الاستعانة مجاناً بمحام خلال التحقيقات الأوّلية: العوائق أمام التنفيذ


2022-11-10    |   

الاستعانة مجاناً بمحام خلال التحقيقات الأوّلية: العوائق أمام التنفيذ
رسم رائد شرف

بعد عامين على تعديل المادة /47/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني بهدف فرض إلزامية حضور المحامي خلال التحقيقات الجزائية الأولية، لا تزال استفادة المشتبه فيهم من هذا الحق محدودة، لا سيما بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود منهم، بسبب عدم تفعيل آلية استعانة المشتبه فيهم المحتجزين مجاناً بمحام مُكلَّف من قِبل نقابة المحامين. وفيما بدا هذا الإصلاح القانوني بمثابة خطوة هامّة في اتجاه تكريس الممارسات الفضلى لحقوق الدفاع وضمان نزاهة التحقيقات الجزائية، فإنّ تطبيق أحكامه يواجه صعوبات كبيرة في ظل سوء إدارة المال العام وواقع المؤسسات المعنية بتطبيقه وعدم ترافقه بتطوير نظام المساعدة القانونية في لبنان.

في ظل الأزمات المتعددة والحادة التي فاقمت من الأعباء على الدولة والمجتمع، لماذا لم تُفعَّل هذه الآلية التي تشكّل ركيزة أساسية للحق في الدفاع والمساواة أمام القضاء ولحماية نزاهة التحقيقات الجزائية؟ وما هي الصعوبات والتحديات التي تواجهها الجهات المعنية بتطبيقها من نيابات عامة وضابطة عدلية ونقابتيْ المحامين في بيروت وطرابلس؟

تهدف هذه الورقة البحثية إلى تقييم الصعوبات التي تعيق الحقّ في الوصول إلى محام مجاناً خلال التحقيقات الأولية للمشتبه فيهم غير القادرين على توكيل محام لأسباب ماديّة. وتبحث الورقة في تعامل الجهات المعنية بمرفق العدالة الجزائية مع هذا الإصلاح القانوني، مع التركيز على دور النيابات العامة وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة ونقابتيْ المحامين لضمان تنفيذ هذا الحق. وقد استندت بشكل أساسي على مراجعة الإطار القانوني الناظم للحقّ بالمساعدة القانونية المجانية، والمستندات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، بالإضافة إلى إجراء مقابلات مع ممثلّين عنها خلال شهري آذار ونيسان 2022.

أبرز العقبات

لغاية نيسان 2022، لم تستلم نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس أيّ طلب للاستعانة بمحام لمشتبه فيهم محتجزين بناء للمادة /47/ من قبل الضابطة العدلية أو النيابات العامة، في حين تتلقّى طلبات استعانة من قبل أشخاص تم استدعاؤهم إلى التحقيق، فتمكنت من تكليف محام لحضور التحقيقات الأوّلية مع 83 شخصاً. وقد خلصت الورقة إلى تحديد العقبات الأساسية التي تعيق حسن تنفيذ الحقّ في الإستعانة مجاناً بمحام مُكلف من قبل نقابتي المحامين:

  1. الثغرات القانونية: لم يضمن القانون بشكل كافٍ موجب إعلام المشتبه فيه بحقّه بالإستعانة بمحام مجاناً مُكلّف من قبل نقابة المحامين إذ لم ينصّ صراحة على وجوب تحديد موقف المشتبه فيه من هذا الحقّ، كما لم يضمن حقه بالعدول عن موقفه لجهة الاستعانة بمحام بعد البدء بالاستماع إلى أقواله. ولم تتخذ الجهات المعنية بتنفيذ القانون خطوات كافية تهدف إلى تعزيز هذه المعرفة. كما أوجد القانون بعض الغموض حول الجهة المختصة بالتواصل مع نقابة المحامين لإعلامها برغبة المشتبه فيه تكليف محام له، مما أدّى إلى تقاذف في المسؤوليات بين النيابة العامة والضابطة العدلية ويؤثّر على بدء سريان مهلة الساعتين الممنوحة لحضور محامي النقابة.
  2. غياب التنسيق بين الجهات المعنية لضمان تنفيذ الحقّ في الحصول على محام مجاناً، حيث اقتصر الأمر بشكل أساسيّ على بعض المراسلات الخطيّة بين كلّ جهة على حدة التي لم تثمر إلى إنشاء آليات تنفيذية فعّالة لغاية اليوم.
  3. التأخر في بناء جهوزية نقابتيْ المحامين لتنفيذ الخدمة العامة التي كُلِّفتا بها إذ لم يبذل مجلسيْ النقابتين بعد الجهود الكافية لإقرار خطة تنفيذية أو لشمول هذه الخدمة ضمن برامج المعونة القضائية التي تقدمها أو لبناء جهوزيتهما الإدارية والمالية في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة.
  4. وقف العمل بالزامية تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة خلافاً للقانون بسبب عدم فتح الاعتمادات اللازمة لها.

أبرز التوصيات:

بالإضافة إلى توصيات عامّة إلى جميع العاملين والمعنيّين في مرفق العدالة الجزائية بإطلاق ورشة وطنية لتصويب الأخطاء التي تشوب حسن تطبيق القانون، وإنشاء آلية تنسيق دائمة لضمان حسن تطبيق المادة /47/ من أصول المحاكمات الجزائية بهدف تحويل مراكز التحقيق إلى مراكز عدالة شفافة تعزز ثقة الناس بعدالة المرفق، تتوّجه الدراسة بتوصيات خاصّة للجهات التالية:

  1. مجلس النواب والسلطة التنفيذية: فتح الاعتمادات اللازمة لتمكين النيابات العامّة والأجهزة الأمنية المولجة بمهام الضابطة العدلية من الالتزام بموجب تسجيل التحقيقات الأوّلية بالصوت والصورة.
  2. النيابة العامة التمييزية: وضع سياسة جزائية عامّة تهدف إلى تحديد الأولويات في تحريك الدعوى العامّة لملاحقة الجرائم، وإصدار تعميم إلى كافّة النيابات العامّة والضابطة العدلية يهدف إلى تفسير المادة /47/ المعدّلة ويُفعّل آلية وصول المشتبه فيه إلى محام مجاناً.
  3. قيادات الأجهزة الأمنية المولجة بمهام الضابطة العدلية: تعديل التعليمات الموجهة للمحققين ونماذج المحاضر العدلية ومضمون اللوحات التي تنصّ على حقوق المشتبه فيهم في مراكز التحقيق لملاءمتها مع النصّ القانوني الجديد، وإنشاء آلية لتحسين التواصل مع نقابتيْ المحامين تهدف إلى تسهيل دخول المحامين إلى جميع مراكز التحقيق، وتفعيل آليات المحاسبة التأديبية للمحقّقين الذين يخالفون المادة /47/.
  4. قضاة النيابات العاّمة والتحقيق والحكم: التشدّد في الرقابة على حسن تطبيق المادة /47/ وترتيب المفاعيل القانونية على عدم الالتزام بها كإصدار قرارات بإبطال المحاضر المخالفة والامتناع عن إصدار أحكام تستند إلى إفادات انتزعت تحت التعذيب، وتفعيل آليات المحاسبة القضائية للمحقّقين في حال مخالفتها.
  5. نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس: إقرار خطّة عمل واضحة تهدف إلى ضمان تنفيذ خدمة المساعدة القانونية المجانية للمشتبه فيهم خلال مرحلة التحقيقات الأوّلية بحسب المادة /47/، والعمل على إدراج هذه الخدمة ضمن مهام مراكز المعونة القضائية في النقابتين بالتعاون مع وزارة العدل وسائر مقدِّمي الخدمات القانونية الجامعات ومنظمات المجتمع المدني على نحو يدعم المقيمين في لبنان والمحامين على حد سواء.

يمكنكم الاطلاع على الورقة البحثية كاملة بنسخة PDF عبر الضغط هنا

انشر المقال



متوفر من خلال:

المهن القانونية ، قضاء ، احتجاز وتعذيب ، مساواة ، محاكمة عادلة ، المرصد القضائي ، أجهزة أمنية ، محاكم عسكرية ، تشريعات وقوانين ، فئات مهمشة ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، دراسات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني