اقتراح تخفيض السنة السجنيّة: أو حين نعالج اكتظاظ السجون بفتحها


2022-11-16    |   

اقتراح تخفيض السنة السجنيّة: أو حين نعالج اكتظاظ السجون بفتحها

قدّم النائب قاسم هاشم في تاريخ 1/9/2022 اقتراحا معجلا مكررا يرمي إلى تعديل المادة 112 من قانون العقوبات بهدف تخفيض مدة التنفيذ الفعلي للعقوبة. ويأتي هذا الاقتراح ضمن مجموعةٍ من الاقتراحات التي ترمي كلّها إلى تقصير مدة تنفيذ السنة السجنيّة والمقدمة اعتبارا من العام 2020. من هذه الاقتراحات، الاقتراح المقدم من النواب محمد خواجه ومحمد سليمان وعلي حسن خليل في 7/9/2022، وهو ذات مضمون مطابق لاقتراح هاشم. ومنها أيضا اقتراح القانون المقدم من النائب أشرف ريفي بتاريخ 29/8/2022 والاقتراح المقدم في كانون الثاني 2021 من النائب عدنان طرابلس، والاقتراح المقدم في تشرين الأول 2020 من النائب جميل السيّد.

وبحسب مضمون الاقتراح، تخفّض مدة التنفيذ الفعلي للعقوبات بمقدار النصف، بحيث تحتسب السنة السجنية على أنها ستة أشهر والشهر السجني 15 يوما واليوم السجني 12 ساعة. كما تُستبدل عقوبتا الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة تباعا بالأشغال الشاقة لمدة 25 و20 عاماً، على أن تبقى السنة السجنية لهذه العقوبات هي نفسها السنة المدنية أي 12 شهراً. وينطبق هذا الاقتراح على مجمل الجرائم المرتكبة قبل تاريخ نفاذه، سواء صدرت فيها أحكام مبرمة أو لم تصدر. ويستند الاقتراح لتبرير ضرورة التخفيض على واقع السجون في لبنان، وتفاقم الاكتظاظ فيها في ظل تردّي الخدمات اللوجستية والطبية. كما حرصت الأسباب الموجبة على التأكيد أنّ التخفيض لن يشجّع على الجريمة كونه يطال حصراً الجرائم المقترفة قبل نفاذه في حال إقراره.

وعليه، يستدعي الاقتراح الملاحظات الآتية:

  • اعتراف بالفشل في إصلاح السجون

يجدر التذكير هنا بأن تخفيض السنة السجنية من سنة إلى 9 أشهر والحاصل بموجب القانون رقم 216 الصادر بتاريخ 30/03/2012 قد تم تبريره بتاريخ إقراره بنفس الأسباب الموجبة، وهي الحدّ من مشكلة الاكتظاظ في السجون وتخطي القدرات الاستعابيّة وتبعاتهما، من وفاة المساجين إلى نقص الغذاء والطبابة وعدم تأمين الحدّ الأدنى من مقومات الحياة في السجون. ومن هذه الزاوية، يأتي الاقتراح بتخفيض السنة من 9 إلى 6 أشهر بمثابة اعتراف إضافي على استمرار واقع السجون على حاله[1] وتاليا على فشل الدولة في إنجاز الإصلاحات الموعودة فيه. فكأنما تخفيض السنة السجنية أصبح الحلّ الضروري وربما الحتمي بعدما أصبح الإصلاح شبه مستحيل. 

  • اعتراف بفشل آليات التخفيض الفردي للعقوبات

فضلا عما تقدم، يبرز الاقتراح وكأنه آثر التخفيض التلقائي والعام للعقوبات على التخفيض الفردي وفق الحالات والذي يدخل ضمن صلاحية لجان تخفيض العقوبات المنشأة بموجب قانون تنفيذ العقوبات الصادر عام 2002. فبدل أن يتم التخفيض حالة فحالة، ينص الاقتراح على تخفيض العقوبة بموجب قاعدة عامة تسري على جميع المحكوم عليهم، بمعزل عن حسن سلوكهم أو أي استحقاق من أي نوع كان، وبدرجات تتجاوز ما يمكن لجان تخفيض العقوبات إقراره. فمثلا، بإمكان هذه اللجان تخفيض العقوبة المقيدة للحرية بين الثلث والنصف فقط في حال نفذ المحكوم عليه نصف عقوبته، فيما يخفض القانون العقوبة إلى النصف منذ اليوم الأول للحكم عليه. هذا مع العلم أن الاقتراح يؤدي إلى إلغاء دور اللجان بصورة تامة في حالات المحكوم عليهم بعقوبتي الإعدام أو المؤبد، حيث يخفض القانون هاتين العقوبتين إلى 25 و20 سنة تلقائيا، طالما أنه لا يجوز للجان تنفيذ العقوبات تخفيضها عند توفر شروطها إلى أقل من 35 و20 سنة.

ويشكل الاقتراح من هذه الزاوية اعترافا بفشل آليات تخفيض العقوبة الفردية ونسفا لمبدأ تفريد تنفيذ العقوبات.

وكانت المفكرة اعتبرتْ في تعليقها على التخفيض الحاصل عام 2012 أن “المشرّع يسرق دور القضاء في تخفيض العقوبات”. وها الاقتراح الحالي يذهب في الاتجاه نفسه.

  • اختلال في التوازن ما بين حقوق السجين وحماية المجتمع

من جهة ثالثة، يجدر التساؤل إذا كان من شأن الاقتراح أن يوازن بين الهدف من إنزال العقوبة على المحكوم عليه ألا وهي حماية المجتمع، وحماية المحكوم عليه نفسه من خلال ضمان الغاية التأهيلية من السجون. وأهم ما يجدر تسجيله هنا هي تلقائية تخفيض العقوبة من دون أي استثناء أو ضوابط، بحيث يستفيد منه المحكوم عليهم بجنحة بسيطة كما المحكوم عليهم بجناية بالغة الخطورة. ومن هذه الزاوية، يصبح التساؤل أكثر إلحاحا طالما أن التخفيض سيشمل بمن يشملهم أشخاصا قد يكونون على درجة كبيرة من الخطورة. وانطلاقا من ذلك، من المهم إعادة التفكير في الجرائم المستفيدة من تخفيض العقوبة، في اتجاه استبعاد الجنايات الخطيرة.

  • تشدّد غير مبرّر حيال المحكوم عليهم الأكثر هشاشة

اللافت أنه رغم التساهل الكبير لمقدّمي الاقتراح حيال المحكوم عليهم بعقوبات سجنية ومنهم الأكثر خطورة، نلقى تشددا حيال الفئات الأكثر هشاشة. وهذا ما نستشفّه من استثناء عقوبة الحبس التي تطبّق  على الذين يعجزون أو يتخلّفون عن تسديد الغرامة والتي من الممكن أن تصل إلى سنة كاملة وفق المادة 54 من قانون العقوبات. بمعنى أن الاستثناء الوحيد على تخفيض العقوبة هي الحبس الذي لا يستهدف بطبيعته إلا فئة واحدة هم المحكوم عليهم العاجزين عن تسديد الغرامة المحكوم بها، أي الفقراء منهم وبسبب فقرهم.


[1] مراجعة المقالات الأخيرة التي نشرتها المفكرة القانونية والمتعلّقة بواقع السجون:

استغاثات رومية (1): سجناء وحيدون يدفعون ثمن الانهيار من صحّتهم والأهالي يدفعون كلفة العقوبة.

استغاثات رومية (2): كل الطرق تؤدي إلى الموت.

وفاة موقوف في سجن القبة: فرضية التقصير مطروحة وغياب الطبيب المناوب يعزّزها.

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، إقتراح قانون ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني