بعضهم لجأ إلى وزارة العمل.. “المجموعة” تصرف أكثر من 40 موظفًا


2024-04-04    |   

بعضهم لجأ إلى وزارة العمل.. “المجموعة” تصرف أكثر من 40 موظفًا

أنهت الجمعية اللبنانية للتنمية “المجموعة” خدمات أكثر من 40 موظفًا منذ بداية العام الحالي، وهو ما اعتبره عدد منهم صرفًا تعسّفيًا جماعيًا. إذ في حين برّرت المنظمة الأمر بـ “أزمة ماليّة وظروف اقتصاديّة”، لم تبلّغ وزارة العمل رغبتها في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذها، ولم تتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء يراعي أقدمية العمّال في المؤسّسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي حسب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله، بل صرفت امرأة حاملًا وموظّفًا أثناء إجازة مرضيّة، وموظفين نازحين من قراهم جنوب لبنان.

وأكد الموظفون أنّ الجمعية لم تلتزم بالتبليغ الخطّي بقرار الاستغناء عن خدماتهم وضمن المدّة المحددة قانونًا والتي تصل إلى أربعة أشهر إذا كان قد مضى اثنتا عشرة سنة فأكثر على تنفيذ عقد الاستخدام، وهو حال عدد منهم.

وفيما استطاعت الجمعيّة، حسب عدد من الموظفين أيضًا، إقناع عدد من المصروفين بتقديم استقالات أو توقيع عقود فسخ عمل مقابل إعطائهم بدل أشهر الإنذار فقط، وفيما لا تزال تحاول إقناع موظفين آخرين بالأمر، فضّل 8 موظفين اللجوء إلى وزارة العمل بعد أنّ حفظوا حقّهم في تقديم دعاوى في مجلس العمل التحكيمي آملين أن يحصلوا على حقوقهم كاملة.

مصدر في إدارة الجمعية يشير في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ  قرار الاستغناء عن خدمات الموظفين اتخذته الجمعية مجبرة بسبب تراجع التمويل والمشاريع وعدد المستفيدين فضلًا عن خسارة الجمعية قيمة أصولها خلال السنوات الأربع الماضية بسبب الأزمة المالية. وفي حين يعتبر المصدر أنّ ما تمّ تقديمه للموظفين المصروفين يغطي كافة التعويضات التي ينصّ عليها القانون يؤكّد أنّ المنظمة ملتزمة بأي قرار يصدر عن وزارة العمل. 

ويأتي قرار “المجموعة” صرف موظفين في وقت يجري فيه الحديث عن تقليص تمويل منظّمات غير حكوميّة في لبنان من قبل دول وجهات مانحة لأسباب عدّة منها ما يتعلّق برغبتها في استثمار في دول أخرى، أو  بالتوجّهات السياسيّة لهذه الجمعيات بعد السابع من أكتوبر، ومنها ما يتعلّق أيضًا بفساد أو سوء إدارة وأزمة ثقة في الإدارة في لبنان، وفق ما بررت بعض الجهات المانحة.

و”المجموعة” هي جمعية غير حكومية تسعى ومنذ العام 1997 كما تقول على موقعها الرسميّة إلى ” تعزيز التنمية المستدامة من خلال تحسين الظروف الإقتصاديّة والاجتماعيّة لذوي الدخل المحدود ولاسيّما أصحاب المشاريع الصغيرة والنساء من خلال تقديم خدمات مالية وغير مالية على كافة الأراضي اللبنانيّة”. وتعمل المنظمة بالشراكة مع منظمات وجهات عدّة تذكرها على صفحتها منها “أوكسفام” Oxfam و”سايف ذا تشيلدرن” Save the Children و”مؤسّسة التمويل الدولية” International Finance Corporation (عضو في مجموعة البنك الدولي).

فصل عشرات الموظفين بلا تعويضات

يتحدّث الموظفون الذين تواصلت معهم “المفكرة” عن فصل حوالي 60 موظفًا من أصل 230 من أقسام مختلفة خلال شهري كانون الثاني وشباط من العام الحالي، وذلك من دون سابق إنذار وبشكل شفوي مع طلب بتوقيع استقالات أو أوراق فسخ عقد مقابل بدل أشهر إنذار فقط.

ويروي علي مهدي الذي يعمل في المؤسّسة منذ 14 عامًا أنّه نهاية شهر شباط الماضي أبلغه قسم الموارد البشريّة في الجمعية “أنّ هذا اليوم سيكون يومه الأخير في العمل بسبب الانهيار الاقتصادي والأزمة المالية” عارضين عليه 600 مليون ليرة، أي قيمة رواتب 4 أشهر هي بدل أشهر الإنذار فقط. ويُشير مهدي في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّه عندما واجههم بأنّ الإنذار كان يجب أن يوجّه له قبل 4 أشهر وبما أنّه لم يتلقّ إنذارًا ضمن المدة القانونية فالصرف يعتبر تعسّفيًا ويحق له بدل أربعة أشهر إنذار إضافة إلى بدل الصرف التعسّفي أي شهرين إلى 12 شهرًا. وكان ردّ الإدارة أنّه إذا احتسب الـ 600 مليون ليرة على سعر صرف 15 ألف ليرة فهو يغطي حقوقه.

الأمر نفسه حصل مع سارة الطفيلي التي تعمل في المؤسّسة منذ حوالي تسع سنوات، حيث تشير في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّها لم تُبلّغ رسميًا بقرار الاستغناء عن خدماتها إذ كان التبليغ شفهيًا آخر شباط الماضي أيضًا عارضين عليها 2700 دولار أي ما قيمته ثلاث رواتب بدل الإنذار مع تجديد تأمينها الصحّي لعام كونها حاملًا.

واعتبرت سارة أنّ التأمين استخدم كابتزاز إذ إنّها وبعدما رفضت ما عُرض عليها تفاجأت وخلال مراجعة طبيّة أنّ الجمعيّة أوقفت تأمينها والذي كان من المفترض أن يستمر حتى شهر أيّار المقبل، فقرّرت تجديده على حسابها الخاص، ولكن بعد أيّام تلقّت اتصال من شركة التأمين يخبرها بأنّ تأمينها تجدّد. “أعتقد أنّهم أعادوا النظر في الموضوع بعد انتشار خبر الصرف وإيقاف التأمين، فحاولوا أن يصحّحوا الأمر، خافوا من الفضيحة” تقول.

تتحدّث سارة عن صدمة أصابتها من قرار فصلها عن العمل، وهي حامل بالشهر الثامن، ما يعني أنّ فرصها في إيجاد عمل تأجّلت أشهر كان من المفترض أن يكون قسم منها إجازة أمومة مدفوعة، وتقول: “على الأقل كانوا أخبروني قبل أشهر حتى أتمكّن من إيجاد عمل، أو راعوا وضعي كوني حاملًا وهم يعملون في جمعيّة من المفترض أنّها تدعم حقوق النساء عبر تمكينهنّ”.

الصدمة نفسها يُعبّر عنها محمد حرز الذي يعمل في المؤسّسة منذ 12 عامًا، مشيرًا في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّه وبينما كان في إجازة مرضيّة أرسلوا له استقالة جاهزة عارضين عليه 360 مليون ليرة أي بدل إنذار 3 أشهر، فرفض توقيع الاستقالة.

ويتحدّث حرز الذي لا يزال ضمن الإجازة المرضيّة بسبب إجرائه عمليّتين جراحيتين، عن أنّه لم يكن يتوقّع أن تستغني الجمعيّة عنه وعن زملائه وأن تُرسل إليه الاستقالة وهو في إجازة مرضيّة ولاسيّما أنّ الجمعيّة لطالما كانت ملتزمة بإعطاء الموظفين حقوقهم والتعامل معهم بطريقة جيّدة.

ويُشير الموظفون الذين تواصلت معهم “المفكرة” إلى أنّ موجة الصرف هذه هي الثانية، إذ كانت الأولى في العام 2021 وشملت مئات الموظفين، وأنّ الموجة الأولى مرّت بهدوء باعتبار أنّ المؤسّسة كانت اضطّرت في ذلك الوقت إلى إيقاف بعض المشاريع والخدمات بسبب الانهيار الاقتصادي وأزمة كورونا، على عكس الوضع الحالي حيث المؤسّسة “تعافت واستعادت نشاطها منذ عامين”، الأمر الذي دفع بعضهم إلى تقديم شكوى في وزارة العمل وحفظ حقّهم في تقديم دعاوى أمام مجلس العمل التحكيمي.

ولجأ عدد من الموظفين المصروفين إلى وزارة العمل حيث كان من المفترض أن تعقد جلسة وساطة بحضور رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله، وتمّ تأجيل الجلسة إلى 17 من شهر نيسان الحالي بسبب عدم حضور مديرة شؤون الموظفين في الجمعية بداعي السفر.

مصدر في إدارة “المجموعة” يوضح أنّ الجمعية عانت خلال السنوات الأربع الماضية من تراجع التمويل وبالتالي المشاريع المنفّذة والمستفيدين الذين تراجع عددهم من 90 ألفًا إلى 20 ألف مستفيد، ما اضطّرها إلى إقفال أكثر من نصف مكاتبها والتخفيف تدريجيًّا من عدد الموظفين رغبة في استمرار الجمعية التي تُعنى بالفئات المهمّشة وتقدّم خدمات ماليّة لما يُسمى “الأشغال البالغة الصغر” VSBE وخدمات غير مالية حول التثقيف المالي.

ويلفت المصدر في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ عدد الموظفين كان حوالي 500 اضطرّت الجمعية إلى الاستغناء عن عدد كبير منهم خلال السنوات الأربع الماضية، فيما قرّر آخرون ترك العمل حتى بلغ عدد الموظفين حاليًا 170 موظفًا.

وفي ما خصّ حقوق الموظفين المصروفين، اعتبر المصدر أنّ ما عرضته الجمعيّة وما قدمته يُغطي التعويضات كافة التي ينصّ عليها القانون، مشيرًا إلى أنّ الجمعية ملتزمة بأيّ قرار يصدر عن وزارة العمل، فهي لطالما كانت تحت القانون وتحترم موظفيها.

“الظروف المعيشيّة أجبرتنا على توقيع استقالات”

بحسب ما ردّد عدد من الموظفين، استطاعت الجمعيّة أن تقنع العدد الأكبر من المصروفين بتوقيع استقالات “إذ إنّ بعضهم وبسبب الظروف المعيشيّة الصعبة اعتبر أنّ 3 أو 4 رواتب أفضل من لا شيء” يقول أحد الموظفين، كما أنّ “الجمعيّة اعتمدت سياسة أوحت بداية بأنّ الصرف غير جماعي فشعر من صرف بداية العام أنّه وحده” يقول موظف آخر.

وفي هذا الإطار يُخبر أحد الموظفين الذين وقّعوا على الاستقالة أنّه عندما تمّ تبليغه بالاستغناء عن خدماته لم يكن واضحًا أنّ المؤسّسة تقوم بصرف جماعي وظنّ أنّه مستهدف مع عدد قليل من الموظفين، فلم يخطر بباله أنّه بالإمكان رفض الأمر والتوجه إلى القضاء. وكلّ ما فعله هذا الموظف أنّه حاول مفاوضتهم فحصل على 4 رواتب بدل إنذار بدلًا من 3 كانت الجمعيّة قد عرضتها عليه.

ويعتبر هذا الموظّف أنّ أسوأ ما في الأمر كان التوقيت إذ هو و3 من زملائه نازحون من القرى الحدوديّة. “أخذت 4 رواتب بالكاد تكفيني مصروفي، فتكاليف النزوح عالية، وكان الاستغناء عن خدماتي غير إنساني وغير أخلاقي في هذا الوقت”.

بالإضافة إلى شعوره بالغبن كونه لم يحصل على تعويض صرف تعسفي، يقول هذا الموظف إنّه اكتشف بعد صرفه أنّ الجمعيّة كانت تصرّح عن راتبه للضمان على أساس سعر صرف 15 ألف ليرة وليس قيمته الحقيقيّة، ما يعني أنّ تعويضه سيخسر نسبة كبيرة من قيمته.

عبد الله: “الجمعيّة لم تحترم الحدّ الأدنى من الحقوق”

يرى النقيب كاسترو عبدالله أنّ الصرف الذي أقدمت عليه الجمعيّة هو “صرف تعسّفي” ففي حين أنّها تحجّجت بالأوضاع الاقتصادية فهي لم تبلّغ وزارة العمل عن رغبتها في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذها، ولم تتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء، (كما ينص قانون العمل) يراعي أقدمية العمّال في المؤسّسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي والوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم كما ينصّ قانون العمل إذ كانت الاستنسابيّة واضحة في اختيار الموظفين.

وتنصّ الفقرة “واو” من المادة 50 من قانون العمل أنّه “يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوّة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء”، ولكنّ هذا الأمر يستلزم شرطين وهما تبليغ الوزارة قبل شهر والتشاور معها.

وفي هذا الإطار يقول مصدر من إدارة الجمعيّة إنّها كانت تحاول وتأمل حتى اللحظة الأخيرة بالحصول على تمويل يمنعها من الاستغناء عن الموظفين، ولكنّ ما حصلت عليه من تمويل لم يكن كافيًا فاضطرّت إلى  اتخاذ إجراءات بشكل سريع.

ولم تكتف الجمعية، حسب عبدالله، بهذا الأمر بل أقدمت على مخالفتين واضحتين لقانون العمل إذ إنها صرفت موظفًا أثناء إجازته المرضية، الأمر الذي نفته الجمعية، وموظفة وهي حامل في شهرها الثامن، مع العلم بأنّ قانون العمل وفي المادة  52 منه ينصّ بشكل واضح وصريح بأنّه لا يجوز توجيه إنذار إلى المرأة الحامل وإلى أيّ أجير أثناء الإجازات العادية أو المرضية. ويرى مصدر في المنظمة أنّ الالتزام بتجديد التأمين الصحي للحامل لسنة كاملة يعني أنّ المنظمة لم تتركها وحدها.

ويُشير عبدالله إلى مخالفة الجمعية حتّى لأصول التبليغ إذ إنّه يجب أن يكون خطّيًا على أن يحصل الأجير على نسخة منه، ولكنّها اكتفت بإنذار شفهي، قائلا:” “عدم وجود تبليغ مكتوب أيضًا يحوّل الصرف إلى صرف تعسّفي”.

ويلفت عبدالله إلى أنّ الجمعية اكتفت بإعطاء بدل رواتب أشهر الإنذار كلّ حسب سنوات عمله، وأنّها لم تعط بدل الصرف التعسّفي الذي يتراوح بين راتب شهرين و12 شهرًا، موضحًا أنّه يتمّ العمل أيضًا على تحصيل بدل ضرر بسبب الصرف التعسّفي.

من جهة أخرى يُشير عبدالله إلى مخالفة لا تزال موضع تحقّق تتعلّق بعدم تصريح الجمعيّة عن الراتب بقيمته الحقيقيّة لدى الضمان، الأمر الذي كان أشار إليه أيضًا أحد الموظفين. وتؤّكد المجموعة أنّها تصرّح عن الرواتب في الضمان وفق الأصول.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني