السّيادة الخَاويَة


2023-11-13    |   

السّيادة الخَاويَة
رسم عثمان سلمي

تُطلق المفكّرة القانونية العدد 27 من مجلّة المفكّرة – تونس، بعنوان “السيادة الخاوية”. أُنجز هذا العدد بين شهريْ جويلية وسبتمبر، أي قبل العدوان الإسرائيلي على غزّة. وقد خصّصنا ملفّ العدد لموضوع الهجرة من جنوب الصحراء وما عرّاه التعامل الرسمي معه حول طبيعة الدولة وآليات سيطرتها ومكانتها ضمن علاقات الهيمنة. كما يتضمّن العدد مقالات متفرّقة تغطّي أبرز المواضيع التي تمّ تداولها في النقاش العامّ خلال تلك الفترة. 

وتواصل المفكّرة في الأثناء نشر مقالات يوميّة حول جريمة الإبادة الحاصلة ضدّ الفلسطينيّين في غزّة وحول القضيّة الفلسطينيّة بشكل عامّ، كما تستمرّ في دفاعها عن كلّ القضايا العادلة. (المحرر)

تُصدر المفكرة القانونية-تونس اليوم عددها 27، الذي نخصّصه لتحليل وتوثيق أهم الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها البلاد، طيلة الأشهر الثلاثة المنقضية، وخلقت تفاعلات مختلفة داخل المجتمع والنخب، وداخل مؤسسات الدولة. كما نخصّص ملف العدد للإضاءة بشكل خاص على قضية المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، التي برَزت للعيان كحملة عنصرية ضد “مجهولي الهوية” القادمين من خلف الصحراء، ولكنها فعليا كانت انعكاس لبنية هَيمَنية-عنصرية تلتقي داخلها العديد من المحدّدات؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذلك تكثّفَ رهان الملف الأساسي في تفكيك بِنية الممارسات العنصرية وسردياتها، من زوايا تحليلية وتحقيقية متنوعة في أساليبها ومضامينها.

إن العودة على التعاطي السياسي الرسمي مع ملفّ المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، يرتبط في تقديرنا بفهم أوسع لآليات النظام السياسي الحالي الذي يستحوذ على الحكم منذ 25 جويلية 2021، ومن خلالهِ فهم مجمل المرحلة السياسية التي تمرّ بها البلاد. في سياق اقتصادي واجتماعي متدهور، تسعى سلطة الرئيس سعيد إلى الاختفاء وراء سردية “سيادوية” تُلقي بكل الإشكالات والمآزق البنيوية على عاتق “عملاء الداخل”، وتَدخل في حالة تنازع مع الخارج تحت شعار “لا تتدخّلوا في شؤوننا الداخلية”، من دون وُجود تصوّر بدائلي لمراجعة نمط الاقتصاد الداخلي المُنخرط بشكل كلي في النظام الاقتصادي العالمي.        

على الصعيد الداخلي يتّبع السلوك الرسمي سياسة “التّخويف” من خلال استعراض المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على غرار الهجرة غير النظامية وأزمة الخبز وارتفاع التضخم وفقدان المواد الأساسية وضعف موارد الميزانية العمومية، بوصفها إشكالات يجري إنتاجها داخل غرف مظلمة تُديرها شبكة من “المتآمرين”. وعلى الصعيد الخارجي، تتّخذ السّلطة موقعا تفاوضيا -يرقى إلى موقع الابتزاز- من خلال ملفّ الهجرة غير النظامية أساسا، الذي تَربِطه السلطة الحالية بمسألة تمويل الميزانية سواء عبر مساعدات خارجية أو قروض جديدة. وقد عبّر وزير الداخلية، كمال الفقي، عن هذا التوجه بوضوح في حديثه عن نقاط الخلاف بين الجانبين التونسي والأوروبي بخصوص مذكرة التفاهم الأخيرة، عندما قال: “تونس شريك متميّز لأوروبا وبالتالي إعطاء الدولة التونسية جرعة من المساعدات التي تخوّل الخروج من حالة الركود الاقتصادي الذي تعيشه البلاد التونسية، هي من الإجراءات التي تُسرع عملية إنجاز الاتفاقات بما في ذلك المساعدة المتفق عليها في خصوص دعم الميزانية السنوية للدولة التونسية”.[1]

بالتزامن مع استمرار كل سياسات الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، التي تتحمّل آثارها السلبية الفئات الأكثر تضررا من المنوال الاقتصادي المهيمن، من ضمنها شرائح اجتماعية تونسية واسعة والمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، يظلّ أيضا النظام السياسي الحالي عالقا بين موقعين يُوحيان بالتناقض ولكنهما يؤدّيان إلى نفس المصير غير العادل: موقع سيادوي غير جدي في مراجعة المشاكل الهيكلية للاقتصاد والدولة والمجتمع، ويستخدم وسائل القمع والإكراه لإسكات الجميع. وموقع تفاوضي- أمني، يُقايض بمسألة الحدود والبشر من أجل امتيازات مالية جديدة تُخَفّف من “حالة الركود الاقتصادي”، مثلما عبَّر عن ذلك وزير الداخلية.   

لقراءة وتحميل العدد 27 من مجلة المفكرة القانونية – تونس، إضغطوا هنا


[1] حوار مع وزير الداخلية كمال الفقي، نشر على موقع DW الألماني بتاريخ 09 سبتمبر 2023.

انشر المقال



متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني