المحامي صبلوح في مواجهة النيابة العامة العسكرية: هل بدأت ملاحقة المدافعين عن ضحايا التعذيب؟


2021-10-11    |   

المحامي صبلوح في مواجهة النيابة العامة العسكرية: هل بدأت ملاحقة المدافعين عن ضحايا التعذيب؟

صباح الإثنين 4 تشرين الأوّل، تبلغت نقابة المحامين في طرابلس من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، طلب الإذن لملاحقة المحامي محمد صبلوح بجرم الافتراء سنداً إلى المادة 403 عقوبات على خلفية تقدّمه بشكوى يطالب فيها بالتحقيق في تعرّض موكّله للتعذيب في سجن الشرطة العسكرية في بيروت في ثكنة فخر الدين في آب الماضي. تأتي هذه الملاحقة كمحاولة لترهيب المحامين المدافعين عن ضحايا التعذيب، بالرغم من المخالفات التي ترتكبها النيابة العامّة العسكرية لقانون معاقبة التعذيب. وتتجه الأنظار الآن إلى نقابة المحامين في طرابلس التي ستنظر في طلب إذن الملاحقة.

 

مخالفات في التحقيق بشكوى التعذيب

في طلب منحه الإذن بملاحقة المحامي محمد صبلوح، استند  مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على محضر الاستماع للموقوف ر.د. بتاريخ 23 أيلول 2021، الذي أشار إلى أنّه “لا علم له إطلاقاً بموضوع الشكوى المقدّمة من وكيله محمد صبلوح ضدّ إدارة سجن فخر الدين، وأنّه لا يرغب بتقديم هذه الشكوى”. كما استند إلى تقريرين طبّيين صادرين عن الطبيب الشرعي أحمد المقداد، وطبيب السجن محمود حدرج، يشيران إلى “عدم وجود كدمات على جسده”، وأنّه “بصحّة جيّدة” بعد الكشف عليه بتاريخ 22 أيلول 2021.

يذكر صبلوح أنه قدّم شكوى بتعرّض موّكله ر. د. للتعذيب في ثكنة فخر الدين لدى النيابة العامّة التمييزية بتاريخ 17 آب 2021 التي أحالت الشكوى إلى النيابة العامة العسكرية. لكنّ القاضي عقيقي تأخّر لغاية  22 أيلول 2021 أي بعد أكثر من شهر لإجراء الكشف على موكّله الموقوف ر. د.، فيما ينصّ القانون على تعيين طبيب شرعي خلال 24 ساعة من طلب الجهة المدعية، وذلك حفاظاً على الأدلة على حصول جرم التعذيب. من هنا، يعتبر صبلوح أنّ “هذا التقرير لا قيمة قانونية له لأنّه جاء متأخّراً”. 

يتحدّث صبلوح عن ملابسات التحقيق مع ر. د. لناحية أنّ “الشرطة العسكرية التي حققت معه بتاريخ 22 أيلول 2021 هي نفسها المتهمة بضربه”، وقد جرى الاستماع إليه وهو قيد الاحتجاز ومن دون حضور محاميه، “كما تمّ ترغيبه بإخلاء سبيله، وطُلب منه القول بأنّ المحامي صبلوح فبرك الملف، وادّعى من دون علمه”. ويعبّر صبلوح عن مفاجأته بادّعاء النيابة “فبركته للملف”، مستنداً إلى “تأكيدات الأهالي الذين زاروا أبناءهم، وتحرّكاتهم، بالإضافة إلى تأخير البتّ بطلب العرض على الطبيب الشرعي”. 

وفقاً للمحامية غيدة فرنجية، مسؤولة قسم التقاضي في “المفكرة” يظهر أنّ التحقيق في الشكوى التي تقدّم بها الموقوف ر. د. تضمّن عدّة مخالفات لقانون معاقبة التعذيب والمادة 24 مكرّر من أصول المحاكمات الجزائية. وشرحت أنّ “النيابة العامة التمييزية امتنعت عن اتخاذ التدابير الضرورية لحفظ الأدلة، ولم تكلّف طبيباً شرعياً بالكشف سريعاً على مقدّم الشكوى” مكتفية بإحالة الشكوى إلى النيابة العامّة العسكرية، “مع ما يستتبع ذلك من تأخير في المباشرة بالتحقيقات”. أما القاضي عقيقي الذي تأخرّ أيضاً بتكليف طبيب شرعي لحفظ الأدلة، فقد “خالف القانون عندما كلّف الجهاز المشتبه فيه أي الشرطة العسكرية بالاستماع إلى الشاكي في حين أنّ القانون ألزمه صراحة بإجراء التحقيقات في شكاوى التعذيب من قبله شخصياً ومنع استنابة الضابطة العدلية أو أي جهاز أمني”. 

وأكّدت فرنجية أن هذه ليست المرّة الأولى التي تحصل هذه المخالفات حيث نالت شكاوى سابقة تقدّمت بها مجموعة من المتظاهرين بحق قوى الأمن الداخلي ومخابرات الجيش مصيراً مشابهاً أدّى إلى حفظها من دون إجراء أي تحقيق فيها. واعتبرت فرنجية أنّ “قضاة النيابة العامّة التمييزية والعسكرية يستمرّون في انتهاك أصول التحقيق في شكاوى التعذيب ولا يحافظون على الأدّلة بهدف منع محاسبة المرتكبين، في حين أنّهم يتعسّفون بالادّعاء على مدنيين أمام المحاكم العسكرية” معتبرة أنّ ذلك لا يخدم المصلحة العامّة بل يساهم في “تعزيز ثقافة العنف في مراكز التحقيق والاحتجاز” وفي استمرار ممارسات التعذيب من دون أي ردع أو محاسبة.

 

حادثة فخر الدين إلى الواجهة مجدداً 

أعاد هذا الطلب إلى الواجهة حادثة “التمرّد داخل ثكنة فخر الدين” بتاريخ 14 آب 2021 التي وثّقتها “المفكرة”، والتي أعقبها حديث أهالي السجناء عن “تعرّض أبنائهم للضرب والإهانة بسبب المطالبة بالطعام”، وما رافق تلك الحادثة من ملابسات. وكان مصدر عسكري قد أكّد لـ”المفكّرة” صحّة تمرّد السجناء على خلفية انقطاع الخبر عنهم في ثكنة فخر الدين “ما اضطّر عناصر الجيش للتصدّي لهم لمنعهم من الخروج من الثكنة، وحصل تضارب وأعيد السجناء إلى داخل السجن. 

وفي محاولة للتحقق من حقيقة ما جرى، أعادت المفكرة القانونية التواصل مع والدة الموقوف ر. د.، لتعود وتؤكّد أنّ ابنها “تعرّض للضرب أثناء توقيفه داخل السجن من عناصر مقنّعة”، وتمّ منعه من الاتّصال بها لمدة 3 أيام متواصلة، وبعد ذلك اتّصل بها وقال إنّ “كتفه يؤلمه من دون ذكر السبب”. 

تروي الوالدة ندى أنّها علمت من أهالي موقوفين آخرين أنّ الموقوفين تعرّضوا للضرب، فتوجهت إلى الثكنة لمقابلة ابنها، في البداية لم يسمح لها بمقابلته وجهاً لوجه وإنما عبر الهاتف. بعدها أصرّ الشاب على رؤية والدته، وبدأ يُحدث الضوضاء داخل السجن، عندها سُمح للوالدة بمقابلة ابنها. وتضيف الوالدة “عندما زرت ابني في سجن ثكنة فخر الدين، أبلغني أنّهم كانوا جائعين، وقاموا بالدق على حديد السجن بالملاعق، بعدها اندفع نحوهم العسكر، رموا الزعتر على الأرض، وضربوهم”. 

تؤكّد الوالدة أنّ “لا علم لها بإنكار ابنها لواقعة تعرّضهم للضرب أثناء الاستماع له أمام النيابة العامّة العسكرية”، مستغربةً الادّعاء على المحامي محمد صبلوح بجرم الافتراء لأنّها “واثقة من حصول الضرب”.  وتكشف أنّه قيل لابنها أنّ الشكوى التي تقدّم بها تؤذيه و”تغرّقه” لا سيّما قبل جلسته أمام المحكمة العسكرية يوم الإثنين 27 أيلول والتي صدر فيها لاحقاً حكم بسجنه لمدّة عام لحيازة أسلحة وإثارة نعرات مذهبية. وتلفت إلى أنّها زارت ابنها نهار الثلاثاء في 28 أيلول في سجنه، وكان الحديث حول الحكم الذي “أعقب زيارة الأهالي للقاضي شحادة الذي طمأنهم إلى أنّه سيتمّ اتخاذ إجراءات مخفّفة بحق من لا تثبت بحقه أفعال جرمية”. وتتطلّع الوالدة إلى تمييز الحكم لأنّّ ابنها “لم يقم بأي فعل ضد الجيش اللبناني”.

 

صبلوح يتّهم النيابة العسكرية بـ التضييق على المدافعين حقوق الإنسان      

يضع المحامي محمد صبلوح طلب النيابة العامّة العسكرية الإذن بملاحقته، والادّعاء بجرم 403 عقوبات ، في إطار القمع والتضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان ومناهضة جريمة التعذيب، فهو “منذ عام 2006 بدأ بمهمّة توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم التعذيب في لبنان، وتحديداً في القضايا التي لجأ فيها إلى القضاء اللبناني وتمّ حفظها، ومن ثم التوجّه فيها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي أصدر قرارات إدانة بحق لبنان في موضوع الانتهاكات”. ويلفت صبلوح الذي يشغل رئيس مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس إلى أنّه “وسّع نطاق مهمّة الدفاع عن حقوق الإنسان إلى تنظيم ورش عمل بمشاركة مؤسسات حقوقية محلية ودولية”، و”تقديم عريضة إلى مجلس النواب اللبناني لمساءلة وزراء الداخلية والعدل والدفاع في الحكومة التي كان يرأسها حسان دياب”، إلى “المشاركة في صياغة تقارير منظمة العفو الدولية بشأن تعذيب نازحين سوريين في لبنان”، إلى تعاونه مع المنظمات الحقوقية للتصدّي لمحاولة ترحيل 6 سوريين موقوفين لدى الأمن العام من لبنان. “هذه الإسهامات أزعجت السلطات اللبنانية” من وجهة نظر صبلوح، لذلك هناك محاولة لتحوير حادثة 14 آب 2021 وموضوع الضرب والتعذيب الذي تعرّض له السجناء في سجن ثكنة فخر الدين الرملة البيضاء. 

يؤكد المحامي محمد صبلوح أنّه اتخذ موقف الادعاء لدى القاضي فادي عقيقي بدعويين للتعذيب، الأولى هي “دعوى التعذيب في سجن ثكنة فخر الدين”، والثانية، تلك التي تقدّم بها في تاريخ 19 أيار 2021 بدعوى “تزوير الشرطة العسكرية في سجن القبة لمحضر، وتعذيب 5 أشخاص من عائلة واحدة”. وبعد المراجعة المتكرّرة بهذا الملف، كان الحديث عن “ملف ضائع” لدى النيابة العامّة، واضطرار المحامي لإعادة تكوين الملف مجدداً وتسجيل الشكوى تحت رقم 13888/2021، ولكن رغم ذلك لم يطرأ أي تقدّم على الملف، وتكتفي النيابة عند سؤالها عنه بأنّها “اتخذت الإجراء المناسب دونما توضيح لطبيعته”.

بعد التحقيق مع ر. د. في ملف الضرب في ثكنة فخر الدين، طلب القاضي عقيقي من المحامي صبلوح الحضور إلى مكتبه، شعر المحامي أنّ مفوض الحكومة كان ينصب له فخاً، فأرسل المحامي حافظ بكور من مكتبه لمقابلة القاضي. تواصل المحامي المنتدب عبر الهاتف الداخلي مع مكتب القاضي عقيقي الذي حسب صبلوح سأل المحامي إذا ما كان ملمّاً بالملف، وأبلغه القاضي أنّه “اتخذ الإجراء المناسب في الملفّين”. 

يطالب صبلوح نقابة المحامين باتخاذ الموقف الصارم والمناسب من “قمع وإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان”، مؤكّداً تجاوبه مع التحقيق الذي ستجريه وأنّه سيقدم دفوعه بهذه القضية. ويجزم أنّه “لن يخضع لمحاولات النيابة العامّة العسكرية إسكات الأصوات التي تكشف انتهاكات حقوق الإنسان بأساليب العصور الوسطى”، لذلك فهو تواصل مع الجمعيات والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية لوضعها في الصورة، وأبدت تعاونها لحثّ الدولة اللبنانية على عدم المسّ بالمدافعين عن حقوق الإنسان. كما يكشف أنّه تقدم بشكوى في جنيف بحق القاضي فادي عقيقي بجرم “قمع وإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان” أمام المقرّر الخاص بمناهضة التعذيب، والمقرّر الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين. 

 

نقابة المحامين في طرابلس هي الفيصل  

يؤكّد نقيب المحامين في طرابلس محمد المراد أنّ طلب إعطاء الإذن بملاحقة المحامي محمد صبلوح بدأ يسلك المسار الذي ينص عليه القانون، بعد تعيين مقرّر خاص من بين أعضاء مجلس النقابة للاستماع إلى المحامي. ويلفت إلى أنّ المجلس لديه مهلة شهر للبت في الطلب على ضوء التقرير، والمعطيات التي تظهرها التحقيقات الداخلية، والدفوع التي يقدّمها المحامي المطلوب ملاحقته. 

يرفض المراد الخوض بتفاصيل الملف ومرفقاته، أو إعطاء موقف مسبق من الطلب الذي تبلّغه نهار الإثنين 5 تشرين الأول عملاً بسرية التحقيق. ويتحدّث المراد عن “موضوع دقيق يقاس بمقياس الذهب”، انطلاقاً من مجموعة ضوابط تحيط اتخاذ القرار لناحية “مدى جدية طلب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية”، لافتاً إلى “أنّ كل طلب يتم التعامل معه بصورة موضوعية، مستقلة، وعلى حدة”. 

كما يشدد المراد على السلطة التقديرية للمجلس حول مدى ارتباط موضوع الطلب بـ “ممارسة المحامي لعمله المهني” أي “هل هو فعل ناشئ عن ممارسة المهنة، بمعرضها، أو غير ناشئ عن ممارستها؟”، وبالتالي فإنّ القرار الذي سيصدره المجلس سيكون معلّلاً، لأنّ “المحامي لا يتمتع بحصانة مطلقة، كما أنه لا يمكن لأحد المساس بكرامة المحامين أياً كانت هذه الجهة”. 

ويكشف المراد أنّ طلب القاضي فادي عقيقي مختلف عن الطلبات السابقة الصادرة عن قضاء الملاحقة، والتي كانت تتلقاها النقابة في معرض طلب الإذن لملاحقة محامي، “فقد كانت تأتي من النيابة العامّة بناء لشكوى ومعطيات لا يكون قاضي النيابة العامّة هو من أجراها، أما في الحالة الراهنة فإنّ مفوّض الحكومة الذي أجرى التحقيقات، هو نفسه من طلب إذن الملاحقة”، ويستدرك أنّ “ذلك لا يمكن أن يؤثر على موقف المجلس الذي سيأخذ بالمعايير القانونية الموضوعية”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

احتجاز وتعذيب ، تحقيقات ، محاكمة عادلة ، أجهزة أمنية ، محاكم عسكرية ، نقابات ، فئات مهمشة ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني