الإنسان الفلسطيني: المعضلة الأخلاقيّة الكبرى للعالم


2023-10-28    |   

الإنسان الفلسطيني: المعضلة الأخلاقيّة الكبرى للعالم
الصورة لرجل فلسطيني دمّر منزله في القصف الإسرائيلي على غزة (لقطة من فيديو للمصوّر كريم بن أكرم)

أكّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمة خلال قمة القاهرة للسلام، على أنّ القضية الفلسطينية قضية عادلة ومشروعة. لكن الأمر لا يبدو بتلك البداهة. هو في ذلك يتحدث من داخل منظومة القانون الدولي ومبادئها، إلا أنه لا يجرؤ أو لا يقدر على فرض هذه العدالة وهذه المشروعية. فلا هي مطبقة منذ 1948، لفرض حقوق الشعب الفلسطيني، ولا هي قادرة على محاسبة الكيان الإسرائيلي على جرائمه. لم يعدْ الحديث عن المنظومة الدولية، بمؤسساتها وقواعدها، أخلاقيا أمام الدم والأشلاء. بل أصبحت المنظومة نفسها غير قادرة على شرعنة نفسها وتبرير نفسها أخلاقيا. فيما في المقابل، يبدو كلّ ما يصدر عن الاحتلال الإسرائيلي، في نظر القوى المهيمنة، أخلاقيا ليس فقط من منظور عدالة قانونية “للشعب اليهودي ودولته” (بالاعتراف بدولته)، بل انطلاقا من خطاب أخلاقي يوزع الحسنات والذنوب بالتأسيس على جريمة الهولوكست، بحيث يصبح كل نقد أو رفض لممارساته انخراطا في إعادة إنتاج للهولوكوست. ومحملها في ذلك أيديولوجيا الدولة الفاشية الدينية الصهيونية، والتي التحقت بالغرب الحديث، وخلقت مجالات تحالف وتشابه بحيث يصبحون ممثلي القانون والقضايا العادلة و”الديمقراطية الوحيدة في المنطقة” المعترف بها حصرا. فيما لا يمكن الحديث عن الإنسان الفلسطيني وما يتعرض له لجهة أنه غير معترف به من حيث المبدأ إيديولوجيا، حتى وإن كان له بعض الدعم من القانون الدولي. 

وضعت حرب الإبادة والعقاب الجماعي الذي تجاوز منذ 7 أكتوبر إلى اليوم عتبة الـ 7000 شهيد وأكثر من 19 ألف جريح ومصاب، الجميع دولا غربية وعربية إسلامية، أمام إحراج أخلاقي جعل من القضية الفلسطينية حدّ فرز تاريخي من أجل مشروع إنساني كوني. وقد تجلّت ملامحه في التعاطف والدعم الشعبي العالمي، والذي أصبح يفكك ويردّ كل حجج الطرف الإسرائيلي والغربي عموما.

الهولوكوست اليهودي: من “القضية العادلة” للشعب اليهودي إلى الهيمنة الصهيونية

إنّ أهمّ إنجازات القضية الفلسطينية، وبخاصة منذ 7 أكتوبر 2023، هي المعضلة الأخلاقية التي تُلقيها في وجه العالم. ليس السؤال سؤال حرب أو سلم، أو تحرير فقط بل سؤال اعتراف بالوجود وبالإنسان خارج منظومة هيمنة مركبة ومعولمة تنضح بمرجعيات خاصة، وكلما واجهت مأزقا رجعت إليها كبديل عن القانون الدولي وحقوق الإنسان. وهي تفرض في كل مرة تأويلية خاصة تضمن المصلحة والمنفعة ممّا يحصل لصالح “إنسان غربي”، يرى امتداده في “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. منذ أن أصبحت الحرب محرّمة وممنوعة في القانون الدولي، طورت الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، مفاهيم تستعيد مفهوم “الحرب العادلة” عبر مفاهيم بديلة، خاصة منها “القضية العادلة” و”الدفاع الشرعي”، و”الحزام الآمن” لتبرير احتلال جنوب لبنان على سبيل المثال.  الأول هو مفهوم يشير إلى المشروعية الأخلاقية والقانونية للعمل الذي تقوم به دولة أو منظمة دولية. وهذا يعني أنه بالامتثال للقانون الدولي الوضعي، ثمة روافد أخلاقية جامعة. قد يختلف التعريف الدقيق لما يشكل القضية العادلة تبعا للمعايير والقيم الدولية السارية في زمن معين. لكن الأساس كان تصور القوانين والقواعد الدولية والمؤسسات الدولية الجامعة (الأمم المتحدة) كإطار قانوني وهيكلي يُترجم مُشتركا أخلاقيا في معالجة النزاعات والخلافات من أجل “مصلحة عامة دولية”. لكن الملاحظ، أنّ قوى الهيمنة الدولية تنزاح بهذه القواعد نحو تأويلية خاصة، مُحددها الواقعية السياسية، في ضمان وتحديد المصالح الخاصة على المستوى الدولي. ما يعني بالضرورة أن هناك انزياحا من سجلّ أخلاقي إلى آخر. الأول يتحدد على أساس تمييز محوري بين القانون الوضعي والأخلاق، لكنه يحرص على “عدالة إنسانية” من خلال قيم السلم الدولي وحماية حقوق الإنسان. وتُرجم مثلا في قانون الصراعات الدولية والقانون الدولي الإنساني، بوضع شروط على استعمال السلاح وحماية المدنيين… فيما السجل الأخلاقي الجديد والذي انتهى إلى استغلال الأول استغلالا غير أخلاقي، صدّر أخلاقا خاصة جعلت المؤسسات والقوانين وحقوق الإنسان، في الممارسة والاستغلال السياسي، غربية حصرا. 

وبفعل إلحاق “إسرائيل” بالغرب، قصة إحراج أخلاقي تاريخي كان قمته الهولوكست، الذي وجب التبرؤ منه لتكفير الذنب ورأب صدع التمييز ضد اليهود في أوروبا عبر إعطائهم “دولة وطنية” على النموذج الغربي ليقرر “الشعب اليهودي” مصيره. التحق هذا الكيان بالمنظومة الغربية منتشيا بالاعتراف به ضمن الحداثة الغربية، والتحق به في خرقه للمنظومة الدولية بقوانينها ومؤسساتها. بل تغذّى أكثر مما توفّره الايديولوجيا الصهيونية من غطاء فكري للقومية اليهودية، والتي كان لروافدها اللاهوتية وأساطيرها المؤسّسة على الشعارات العلمانيّة والديمقراطيّة. إذ تمثل الأيديولوجيا الصهيونيّة  في ذاتها حجة أخلاقية تُبرّر سلب الأرض وتهجير السكان الأصليين واستعمال القوة وإعلان الحرب ورفض تطبيق قرارات الأمم المتحدة وعدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية. لا تختلف هذه الأيديولوجيا عن أيديولوجيات الاستيطان والاستعمار الأبيض صاحب الوصاية الحضارية والمهمة التمدينية. لذلك تُقدّم نفسها على أنها بصدد تمدين أراضي “متوحشة” و”بربرية”. لا تزال هذه الحجة مستعملة إلى اليوم، وتجد صداها في العالم الغربي، خاصة أن الحاضنة الاستعمارية البريطانية على وجه الخصوص رعت نموها وزرعها في المنطقة، وسهّلت هجرات اليهود إلى المنطقة. هذا التشابك الأيديولوجي التاريخي متعدّد الروافد لا يزال حتّى اليوم عاملا مهمّا في حشد الدعم للكيان الإسرائيلي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

ويرافقه بروباغندا ثقافية ومعرفية جعلت من الرأي العام الغربي اليوم في حيرة من أمره عندما يرى من هم مثله يهاجَمون، ولم يربكه إلاّ الدم الفلسطيني. وحرصت الأيديولوجيا الصهيونية على أن تجعل من الهولوكوست “السيف الأخلاقي” المسلط على كل نقد، حتى النقد المؤسس على المبادئ العادلة للقانون الدولي، بحيث أصبح وجود إسرائيل “الدولة” المعترف بها أمرا واقعا وعادلا لا يقبل النقاش. فاكتسبت معركة “القضية العادلة” وفق القانون الدولي “للشعب اليهودي”، لكنها دائما قادرة على الخروج عليه باسم عدالة “ضحية الهولوكوست المقدسة” برعاية أيديولوجية واضحة.

في ذات الوقت، كلّ نقد لما هو إسرائيلي يعتبر معاداة للسامية، التي أصبحت تهمةً جاهزةً تحطّ من المتهم أخلاقيا بل وتمّ إصدار قوانين خاصّة في تجريمها، خارج إطار جرائم الدعوة إلى الكراهية والخطاب العنصري. تحمي تهمة معاداة السامية، في كثير من الأحيان، الصهيونيّة نفسها، كما هي الحال في فرنسا بتبني الجمعيّة العامّة للائحة (résolution) في  3 ديسمبر 2019 ساوت بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. وهي خطوة أخرى في تجذير بروباغندا الأساس الأخلاقي، حسب التصور الأيديولوجي، للكيان الصهيوني كدولة الضحية التاريخية اليهودية. نجحت إسرائيل في تجذير هذا الأساس ليعلو فوق عدالة القانون، مهما كان الوجه البشع للفاشية الدينية يظهر منذ 1948 في جرائم متكررة ودموية إلى اليوم. ما كان كامنا يُغطيه حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره لبناء وطن قومي (وعد بلفور) قد كشفته رسالة رجال دين ومفكرين وفلاسفة يهود (حنا أرندت، ألبرت اينشتاين، الحاخام جيسورون كاردوز…) إلى النيويورك تايمز بتاريخ 2 ديسمبر 1948. كانت الرسالة واضحة في التأكيد على القومية الراديكالية والأسطرة الدينية والتفوق العرقي لفاشية العصابات الاستيطانية كالإيرغون، والتي كانت جزءا من “حركة المقاومة اليهودية” مع الهاغانا والليهي. وفي ذلك لا يمكن تجاهل الكتابات المتواترة لمفكرين يهود ومن ضحايا الهولوكوست يفككون الصهيونية وبعدها الديني والعنصري والراديكالي. لم تكن إذن إلا مسألة وقت حتى يعود هذا الكيان إلى أصله ويعيد مجزرة دير ياسين بشكل أكثر بشاعة ووحشية تؤكد على فاشيته الدينية اليوم التي أصبحت تسيطر بشكل مستمرّ على  الحكم، وهو الذي لم يتوقف يومًا عن ارتكاب الجرائم والمجازر ضد الفلسطينيين.

القضية الفلسطينية: من القضية العادلة إلى الضحية غير الإنسانية

ترتبط ممارسة الأمم المتحدة ارتباطا وثيقا بتعزيز القضايا العادلة في القانون الدولي. تمّ إنشاء الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون بين الدول وتعزيز احترام حقوق الإنسان. تلتزم الأمم المتحدة، من خلال ميثاقها، بالحلّ السّلمي للصراعات الدولية ومنع استخدام القوة خارج الحالات المنصوص عليها في القانون الدولي.

يُعتبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الهيئة المسؤولة عن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ويمكنه اتخاذ التدابير اللازمة لذلك، بما فيها استخدام القوة العسكرية في ظروف محدّدة منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. وهو مشروط بمبادئ تُبررها وتُشرعنها، مثل الدفاع عن النفس أو إذن مجلس الأمن أو حماية حقوق الإنسان. تقوم هذه المنظومة على أن الامتثال للقانون الدولي يمثل ضمانة تحقيق “القضية العادلة”. في هذا الاتجاه، جاوز عدد القرارات الصادرة عن الجلسة العامة وعن مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة (منذ 1947) الـ200 قرار بالإضافة إلى رأي المحكمة الجنائية الدولية الذي أكد ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية سنة 2021. وهو مستوى يؤكد على عدالة القضية الفلسطينية من داخل منظومة ومبادئ القانون الدولي كشكل من أشكال الاعتراف بشعب وحقه في دولته وفي المقاومة بكل الطرق الممكنة لبلوغ أهدافه. لكن في الوقت الذي انزاح فيه الصراع نحو تعزيز التفوّق الإسرائيلي ومشروعه الصهيوني والفاشي، خرجت عدالة القضية الفلسطينية من القانون الدولي الذي أضحى عاجزا عن تجريم ممارسات الاحتلال، والتي لا يمكن تكييفها قانونيا إلا بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وتطهير عرقي. لكن من داخل نفس المنظومة الأممية، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص على منع أي قرار ضدّ إسرائيل في مجلس الأمن، باستعمال حق الفيتو. فيما واصل هذا الكيان في التمدّد، فوق القضية الفلسطينية، للتطبيع مع الجوار وضمان نفوذه في بقية بلدان العالم. في نفس الوقت، حرصت الدول الغربية، تحت مسمّى محاربة الإرهاب، على تعميم الوصم وتقنينه خاصة على حركة حماس. وتمّ توظيفه في كل مرة لمواجهة كل عمل مسلح ضد الكيان الإسرائيلي عبر عقوبات على شخصيات ومؤسسات ترتبط بها. وفي هذا المستوى، يبرز أكثر كيف أنّ المنظومة الدولية، فيما تُفرغ من مبادئها وقوانينها، تترك مكانها للقواعد والقوانين التي تصدرها الدول الغربية المساندة للكيان. أصبحت العدالة تتحدد حسب موازين القوى والهيمنة السائدة على كل المستويات. ما يعني آليا أنّ خطاب العدالة سُينتج بالضرورة أحكام التجريم لصالح “الضحية”، الضحية التي تخصّ الأقوى. هذه الضحية نفسها التي تستخدم أحدث الأسلحة بشكل يومي ضد المدنيين العُزّل وتهجّر السكان وأعدمت حقوق اللاجئين. في الوقت الذي جعلت من اليهوديّة أساسا وطبيعة لها، وصولا إلى منح جنسيّتها لكلّ يهوديّ في العالم عبر “قانون العودة” بالتوازي مع تحويل فلسطينيّي الداخل إلى مواطنين درجة ثالثة، لتؤكد طابعها الثيوقراطي الذي يتجاهله الجميع، محافظة على بعدها الأيديولوجي الصهيوني. من هنا فتحت “الضحية الصهيونية اليهودية” النار على الإنسان الفلسطيني، فنزعت عنه إنسانيته وسلبتْه كلّ حقوقه وبرّرت إبادته وطرده من أرضه.

لا يعتبر غريبا لذلك أن يكون الخطاب المرافق للعمليات العسكرية منذ السّابع من أكتوبر مبرّرا لكل شيء باسم الضحية المقدسة للهولوكوست. أما ردّة فعل الطرف الآخر فهي محكومة بالإعدام مسبقا، لأنه غير معترف بإنسانيته. ومن هنا برز توصيف حماس بالإرهاب في موازاة إطلاق توصيفات إسرائيلية من قبيل “هم حيوانات بشرية” لا يمكن التعامل معهم إلا على هذا الوجه. وقد بدت هذه التوصيفات مجرد إعادة إنتاج لخطاب العصابات الصهيونية في الأربعينيات، وأساسه الشعار الذي أنكر على الفلسطينيين آنذاك وجودهم: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

استعادت القضية الفلسطينية وجودها على الساحة اليوم بفعل الدم والعنف كاشفة عن فشل منظومة العدالة الدولية وقواعدها ومؤسساتها، وكاشفة استغلالها عبر تصورات خاصة تحتكر الأخلاق الإنسانية وحقوق الإنسان. أعاد الدم الفلسطيني سؤال معضلة الأخلاق الإنسانية الكونية وراء القانون الدولي والقيم الحافّة به، وأربك تطبيقها الغربي وضرب مصداقيتها. وفي نفس الوقت، يطرح نفس الأسئلة على دول الجنوب، وبالأخصّ في المنطقة العربيّة. يطرحها على الجميع رغم فداحة الثمن.

الحقّ  الفلسطيني وتحدّي التحرّر في المنطقة العربيّة 

لم يكن بيان وزراء الخارجية العرب حول الوضع في غزة إلا ليثير الاستهجان والسخرية في العالم العربي. فبالإضافة إلى أنه لا يرتقي إلى حجم الجرائم المرتكبة، بدا أنّ الرأي العامّ العربي لم يكن يتوقّع الكثير. حيث لم تخرج الجامعة العربية عن التيار السّائد الذي يتمسّك بالشرعية الدولية من دون أيّ قدرة أو إرادة  لفرضه. كل ذلك في الوقت الذي ترزح فيه أغلب دول الجامعة تحت وطأة أنظمة غير ديمقراطيّة، فاسدة ويغيب فيها حكم القانون وحقوق الإنسان والحريات السياسية. وهي دول فشلت عموما في استثمار تحررها من الاستعمار “كلحظة ليبرالية” في سنواتها الأولى، لبناء أنظمة تقوم على الحرية والقيم المشتركة الديمقراطية. بل على العكس استثمرت في “قيم البقاء” التقليدية (المذاهب/الطوائف/القبائل…) بدل “قيم التعبير عن الذات” لفرض هيمنة الأنظمة السياسية المشروطة بزبونية تتكفل بتوزيع المنافع المادية والمعنوية. أيّ موقف أخلاقي لأنظمة فاشلة يمكن توقعه؟ أو أيّة قدرة لها على مواجهة مفارقات الشرعية الدولية المختلّة لصالح المحتل الإسرائيلي، بعدما فشلتْ في حماية الإنسان-المواطن العربي؟ أغلب الدول، باستثناء دول الريع الاقتصادي، تعيش أزمات اقتصادية واجتماعية وتعيش على وقع أزمات سياسية داخلية وتهديدات خارجية مستمرة. إن كان لهدر “الإنسان” والمواطنة” هذا المستوى في الدولة العربية بشكل عام، فلا يمكن توقع أن يكون موقفها أخلاقيا، حتى في تمسكها بالشرعية الدولية، من جهة أن “الشرعية الوطنية” نفسها منتهكة وموظفة سياسيا. غرّد خارج السرب العربي كل من تونس والجزائر، بين أولى شعبوية تخففت من إرث الأنظمة السابقة، وأخرى محكومة بعسكر تاريخي له إرث وطني يسمح له ببعض المناورة. ومن البيّن أن ممارسات هذه الأنظمة الاستبدادية لا تبشّر اليوم بأن نمطا جديدا في التعامل مع القضية الفلسطينية بصدد التشكل حيث يترافق تناولها من قبلها بكثير من الاستغلال والتوظيف لتدعيم أسسها. 

عاد الإنسان الفلسطيني وقضيته ليؤكد على أنّ أخلاق التحرر تفترض “قلما” قانونيا وسياسيا وايديولوجيا يعبر عن الذات المحلية في كونيتها لتفرض نفسها على الجميع، وتفترض “سيف” القوة المادية والعسكرية لمجابهة الهيمنة وروافدها العنصرية. هو يؤكد اليوم أن تحدّي الإنسان الكوني بمؤسساته وحقوقه وقيمه وقوانينه ليس غربيا، وهو ينتظر أن تنخرط فيه مجتمعاتنا ودولنا عبر إعادة الاعتبار للإنسان الفلسطيني، لأن الأخير اليوم ضحية هيمنة سلبت القيم والمؤسسات الحديثة من جوهرها وتنتظر أن تستأنف. إنّ الإنسان الفلسطيني يعطينا فرصة استئناف مشروع حضاري إنساني أخلاقي لتقديس كل الضحايا وتجريم المجرمين الحقيقيين في كل زمان وكل مكان. منه فعليا يبدأ مشروع تحرري محلي وعالمي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

منظمات دولية ، الحق في الحياة ، فئات مهمشة ، مقالات ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني