المحكمة الدستورية بالجزائر تنتصر لحقّ الدفاع


2022-01-04    |   

المحكمة الدستورية بالجزائر تنتصر لحقّ الدفاع

بعد انتظار طويل، حسمت المحكمة الدستورية بالجزائر مؤخرا الجدل حول مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 24 من قانون المحاماة، والتي تنص على أنه: “لا يمكن مــتـابـعـة مــحـام بـســبب أفـعـاله وتــصـريـحـاته ومحرراته في إطار المناقشة أو المرافعة في الجلسة”. وذلك على خلفية دفع بعدم دستورية هذه المادة أثير في نزاع معروض على أنظار القضاء ادّعى خرقها مبدأ المساواة بين المواطنين والحق في حماية الحياة الخاصة للأفراد.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى ملفّ جنحي عرض على أنظار غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء سطيف، حيث قضتْ المحكمة بتأييد الأمر المستأنف الصادر عن قاضي التحقيق والمتضمّن رفض إجراء تحقيق ضد محام، بسبب قيامه بتحرير عريضة لصالح موكلته ضد زوجها، تضمنت عبارات السبّ والقذف والمساس بالشرف الشخصي.

وأثناء النزاع، أثار دفاع الطاعن دفعا بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 24 من قانون المحاماة والتي اعتمدت عليها المحكمة في تأييد قرار رفض إجراء التحقيق في الشكاية المقدمة ضد المحامي.

واستند الدفع بعدم دستورية النص المذكور على خرقه لمقتضيات المادة 37 من الدستور التي تنصّ أن “كلّ المواطنين سواسية أمام القانون ولهم الحق في حماية متساوية”، والمادة 47 من الدستور التي تنصّ أن “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة وشرفه”.

بناء على ذلك تم إحالة الدفع على أنظار المحكمة العليا التي أصدرت مقررا بقبوله، واحالته على المحكمة الدستورية طبقا للقانون.

موقف المحكمة

قضت المحكمة الدستورية بالجزائر بدستورية الفقرة الأخيرة من المادة 24 من قانون المحاماة، معتمدة على العلل التالية:

– يعدّ حق الدفاع من أهمّ الحقوق الواردة في الدستور لارتباطه وتكامله مع منظومة الحقوق الأخرى المقررة لصالح الإنسان والمواطن. كما يعدّ ضمانة أساسية لحسن سير العدالة وأصول ومقتضيات المحاكمة العادلة؛

– أن اســتـفـــادة المحــامــي مــن الحــمــايــة الــقـانــونـيـة لممــارسـتــه حــق الــدفاع المضمون دستوريا بكل حرية، يجعله في منأى عــن كل أشكــال الضغــوط وهو ما يعتبر من متطلبات المحاكمة العادلة بصفته محاميا؛ 

-أن حصانة الدفاع لا تمنح المحامي أي مركز تمييزي بصفته الشخصية مــا دام أن المحــامي يــقـوم بــذلــك فــي إطــار الــدسـتــور والــقـانـون وبمناسبة ممارسته لمهنته، مما لا يتعارض في مع مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون؛

-أن الضمانات القانونية التي يستفيد منها المحامي أثناء أداء مهـامه طـــبقــا لــنص المادة 24 من قانون المحاماة تمّكنه من ممارسة حق الدفاع المضمون دستوريا بكل حرية، والحماية من كل أشكال الضغوط، وذلك لا يتعارض مع الحق في حماية الحياة الخاصة والشرف، طالما أن المحامي يقوم بمهامه بالقدر الذي تستلزمه متطلبات الدفاع في إطار الدستور والقانون.

وعـــلــيــه، خلصت المحكمة الدستورية الى أن “الـمـشــرع بــنـصـه عــلى الحــمــايــة الــقــانــونــيــة ّ للمــحـامـي أثــنـاء ممــارســة مـهــنــتـه ومـرافـعــتـه فـي الجــلـســة، وممارسة حق الدفاع بكل حرية في الفقرة الأخيرة من المادة 24 من القانون المتضمن لتنظيم مهنة المحاماة، يكون قد مارس اختصاصاته الدستورية وكرس الضمانات القانونية التي وردت في نص المادة 176 من الدستور”، ومن ثم فإن النص المذكور أعلاه لم ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.

تعليق على القرار

تكمن أهمية القرار الذي أصدرتْه المحكمة الدستورية بالجزائر -والذي تنشره المفكرة القانونية- في كونه يضمن حماية المحامين بسبب ما صدر عنهم من تصريحات في سياق ممارستهم حق الدفاع عن موكّليهم. وما يزيد من أهمّيته هو صدوره في ظلّ تزايد المحاولات في بعض بلدان المنطقة لفرض قيود عليه. 

أثار قبول طلب الدفع بعدم دستورية المادة 24 من قانون المحاماة من طرف المحكمة العليا بالجزائر خلال شهر مارس 2021 وإحالة الدفع على المحكمة الدستورية للفصل فيه، قلقا حقوقيا حيث اعتبر مسّا بـحصانة المحامي وبمهنة الدفاع. وفي هذا السياق، تساءل المحامي نجيب بيطام: “هل يعقل أن المحامي يصبح  خاضعا لسلطة المحكمة ومقيّدا في الدفاع، توجهه حتى في كلامه؟” وأضاف: “كنا ننتظر تعزيز حرية الدفاع والآن نشهد محاولات لتقييدها”.

ينسجم منطوق قرار المحكمة الدستورية مع المعايير الدولية ذات الصلة بدور المحامين واستقلالهم. فبحسب المادة 16 من هذه المبادئ المكرسة من الجمعية العمومية للأمم المتحدة (1990)، على الحكومات ضمان أن المحامين “قادرون على أداء جميع وظائفهم المهنية من دون ترهيب أو مضايقة أو تدخّل غير لائق وألا يتعرّضوا للتهديد بالملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية أو الاقتصادية أو غيرها من العقوبات نتيجة أداء عملهم على نحو يتّفق مع واجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها”. كما ينص المبدأ 20 على أنه: “يتمتع المحامون بالحصانة المدنية والجنائية بالنسبة للتصريحات التي يدلون بها بنية حسنة، سواء كان ذلك في مرافعاتهم المكتوبة أو الشفهية أو لدى مثولهم أمام المحاكم أو غيرها من السلطات التنفيذية أو الإدارية”.

تجدر الإشارة الى أن عددا من المنظمات الحقوقية داخل الجزائر وقعت الى جانب منظمات حقوقية إقليمية ودولية على بيان ضد ما اعتبرتها محاولات للتشكيك في حصانة المحامين بالجزائر، على خلفية إثارة الدفع بعدم دستورية المادة 24 من قانون المحاماة، فضلا عن ملاحقة عدد المحامين بسبب انضمامهم للحراك الشعبي الذي تشهده البلاد أو مؤازرتهم للمعتقلين على خلفية هذا الحراك.

اضغطوا هنا لتحميل قرار المحكمة الدستورية.



1 قرار رقم 01/ق.م.د/د.ع.د/21، صادر بتاريخ 28/11/2021، منشور بالجريدة الرسمية عدد 95، بتاريخ 23/12/2021، ص 05.

2 مبادئ أساسية بشأن دور المحامين، اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين

المعقود في هافانا من 27 آب/أغسطس إلى 7 أيلول/سبتمبر 1990.أنظر لمزيد من التفاصيل : دليل حول معايير استقلالية القضاء منشورات المفكرة القانونية، سنة 2017.

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم دستورية ، حرية التعبير ، الحق في الخصوصية ، مقالات ، المهن القانونية ، الجزائر


مقالات ذات صله


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني