي، طلبت تزيح عجنب، شو محلها من الإعراب لتمنعني؟ هي اعتدت على المؤسّسة وعليي”. 

وعلى الرغم من ظهور فرج في مقطع الفيديو بشكل واضح، غير قابل للشكّ وهو يدفع الممرضة بقوّة ويخاطبها بأسلوب أقلّ ما يُقال عنه إنه غير لائق، وعلى الرغم من أنّ الحديث على اجتزاء الفيديو في حال كان صحيحاً لا يغيّر بحقيقة دفعه للممرضة شيئاً، يرفض فرج خلال حديثه الاعتراف بأنّه اعتدى على الممرضة، والملفت أنّ هذا الرفض لم يأت من باب رفض العنف أو التشديد على احترام القوانين التي ترعى علاقته بالموظفين بل من باب ذكوري صرف: “ما بمد إيدي على مرا”  إذ يقول في البثّ المباشر أيضاً: “هذا أمر يتنافى مع الأخلاق، نحن ما منعملها، ما منمدّ إيدنا على بنت، هذا ليس من شيمنا” معتبراً أنّ ما كانت تريده يحيى هو استفزازه وجرّه ليرفع يده عليها ولكنه لم يفعل”.

تضامن من الزملاء والزميلات والنقابة تتحرّك 

بعد انتشار مقطع الفيديو نفّذ موظفو المستشفيات الحكومية في لبنان اعتصامات أمام مداخل مستشفياتهم وتوقفوا عن العمل لبعض الوقت، تلبية لدعوة الهيئة التأسيسية لنقابة عاملي المستشفيات الحكومية في لبنان، وتضامنا مع يحيى، مستنكرين ما تعرّضت له.

كما دان الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان “بشدة ما تعرضت له إحدى أعضاء الهيئة التأسيسية لنقابة عاملي المستشفيات الحكومية الممرضة فاطمة يحيى من اعتداء على يد الدكتور توفيق فرج في المستشفى الحكومي لمدينة بنت جبيل”، داعياً “كل الهيئات النقابية والإنسانية والنسوية للتضامن وإدانة الاعتداء الوحشي الذي تعرضت له على يد طبيب من المفترض أنّ مهنته محط إنسانية ورحمة”.

أمّا نقابة الممرضات والممرضين فاعتبرت أنّ “الجسم التمريضي يتعرّض مرة جديدة للعنف وسوء المعاملة وعلى يد من يفترض به أن يكون المدافع عن حقوق العاملين وكرامتهم ومهنتهم ولقمة عيشهم”، مضيفة في بيان أنّ ما تعرّضت له يحيى “يجب أن لا يمر مرور الكرام” وأنّ النقابة “تقف الى جانب الزميلة المعتدى عليها وتتضامن معها في موقفها الاحتجاجي وترفع الصوت الى جانبها  وتتّخذ صفة الإدعاء الشخصي لدعمها وقد راجعت وزير الصحة العامة  لمطالبته اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية المناسبة بحق المعتدي وبذل كافة الجهود الممكنة لحماية القطاع التمريضي واحترام حقوق العاملين فيه وشروط عملهم”.

وتزامناً مع ما تعرّضت له يحيى نشرت نقابة الممرضات ما أسمته “إجراءات آلية” تسهّل على الممرّض والممرّضة الشكوى في حال تعرّضه/ها لأي عنف أو اعتداء جسدي أو لفظي أثناء القيام بالمهام الوظيفية.

وتضمّنت هذه الآلية تقديم شكوى مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي لدى المخفر أو النيابة العامة الاستئنافية، وإبلاغ النقابة بمضمون ورقم وتاريخ تقديم الشكوى من أجل الدعم والمتابعة وطلب إجازة من إدارة المؤسسة من أجل الراحة.

وتوضح نقيبة الممرضات والممرضين في لبنان ريما ساسين قازان في حديث مع “المفكرة” أنّ هذه الآليّة بدأ العمل عليها منذ فترة  مع نقابات المهن الصحيّة مع تنامي الاعتداءات على الجسم الصحي، ولكنّ النقابة نشرتها تزامنا مع حادثة يحيى.

وتشير ساسين إلى أنّ وضع الممرضات والممرضين في لبنان لم يعد مقبولاً وأنّه لا بدّ من مواجهة التحدّي الأبرز حالياً وهو هجرة الممرّض إذ تخطى عدد المهاجرين في هذا القطاع  2500 ممرض وممرضة،  أي ما يقارب 20% منهم، الأمر الذي يشكّل ضغطاً نفسياً وجسدياً على من تبقى منهم ولاسيّما لجهة اضطرارهم للعمل لساعات إضافية على رواتب تتراوح قيمته بين 50 و100 دولار شهرياً.

وتوضح ساسين أنّها ومنذ فترة تبحث مع وزارة الصحة ونقابة المستشفيات الخاصة الآليات التي يمكن أن تحافظ على من تبقّى من الممرضين عبر إجراءات عمليّة منها رفع الراتب الذي يجب ألّا يقلّ عن 7 ملايين ليرة شهرياً،  وزيادة بدل النقل بشكل يغطي الكلفة الفعلية واعتبار البدل موازياً لثمن صفيحة بنزين أسبوعياً، فضلاً عن التزام جميع المؤسسات تسديد بدل مساعدات مدرسية وجامعية وتأمين دعم نفسي ومعنوي للممرضات والممرضين، وإعطاء حوافز للعاملين في أقسام كورونا والطوارئ والعناية والأقسام المغلقة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، الحق في الصحة ، فئات مهمشة ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، الحق في الصحة والتعليم ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني