المجلس الاقتصادي الاجتماعي في المغرب: ندعو لإعادة النظر في تجريم الإدمان


2022-04-25    |   

المجلس الاقتصادي الاجتماعي في المغرب: ندعو لإعادة النظر في تجريم الإدمان

في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب -وهي مؤسسة دستورية استشارية- إلى رفع التجريم على استهلاك المخدرات كأداة لضمان العلاج من الإدمان عليها، وذلك في مذكرة رأي تقدم بها في إطار إحالة ذاتية حول موضوع “مواجهة السلوكات الإدمانية: واقع الحال والتوصيات“.

أهمية هذا الرأي الذي تنشره المفكرة القانونية -إلى جانب عدد من الدراسات السابقة- تتمثل في كونه يشكل إطارا ترافعيا في بلدان المنطقة لدعم حملات المناصرة للدفاع عن الحق في العلاج من الإدمان للأشخاص المدمنين على استهلاك المخدرات.

السياق العام لصدور التقرير

يتزامن صدور هذا الرأي مع صدور قرارات قضائية مبدئية -نشرتها المفكرة القانونية- قضت بتفعيل مبدأ إخضاع المدمنين على استهلاك المخدّرات أو الخمور للعلاج كبديل للملاحقة القضائية. فبالرغم من أهمية صدور هذه الأحكام التي عملت على إحياء نصوص قانونية منسية، وغير مفعلة على أرض الممارسة، إلا أن تنفيذها واجهته عدة صعوبات بسبب عدم تواجد مراكز العلاج من الإدمان وغياب التدابير الإجرائية المصاحبة لهذا المقتضى. كما يتزامن صدور هذا الرأي مع ورش إصلاح القانون الجنائي وانطلاق حملة للترافع من أجل رفع التجريم عن مظاهر الإجرام البسيط، بخاصة مع صدور توصية من المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرته بتطبيق العقوبات البديلة على قضايا الإدمان على المخدرات والإتجار البسيط فيها. وتجدر الإشارة هنا أن الأشخاص المحكوم عليهم قضائيا على خلفية قضايا مرتبطة بالمخدرات في المغرب يشكلون نسبة 18% من مجموع نزلاء المؤسسات السجنية المدانين، و 34% من النزلاء الجدد.

إشكالية الإطار القانوني المنظم

توقف الرأي الصادر عن المجلس عند الإشكاليات التي يثيرها ظهير 21-05-1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات[1]، حيث ينص على عقوبات في حقّ تجار المخدرات وكذا الأشخاص المدمنين على استهلاكها على حد سواء، وهو ما يحدّ من نجاعة الإجراءات المتعلقة بحماية الضحايا والتكفل بهم.

وأشار الرأي أيضا الى أنه وعلى الرغم من كون هذا القانون يتيح للقاضي إمكانية إصدار أمر إخضاع الشخص المدمن على المخدرات، حال موافقته، للعلاج، فإنّ العدد الكبير جدًا من المتابعات القضائية التي تُعرض يوميًا على المحاكم بالإضافة إلى ضعف الوسائل اللوجستية الموضوعة رهن إشارة المحاكم لتفعيل ومتابعة إصدار أمر الإخضاع للعلاج، في سياق يتسم بالنقص الحادّ في عدد مراكز العلاج من الإدمان، يؤدي إلى غياب شبه كلي لإمكانية الاستفادة من أمر الإخضاع للعلاج.

تدخّلات لا تواكب الحاجيات وتطور السلوكات الإدمانية

أشار المجلس في مذكرته إلى أن مفهوم مكافحة الإدمان على المستوى الوطني لا يزال متداخلا مع مكافحة المخدرات، علماً بأن التصدي للمخدرات هو أمر ضروري
لكنه غير كاف لوحده. وتوقفت مذكرة المجلس عند إشكالية النقص الحاصل في الموارد المالية والبشرية. إذ تتواجد 18 بنية فقط لمعالجة الإدمان، و15 مركز للعلاجات المتنقلة، 5 منها فقط قادرة على توفير العلاج البديل للمواد الأفيونية، و3 مصالح فقط للإيواء بالمراكز الاستشفائية بالرباط والدار البيضاء وفاس. وهذا الأمر يعني أن ثلثيْ جهات المغرب لا تتوفر على مصالح لإيواء الأشخاص المدمنين على استهلاك المخدرات بالمراكز الاستشفائية، في نفس السياق سجل المجلس النقص الحاد في عدد الأطر الصحية إذ تم تكوين 64 طبيبا عاما أو أخصائيا نفسيا في طب الإدمان. ويشكل عدم الاعتراف بدبلوم طب الإدمان وبالوضعية القانونية للمعالج النفسي وتقنين هذه الممارسة، عاملاً غير محفز من شأنه مفاقمة هذا النقص. كما يُلاحظ غياب بنيات الرعاية البَعدية أو مجموعات العلاج الجماعي والتي تعد أساسية لهذا النوع من الأمراض.

كما توقف المجلس عند إشكالية غياب التغطية الصحية بسبب رفض التكفّل وإرجاع مصاريف العلاج من طرف هيئات التأمين والضمان الاجتماعي. وتعزى أسباب ذلك الى غياب الاعتراف بالإدمان بوصفه مرضاً على مستوى الإطار القانوني المنظم للتغطية الصحية الأساسية، وعدم الإشارة إلى أعمال التشخيص والعلاج المتعلقة بالإدمان في المصنَّف العامّ للأعمال المهنية الجاري به العمل في المغرب في المجال الطبي. كما يتأتى ذلك من الصياغة التقييدية وغير الواضحة لقرار وزير الصحة[2] الذي يحصر التكفل فقط في “اضطرابات الإدمان الخطرة” في إطار “الاضطرابات الخطرة للشخصية.

توصيات للاعتراف بالإدمان كمرض يستوجب العلاج لا الملاحقة

دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه الى مجموعة من التوصيات، يمكن إجمالها فيما يلي:

  • الاعتراف بالإدمان، سواء باستخدام مواد مخدرة أو ممارسة إدمانية، بوصفه مرضا يتطلب علاجا قابلا من الناحية القانونية للتكفل به من طرف هيئات الضمان والتأمين الصحي والحماية الاجتماعية؛
  • مراجعة الإطار القانوني المنظم للتغطية الصحية وتحيينه، بما يمكن من توضيح طبيعة اضطرابات الإدمان والتحديد الدقيق لتصنيفاتها المعتبرة أمراضاً تتطلب علاجات؛
  • مراجعة القانون الجنائي، بما يسمح من جهة بالتطبيق الممنهج للمقتضيات القانونية التي تمنح متعاطي المخدرات الحق في الخضوع للعلاج، ومن جهة أخرى، العمل على تشديد العقوبات ضد شبكات الإتجار في المخدرات والمواد غير المشروعة؛
  • توجيه نسبة ثابتة من مداخيل الدولة (10%) التي يتم استخلاصها من الأنشطة المشروعة التي قد تسبب الإدمان (التبغ، الكحول، رهانات سباق الخيول، اليانصيب، الرهانات الرياضية) نحو العلاج والبحث والوقاية، بخاصة أن هذه المواد والخدمات تحقق رقم معاملات يبلغ أزيد من 32 مليار درهم، أي ما يمثل نحو 9% من المداخيل الجبائية للدولة، و3% من الناتج الداخلي الإجمالي؛
  • الاعتراف القانوني باختصاص علم الإدمان وبالشهادة الجامعية الممنوحة في هذا المجال واعتماد الأنظمة الأساسية للمهن المرتبطة بهذا الاختصاص (المعالجون النفسيون، والمعالجون المهنيون، وغيرهم)، لتعزيز الموارد البشرية العاملة في هذا الميدان؛
  • تعزيز موارد المرصد المغربي للمخدرات والإدمان والعمل على التتبع والنشر المنتظم للمعطيات المتعلقة بانتشار الإدمان على المواد ذات التأثير العقلي والنفسي والإدمان على أنشطة معينة وأشكاله وآثاره وطرق التكفل به؛
  • إطلاق مخطط وطني للوقاية من الإدمان ومكافحته في الوسط المهني؛
  • إحداث هيئة وطنية للتقنين التقني والأخلاقيات ومراقبة أنشطة المؤسسات والشركات العاملة في مجال ألعاب الرهان، وذلك من أجل الوقاية من السلوكات الإدمانية والتصدي لها؛
  • تعميم الولوج إلى العلاجات البديلة للمواد “الأفيونية” على مستوى جميع المؤسسات السجنية وضمان إمكانية الولوج إلى العلاجات لفائدة أيّ شخص مدمن يبدي رغبة في ذلك.

مواضيع ذات صلة

مرافعة نموذجية للدفاع عن شخص مدمن على المخدرات

محكمة القنيطرة المغربية: للمدمن العلاج بدلاً عن الملاحقة

توجه جديد للقضاء بالمغرب في قضايا الإدمان: الإيداع في مؤسسة للعلاج

برسم النيابات العمومية في تونس: العفو الرئاسي يرسم سياسة جزائية في قضايا مستهلكي المخدرات

خمس مراحل للعمل القضائي في قضايا الإدمان: حالة نموذجية لتجاوز الآراء المسبقة

مبدأ علاج الإدمان كبديل عن ملاحقته في عهدة القضاء

استئناف بيروت تقر مبدأ “العلاج كبديل عن الملاحقة” مفعول الدومينو يبدأ في قضايا الإدمان بعد القرار التاريخي لمحكمة التمييز

مفعول الدومينو في قضايا الإدمان، تابع… مبدأ “العلاج كبديل عن الملاحقة” أمام جنايات بعبدا أيضاً

ترك العمل للعلاج من الادمان مبرر في لبنان

قاض ينقض المنطق العقابي في معاقبة الادمان: لماذا نطبق قانون المخدرات مجتزأ على قاعدة أن “لا اله”؟

رئيسة لجنة الإدمان تطلق النار على وزارة العدل والقضاة والمحامين: الإستهتار باللجنة هو ما يخيفني

15الف موقوف بالمخدرات في 7 سنوات 439 من بينهم فقط أحيلوا الى لجنة الإدمان

إقتراح تعديل قانون المخدرات ضيفاً في قاعة اللجان النيابية المشتركة

تعميم إلى مستشفيات لبنان: حقّ المدمن بالحياة أولى من مكافحة المخدرات


[1]يتعلق الأمر بظهير بمثابة قانون رقم 1.73.282 بتاريخ (21 مايو 1974 ) يتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات وبتغيير الظهير الصادر في ( 2 دجنبر 1922 )بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها والظهير الصادر في (24 أبريل 1954 ) بمنع قنب الكيف حسبما وقع تتميمهما أو تغييرهم، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3214 بتاريخ 05/06/1974 ، ص 1525.
[2] يتعلق الأمر بقرار وزير الصحة الصادر في 5 سبتمبر 2005 والمتعلق بتحديد قائمة الأمراض الخطيرة والأمراض التي يترتب عنها عجز يتطلب علاجا طويل الأمد أو باهظ الثمن .
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم دستورية ، استخدام المخدرات ، مقالات ، المغرب ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني