ما يسمى بـ application to person واختصاراً A2P هو خدمة بدأ يشهدها قطاع الاتصالات منذ زاد الاعتماد على التطبيقات الهاتفية. فلكي تتأكد هذه التطبيقات من أن مستخدمها هو إنسان وليس آلة أو هو صاحب الحساب وليس منتحل صفة، كان لا بد من وسيلة آمنة للتواصل معه، إن كان يريد تغيير الرقم السري أو تسجيل حساب للمرة الأولى أو غيرها من الأنشطة المرتبطة مباشرة باستخدامه للتطبيق. وبالفعل، ساهمت A2P في تنظيم عملية إرسال التطبيقات رموز تحقق (Verification Code) إن كان عبر البريد الإلكتروني أو عبر الرسائل الهاتفية أو عبر الاتصال السريع (flash call) أو عبر أكثر من وسيلة معاً. ولأن هذه التطبيقات تحوّلت إلى منجم ذهب بحيث تستفيد من شبكات الهاتف من دون أن يكون للأخيرة أي دور أو أرباح، تمّ اعتماد بروتوكول يسمح بتسديدها ما يمكن تسميته رسم مرور لمشغلي شبكات الاتصالات لقاء الخدمة المقدّمة عبر الرسائل النصية.
ولأن سوق التطبيقات ضخم إلى درجة يصعب على كل مشغل التعاقد مع كل مطوري التطبيقات نشأت شركات وسيطة تتولّى مهمة التعاقد مع مطوّري التطبيقات والتعاقد مع المشغلين في الوقت نفسه. فتكون هي المسؤولة أمام المشغّلين عن حجم الرسائل التي تصل إلى مشتركيهم، وعادة لكي تضمن هذه الشركات أن تمر كل الرسائل عبرها، تنشئ Firewall يكون بمثابة المعبر الذي يمنع مرور الرسائل إلى المشتركين إلا إذا كان مخولاً منها.
لبنان كما كل البلدان دخل إلى هذا المجال مبكراً لكن بطريقة فوضوية لا تخلو من المحاباة حرمت شركتيّ الخليوي من أموال ضخمة. إذ تم التعاقد مع الكثير من الشركات للقيام بدور الوسيط، بحيث تتواصل كل شركة مع عدد من التطبيقات لإعلامه بتعاقدها مع المشغلين المحليين، أما التطبيقات غير المعروفة على نطاق واسع فقد كانت تمرّ إلى المشتركين من دون دفع بدل المرور.
أمام هذا الواقع كان لا بدّ من تنظيم القطاع، وهو ما حصل فعلاً من خلال إطلاق مزايدتيْن لإيجاد شركات تتولّى دور الوسيط الذي يسمح للمشغّلين بالحصول على بدل ماليّ عن كلّ رسالة تصل إلى أحد مشتركيها. التجارب الدولية تشير إلى حصول المشغّلين سلفاً على مبلغ مالي سنوي يحدد على أساس (الحدّ الأدنى لعدد الرسائل المرسلة x السعر المحدد للرسالة الواحدة)، ما يعني تلقائياً أنه يفترض أن تكون الشركات المعنية مليئة مالياً لتستطيع تقديم هذه الخدمة.
أول من شكّك في الملفّ رسمياً، بعد التشكيك به إعلامياً، كان النائب ياسين ياسين الذي وجّه سؤالاً إلى الحكومة وخاصّة إلى وزير الاتصالات جوني القرم يتعلّق بالصفقة وسبب تأخّر التوقيع بما يشكّله من هدرٍ للمال العامّ. كما سأل عن سبب عدم إجراء “تاتش” لمزايدة بناء على مفاعيل قانون الشراء العام وعن سبب عدم إعداد مزايدة واحدة لشركتي الخليويْ المملوكتين من المالك نفسه، أي الدولة اللبنانية. الأمر الذي كان سيزيد من عدد الرسائل المتعاقد بشأنها وما يزيد بالتالي من فرص الحصول على عائد أكبر. بناء عليه، وضعتْ هيئة الشراء العام يدها على الملف وأعدّتْ تقريراً حول ملابساته صدر في 25/9/2023.
خدمة واحدة لمالك واحد بسعريْن ومزايدتيْن
كانت البداية مع إطلاق شركة “ميك 2” (“تاتش”) المزايدة الأولى في 22/12/2021 وإطلاق شركة “ميك 1” (“ألفا”) المزايدة الثانية في 1/11/2022. ولما كان قانون الشراء العام قد أصبح نافذاً في 29/7/2022، فقد اعتمد لإجراء مزايدة “ألفا” حيث نشر الإعلان عن المزايدة على موقع هيئة الشراء العام واتّبعت الإجراءات التي ينصّ عليها قانون الشراء العام، في حين اعتمدت “تاتش” على الآلية السابقة المعتمدة لديها. لكن بالرغم من إطلاق “ألفا” لمزايدتها بعد 11 شهراً من “تاتش” إلا أنها وقّعت العقد مع الشركة الفائزة (Vox Solutions Global Limited) بعد 7 أشهر فقط (7/6/2023) في حين انتظرت”تاتش”نحو سنة و7 أشهر حتى توقع العقد (22/5/2023) مع الشركة الفائزة في مزايدتها (Inmobiles). هذه الفترة الطويلة حملت معها الكثير من التغييرات إن كان في معطيات السوق أو في الأسعار أو حجم القطاع، ما كان يفرض على الوزارة التصرّف على أساس الوقائع المستجدّة، وهو ما لم تفعله.
بدا لافتاً لدى مقارنة نتائج المزايدتين الفارق الشاسع بين قيمة العقدين. فعقد “ألفا” يحقق في الحد الأدنى 17.9 مليون يورو خلال ثلاث سنوات، إذ يشير عقدها بوضوح إلى أنها ستحصل في السنة الأولى على 5.9 مليون يورو وفي السنة الثانية على 6.9 مليون يورو وفي الثالثة على 7.9 مليون يورو حتى لو لم تحقّق الشركة الحدّ الأدنى من مجموع الرسائل السنوية، في حين أنها ستدفع مقابل كل الرسائل التي تزيد عن الحد الأدنى. في المقابل لا إشارة إلى الحدّ الأدنى السنوي في عقد “تاتش” الذي يقتصر على تحديد الحدّ الأدنى لعدد الرسائل. علماً أنه كان بالامكان ببساطة ضرب الحد الأدنى لعدد الرسائل بالسعر الافرادي لتحديد القيمة السنوية للعقد (7،3 مليون يورو) لكنها لم تفعل. تجدر الاشارة هنا إلى أن هيئة الشراء العام وضعت في تقريرها جدول مقارنة بين السعر الذي حصلت عليه تاتش، أي 7.3 مليون يورو على 3 سنوات، والسعر الذي حصلت عليه ألفا، أي 17.9 مليون يورو، ، بالرغم من أن عدد مشتركي “تاتش” يزيد بنحو 300 ألف مشترك، وبالرغم من أن العقد معها لا يتضمن خدمة Flash Call التي تضمنها العرض الفائز في “ألفا”.
ففي التفاصيل يتبين أن السعر الإفرادي المحدد في عقد “تاتش” يبدأ ب7.5 سنت (يورو) ويرتفع في السنتين الثانية والثالثة إلى 7.6 سنت، في حين أن السعر الإفرادي للرسالة في عقد “ألفا” يبدأ ب10.5 سنت (يورو) ويرتفع في السنة الثانية إلى 11.5 سنت وفي الثالثة إلى 12.5 سنت. كما أن الحدّ الأدنى لعدد الرسائل النصية محدد بما بين 31 مليون رسالة (السنة الأولى) و34 مليون رسالة (السنة الثالثة) سنوياً في عقد “تاتش”، فيما يرتفع الحدّ الأدنى إلى ما بين 46.6 مليون و56.8 مليون رسالة في عقد “ألفا”.
أمام هذا الواقع المستجدّ الذي كشفته مزايدة “ألفا”، لم يكن بمقدور وزارة الاتصالات الاستمرار بعقد “تاتش” مع Inmobiles كما هو، فعمدت إلى تعديل السعر الإفرادي للرسالة ليعادل سعر السنة الأولى في عقد Vox Solutions أي 10.5 سنت (يورو)، لكن مع الإبقاء على السعر نفسه في السنتين التاليتين. وبدا لافتاً أن العقد يتضمّن بنداً يجيز للوزارة تعديل سعر الدقيقة بين فترة وأخرى. وإذ يبدو مستغرباً أن توافق شركة جدّية على هكذا بند لا يعطيها حق الموافقة أو الرفض أو الاشتراك في اتخاذ القرار على تعديل الأسعار، فقد بيّنت التعديلات الأخرى أن الزيادة قابلها الكثير من التساهل مع الشركة، يبدأ بتقسيط المبالغ المستحقة خلافاً لما ينص عليه العقد الأساسي ودفتر الشروط ولا ينتهي بإلغاء الحد الأدنى المتوجب دفعه.
هيئة الشراء العام توصي بإلغاء العقد وإطلاق مزايدة جديدة
بالنسبة لهذه النقطة، اكتفى تقرير هيئة الشراء العامّ بالإشارة إلى أنّ التعديلات التي أعلنها الوزير لناحية السعر الإفرادي ليست بديلاً من الإجراءات التنافسية المعتبرة من الانتظام العام بموجب أحكام المادة الأولى من قانون الشراء العامّ. كما أشار إلى أن التوازن المالي ليتحقق، يجب رفع سعر الرسائل النصية وأيضا الحدّ الأدنى لها، مع تأكيده أنّ هذا الإجراء ليس بديلاً من إجراء مزايدة علنيّة. كما أكّد أن المادة 113 من قانون الشراء العام (“تُطبَّق على عمليات الشراء الجارية والتي تمّ الإعلان عنها قبل دخول هذا القانون حيّز التنفيذ القوانين النافذة بتاريخ الإعلان عن الشراء”) تنطبق على العقود الجارية التي ما زالت عملياتها قائمة وليس على العمليات المتقطعة والتي تستغرق فترة طويلة نسبياً تكون خلالها معطيات السوق والتكنولوجيا قد تغيّرت وبالتالي شروط المنافسة. ما يعني أن توقيع العقد بعد نفاذ قانون الشراء العام بمعطيات وظروف مختلفة عن تلك التي أجريت بموجبها المزايدة يخالف قانون الشراء العام ومبادئه الأساسية.
وبناء عليه، دعت هيئة الشراء العام في تقريرها إلى:
- إطلاق شركة “تاتش” مزايدة جديدة وفقاً لأحكام قانون الشراء العام.
- تعديل العقد الموقع مع شركة Inmobiles بمفعول رجعي يسري اعتباراً من تاريخ نفاذه لاعتماد السعر الافرادي المعتمد في العقد الموقع مع”ألفا”ولاعتماد الحد الأدنى السنوي لعدد الرسائل النصية.
- فسخ العقد مع شركة Inmobiles عند انتهاء المزايدة المفترض المباشرة في إجرائها من دون تأخير بما يتناسب مع الفقرة 3 من المادة 7 من العقد بحيث لا يترتب على شركة”تاتش”أي تعويضات مالية لصالح الشركة،.
- النظر مستقبلاً في إمكانية إجراء مزايدة واحدة لنظام الرسائل النصية للشركتين معاً.
تأهيل INMobiles خلافاً لدفتر الشروط
إن كان تقرير هيئة الشراء يتناول مزايدة “تاتش” من ناحية مخالفتها قانون الشراء العام ومن ناحية تخطيها للمبادئ العامة، فإن التدقيق في المسار الذي أوصل إليها يطرح أكثر من علامة استفهام تتعلق بمحاباة الشركة والإصرار على توقيع عقد معها بالرغم من عدم مطابقة عرضها لدفتر الشروط وبالرغم من أن العرض المقدّم يحرم الخزينة من مداخيل مهمّة. هذا عدا عن التّلاعب في العقد بعد تعديله بما ينسف أهم مبادئه.
بداية لا بد من الإشارة إلى أنّ دفتر الشروط تضمّن ما يسمّى عناصر قاتلة، ما يعني أن أيّ عرض لا يُراعي واحداً منها يُرفض مباشرة، ومن هذه العناصر:
- ينبغي أن لا تقل خبرة الشركة المتقدّمة عن 5 سنوات في موضوع المزايدة أي نظام نظام الرسائل الدولية من التطبيقات A2P International.
- ينبغي أن تكون الشركة قد قدمت الخدمة نفسها عبر 3 مشغلين ل20 مليون مشترك على الأقلّ.
لمعرفة أهمية هذين العنصرين ينبغي العودة إلى تسلسل الأحداث منذ إطلاق مزايدة تاتش.
- لم تطلق الشركة مزايدة دولية كما فعلت “ألفا” بل أطلقتْ، في 1/12/2021، مزايدة محصورة دعتْ إليها 25 شركة بالإسم.
- عند فضّ العروض في 14/3/2022، تبيّن تقديم 10 شركات ملفاتها، 5 منها لم تكن مؤهلة تقنياً. اثنتان منها لم تكن معنية بموضوع المزايدة أصلاً، ما يثير التساؤل عن كيفية اختيار “تاتش” للشركات المدعوة. لتكون النتيجة بقاء 5 شركات ضمان المنافسة هي: mada، orange، inmobiles، monty، vox، ففازت INMobiles بعد تقديمها العرض الافضل (7.3 مليون يورو على 3 سنوات).
- في 13 و29 تموز وصل إلى “تاتش” اعتراضَان يُشيران إلى أنّ الفائز لا يلبّي شروط المزايدة، ولاسيما الشرطيْن القاتليْن أعلاه.
- بعد طلب الوزارة التّدقيق في الأمر، تبيّن أنّ الشّركة قدّمت مستندات تشير إلى أنها وقّعت عقوداً مع 3 مشغلين لتقديم خدمة A2P International. الأول في 17/3/2021 والثاني في 11/8/2021 والثالث في 27/1/2022. ما يعني أنها لا تملك خبرة السنوات الخمس في القطاع ووجب رفض عرضها مباشرة. إلا أن ذلك لم يحدث بالرغم من أن “تاتش” نفسها أشارت في تقريرها الموجّه إلى وزير الاتصالات أن الفائز يملك خبرة عامة في مجال A2P SMS لكنه يملك خبرة محدودة في موضوع المزايدة أي A2P International SMS. كما أقرّت تاتش أن من شأن العناصر القاتلة أن تستبعد شركات أخرى. لكن اللافت في التقرير أنه لم يقترح إسقاط عرض الشركة الفائزة بل ذهب إلى اقتراح تعديلات على العناصر القاتلة في أي مزايدة مقبلة كأن تخفض سنوات الخبرة إلى 3 سنوات. وفي المقابل طلبت “تاتش”، في الكتاب الموجه إلى وزارة الاتصالات في 5/10/2022، توقيع العقد مع الفائز في المزايدة، أي InMobiles. وعليه، بدل أن تسقط تاتش عرض الشركة لعدم تحقق شروط دفتر الشروط، عمدت إلى انتقاد دفتر الشروط وتجاوزه بهدف إنجاح التعاقد مع الشركة.
- في رسالته الجوابية، كرّر وزير الاتصالات التناقضات التي تضمّنها كتاب شركة “تاتش”، ولا سيّما منها أنّ الفائز لا يملك الخبرة الكافية في موضوع المزايدة وأنّ العناصر القاتلة قد تكون استبعدت شركات أخرى، ليخلص إلى أنه “طالما أن الشركة أكدت أن الفائز يلبّي متطلبات ومعايير المزايدة فلا اعتراض على توقيع العقد معه”.
عقد مشبوه وتعديلات فاضحة
بعد توقيع العقد في 22/5/2023، كان يفترض أن تبدأ الشركة عملها خلال 3 أشهر إلا أن المعلومات تؤكّد أنها لم تبدأ حتى اليوم. لا بل أكثر من ذلك، يبدو أن العقد لم يُعدّل أو يُلحق به أي نصّ بما يتناسب مع تعديل أسعار الرسائل الإفرادية. وهو ما تؤكده المستندات المرسلة من “تاتش” إلى النائب ياسين وإلى هيئة الشراء في 9/8/2023، والمتضمّنة العقد الموقّع مع الشركة بالأسعار القديمة نفسها (ANNِEX 1) بالرغم من أن تعديل الأسعار حصل في 26/7/2023.
التدقيق في العقد مع “تاتش” ثم في تعديل السعر الإفرادي يمكن أن يوضح سبب عدم الإشارة إلى مبلغ إجمالي يجب دفعه عند بداية كل سنة من العقد. فهذا يسمح بالتلاعب بالمبالغ المحصلة من الشركة. وعليه، تبيّن أن تعديل السعر الإفرادي لم ينعكس على الإيرادات الإجمالية التي يفترض أن تتقاضاها “تاتش” سلفاً. ففي المستند الخاصّ بتعديل الأسعار، يبدو التعديل أشبه بخدعة. فهو لا تأثير له على الدفعة المسبقة بالرغم من أنها تساوي سعر الرسالة مضروباً بالحد الأدنى المحدد لعدد الرسائل المرسلة سنوياً. أما السبب فيعود إلى الإبقاء على الحد الأدنى مرتبطاً بالسعر القديم للرسالة (7.5 يورو سنت) من دون أن يعرف السند القانوني لهكذا خطوة. أما الفارق بين السعرين الجديد والقديم والمقدر ب2.8 مليون يورو فتضعه في سياق منفصل، مبتكرة حسبة غير موجودة في دفتر الشروط أو العقد أيضاً. وتنص على التزام Inmobiles بالدفعة المُسبقة على أساس السعر القديم أي 2.32 مليون يورو بدلاً من 3.25 مليون يورو، أما الفارق فستصدر “تاتش” فيه فاتورة شهرية تفتقر إلى السند القانوني أيضاً.
حتى تلك الصياغة المبهمة للتعديلات التي تضمنتها الرسالة الموجهة إلى الوزير في 26/7/2023 بدتْ أوضح من الرسالة الثانية التي أرسلت له في 31/7/2023 وتتضمن تعديلاً على النص التعديلي الأول. لكن مع ذلك بعدما كانت مهمة التعديل الأول تقسيط المبلغ المستحقّ على الشركة عبر الفصل بين الدفعة الأولى التي تتم على أساس السعر القديم والعائدات الإضافية التي تحتسب على أساس السعر الجديد، فقد بدت مهمة التعديل الثاني حاسمة في سعيها لإلغاء مبدأ وجود حد أدنى يتوجب على الشركة دفعه، أي بشكل آخر نسف أهم نقطة في العقد وأهم مبدأ يقوم عليه هذا النوع من العقود. فتشير إلى أنه عند نهاية العام إذا لم يصل عدد الرسائل إلى الحدّ الأدنى المحدّد في العقد، تصدر “تاتش” فاتورة تغطي الفارق بين الحدّ الأدنى لعدد الرسائل على أساس السعر الجديد مقابل ما دفع سلفاً + الدفعة الشهرية. تعقيد النص لا يبدو بريئاً وهو يعني اختصاراً السماح للشركة بالاكتفاء بدفع ثمن الرسائل المرسلة فعلياً، حتى لو كانت أقل من الحد الأدنى المتفق عليه، بحيث يحسم الفارق المدفوع من الفواتير الشهرية اللاحقة.
وزير الاتصالات يصرّ على المخالفة
وزير الاتصالات كان قد برر التأخير في توقيع العقد، عبر تلفزيون الجديد بأنه يعود في جزء منه (نحو خمسة أشهر) إلى تدقيق فرع المعلومات في طبيعة عمل الشركة التي انتقلت ملكيتها من هشام عيتاني إلى شربل ليطاني، علماً أن الشركة لبنانية تعمل في قطاع الاتصالات منذ سنوات وكانت تملك أكثر من عقد في قطاع الخلوي. فهي المسؤولة، على سبيل المثال، عن إدارة برامج أكثر خطورة مثل ضبط الهواتف غير الخاضعة للرسم الجمركي والتي تعطي مشغّلها حقّ الولوج إلى معلومات حسّاسة مثل الرقم التسلسلي للهاتف والشريحة. أضِفْ إلى أنّ شركة VoX لم تشهدْ هكذا تدقيق وأنجز عقدها في سبعة أشهر بالرغم من أنها تعمل في لبنان للمرة الأولى. لكن الأهم يبقى أن مسألة التعاقد مختلفة عن مسألة تأمين الموافقات اللازمة أو التجهيزات اللازمة لبدء العمل. فالتوقيع ممكن فور رسو المزايدة على أي طرف. ولهذا فعلى سبيل المثال يشار في العقد إلى فترة 3 أشهر لبدء العمل.
الملفّ لم ينتهِ هنا، على ما يؤكد ياسين. فهو بعدما أرسل سؤالاً إلى الحكومة وبعد أن أثار الملف في لجنة الاتصالات النيابية، قدّم إخباراً إلى ديوان المحاسبة، متضمناً المستندات المتعلقة بالقضية، حيث يتوقّع أن يصدر تقرير عن الديوان أيضاً يبيّن فيه التجاوزات المالية والخسائر الفائتة على الدولة. لكن مع ذلك يصرّ وزير الاتصالات على السير بالصفقة من دون أي مبرّر واضح، هو الذي أعلن أنه يدرس تقرير هيئة الشراء لناحية إلغاء العقد حيث لن يقدم على هذه الخطوة إذا تبين أن مخاطرها أكثر من حسناتها. وهو إذ يسوق ضمناً أن إلغاء العقد سيرتب على الدولة أعباءً مالية، فهو يتجاهل عمداً الفقرة الثالثة من المادة السابعة من العقد التي تشير إلى ما حرفيته أنه “يجوز لشركة MIC2 إنهاء الاتفاقية بموجب إشعار خطي يوجه للطرف الأول قبل 30 يوماً من تاريخ الإنهاء الفعلي”. وهو ما تطرّق إليه تقرير هيئة الشراء العام بوضوح أيضاً.
باختصار، “العقد معقّد جداً” يقول ياسين الذي لا يفهم كيف لم يُلغِه وزير الاتصالات حتى اليوم، بالرغم من أن الإلغاء ممكن من دون دفع أي بند جزائي، وبالرغم من أن إلغاء العقد يعني مباشرة زيادة إيرادات الدولة في حال إطلاق مزايدة جديدة بدفتر شروط واضح بدل دفتر شروط وعقد معقديْن. وعليه، يدعوه إلى التواضع قليلاً واحترام الهيئات الرقابية وممارسة دوره في حماية المال العام.