الديوان يعلن نيته اعتماد نهج جديد: متابعة تنفيذ توصياته صونًا للمال العامّ


2024-04-10    |   

الديوان يعلن نيته اعتماد نهج جديد: متابعة تنفيذ توصياته صونًا للمال العامّ

اتخذ ديوان المحاسبة في تاريخ 4 نيسان 2024 خطوة إضافية تنمّ عن نيّة في تطوير وسائل عمله وتدخّله لضمان التزام الإدارات العامة بقانون الشراء العام، وبخاصة في مجال الاتصالات. فبعدما أصدرت الغرفة الثانية برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وعضوية المستشارين محمد الحاج وجوزف الكسرواني في تاريخ 16 كانون الثاني 2024 تقريراً تضمن اتهاما لوزير الاتصالات بالموافقة على عقد صفقة A2P (الرسائل الموجّهة من التطبيقات إلى المشتركين) الموقعة بين شركة “تاتش” مع شركة InMobiles خلافا لشروط عقد الصفقات العمومية، عاد رئيس الغرفة ليطلب من شركة تاتش توضيح الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ توصياته بشأن هذه الصفقة. وكان الديوان أحال من قبل ملفّ الصفقة إلى الغرفة القضائية المختصّة وإلى النيابة العامة لدى الديوان وإلى النيابة العامة التمييزية. 

وقد شكّلت المذكّرة خطوةً مهمّة على طريق انتقال الديوان من التوصيات والقرارات والتقارير إلى متابعة هذه التقارير ومتابعة مدى تقيّد الجهات المعنية بتوصياته، بحيث يسهم عمل الديوان ليس فقط في وقف الصفقات المخالفة للقانون إنما الحثّ على إنجاز الصفقات المفيدة للدولة وفق القانون. وقد اعتبرت المذكّرة أنها تأتي من منطلق “الحفاظ على المال العام الذي يلزم الإدارة اتّخاذ كافة الإجراءات والتدابير الآيلة إلى إعادة التلزيم ما يحقق للدولة مردوداً متوازناً ومتكافئاً مع المنافع التي يحصل عليها كل من يستثمر القطاعات الإنتاجية والاقتصادية”. واللافت أن المذكرة ذهبت أبعد من ذلك في اتجاه الإعلان على نهج جديد يعتزم الديوان المضي فيه وقوامه “متابعة قراراته وتقاريره الآيلة إلى تقويم عمل الإدارة وحثّها على اتباع المسارات الصحيحة عند تلزيم الموارد العمومية، ما يكفل احترام مبادئ تكافؤ الفرص والشفافية وتحقيق القيمة الفضلى لموارد البلاد الاستثمارية والإنتاجية”.

ويلحظ أن الديوان لم يتوجّه في كتابه إلى الوزارة كما جرتْ العادة، بل إلى “تاتش” مباشرة، مع توجيه نسخة من الكتاب إلى الوزارة، بما يعيق أي محاولة للتهرّب من مسؤوليتها ورميها على “تاتش”. إذ لا يكفي أن يبلّغ الوزير قرارات الديوان إلى الجهات المعنية التي تقع تحت سلطة وزارته، بل ينبغي أن يتابع تنفيذ هذه القرارات. وإن لم يفعل، فها هو الديوان يفتح صفحة جديدة من خلال مدّ يد المساءلة إلى أي مسؤول بغضّ النظر عن حجم مسؤوليته. أضِف إلى أنه لم يكتف بمجرد السؤال عن مصير التوصية، بل ذهب إلى الإحاطة بكل جوانب الموضوع، من خلال لغة اتهامية مباشرة وتعابير واضحة حرص من خلالها على عدم تأويل مطلبه وإغلاق أي ثغرة قد تنفذ منها “تاتش”، ومن خلفها وزارة الاتصالات، نحو المزيد من التلكؤ. وهو ما يظهر من خلال المذكّرة التي أعدّها رئيس الغرفة الثانية في الديوان عبد الرضا ناصر، وتتضمن عدداً من الأسئلة المُباشرة المطلوب الإجابة عليها خلال أسبوع من تاريخ التبلّغ، مع تزويد الديوان بالمعلومات عن كل الإجراءات التي تمّت بهذا الخصوص: 

  • هل التزمت بالتوصيات الواردة في تقرير الديوان الصادر في 16/1/2024؟
  • هل وضعت دفتر شروط شفّاف لتلزيم الصفقة؟
  • هل أطلقت عملية تلزيم جديدة عوضاً عن تلك التي تمّ تلزيمها لشركة تفتقر إلى الخبرة؟
  • في حال لم تُطلق المزايدة، ما هي المعوّقات التي أدّت إلى هذا التأخير؟ وما هو الجدول الزمني المتوقّع لتاريخ الانتهاء من وضع دفتر الشروط والتاريخ المتوقع لحصول جلسة المزايدة؟  

وقد ذكّر الديوان بأن كل تأخير “غير مبرر” في تلزيم القطاع يؤدّي بشكل أو بآخر إلى تفويت أموال وإيرادات على الخزينة ما لا يقبل به الديوان، انطلاقاً من كونه محكمة إدارية تتولى السهر على الأموال العمومية والأموال المودعة في الخزينة ومهمّتها محاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والانظمة.

وهنا أيضاً كانت رسالة الديوان واضحة بأن عمله ليس رقابياً فحسب بل قضائياً أيضاً، أضف إلى أن محكمته لن تتردد في محاكمة أي مسؤول مهما كان اختصاصه.

وبذلك، تمهّد المذكرة لإمكانية إصدار قرارات قضائية بحق وزير الاتصالات، وأي مسؤول معني بمسألة الصفقة المخالفة للقانون. وهذا السلوك يتوقع تكراره مع ملفات أخرى مثل صفقة البريد التي أوصى الديوان بإعداد دفتر شروط جديد لها، وبتلزيمها وفق معايير الشفافية والمنافسة، التي لم تكن مصانة في المزايدة التي دعا إلى عدم الأخذ بنتيجتها، بعد شبهات تشير إلى إنها كانت معدة سلفاً، من خلال تعديل دفتر الشروط ومهل التقديم بما يتناسب مع مؤهلات العارض الفائز.

وتجدر الإشارة إلى أن ديوان المحاسبة كان تبنى بالكامل ملاحظات هيئة الشراء العام التي كانت بدورها وضعتْ يدها على الملف وأعدّتْ تقريراً حول ملابساته صدر في 25/9/2023، معتبرة موافقة الوزير على الصفقة انتهاكا لقانون الشراء العام. وبالواقع، يشكل الانسجام والتكامل الحاصلان بين الديوان وهيئة الشراء العام في تفسير قانون الشراء العام وتطبيقه، في هذه القضية كما في قضية البريد، مشهدا استثنائيا يؤمل منه تعزيز عمل هيئات الرقابة وبشكل أعم العمل المؤسساتي على نقيض المشهد العامّ القائم على تفتيت الدولة وتحويل العديد من أجهزتها وهيئاتها إلى إقطاعات فئوية.     

يمكنكم هنا الاطلاع على مذكرة ديوان المحاسبة

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني