التفتيش الإداري والقضائي للمحاكم بالمغرب (2): ملاحظات حول التفتيش الاداري


2018-11-27    |   

التفتيش الإداري والقضائي للمحاكم بالمغرب (2): ملاحظات حول التفتيش الاداري

“يقصد من تفتيش المحاكم بصفة خاصة تقييم تسييرها وكذا تسيير المصالح التابعة لها والتنظيمات المستعملة وكيفية تأدية موظفيها من قضاة وكتاب الضبط لعملهم”[1]. هذا هو التعريف الذي أعطاه قانون التنظيم القضائي للمملكة الذي يعود لسنة 1974 والذي أرهقته كثرة التعديلات بفعل السنوات الكثيرة التي عمرها هذا القانون ومؤخرا تهدمت الكثير من مواده بسبب الإلغاء بقوانين أخرى والتغييرات التي عرفها القضاء بمقتضى دستور 2011 . ومع ذلك لا يزال هذا القانون أو جزء منه ساري المفعول إلى الآن.

إلا أن بقاء سريان هذا القانون إلى الآن بالشكل المبين أعلاه، أوجد وضعية تشريعية هجينة كان لها تأثير على إدارة المحاكم بفعل الازدواجية الناجمة عن الفصل بين التفتيش القضائي الذي تحدثنا عن وضعيته الراهنة في الجزء الأول من هذا المقال والتفتيش الإداري الذي نخصص له هذا الجزء، ذلك أنه كان المفروض أن تصدر القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية وقانون التنظيم القضائي وقانون التفتيش القضائي في آن واحد. إلا أن ذلك لم يحصل بل صدر فقط قانونا السلطة القضائية (النظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية) وما يزال قانون التنظيم القضائي عالقا بالبرلمان مند يونيو/ حزيران 2016[2].

فما هي إذأً الوضعية الراهنة للتفتيش الإداري بالمغرب؟ وما هو الإطار القانوني المنظم لها ؟ ذلك ما سنقف عنده في النقطة الثانية موضوع الجزء الثاني من هذا المقال.

ثانيا: التفتيش الإداري الراهن للمحاكم وإطاره القانوني

أصبح التفتيش الإداري إبان صدور القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بتاريخ 15-03-2016 بعد مصادقة المجلس الدستوري عليه ودخوله حيز التنفيذ بتاريخ 06-04-2018

يوم تنصيب المجلس [3]، محل تساؤل قانوني كبير على اعتبار أن المفتشية العامة الوحيدة التي كانت بوزارة العدل وكانت لها اختصاصات تفتيش المحاكم بما تتضمنه من قضاة وموظفين لم تعد موجودة بعد نص القانون المذكور قبله على خضوع المتفشية العامة للشؤون القضائية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وبعدما تم تعيين المفتش العام وفق ما سبق بيانه في الجزء الأول من هذا المقال ، وجوهر الإشكال الذي حصل هنا يتعلق بالإطار القانوني الذي يحدد وجود متفشية عامة تابعة لوزرة العدل تتولى تفتيش الجانب الإداري والمالي للمحاكم .

وفي الواقع وأثناء النقاشات العامة، كان اتجاه وزارة العدل واضحا ومعلوما للجميع بكونها تتجه للعمل بنظام التفتيش المزدوج (إداري – قضائي)، وقامت بالنص على صلاحيات التفتيش الإداري بشكل مفصل في مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد. إلا أن عدم صدور هذا القانون بالموازاة مع استقلال المفتشية العامة للشؤون القضائية جعلها في فراغ قانوني حول هذا الجانب. وحتى قانون التنظيم القضائي القديم لسنة 1974 الذي لا زال معمولا به لا يمكن أن يسعفها كثيرا، لأنه لا زال ينص على مقتضيات تتعلق بالتفتيش القضائي، من قبيل أن يكون المفتش قاضيا بمحكمة النقض وعلى تفتيش الموظفين والقضاة. ولذلك يمكن القول أن المفتشية العامة لوزارة العدل لا زالت بدورها – وعلى غرار مفتشية الشؤون القضائية- تعاني من فراغ قانوني يحدد المهام بشكل واضح  فيما يخص تفتيش المحاكم وليس المصالح المركزية والإدارية للوزرة لأن هذا الأمر الأخير يتضمنه المرسوم المنظم لوزارة العدل[4] الذي نص على وجود مفتشية عامة ضمن الهياكل الإدارية لوزارة العدل (المادة الثانية من المرسوم). لكن هذا المرسوم وحده لا يمكنه حل مشكلة الاختصاص لأنه لو كان الأمر كذلك لما تم التنصيص على صلاحيات المفتشية الإدارية في صلب مشروع قانون التنظيم القضائي، ولكون المادة الثالثة من المرسوم المحدد لاختصاصات وزارة العدل يحيل بدوره على التنظيم القضائي الذي كما سبق القول أصبح مشوها بعد إلغاء العديد من مقتضياته وعدم ملاءمتها للمستجدات القضائية الجديدة بالمغرب [5].

ويبقى أن ما تقوم به الآن المفتشية العامة لوزارة العدل من أعمال هو – في نظري-  من قبيل الاجتهاد المبني على ضرورة استمرار المرفق الإداري بالاعتماد على ما جرى به العمل وعلى نصوص عامة في بعض القوانين والمراسيم أهمها في قانون التنظيم القضائي لسنة 1974[6]، بما لا يتعارض مع وضعية القضاء بعد دستور 2011 وتنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وهذه الوضعية تجعلها محترزة كثيرا في عملها بحيث تقتصر على الضروري منه فقط.

وإذا كانت هذه هي الوضعية القانونية الراهنة، فما هي الصلاحيات القانونية الممنوحة للمفتشية العامة في مجال التفتيش الإداري للمحاكم في ظل مشروع قانون التنظيم القضائي المنتظر؟

خصص مشروع قانون التنظيم القضائي[7] للمفتشية العامة لوزارة العدل تسع مواد تحت عنوان التفتيش الإداري والمالي للمحاكم – عوض مادة واحدة في القانون الحالي – تضمنت منحها الصلاحيات الآتية:

  • يمكنها القيام بمهام تفتيش مشترك بينها وبين المفتشية العامة للشؤون القضائية التابعة للمجلس (المادة 100من المشروع).
  • جعلها القانون خاضعة وتتبع مباشرة لوزير العدل وتقوم بمهامها استنادا إلى أمر الوزير في مهمة محددة أو بناء على شكاية أو وشاية تتعلق فيما قد ينسب للموظفين (المقصود الموظفين بالمحكم والمصالح الأخرى التابعة للوزارة) من أفعال قد تكون محل متابعة تأديبية، وتقوم بعملها بالتنسيق مع المسؤولين القضائيين والاداريين (المادتان 104 و105 من المشروع) وتوجه تقاريرها وخلاصات التفتيش إلى الوزير مذيلة بنظرية المفتش العام (المادة 109 من المشروع).
  • لا يمكن مواجهة المفتشين الذين يتعبون للمفتشية العامة لوزارة العدل بالسر المهني (الفقرة الأخيرة من المادة 105 من المشروع ).
  • أوجبت المادة 106 من المشروع على المسؤولين القضائيين والإداريين إخبارها بكل الوقائع والإخلالات المنسوبة للموظفين والتي قد تشكل محل متابعة تأديبية.
  • منح شروع القانون المفتشين صلاحيات واسعة في التحري والبحث، تتمثل في الاستماع إلى المسؤولين القضائيين [8]والاداريين والموظفين (وإذا تعلق الأمر بضرورة الاستماع إلى قاض تتولى المفتشية العامة للشؤون القضائية التابعة للمجلس الاستماع إليه)، والاطلاع من جميع المؤسسات العامة والخاصة بما في ذلك الأبناك وشركات الاتصال على كل المعلومات التي تفيد البحث والتحري ( المادة 107 من المشروع ).

 


[1] -الفصل 13 من الظهير بمثابة قانون رقم 1.74.338 بتاريخ 24 جمادى الثانية 1394 (15 يوليوز 1974) يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة – متاح في  موقع التشريعات –عدالة-  التابعة لوزارة العدل المغربية على الرابط الآتي : http://adala.justice.gov.ma/ar/Organisation/OrganisationJudiciaire.aspx

[2]– يوجد في مرحلة القراءة الثانية أمام مجلس النواب بعدما قام مجلس المستشارين مؤخرا بالمصادقة عليه ولكن بإدخال تعديلات عليه الشئ الذي اعاده إلى مجلس النواب من جديد وفق المسطرة المتبعة تشريعا  .

[3] – للاطلاع على هذا القانون يراجع موقع وزارة الوظيفة العمومية الالكتروني على الرابط الآتي : http://bdj.mmsp.gov.ma/Ar/Document/10075-La-loi-organique-n-100-13-relative-%C3%A0-la-cour-supr.aspx

[4] – المرسوم رقم 310-10-2 صدر بتاريخ 11-04-2011 متاح على موقع التشريعات التابع لوزارة العدل المغربية على الرابط الآتي : http://adala.justice.gov.ma/production/html/Ar/172159.htm

[5] – تنص المادة الثالثة على ما يلي : ” تمارس المفتشية العامة، تحت السلطة المباشرة للوزير ،وفقا للشروط المنصوص عليها في الظهير  الشريف رقم 1.74.338 الصادر في 24 من جمادى الآخرة 1374 (15 يوليو 1974) بشأن التنظيم القضائي للمملكة، كما وقع تغييره و تتميمه ،مهام تفتيش المحاكم و تقييم سيرها و أسلوب أدائها و طرق إدارتها،و السهر على توحيد مناهج العمل بها ،و القيام بالمراقبة المهنية لكتابة الضبط ،كما تمارس مهام البحث في وقائع محددة بالمحاكم و المصالح التابعة لوزارة العدل”.

[6] اذكر هنا بنص الفقرات الثانية والثالثة والأخيرة من المادة 13 من قانون التنظيم القضائي للمملكة التي تنص على ما يلي: (يتوفر المفتشون على سلطة عامة للتحري والتحقق والمراقبة، ويمكنهم على الخصوص استدعاء القضاة وموظفي المحاكم والاستماع إليهم والإطلاع على جميع الوثائق المفيدة.

غير أنه إذا كانت التحريات تتعلق بقاض وجب أن يكون المفتش من نفس الدرجة أو أعلى درجة ممن يجرى في شأنه التفتيش.

ترسل تقارير التفتيش حالا إلى وزير العدل مع مستنتجات المفتشين واقتراحاتهم).

[7] – يتعلق الامر بمشروع القانون رقم 38-15 المتعلق بالتنظيم القضائي وفق الصيغة التي صادق عليها مجلس المستشارين يوم 24-07-2018 والمنشور مع تقرير خاص به  بموقعه الرسمي على الرابط الآتي : http://www.chambredesconseillers.ma/docs/

[8] – سبقت الإشارة في الجزء الأول من هذا المقال إلى أن هذا المقتضى منتقد ، يراجع ذلك في الرابط المشار اليه قبله . كما ان نادي قضاة المغرب سبق له في بيان مكتبه التنفيذي ان انتقد ذلك ،  البيان منشور في موقع النادي على الرابط الآتي :

 www.club-magistrats-maroc.com/archives/1744

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني