الأردن يستعدّ للاستعراض الدوري لحقوق الإنسان: فرصة للحوار أم مجرد شكليات؟


2023-09-13    |   

الأردن يستعدّ للاستعراض الدوري لحقوق الإنسان: فرصة للحوار أم مجرد شكليات؟
رسم زيتي تعبيري يظهر مجموعتين من الأشخاص يقومون بمفاوضات ، في حين تبدو مجموعة منهم غير مهتمة (تصميم الذكاء الاصطناعي)

بخلاف الآليات الدولية الأخرى لحماية حقوق الإنسان[1]، نالت آلية الاستعراض الدوري لحقوق الانسان أهميّة خاصّة لدى  الحكومة الأردنية والمجتمع المدني في الأردن. ومع اقتراب المراجعة الرابعة للأردن في بداية عام 2024، ظهرت تحالفات متعددة ضمّت أكثر من 70 منظمة مجتمع أعدّوا إفاداتهم حول حالة حقوق الإنسان في الأردن. ولأول مرّة، شاركتْ جامعتان أردنيتان في هذه الآلية في بهدف أداء دورهما في الفضاء المدني.

يشرف على هذه الآلية مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ويرتكز الاستعراض الدوريّ على الوثائق التالية[2]:

  • معلومات مقدمة من الدولة قيد الاستعراض التي يمكن أن تأخذ شكل “تقرير وطني”، يحتوي على تفاصيل قيام الدولة بتنفيذ التزاماتها وواجباتها المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك الإنجازات والممارسات الفضلى والتحديّات. هناك تشجيع للدولة بأن تتواصل مع منظّمات المجتمع المدني لجمع معلومات متعلقة بالتقرير؛
  • معلومات واردة في تقارير خبراء وأفرقة حقوق الإنسان المستقلين المعروفين باسم المقررين الخاصين والهيئات المنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان وكيانات الأمم المتحدة الأخرى، يتم تجميعها من قبل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان؛
  • معلومات من أصحاب المصلحة الآخرين ومن بينهم المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، أيضا يتم تجميعها من قبل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان. يسمح مجلس حقوق الإنسان لمنظمات المجتمع المدني والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمؤسسات البحثية والأكاديمية بتقديم تقاريرهم أيضا.

وبشكل مختصر، تعتمد الآليّة على حوار تفاعليّ بين الدولة الخاضعة للمراجعة مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان والتي يكون بحوزتها التقارير الثلاثة أعلاه. خلال الحوار التفاعلي، تقوم الدول المشاركة بتوجيه مجموعة من التوصيات إلى ممثل الدولة الخاضعة للاستعراض الذي بدوره يقوم بقبولها، أو الإحاطة بها، لأنه بحسب قرار مجلس حقوق الإنسان 5/1 لا تستطيع الرفض، إلا أنه في الواقع العملي الإحاطة تعني الرفض[3]. في بعض الأحيان تطلب الدولة الخاضعة للاستعراض بعض الوقت لدراسة التوصية وإبداء الرأي فيها[4].

بعد صدور التقرير النهائي عن المراجعة من قبل رئيس مجلس حقوق الإنسان بالتعاون مع اللجنة الثلاثية (ترويكا)[5]، تأتي أهم مرحلة من مراحل الاستعراض وهي تنفيذ التوصيات المقبولة من قبل الدولة. إذ سيتمّ مساءلتها حول تنفيذ هذه التوصيات في دورة الاستعراض الدوريّ التالية، أي بعد خمس سنوات تقريبا. ويطلق على الفترة الواقعة بدورتي الاستعراض عملية “المتابعة”، وتحتلّ أهمية كبرى لأنه يفترض أن تؤدي إلى تحقيق الهدف الأساسي الذي يسعى الاستعراض الدوري الشامل إلى تحقيقه وهو ” تحسين حالة حقوق الإنسان على أرض الواقع”[6]. بحسب البيانات المتوفرة لدى منظمة (UPR Info)، وهي منظمة غير حكومية مقرّها في سويسرا معنية بتعزيز آلية الاستعراض الدوري الشامل، فقد صدر عن آلية الاستعراض 64163 توصية في الثلاث دورات الماضية، وافقت الدول على 47050 توصية أي ما يقارب 73.3% من مجمل التوصيات، وهي نسبة مرتفعة نسبيا[7].

ويثبت الواقع العملي أن من الجوانب المهمة للاستعراض الدوري الشامل، أنه يترك المجال واسعا لمنظمات المجتمع المدني للمشاركة من خلال الإسهامات المكتوبة، سواء كانت فردية أو على شكل تحالفات، ورقابة مدى التزام الدولة المعنية بتنفيذ التوصيات المقبولة؛ أي أنّ هذه الآلية تمّ استخدامها كأداة فعّالة من قبل المجتمع المدني لتعزيز حقوق الإنسان على أرض الواقع[8]. لا بدّ من التأكيد على أن ارتفاع عدد التوصيات المقبولة لا يعني بالضرورة أن ينعكس ذلك على حالة حقوق الإنسان، فالتركيب اللغوي للتوصية يحدّد إلى درجة كبيرة الإجراء المتّخذ من قبل الحكومة لتنفيذها[9].

فعلى سبيل المثال هناك توصيات ليست موجهة بشكل مباشر إلى الدولة الخاضعة للاستعراض، كأن تُدعى الدولة الخاضعة للاستعراض إلى طلب الدعم أو المساعدة الفنية للقيام بأمر معين. وفي مثل هذه التوصيات تستخدم عبارات مثل طلب الدعم من الشركاء الدوليين  … أو طلب الدعم الفني من أجل …  أو طلب التعاون الدولي لغايات …. وتعتبر هذه التوصيات الأقل تطلبا من الدول ولا تحمل في طياتها التزامات واضحة على عاتق الدولة. وهناك توصيات تؤكد على الاستمرارية مثل مواصلة الجهود الرامية إلى … متابعة الجهود … مضاعفة الجهود الرامية إلى  … الاستمرار في الجهود المتعلقة  بـ …. ومثل هذه التوصيات تطلب من الدولة استمرار العمل بآليات معينة أو جهود معينة لتعزيز حقوق الإنسان. ومجموعة أخرى من  توصيات للقيام بإجراء لكن بشكل عمومي مثل الإسراع في وضع قانون أو سياسة لمحاربة …. ويبقى النوع الأخير من التوصيات للقيام بإجراء معين أو محدد مثل التصديق على اتفاقية معينة، إلغاء قانون معين أو إلغاء نصّ مادة في قانون محدد، وهي الأهم لكنها غالبا يتمّ الإحاطة بها، أي رفضها.

في الدورة الثالثة، وافقت الحكومة على 149 توصية منها 22 توصية تندرج ضمن النوع الأخير مثل إصدار نظام عمال الزراعة، إنهاء استراتيجية المرأة، تعديل المادة 72 من قانون العمل، تدريب الادّعاء العام على تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان، والحدّ من التوقيف الإداري.

توصيات الاستعراض المرفوضة من قبل الحكومة الأردنية

شاركت الأردن في دورات الاستعراض الشامل الثلاث الماضية، وهي الآن تستعد للمشاركة في الدورة الرابعة. وبالنظر إلى التوصيات التي رفضت سابقا، يمكن أن نفهم أن هناك بعض المسائل التي تعتبرها الحكومة الأردنية من قبيل التابوهات التي لن يتم الموافقة عليها. ومن الأمثلة على هذه التوصيات التصديق على الاتفاقيات الدولية التي تسمح للأفراد بتقديم بلاغات فردية أمام اللجان الدولية، وقف العمل بعقوبة الإعدام، إلغاء الزواج المبكر، إلغاء قانون منع الجرائم، إدراج الجنس كسبب لعدم التمييز بين الأردنيين في المادة 6 من الدستور، تعديل قانون الجنسية بحيث يسمح للنساء الأردنيات بنقل الجنسية الأردنية لأبنائهن عند الزواج من غير الأردني، والتصديق على مجموعة من الاتفاقيات من ضمنها اتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، حماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن العمال المنزليين[10]. لكن من الممكن قبول توصيات متعلقة بالمواضيع السابقة إذا تمت صياغتها بطريقة مختلفة، مثل التوصيات التي تطالب بالحدّ من الزواج المبكر (بدلا من تعديل النصوص القانونية في قانون الأحوال الشخصية التي تسمح بهذا الزواج)، وكذلك الحدّ من حالات التوقيف الإداري بدلا من الطلب بإلغاء قانون منع الجرائم الذي يسمح بهذا التوقيف.

التشاور ما بين الحكومة والمجتمع المدني

أظهرت رئاسة الوزراء في الأردن اهتماما خاصا بهذه الآلية، ويبدو ذلك واضحا من التعاميم الصادرة عن رئيس الوزراء يطلب فيها من الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية تزويده بتقارير دوريه حول ما تم تنفيذه من التوصيات التي قبلتها المملكة في الاستعراض الدوري الشامل[11]، إضافة إلى تعاميم سابقة متعلقة بإنفاذ التوصيات التي قبلتها المملكة في الدورات السابقة للوفاء بالتزامات المملكة الدولية ضمن الاستعراض الدوري الشامل (UPR) وإيلاء هذه التوصيات الأهمية التي تستحقها[12].

لذلك ليس بالغريب أن تشهد الفترة الحالية سلسلة اجتماعات ما بين الحكومة وتحالفات منظمات المجتمع المدني المختلفة التي قدّمت تقاريرها بموجب هذه الآلية. ويبدو من هذه الاجتماعات سعي منظمات المجتمع المدني أن يكون لها دور واضح في كتابة التقرير الحكومي الذي يفترض تسليمه في تشرين الأول 2023، بينما تسعى الحكومة إلى إثبات أنها تتبع النهج التشاركي في إطار الاستعداد للمثول أمام مجلس حقوق الإنسان في بداية عام 2024. بخلاف هذه الاجتماعات لم تكن هناك أية جهود حقيقية لمشاركة المجتمع المدني في إعداد التقرير خاصة فيما يتعلق بالإنجازات والتحديات.

وبالرجوع إلى التقرير الوطني الذي تم تقديمه في الدورة الثالثة، لم يتمّ ذكر أسماء المنظمات غير الحكومية التي تمّ التشاور معها عند إعداد التقرير، بل اكتفى بذكر أن لجنة الصياغة قامت بعرض المسودة الأولى للتقرير على عدد من التحالفات وأصحاب المصلحة والمركز الوطني لحقوق الإنسان واستقبال الردود التي تمّ أخذها بعين الاعتبار أثناء صياغة التقرير بشكله النهائي[13].

لا بدّ من الاعتراف أن وجود تعاميم من رئيس الوزراء بتنفيذ التوصيات المقبولة في إطار الاستعراض الدوري يدعم جهود المناصرة وكسب التأييد. وأبرز التوصيات التي تركت أثرا واضحا التعديلات التي جرت على قانون العقوبات منها إلغاء المادة 308 التي تعفي المغتصب من العقاب إذا تزوج من الضحية، إصدار قانون جديد للحماية من العنف الأسري في عام 2017 بسبب الانتقادات التي تعرض لها القانون القديم الصادر في العام 2008، إصدار نظام للعمال الزراعة في العام 2021 الذي كان يفترض أن يصدر في العام 2008.

لكن في الوقت نفسه، لم تتبنّ الحكومة آلية واضحة لمتابعة هذه التوصيات؛ إذ أن الحكومة ترسل التوصيات للوزارات والمؤسسات الرسمية، من دون بيان الخطوات أو الإجراءات اللازمة لتنفيذها، تاركة الأمر للوزارة أو المؤسسة المعنيّة بالتنفيذ بحسب ما تراه مناسبا مع إبلاغ المنسق الحكومي بالإجراءات المتخذة من دون إشراك مؤسسات المجتمع المدني أو المنظمات الحكومية، مع العلم أن هذه المنظمات هي مصدر التوصيات وقد تملك حلولا أو طرقا فعالة لإنفاذها.


[1] فعلى سبيل المثال أخر تقرير قامت الحكومة الأردنية بتقديمه للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كان في العام 1999، مع العلم أنه يفترض ان يتم تقديم هذا التقرير، الذي يرصد إنجازات المملكة بتنفيذ أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كل 5 سنوات.

[2] Office of the Higher Commissioner of Human Rights, Universal Periodic Review: A Practical Guide for Civil Society, Geneva, July 2014, p 2

[3] Human Rights Council, 5/1,  Institution-building of the United Nations Human Rights Council, (A/HRC/RES/5/1), 18  June 2007, paragraph 32.

[4] https://www.upr-info.org/ar/upr-process/what-is-it

[5]  تم تشكيل فريق من ثلاث دول من خلال القرعة، للمساعدة في عملية الاستعراض الشامل لكل دولة، تعرف باسم “الترويكا”، تقوم بمهمة المقرر ويتلقى هذا الفريق الدعم الفني من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

[6] Human Rights Project at the Urban Justice Center, A PRACTICAL GUIDE TO THE UNITED NATIONS’ UNIVERSAL PERIODIC REVIEW (UPR), New York, 2016, p 16

[7] https://www.upr-info.org/database/

[8] شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، المراجعة الدورية الشاملة والمجتمع المدني: تجميع من أفضل الممارسات في العالم العربي، 2016، ص 14.

[9] محتوى التوصيات وطريقة صياغتها تختلف اختلافا كبيرا، وبالتالي من الصعب تحديد الطبيعة القانونية لها جميعا. يقوم البعض بتصنيف هذه التوصيات اعتمادا على التركيب اللغوي للتوصية وما هو المطلوب من الدولة الخاضعة للاستعراض. حول هذا الموضوع انظر:

Edward McMahon, UPR Action Category, UPR Info Data Base, October 2014

[10] Human Rights Council, Fortieth session, 25 February–22 March 2019, Universal periodic review, Report of the Working Group on the Universal Periodic, Jordan, (A/HRC/40/10), 7 January 2019, paragraph 137.

[11]  التعميم رقم 1/11/18/880 الصادر بتاريخ 8 كانون الثاني 2017

[12] التعميم رقم 1/11/18/ 13098 الصادر بتاريخ 15 نيسان 2014

[13] Human Rights Council, Working Group on the Universal Periodic Review, thirty-first session, 5–16 November 2018, National report submitted in accordance with paragraph 15 (a) of the annex to Human Rights, Council resolution 5/1, Jordan, (A/HRC/WG.6/31/JOR/1), 23 August 2018, paragraph 5.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سلطات إدارية ، حركات اجتماعية ، منظمات دولية ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، الأردن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني