الحوكمة السّيئة: الاتفاقيّة مع ألفاريز ومارشال نموذجاً


2021-12-17    |   

الحوكمة السّيئة: الاتفاقيّة مع ألفاريز ومارشال نموذجاً
مصرف لبنان

بعد أيام (تحديدا في تاريخ 31 كانون الأول 2021)، تنتهي مدّة نفاذ قانون تعليق العمل بقانون السرّية المصرفيّة لمدّة سنة كاملة بغرض التدقيق في حسابات مصرف لبنان والوزارات والإدارات والمؤسّسات العامّة الأخرى وهو القانون رقم 200/2020. وفي حين لا يتوفّر أيّ معلومات حول مدى تقدّم عمل الشركة المكلّفة بالتدقيق في حسابات مصرف لبنان وهي شركة ألفاريز آند مارشال ميدل إيست ليميتد وتاليا قدرتها على إنجاز المهمة قبل نهاية هذه المدة، فإنه من الثّابت أن الحكومة لم تبذُل أيّ جهد لإجراء تدقيق على أيّ من الوزارات والإدارات والمؤسّسات العامّة الأخرى. وفي حين قدّم النائب جورج عدوان اقتراح قانون معجل مكرر بتمديد فترة رفع السرية المصرفية إلى حين إتمام مهمة التدقيق الجنائي، فإنه تمّ إسقاط صفة العجلة عنه في الجلسة التشريعية المنعقدة في تاريخ 7 كانون الأول 2021.

في هذا المقال، يجري المحامي والأستاذ الجامعي كريم ضاهر قراءة نقديّة للعقد الموقّع مع الشركة المدقّقة تظهر الحوكمة السّيئة المتّصلة بكيفية إبرامه وصياغته في مسألة هي شديدة الحيوية في الظروف التي يعبر فيها لبنان. عرض ضاهر هذه القراءة في مؤتمر بيت المستقبل وكونراد أديناور في بكفيا في 3 كانون الأوّل 2021 وتمّت ترجمتها من الفرنسية إلى العربية من قبل الصحافية فيفيان عقيقي (المحرّر).     

إنّ قراءة عقد التدقيق الجنائي الجديد الموقّع في 17/09/2021 بين الشركة الإماراتيّة ألفاريز آند مارشال ميدل إيست ليميتد –(Alvarez & Marshal Middle East Limited A&M) من جهة، والجمهوريّة اللبنانيّة مُمثلة بوزارة الماليّة من جهة أخرى، (يُشار إليه فيما يلي بـ”العقد”) وتحليله بالمقارنة مع أحكام العقد القديم الذي أنهته A&M من طرف واحد في 27 تشرين الثاني 2020، يستدعيان عدداً من المُلاحظات التي تقودنا إلى خلاصة واضحة ومؤسفة وهي أنّ عمليّة التفاوض برمّتها، ومن ثمّ صياغة العقد، وإبرامه، وكذلك تنفيذه، ليست إلّا مثالاً نموذجياً على سوء الحوكمة وتبديد الأموال العامّة، على الرغم من أنّ توقيع عقد مُماثل كان مؤشّراً مُحتملاً إلى حدوث تغيير ما نحو مزيد من الشفافيّة والمهنيّة والنزاهة.

يشير العرض اللاحق إلى العوائق والثغرات المُختلفة التي يتضمّنها العقد، وسوف نعلّق عليها من خلال تقديم، إذا لزم الأمر، الحلول التي كان يُمكن أو لا يزال من المُمكن اعتمادها لمعالجة الاختلالات الواضحة والانتهاكات التي تُهدّد بتدمير فرص نجاح المهمّة وإحقاق المساءلة التي طال انتظارها.

1- إجراءات عقد الصفقة

الثغرات والعقبات (القيود)

على الرغم من الإعلان عن طلب تقديم عروض في تموز 2020 استُخدم لتحديد الالتزامات، إلّا أنّه لا يوجد ما يشير إلى أنّ رسوّ العقد على شركة ألفاريز آند مارشال ميديل إيست ليميتد – Alvarez & Marshal Middle East Limited، (يشار إليها لاحقاً بـ”A&M” أو ألفاريز)، حصل وفقاً للقواعد والمعايير المُحدّدة في قانون المحاسبة العموميّة (المرسوم رقم 14969 الصادر في 30/12/1963 – الفصل الخامس)، الساري المفعول، في ظلّ عدم نفاذ قانون الشراء العامّ الجديد رقم 244 الصادر في 29/7/2021. تُعدُّ هذه العمليّة مُبهمة للغاية ولم يُعلن عن أي تفاصيل بشأنها.

التعليقات والحلول المُقترحة:

يهدف المسار القانونيّ لطلب تقديم عروض عموماً إلى ضمان مشاركة مزوّد الخدمة الأفضل، تبعاً لمعيار الجودة والسعر (الجودة/السعر) على أن تكون هذه المعادلة مؤاتية للإدارة، وكذلك لناحية القدرة على أداء المهمّة المطلوبة (المؤهلات). من هنا، يمكن إبداء ثلاثة تعليقات:

أ-فيما يتعلّق بالتدقيق الجنائي، وبالاستناد إلى المقارنة مع عقود دوليّة أخرى[1]، يُطلب ، أوّلاً وقبل أي شيء، التثبّت من المؤهلات التقنية للمشارك (أو العارض) ومن خبراته السابقة في هذا المجال. إذ يُعدُّ التخصّص ضرورياً، سواء في التدقيق المحاسبي بشكل عام (المحاسبون العامّون المجازون)، أو التدقيق الجنائي بصورة خاصة الذي يُعرّف بأنّه: “تدقيق تشريحي أكثر تفصيلاً وتركّزاً (مُتخصّصاً)، يهدف إلى اكتشاف حالات الاحتيال أو الخطأ المُتعمّد أو سوء الإدارة، بما في ذلك الاختلاس والجرائم الماليّة الأخرى. عادةً، لا يُطلب إجراء تدقيق مُماثل إلّا بعد تقديم شكاوى خطيرة تدّعي حصول ارتكابات احتياليّة أو مُدانة، أو بعد أن يكشف التدقيق المحاسبي العام عن ظروف تشير إلى وجود خطر حقيقي ناجم عن إجراءات غير اعتياديّة”. كذلك يفترض وجود خبرة في كلا مجالي التدقيق وفقاً لمعايير معهد تمويل الشركات (يتطلّب التدقيق الجنائي الحصول على تدريب خاصّ في تقنيّات التدقيق الجنائي والجوانب القانونيّة لقضايا المحاسبة). وفي الحالة الراهنة، لا يبدو أنّ A&M تمتلك وفقاً لمواقعها الإلكترونيّة (الموقع الإلكتروني للشركة الأم أو الشركة التابعة لها) أي خبرة ملحوظة في هذا المضمار سواء في مجال التدقيق المحاسبي أو في حقل التدقيق الجنائي. ولا تندرج هذه المهامّ حتّى ضمن نطاق اختصاصها المُصرّح عنه. لقد حرصت A&M في العقد الموقّع، وبشكل مكرّر، على تأكيد عدم اندراج مهمّتها ضمن وظيفة التدقيق والامتثال للمعايير الأميركيّة أو الدوليّة المتعلّقة به (المادة 4: العلاقة بين الأطراف). وسوف نعود إلى هذه النقطة بمزيد من التفصيل لاحقاً.

ب- يوضع عادةً عقد الخدمة المُلِزم للأطراف المتعاقدة على شكل مستند نموذجي من قبل الإدارة المُتعاقدة ويصار إلى ضمّه إلى طلب تقديم العروض. إنما لا يبدو أن هذا الإجراء قد تمّ التقيّد به في الحالة الراهنة، سواء لجهة الأحكام التعاقديّة التي تصبّ في صالح شركة A&M من ناحية، أو لجهة الاختلاف الموجود مع العقدين الآخرين اللذين وقّعا مع KPMG وOliver Wyman  بالتزامن لتقييم الوضعيّة الماليّة لمصرف لبنان وفهم أسس سياساته المحاسبيّة والماليّة من ناحية أخرى.

ت- لا يبدو أنّ القوانين والأنظمة اللبنانيّة المرعية الإجراء المتعلّقة بمزاولة نشاط ومهمّة التدقيق قد أُخِذت بدورها بالاعتبار أو تمّ احترامها. في الواقع، لا يسمح القانون رقم 364/1994، الذي ينظّم مهنة خبراء المحاسبة المجازين، بممارسة المهنة في لبنان من دون تسجيل أو ترخيص أو إذن خاصّ صادر عن النقابة (فيما يتعلّق بالمؤسّسات والخبراء الأجانب)، تحت طائلة إنزال عقوبات جزائيّة (المادة 17 من القانون المذكور والمادة 393 من قانون العقوبات).

2- الأطراف المُتعاقدة

الثغرات والعقبات (القيود)

يظهر وجود ثغرتين/ قيدين في العقد الجديد الموقّع في 17/09/2021 (يُشار إليه فيما يلي بـ”العقد”)، بين شركة ألفاريز آند مارشال ميديل إيست ليميتد – Alvarez & Marshal Middle East Limited (A&M) والجمهوريّة اللبنانيّة مُمثلة بوزارة الماليّة:

– الأثر النسبي للعقد الذي لا يُلزم سوى الأطراف الموقّعة عليه فقط، وبالتالي لا يمكن الإحتجاج به على مصرف لبنان من حيث المبدأ؛ و

– مدى التزام الشركة التابعة الإماراتيّة والشركة الأميركيّة الأمّ Alvarez & Marshal ومدى مسؤوليتهما التعاقدية. 

التعليقات والحلول المُقترحة

أ- يبدو واضحاً في العقد أنّ الدولة اللبنانيّة ملتزمة بتأمين جميع الطلبات وتنفيذ جميع الموجبات المفروضة على مصرف لبنان الذي ليس طرفاً في العقد، الذي يمكنه، بالاستناد إلى أحكام قانون النقد والتسليف (المادة 13) الذي يمنحه الاستقلالية الماليّة التامة والإداريّة النسبية، أنّ يتذرع ويتحجج بأن العقد غير نافذ تجاهه وأنه بالتالي غير مُلزم به. يترتّب على ذلك، أنه يقتضي توجيه أي طلب للحصول على مزيد من المعلومات مباشرة إلى الدولة اللبنانيّة، التي عليها أن تستخدم الوسائل اللازمة لتأمين تعاون مصرف لبنان، على الرغم من عدم وجود أي التزام تعاقدي بالتعاون على عاتق هذا الأخير.

ومن خلال تقييم الأحكام التعاقديّة، يتجلى بوضوح أنّ جميع أطراف العقد (الدولة ومصرف لبنان وشركة A&M)  قد رتّبوا الموجبات التعاقدية أو أقله تكيّفوا معها بما يتيح عدم تحميلهم أي مسؤولية في حالة عدم التعاون أو الحصول على نتائج مُقنعة، من خلال الالتزام بموجبات وسيلة (قيامهم بأفضل المساعي لتنفيذ موجباتهم) ومع الحرص على ربطهاً بالقوانين اللبنانيّة السارية المفعول (وهي ملتبسة للغاية ومقيّدة لهذه الجهة)، وذلك، كما لو تمّ الاتفاق ضمنياً ومسبقاً على تقديم تقرير شكلي فقط لن يوصِل إلى توجيه أي اتهام أو تجريم (المواد 1 – ب)، و2 – و، ز). رغم ذلك، كان من الأفضل إشراك مصرف لبنان بشكل مباشر كطرف في العقد، لإلزامه بتطبيق أحكامه ومساءلته في حال التقاعس أو رفض التعاون أو التنفيذ.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ أخذ الدولة على نفسها وعاتقها إنفاذ موجبات مصرف لبنان (كما هي الحال راهناً) يمكن أنّ يضرّ بمصالح المصرف المركزي على المدى الطويل، بحيث قد يصار إلى المزج بينه وبين الدولة من قبل الدائنين حاملي السندات المُتعثّرة (سندات اليوروبوند)، ما يجعل أصول المصرف المركزي عرضة للحجز (مثل شركة طيران الشرق الأوسط، شركة إنترا، أسهم كازينو لبنان، الذهب، إلخ…) وفقاً لما يسمى بآليّة “التشابك”[2].

ب-فيما يتعلّق بتوقيع العقد من قبل الشركة التابعة الإماراتية والشركة الأميركيّة الأم Alvarez & Marshal، من الواضح أنّ هناك نيّة أو مسعى لتحقيق هدفين. يظهر الهدف الأوّل في أحكام العقد التي ترمي إلى إعفاء الشركة الأميركيّة الأم من أي مسؤوليّة أو كفالة متضامنة (المادة 1 (ج). أما الهدف الثاني فهو يرمي إلى تحقيق وفر ضريبيّ، باعتبار أنّ لبنان مُرتبط مع الإمارات العربيّة المتّحدة باتفاقيّة ضريبيّة ثنائيّة مُصادق عليها بموجب القانون رقم 42 الصادر في 23/02/1999، التي تمنح الإمارات العربية المتحدة الحقّ في فرض ضرائب على مشاريع عرضية مماثلة لهذا المشروع في حال كانت تلك الشركة مسجلة ومقيمة في الإمارات كما هي الحال هنا (المادة 7). لكن بما أنّ دولة الإمارات لا تفرض ضرائب على الأنشطة الخارجيّة لشركاتها المُقيمة على عكس الولايات المتّحدة، سوف يكون العقد المُبرم بمثابة أداة للحصول على إعفاء كامل من جميع الضرائب على النشاط المنفّذ في لبنان، والتي تُدفع تكاليفه من المال العام، الأمر الذي يشكل تشويهًا كاملًا لقواعد العدالة الضريبيّة والمنافسة السليمة. وعليه، يقتضي إلزام الشركة بإثبات تسجيلها وخضوعها للضريبة في الإمارات عملاً بأحكام المادة 7 المذكورة من المعاهدة وإلا إخضاعها للضريبة في لبنان عن طريق الإقتطاع عند المنبع. هذا، ومع العلم أن شركتيْ أوليفر وإيمان وك بي أم جي  لا تستفيدان من نفس المعاملة الضريبية التفضيلية بغياب معاهدة ضريبية نافذة مع دول إقامتهما.

2-مخاطر حجب المعلومات بحجّة السرّية المصرفيّة، وما يترافق مع ذلك من تلازم في الجانبين المصرفي والمؤسّساتي (المادتين 1 و10 من العقد)   

الثغرات والعقبات (القيود)

بعد إنهاء العقد الأوّل في 27 تشرين الثاني 2020 نتيجة رفض مصرف لبنان تقديم جزء كبير من الوثائق والمعلومات التي طلبتها شركة A&M بحجّة السرّية المصرفيّة (قانون صادر في 3 أيلول 1956، والمادة 151 من قانون النقد والتسليف)، صدر قانون خاصّ (القانون رقم 200 في 29/12/2020) يقضي بتعليق العمل بقانون السرّية المصرفيّة لمدّة سنة كاملة بغرض التدقيق في حسابات مصرف لبنان والوزارات والإدارات والمؤسّسات العامّة الأخرى (بدءاً من تاريخ نشر القانون في 31/12/2020)، والذي يقتضي تنفيذه بالتوازي وفقاً للتوصية الصادرة سابقاً عن البرلمان بتاريخ 27/11/2020 .

إلا أنه وبما أنّ الأطراف الرئيسيّة المعنية أخّرت الاتفاق وتنفيذ المهمّة، ولم تٌقدّم المعلومات والوثائق المطلوبة بالكامل حتّى الآن، بما يتيح رفع التحفّظات وبدء المرحلة التنفيذيّة من العقد والتدقيق الجنائي، يُخشى كثيراً أن يرفض مصرف لبنان تقديم المعلومات المحميّة بموجب السرّية المصرفيّة بعد انتهاء تاريخ نفاذ القانون وفي ظل غياب قانون جديد، وأنّ تدّعي A&M مرّة أخرى، نتيجة القوانين اللبنانيّة النافذة، أنّها غير قادرة على الوصول إلى المعلومات اللازمة لتنفيذ مهمّتها (لا سيّما أنّ هذه النقطة قد أثيرت في مقدّمة النسخة الجديدة من العقد، وذُكِر القانون رقم 200/2020 لجعله عمداً شرطاً جوهرياً ). وعليه، وبمجرد انتهاء هذه المهلة المذكورة، سوف يكون مصرف لبنان مُحرّراً من أي التزام بتقديم معلومات إضافيّة إذا وجدت ألفاريز أنّ بعض المعلومات ناقصة أو غير كافية.

كما تمنع أحكام العقد ألفاريز من الوصول المباشر إلى المعلومات بحيث توجد هناك إشارة واضحة إلى القوانين الإلزاميّة والنظام العام، وخصوصاً قانون السريّة المصرفيّة (الصادر في 03/09/1956)، وقانون النقد والتسليف (المادتين 44 و151). كما يعتبر العقد أنّ موجب الالتزام بالقوانين اللبنانيّة هو شرط جوهري لإبرام العقد. بنتيجته، لا تتحمّل ألفاريز أي مسؤوليّة إذا شكّلت هذه القوانين عائقا أمام أداء مهمّتها، وإذا كان الوصول إلى الوثائق والدخول إلى مقرّ مصرف لبنان محظوراً عليها. 

التعليقات والحلول المُقترحة

في ضوء المخاطر التي تنطوي عليها المهمة، من الضروري الشروع في اتخاذ الخطوات التالية في أسرع وقت ممكن وبالتوالي بحسب الأولويّة: ينصّ قانون السرّية المصرفيّة الصادر في 03/09/1956 على استثناءات من ضمنها:

أ- جمع A&M ومصرف لبنان في أسرع وقت ممكن، وإنذارهما بوجوب تنسيق عملهما من أجل الانتهاء من عمليّة توفير وجمع الوثائق في أسرع وقت ممكن تحت طائلة تحميلهما المسؤوليّة (التعاقديّة للطرف الأول والتأديبيّة/الجزائية للطرف الثاني) عن أي تأخير وإخفاق؛ وإلا

ب-إعداد وتقديم مشروع أو اقتراح قانون يهدف إلى تمديد مهلة تعليق العمل بقانون السرّية المصرفيّة لسنة إضافية[3] أو إلغائه بالكامل كحلّ مثالي، لما له من آثار ضارّة، ولدوره في تيسير الفساد، ولعدم جاذبيته للاستثمارات الأجنبيّة لا سيّما بعد نفاذ القانون رقم 55 الصادر في 27/10/2016 بشأن تبادل المعلومات الماليّة لأغراض ضريبيّة؛ و/ أو

ت- وضع العقد تحت إشراف النيابة العامّة التمييزيّة والاستناد إلى القانون رقم 44 الصادر في 24/11/2015 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب)، لما للجنة التحقيق الخاصّة من صلاحيّات في رفع السرّية المصرفيّة، وتلقّي الشكاوى، وإجراء تحقيقات في حال وجود شبهة بحصول تبييض أموال، ولما للمحاكم من صلاحيّة لاتخاذ الإجراءات المباشرة التي تقضي برفع السرّية بالاستناد إلى المادة 7 من القانون الصادر في 1956، لا سيّما في حال وجود أعمال تتّسم بالإثراء غير المشروع؛ و/ أو

  • في إطار توافر عنصري التدقيق، ومن أجل قطع الطريق أمام أي نزاع أو ادّعاء كيدي مُحتمل، يجب تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في القرار 17 الصادر عن حكومة الرئيس حسان دياب في 12/05/2020 بشأن اعتماد تدابير عاجلة لمكافحة الفساد واستعادة الأصول المُكتسبة بطرق غير مشروعة، وعلى وجه الخصوص التدابير 2 و3 و4:

⮚     تكليف شركة تدقيق دوليّة معروفة بمراجعة جميع بنود العقود العامّة التي منحتها الدولة، والكشف عن أي فعل يتّسم بالفساد أو الاحتيال.

⮚     تطبيق المادة الخامسة من قانون السرّية المصرفيّة، ورفعها تلقائياً عن الحسابات التي تتلقّى مالاً عامّاً.

⮚     تكليف ديوان المحاسبة بممارسة مهمّته الرقابيّة اللاحقة على جميع العقود المذكورة أعلاه.

مع التشديد على أنّ وظيفة الرقابة الإداريّة هي الخطوة الأولى في منع ومكافحة الفساد في القطاع العامّ.

فوِّضت هذه المهمّة إلى الهيئات الرقابيّة المُحدّدة بالقوانين، ولا سيّما ديوان المحاسبة (أنشئ في كانون الثاني 1951، بموجب قانون المحاسبة العموميّة)، وهي محكمة إداريّة وماليّة مؤلّفة من قضاة ومراقبين ومدقّقي حسابات، لديها نيابة عامّة مُستقلّة، ومنوطة بالإشراف على كيفيّة إدارة الأموال العامّة وأموال الخزينة، وأيضاً معاقبة الموظّفين الذين ارتكبوا مخالفات، ولا سيّما تلك المرتبطة بالفساد. إلّا أنّ إجراءات تعيين أعضائها وارتباطهم بالسلطة التنفيذيّة، ومحدوديّة مواردها الماليّة والبشريّة والتقنيّة تثير مخاوف من الخروج بنتائج مُعاكسة لما هو متوقّع أو مرجو. من هنا، تأتي الحاجة إلى استعادة وإعادة هيكلة الجهاز الإداري بصورة عاجلة وإدراجه كأولوية.

3-هدف المهمّة ونطاقها (المادة الأولى)

الثغرات والعقبات (القيود)

تنص أحكام العقد (المادة 1) أن المهمّة الموكلة إلى A&M هي مجرّد مهمّة استشاريّة على النحو المفصّل في الملحق رقم 1 المُرفق بالعقد، من دون تحديد الهدف الرئيسي بصورة واضحة وصريحة (والذي يُعدّ جوهر العقد وشرطه الموضوعي) على النحو المُحدّد في طلب تقديم العروض، ألا وهو تحديد ما إذا كانت المعاملات الماليّة التي أجراها مصرف لبنان أو أجريتْ من خلال حساباته، اعتياديّة وأصوليّة، ولا تنطوي على أعمال احتياليّة أو مشبوهة. 

التعليقات والحلول المُقترحة

تظهر المقارنة مع عقود خدمات مُماثلة أبرمت بغرض إجراء تدقيق جنائي[4]، أنّ الهدف الرئيسي للعقد ونطاقه يتعلّقان بشكل صريح وواضح بـ “التدقيق الجنائي” (بصريح العبارة) لتحديد ما إذا كانت المعاملات والصفقات قد تمّت فعلاً، وما إذا منحت العقود وصرفت الأموال بشكل صحيح ووفقاً للقوانين والأنظمة السارية والمعايير المعمول بها.

تحيل العقود عمومًا وبشكل أولّي إلى المستند الأساسي وهو طلب تقديم العروض وليس إلى مضمون العقد نفسه وملحقاته (مع الإشارة إلى وجود اختلافات كبيرة بين الإثنين، بما فيها الحق في إجراء عمليات تفتيش ميداني في مصرف لبنان ومقابلة المديرين وموظّفين آخرين). إن الهدف هو إجراء تحقيق معمّق من أشخاص مؤهّلين وذوي خبرة، وتحديد أوجه الخلل والمخالفات والجرائم المدانة، وجمعها في تقرير خطي شامل، لا تقديم نصيحة بسيطة يمكن لأي مستشار أو مدقق آخر تقديمها، وخصوصاً KPMG وOliver Wyman  اللذيْن فوّضا لهذا الغرض. كما جرت العادة أيضاً في بعض العقود أن يقدّم صاحب الامتياز خطّة عمل يرفقها بالعقد تصف المنهجيّة المستخدمة والخطوات المتوخّاة من التدقيق الجنائي. وهو ما يسمح بتقييم تنفيذ المهمّة، والعقبات أو المطبّات التي قد تنتج عنها بشكل أفضل.

4-تقرير أوّلي (المادتان 1 و2)

الثغرات والعقبات (القيود)

أ- ترتكز مهمة شركة ألفاريز آند مارشال بصورة أساسية على تقرير مبدئي (Preliminary Forensic  Audit Report)  تقدّمه عن نتائج التدقيق الجنائي للحسابات لدى مصرف لبنان وأنشطته دون توضيح ما يقتضي أن يتضمّنه كحدّ أدنى هذا التقرير بصورة جليّة لجهة المخالفات والجرائم المحتملة. مما يعني أن هذا التقرير من شأنه في حال عدم تعاون المصرف المركزي أو تزويده وزارة المالية ما لا يصلح من مستندات لاكتشاف الجرائم والمخالفات أن يفي بالغرض (المحدود والمبهم) ويخول الشركة تحصيل ما هو متوجب من أتعاب مع ما يستتبع ذلك من نتائج لجهة إبراء ذمة المصرف والحسابات والمخالفين المحتملين المتوارين، كما والتضليل والإيحاء بأنه لا يوجد مخالفات؛ ناهيك عن فتح الباب واسعاً لطلب تقرير إضافي ثانٍ يتم إبرام عقد جديد بخصوصه وتحديد مخصصات إضافية تزيد من أعباء الخزينة ومن دون تحديد ما إذا كان يقتضي عندها العودة إلى مجلس الوزراء للاستحصال على موافقته كما والاستحصال على إذن أو موافقة خاصة لعقد نفقة غير ملحوظة ومرصدة في الموازنة.

ب-أخيراً، يحدّ العقد من إمكانيّة طلب توضيحات وأجوبة على أسئلة الجهة الملزمة (الدولة اللبنانيّة) الناتجة عن المعلومات الواردة في التقرير الأولّي، وذلك لفترة محدودة مدّتها أسبوعين

التعليقات والحلول المُقترحة

أ-الحلّ يكمن في التقيد بالأعراف والأصول العقدية المتبعة في كافة الحالات المشابهة للتدقيق الجنائي (forensic audit)  حيث يتم تحديد مرحلتين للتدقيق ينتج بنتيجتهما تقريران: أي تقرير مرحلي (Interim Report)   يبيّن مراحل تقدّم الأعمال والمعوّقات التي تواجهها الشركة وتقرير نهائي (Final Report) يبين نتائج التحقيق بصورة واضحة وجلية لا لبس فيها وهما مشمولان بالأتعاب والمخصصات المتوافق عليها أصلاً كما وسائر الأحكام الأخرى. وللدلالة، يمكن مراجعة أحد تقارير شركة كرول في مهمة مشابهة[5] . وبالتالي، يصعب عندها التذرع بالمعوقات وبعدم إمكانية الوصول إلى البيانات أو المعلومات. مع الإشارة إلى أنه يقتضي في السياق عينه إدراج شروط معلّقة أو بالأحرى تعلق تنفيذ العقد واستحقاق الأتعاب وانقضاء المهل إلى حين تذليل العقبات. هذا، ولا يضير في أي حال إلزام الشركة بتبيان وتحديد الأسباب والمعوقات التي حالت دون إمكانية تنفيذ المهة وبصريح العبارة في التقرير.

ب- إذا ما جرت المقارنة مع العقود والعمليات المشابهة، يتبين جلياً أن العرف المتبع في هذا المجال يسمح بمهلة زمنية أطول بكثير وتلزم الملتزم بمرافقة ومعاونة الجهة الملزمة في المراحل التالية، ولا سيما القانونية منها، والعمل كشاهد إثبات فيما يتعلّق بنتائج تحقيقه الذي يتحمّل المسؤولية الكاملة عنها.

5-شرط معلّق  لبدء ونفاذ المهمّة (المادة 1- أ)       

الثغرات والعقبات (القيود)

تتألّف المهمة من ثلاث مراحل رئيسيّة: التحقّق من البيانات؛ قرار بدء التدقيق الفعلي؛ وتاريخ التحرّك أو المبادرة، أي استكمال التدقيق الجنائي نفسه، الذي يبدأ بعد 10 أيام من المرحلة السابقة إذا تمّ تسديد المدفوعات المتوجّبة في الوقت المُحدّد.

في هذا السياق، يظهر اختلاف جوهري في العقد الجديد، الذي يعتبر أنّ مرحلة تجميع البيانات التي طلبتها A&M  للقيام بالتدقيق، ومن ثمّ إرسالها من قِبَل مصرف لبنان إلى وزارة الماليّة، قد حصلت بالفعل اعتباراً من 20 تشرين الأوّل 2020. لذلك يجب أنّ تتأكد A&M خلال فترة أقصاها 15 يوماً من توقيع العقد، ما إذا كانت هذه المعلومات كافية لبدء مهمّتها الجديدة الراهنة. وإلا، يتوجب على الجهة الملزمة (وزارة الماليّة) اتخاذ التدابير اللازمة (التي باستطاعتها اتخاذها) لتصحيح وتسوية الوضع في غضون أسبوعين بشرط أن تقبل A&M  ذلك. 

التعليقات والحلول المُقترحة

بما أن العقد موقّع من قبل وزير المال الجديد في 17 أيلول 2021، تجدر الإشارة إلى أنّ المهل التراكميّة المنصوص عنها في العقد (شهر واحد) لرفع وتحقّق الشرط المعلّق قد انقضت وانتهت بالفعل ومنذ وقت طويل، وأنّ الدولة اللبنانيّة معرّضة لخطر إنهاء العقد بصورة أحادية وفي أي وقت (علماً بأنّ العقد لا يتضمّن بند عدم التنازل).

6- المسؤولية المحدودة وفريق العمل (المادتان 1-ج و1- د)

الثغرات والعقبات (القيود)

على عكس ما هو متعارف عليه في الممارسة الحالية والعقود المُماثلة الأخرى المذكورة أعلاه، فإنّ العقد:

  • يحمّل الدولة اللبنانيّة جميع المسؤوليّات المُحدّدة في المادة 8 والملحق (أحكام التعويض)، بما فيها مخاطر الخسارة أو الضرر أو الطعن التي قد تتعرّض لها شركة A&M وجميع المُرتبطين بها بسبب أداء مهمّتهم المنصوص عنها في العقد (باستثناء حالات الإهمال أو الخطأ الجسيم المتعمّد)، مع موجب التعويض ودفع بدل العطل والضرر.
  • يحدّد مسؤوليّة التعويض الإجماليّة القصوى لشركة A&M بالأتعاب المسدّدة لها نتيجة أداء المهمّة.
  • يحصر أي دعوى أو مطالبة مُحتملة بالشركة الإماراتيّة التابعة التي وقّعت العقد، من دون إمكانيّة تحميل أي مسؤوليّة متضامنة للشركة الأم و/ أو المساهمين و/ أو المديرين و/ أو الموظّفين فيها.
  • يضع على عاتق ومسؤولية الدولة اللبنانيّة وحدها موجب ضمانة وتأمين الأمن الجسدي والصحّي (كوفيد) وتكاليف نقل وإقامة فريق عمل A&M المولجين بتنفيذ المهمة. مع حق A&M بأن تستعين بخدمات خارجيّة إضافيّة على نفقة الدولة.

التعليقات والحلول المُقترحة

يبدو أنّ A&M ومعها الدولة اللبنانيّة نسيتا الطبيعة العامّة و”الجنائية” لهذا العقد، أو لا تعرفانها (لا شكّ بسبب الافتقار الصارخ إلى الخبرة وفق ما أشير إليه أعلاه).

في الممارسة الراهنة والتعاقديّة لهذا النوع من العقود، تحرص السلطة العامّة المُتعاقدة على تفادي أي مخاطر بشكل عامّ، وتضمّن العقد الأحكام والبنود التالية (لا سيّما أنّها عقود نموذجيّة عامّة ترفق بالدعوة لتقديم العروض):

أ- بند التعويض على عاتق المُتعاقد مزوّد الخدمة عن أي مخاطر قد تنجم عن أي ادعاء على الدولة وشكوى عليها، فضلاً عن الخسائر والأضرار التي قد تنتج عن مهمّة الشركة المتعاقدة وسيما في حالة الإهمال أو الفعل المُتعمّد.

ب- التزام المُتعاقد مزوّد الخدمة بالتعاون مع العميل، ومشاركته، طوعاً أو بناءً على طلبه، في الإجراءات القانونيّة الاتهاميّة اللاحقة، واسترداد الأصول المستحوذ عليها بطريقة غير مشروعة بناءً على الأدلة الواردة في تقريره واستنتاجاته.

ت- إبرام الشركة، على نفقتها الخاصة واللازمة  لتغطية المخاطر المهنيّة (تأمين المسؤوليّة المهنيّة أو سوء الممارسة) والمخاطر الأمنيّة (في حالة حدوث ضرر جسدي لموظّفيها) على نفقتها الخاصّة وطوال فترة التعاقديّة.

7- الأتعاب والبدلات (الماجة 2)

الثغرات والعقبات (القيود)

تبلغ قيمة العقد الجديد نحو 2.74 مليون دولار، وهو أعلى قيمةً وكلفةً من العقد الأوّل الذي بلغت قيمته في حينه 2.1 مليون دولار. بصورة أدق، طلبت ألفاريز ومارشال /2,520,000/ دولار أميركي لتنفيذ مهمة التدقيق الجنائي لمدة 12 أسبوعاً، و220,000 دولار أميركي كنفقات متفرقة (سفر وإقامة ومعدات تكنولوجيّة) حُدِّد سقفها وأدرجت مع المبلغ الإجمالي باعتبارها مستحقّة حكماً بمعزل عن تقديم أي مستندات ثبوتيّة. تُدفع الأتعاب المتوافق عليها على 4 أقساط، بما فيها الدفعة الأولى البالغة 100,000 دولار والتي يجب تسديدها حتّى قبل أن تطّلع A&M على المعطيات التي وضعها مصرف لبنان في تصرّفها. وقد بدا واضحاً تشدّد A&M في متطلبّاتها بالمقارنة مع العقد الأوّل عبر المطالبة بدفع مستحقّاتها مسبقاً قبل بدء كلّ مرحلة جديدة من مراحل تنفيذ.      

التعليقات والحلول المُقترحة

تتناقض هذه الطريقة في تحديد الأتعاب والنفقات بالكامل مع الممارسة والأعراف الحالية المُلاحظة أو المتبعة في جميع العقود المُماثلة التي جرتْ معاينتها وذُكِرت أعلاه والتي تستند إلى احتساب الأتعاب على أساس ساعات العمل وفقاً لما هو متفق عليه مُسبقاً حسب منصب وخبرة أعضاء الفريق المُعتمد من قبل السلطة المتعاقدة ضمن حدّ أقصى لا يمكن تجاوزه. ما يجعل من المتاح  تقييم العمل المُنجز، والوقت الفعلي والحقيقي الذي تمّ احتسابه بشفافيّة بنتيجة ما تقدم وذلك على عكس ما ينصّ عليه عقدA&M . هذا الواقع وما يترتب عليه من تساؤلات وشكوك، يجعلنا نميل إلى المطالبة بتدقيق جنائي على التدقيق الجنائي موضوع هذه المهمّة والتأكّد من حقيقة وجدية الخدمات المُقدّمة وصحّة المدفوعات المسدّدة.

 مع الإشارة إذا لزم وبصورة إستطراديّة إلى أنّ قيمة البدلات المتوافق عليها تتجاوز بكثير المبالغ المدفوعة لقاء مهمّات مماثلة تمتدّ لفترات زمنيّة أطول بكثير (تصل إلى سنة واحدة عموماً؛ أي 52 أسبوعاً وليس 12 أسبوعاً).

وعادةً ما يُطلب أيضاً من مزوّد الخدمة تقديم فواتير دوريّة (أسبوعيّة أو شهريّة) مُفصّلة عن الخدمات والأعمال المنفّذة، وساعات العمل المحتسبة، والنفقات المتكبّدة. تقيّم هذه الفواتير وتراقب من قبل السلطة مانحة العقد أو ممثّليها للمصادقة على كلّ المدفوعات. وهو ما ينصّ عليه أيضاً قانون المحاسبة العموميّة في إطار الالتزام بعقد النفقات العامّة وتصفيتها (الفصل الثاني، المواد 54 وما بعدها).

هناك حالة شاذّة أخرى في الفقرتين (هـ) و(ز) من العقد يجب تسليط الضوء عليها. وهي تكمن في أنّ عمليّة دفع البدلات مُستقلّة تماماً عن محتوى التقرير أو استنتاجاته. وهناك عدم إمكانيّة تتجلى لجهة تحميل المسؤوليّة لـ A&M في حالة القصور نتيجة عدم كفاية المعلومات والتي تخضع لتقدير A&M الخاصّ والاستنسابي. وبالتالي، لا يسعنا القول إلا إنّها أشبه بوسيلة للحصول على براءة ذمّة نهائيّة لا رجوع عنها منذ الآن.

8-الفسخ المُبكر (المادة 2 – د)       

الثغرات والعقبات (القيود)

يمنح العقد شركة ألفاريز الحقّ في فسخ العقد بصورة أحادية في حال لم تتمكن من بدء مهمّتها بسبب عدم توافر المعلومات، بالتوازي مع الحقّ في الحصول على تعويض. في الواقع، يتضمّن العقد الجديد تعديلاً جوهرياً فيما يتعلّق بشروط الفسخ المُبكر. إذا ما أنهت شركة A&M العقد قبل قرار البدء بمهمّتها – كما سبق وكان الحال في تشرين الثاني 2020 – فإنّها تحتفظ في الحالة المذكورة بمبلغ 100,000 دولار المسدد مقدماً، بالإضافة إلى مبلغ 150,000 دولار كتعويض إضافي منصوص عليه في هذه الحالة. أمّا إذا فُسخ العقد بعد قرار بدء المهمّة، فتحصل A&M على مبلغ يتناسب مع الوقت الذي عملت خلاله على الملف في جميع المراحل مُجتمعة.    

التعليقات والحلول المُقترحة

للحفاظ على حقوق الدولة اللبنانيّة وأصولها، وبهدف احترام مبدأ المساواة والتوازن التعاقدي، كان من الضروري منح وزارة الماليّة حقّاً مماثلاً لإنهاء العقد وفسخه مُبكراً بصورة أحادية، أو تعليق مفاعيله على الأقلّ، في حال عجزتْ عن الحصول على المعلومات التي تسمح لـ A&M ببدء مهمّتها.

9-السريّة والرعاية (المادتان 5 و7)

الثغرات والعقبات (القيود)

أ- يفرض العقد قيوداً على إمكانيّة نشر التقرير والكشف عنه، وهما محصورين بحالات مُحدّدة وبالاستخدام الحصري للعميل (الدولة اللبنانيّة)، وفقاً للهدف والغرض المُتفق عليهما. بالمثل، تُعتبر موافقة A&M إلزاميّة في بعض الحالات.

ب- في أية حال، تشترط  A&Mفي حالة الموافقة على استخدام التقرير كوسيلة إثبات في الإجراءات القضائية، حذف أي إشارة أو تلميح إليها، وأنّ تُعفى من أي مسؤولية أو رعاية في هذا الصدد.

التعليقات والحلول المُقترحة

أ- هذا مخالف لروحية التقرير والغرض منه وكذلك للقوانين المرعية الإجراء، لا سيّما فيما يتعلّق بنشر النتائج وفقاً لمبدأ الشفافيّة وقانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات رقم 28 الصادر في 10/2/2017 الذي ينصّ على أنّ: “أي شخص، طبيعي أو معنوي، له الحقّ في الوصول إلى المعلومات والوثائق الموجودة لدى الإدارة والاطلاع عليها”. هذا، ويشمل أشخاص القانون العام كلّاً من المؤسّسات العامّة، والهيئات الإداريّة المُستقلّة وسائر أشخاص القانون العام. كما أن الإدارة مُلزمة بأن تنشر على موقعها الإلكتروني جميع المعاملات التي تدفع بموجبها أموالاً عامّة تتجاوز قيمتها 5 ملايين ليرة لبنانيّة[6] . فضلاً عن ذلك، وفي هذه الحالة بالذات، يفترض أن تؤدي المهمة إلى رفع تقرير عن الجرائم والاختلاسات المُحتملة التي أدّت إلى الانهيارين الاقتصادي والمالي الحاليين اللذين أغرقا البلاد في أزمة وإفلاس، وأوصلا الشعب إلى حالة من الهشاشة والفقر. لذلك من حقّ كلّ مكلّف ومواطن معرفة الحقيقة التي سوف يكشف عنها التقرير للحكم عليها بشكل أفضل.

يجب أيضاً السماح بالاستخدام الحرّ للتقرير في الإعلام بمعزل عمّا هو منصوص عليه في العقد مع A&M.

ب- هذا الطلب لا أساس له من الصحّة ويخالف المعايير المُعتادة والممارسات الجيّدة التي تفرض أنّ يكون التقرير علنياً (ما لم ترغب السلطة المُتعاقدة في غير ذلك) وأن يوضع في متناول أي سلطة مدنيّة أو قضائيّة مختصّة ومعنيّة بالنتائج والاستنتاجات. هذا التقرير (عالي الأجر)، بالإضافة إلى أي وثيقة ذات صلة أو مُلحقة به، يبقى ملكيّة حصريّة للسلطة المُتعاقدة التي لها حقّ التصرّف به وفق ما تراه مناسباً.

10-تضارب المصالح والعقوبات (المادة 6)    

الثغرات والعقبات (القيود)

تسمح هذه المادة لشركة A&M بالتعاقد أو تقديم خدمات مُماثلة لكيانات أو أفراد، من ضمنهم أولئك الذين لديهم مصالح تتعارض مع مصالح العميل أو تنافس مصالحه الخاصّة بشرط المحافظة على سرّية المعلومات.    

التعليقات والحلول المُقترحة

هذا البند غير مقبول وقد يكون خطيراً في إطار تنفيذ المهمّة وضمان حيادها وموضوعيّتها، وقد ينطوي أيضاً على تضارب مصالح يضرّ بحسن تنفيذها. لذلك، يجب إدخال بند تعاقديّ تلتزم الشركة بموجبه بعدم إبرام عقد مُماثل مع منافس آخر خلال مدّة معيّنة وضمن نطاق مكاني مُحدّد.

11-التحكيم (المادة 9)        

الثغرات والعقبات (القيود)

يتضمّن العقد بنداً تحكيمياً يحيل أي نزاع أو شكوى ناتجة عن العقد إلى التحكيم وفق قواعد غرفة التجارة الدوليّة.    

التعليقات والحلول المُقترحة

وفقاً للمادة 762 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة: “… يجوز للدولة ولأشخاص القانون العام أيا كانت طبيعة العقد موضوع النزاع اللجوء إلى التحكيم…إلّا أنّ البند التحكيمي أو إتفاق التحكيم لا يكون نافذا في العقود الإدارية إلّا بعد إجازته بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء لاقتراح الوزير المختص بالنسبة للدولة أو سلطة الوصاية بالنسبة للأشخاص المعنويين من القانون العام”. فهل جرى استصدار هكذا مرسوم بالخصوص المذكور ؟

12- القانون المُطبّق (المادة 10)     

الثغرات والعقبات (القيود)

ينصّ العقد على تطبيق قانون المملكة المتّحدة (إنكلترا وويلز) في حال حصول نزاع.       

التعليقات والحلول المُقترحة

هذا غير مقبول على الإطلاق، أوّلاً بسبب سيادة الدولة اللبنانيّة، وثانياً من أجل إحقاق التناسق والانسجام بين بنود العقد التي تفرض على الفرقاء احترام القوانين اللبنانيّة النافذة والامتثال لها.

13- ملاحظات على الملحق 1  

الثغرات والعقبات (القيود)

أ- ينصّ العقد على وجوب تقديم التقرير الأوّلي إلى وزارة الماليّة بعد 12 أسبوعاً من بدء تنفيذ المهمّة.

ب- من ناحية أخرى، لم يتضمّن الملحق رقم 1 بالعقد الجديد أي تعديل لفترة الخمس سنوات المخصّصة لمعاينة عمليّات الهندسات الماليّة، والعمليّات الماليّة الأخرى التي أجراها مصرف لبنان، أو أُجريت من خلاله، على الرغم من مرور سنة كاملة فاصلة بين توقيع العقدين.

ت- أخيراً، وبالمقارنة مع العقد الأوّل الموقّع في 1 أيلول 2020، نلاحظ في إطار نطاق المهمّة الموكلة إلى A&M  وموضوعها أنّ الجزء الثاني من الملحق (جمع البيانات وحفظها) مفقود، لا سيّما لجهة تجميع البيانات الإلكترونيّة والمعلومات التوثيقيّة المُفترض وضعها في متناول الشركات الأخرى المولجة بأداء مهام مكمّلة KPMG  وOliver Wyman.

التعليقات والحلول المُقترحة

أ- الأمر غير منطقي خصوصاً أنّ أي تدقيق جنائي يتطلّب أشهراً عدّة لإجراء دراسة مُفصّلة ودقيقة عن المعلومات المُقدّمة كونه يرتكز ويدقق في كل تفصيل وشاردة وواردة وليس على أساس العينات كما هي الحال في التدقيق المحاسبي العادي.

ب- إنّ عدم تعديل فترة الخمس سنوات، لا تبيّن ما إذا كانت A&M سوف تبدأ في التحقّق من المعلومات اعتباراً من العام 2016، أي  من تاريخ بدء الهندسات الماليّة الأولى، أو من العام 2017، أي بعد عام واحد؛ كما أنه يعرّض الطرفان المتعاقدان لإمكانية الرفض من قبل المصرف المركزي على أساس حرفية النص وعدم إمكانية التوسع في تفسير أحكامه قبل تعديله أصولاً.

ت- يتعلّق الأمر هنا بمعرفة سبب حذف هذا الجزء من الملحق بكلّ شفافيّة، وما إذا كان غياب هذه الأحكام سوف يؤثّر سلباً على مهمّة الشركتين الأخريين ويضعف التحقيق فعاليته.


[1] City of Helena RFP Forensic Accounting Services 012916

[2] نصري أنطوان دياب، المسار القانوني لمرحلة ما بعد الإمتناع عن الدفع: لا حصانات للبنان، الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين ALDIC .

[3]  تم تقديم اقتراح قانون معجل مكرر من قبل النائب جورج عدوان بتمديد فترة رفع السرية المصرفية إلى حين إتمام مهمة التدقيق الجنائي. وإذ أدرج هذا الاقتراح على جدول أعمال الجلسة التشريعية المنعقدة في تاريخ 7 كانون الأول 2021، فإنه تمّ إسقاط صفة العجلة عنه وإحالته للجان. وقد سجلت المفكرة القانونية أن رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتبر أن غالبية النواب صوتت لإسقاط صفة العجلة في حين أن غالبية الأيادي المرفوعة أيدت هذه الصفة.    

[4] City of Helena RFP Forensic Accounting Services 012916; City of Trenton- RFP 2020-40-Resolution 20-586; City of Millville- New Jersey (USA)/Baker Tilly Verchow Krause LLP- RFP 21 September 2015; Kroll Independent audit related to loans contracted by ProIndicus S.A., EMATUM S.A. and Mozambique Asset Management S.A. – 23 June 2017.

[5] Kroll Independent audit related to loans contracted by ProIndicus S.A., EMATUM S.A. and Mozambique Asset Management S.A. – 23 June 2017

[6] إنّ المرسوم رقم 6940 الصادر عن وزارة العدل في 03/09/2020، والقاضي بتحديد كيفيّة تطبيق القانون رقم 28 المذكور آنفاً، يسمح  لأي شخص، طبيعي أو معنوي، بالوصول إلى المعلومات والوثائق الإداريّة والاطلاع عليها. مع مراعاة بعض الاستثناءات، يُلزم القانون السلطات العامّة بنشر القوانين والانظمة مع أسبابها الموجبة، ويسمح أيضًا بالوصول إلى العقود العامة والتقارير المُعدة والبيانات المُتعلقة بالنفقات التي تكبّدتها مختلف الوزارات والمؤسّسات العامّة، وهو يهدف إلى زيادة الشفافيّة في عمل الدولة وتسهيل مشاركة المواطنين، ويشدّد أيضاً على أنّ بنود السرية الواردة في العقود المُنفذة من الإدارة لا تمنع أو تعيق الحقّ في الوصول إليها والاطلاع عليها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، مصارف ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات ، دراسات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني