الإثنين 12 أيلول 2022، تاريخ سيحفر عميقاً في وجدان نزلاء سجن القبة، فقد شهد واقعة لا يريد أحدٌ منهم أن يختبرها وهي وفاة الموقوف ن. ب. (42 عاماً) نتيجة أزمة قلبية قبل وصوله إلى المستشفى.
وبحسب وثيقة الوفاة الصادرة عن مستشفى طرابلس الحكومي فإنّ أسباب الوفاة، هي “توقف في القلب والتنفّس ووصل (الموقوف) متوفياً إلى المستشفى” الواقع في القبة على مسافة لا تتجاوز كيلومتراً واحداً من السجن. فيما توضح مصادر في إدارة السجن أنّ النزيل في الغرفة “رقم 6 سفلي” توفي بعد أن أصيب بذبحة قلبية حادة، من دون أن تستبعد وفاته قبل الوصول إلى المستشفى لأنّ “العناصر رأوا رغوة بيضاء تخرج من فمه أثناء نقله”.
وتشكّل فرضيّتا الإهمال والتقصير في تأمين العلاج أساس الخلاف في القضية الراهنة بين أهل الموقوف وإدارة السجن، ففي وقت ينقل أهل الضحية (وهو سوري الجنسية) عن نزلاء السجن أنّ “نداءات الاستغاثة لم تجد آذاناً صاغية لدى حرّاس السجن، بعد أن بدت عليه أعراض الذبحة، حيث بدأ السجناء بالصراخ، وانتظروا لفترة طويلة من الزمن هي حوالي 3 ساعات عند الباب ريثما وصلت المساعدة”، تؤكد إدارة السجن أنّ الفترة لم تتجاوز 20 دقيقة “بين طلب النجدة، وتجهيز الآلية، ونقله إلى المستشفى الحكومي”.
وبعد التواصل مع زوجة الموقوف وزيارة السجن والتواصل مع أوساط الإدارة والمركز الطبي في السجن، تظهر الكثير من المؤشرات على مكامن خلل في الرعاية الصحية في السجن بشكل عام: أولاً غياب المعاينة الطبية عن الإجراءات الروتينية لدى دخول أي سجين جديد والاكتفاء بطرح أسئلة عليه لإعداد ملفّه الطبي، ثانياً شغور مركز أحد أطباء الصحة العامة الثلاثة المناوبين في السجن نتيجة استقالة الطبيب السابق وعدم التعاقد مع طبيب آخر، ما يعني أنّ هناك عشرة أيام في الشهر لا يداوم فيها أي طبيب في السجن ويحال المرضى إلى ممرّض. وصودف أنّه يوم وفاة الموقوف كان من الأيام التي لا يوجد فيها طبيب مناوب. ولكن لم يتّضح لنا كيف أثّر غياب الطبيب في تدهور حالة الموقوف وأيّ دور كان يمكن أن يؤدّيه لإنقاذه، وذلك نتيجة عدم معرفتنا بوضعه الصحي.
هذا من دون التطرّق إلى تأخّر محاكمة الموقوف نتيجة استمرار اعتكاف القضاة، والظروف السيئة في السجن الذي يقع جزء منه تحت الأرض والذي يتجاوز عدد السجناء فيه 800 سجين وهو ضعف قدرته الاستيعابية، وهو ما يسبب الاكتظاظ الشديد حيث يزيد عدد النزلاء في الغرفة التي لا تزيد مساحتها عن 60 متراً مربعاً من 40 شخصاً عدا عن التهوئة السيئة، والنقص في الطعام ورداءة نوعيّته وقلّة النظافة والروائح الكريهة.
وبين الفرضيات المختلفة، يبقى التحقيق الشفاف والمستقل هو الحد الفاصل من أجل تحديد المسؤوليات، ومراجعة الأدلة من إفادات الشهود، وكاميرات التسجيل، لتحديد الفترة الفاصلة بين الاستغاثة والاستجابة للنداءات ونقل المريض إلى المستشفى الحكومي، وهنا تكمن أهمية الدعوى التي تتوجّه الزوجة لرفعها. وقد حاولت “المفكرة” التواصل مع وكيل الزوجة إلّا أنّ اتصالاتنا ورسائلنا بقيت من دون رد.
وأفادت مصادر الإدارة بأنّها فتحت تحقيقاً داخلياً في الوفاة وأنّها تلتزم بإشارة النيابة العامة العسكرية في هذا الخصوص، علماً أن القانون يُلزم إدارة السجن بإبلاغ وزارة الداخلية والنيابة العامة بوفاة أي سجين فور وقوعها ورفع تقرير لهما مرفقاً بالتقرير الطبي (مرسوم تنظيم السجون).
“زوجي ضحية”
نهار الإثنين قبل الظهر، كان اللقاء الأخير بين الموقوف وزوجته التي قصدته للاطمئنان عليه، لم يكشف لها أنه يعاني من أي عارض صحي، علماً أنّه خضع لعملية قلب مفتوح قبل حوالي 10 سنوات. تعتقد الزوجة أنّه “لو حصل زوجي على دواء أو على العناية الصحية لما كان تحمّل كل العذابات التي عاناها وربما تم إنقاذ حياته”، وتضيف “يجب وضع حد للتقصير لعدم تكراره مع سجناء آخرين”.
تروي الزوجة أنّه في 29 حزيران، استُدعيَ زوجها كشاهد إلى مخفر القبة بعد حادثة إطلاق نار في منطقة السرايا العتيقة أدت إلى مقتل أحد أصحاب البسطات، فتم توقيفه احتياطياً، وطال التوقيف بسبب اعتكاف القضاة، نافيةً أي صلة له بالحادثة، مؤكدة أنّه لم يكن في المنطقة أصلاً.
وتقول إنه من حوالي 3 أسابيع، نقل زوجها إلى سجن القبة، وتوضح أنه قبل نقله إلى السجن وأثناء توقيفه في مخفر القبة، أمّنت له دواء القلب وقالت لهم “زوجي تعبان وبيتعرّض لنغزات بقلبه”، كما قدّمت لهم تقريراً طبياً يشرح وضع زوجها.
ولدى سؤال “المفكرة” عمّا إذا كان لدى السجن ملفّ طبي للموقوف، أجابت مصادر طبية بأنّ ملفّه فارغ، فبحسب الإجراءات المتّبعة في السجن فإنّه عند وصول أي موقوف جديد، يتم فتح ملف طبي بناء على المعلومات التي يقدّمها ولا تجرى معاينة طبية له، وفي حال طلب أدوية علاج دائم أو أمراض مزمنة يتمّ التثبت من أهله لإعطائه الأولوية وتضاف الأدوية التي يحتاج إليها إلى ملفّه. إلّا أنّه بحسب المصادر لم يبلغ الموقوف بإصابته بأي مرض وبحاجته إلى أدوية ولم يسبق له أن طلب المعاينة الأوّلية في المركز الطبي أو قام بزيارته لأي سبب.
وتستغرب الزوجة ردّ مصادر السجن، من جهة لأنّها قدّمت تقريراً طبياً إلى المخفر قبل نقله إلى السجن وافترضت أنّ التقرير ينقل تلقائياً مع السجين، ومن جهة أخرى لأنّه من غير المنطقي بالنسبة إليها أن يخفي زوجها معلومة مثل إجرائه عملية قلب مفتوح على المركز الطبي وأنّه يكفي النظر إلى صدره لرؤية آثار عملية القلب المفتوح، متسائلةً “هل يعقل إدخال مريض إلى السجن من دون فحصه لمعرفة وضعه الصحي؟”.
وتتابع الزوجة: “حتى لو لم يُفصح عن مرضه، ولم يبرز السجين ملفاً طبياً، هل يتم تجاهل نداءاته؟ عندما طلب المساعدة (وقت إصابته بالأزمة القلبية) لم يستجيبوا له، وقالوا له “ما شِبَك شي منعطيك بنادول”، وأضافت أنّ رفاقه استمرّوا بطلب النجدة 3 ساعات ولكن “تركوه عم يتعذّب حتى مات”.
وتقول الزوجة إنّ زوجها كان يأخذ دواء للقلب والضغط وسيلان الدم، وأبلغها خلال إحدى زياراتها أنّه طلب دواءً داخل السجن فقيل له إنّ الصيدلية مقفلة، دائماً حسب الزوجة.
صعقت الزوجة والعائلة بوفاة زوجها فبعد أن التقته نهاراً (أي يوم الإثنين 12 أيلول 2022) علمت مساء من خلال مواقع التواصل خبر الوفاة، ما دفعها في اليوم التالي إلى زيارة السجن والسؤال، فأخبرها النزلاء بأنّه من نهار السبت يعاني من بعض الآلام في الصدر أي قبل يومين من وفاته، وأن وضعه تأزّم نهار الإثنين وتعالت صرخات النزلاء من الداخل طلباً للمساعدة، وانتظروا 3 ساعات قبل نقله إلى المستشفى الحكومي في القبة.
بعد مرور أسبوع على وفاة زوجها، ما زالت الزوجة تخفي الخبر عن أطفالها الأربعة، وتقول لهم أنه “يعمل في بيروت، وسيغيب لفترة من الزمن لكي يؤمن ضرورات الحياة”، وتؤكّد الزوجة بأنها ستتقدم بشكوى قضائية، ولن تقبل “القضية تتسكر مش بس كرمال زوجي بس كمان من أجل نصرة كل مظلوم من بين السجناء”، لأنه “ليس أول حالة وفاة داخل السجون اللبنانية ولن يكون آخرها”.
مصادر الإدارة ترفض اتهام التقصير
لم تصدر قوى الأمن الداخلي أو إدارة السجن أو المركز الطبي بياناً رسمياً حول حادثة الوفاة، وفي تواصل مع “المفكرة” رفضت مصادر إدارة السجن الاتهامات بالتقصير والإهمال مع السجين، مشيرة إلى إنّ “العارض بدأ مع الموقوف عند الثالثة والنصف ما إن أعلم (الموقوف) الشاويش العسكري والضابط، بدأت التجهيزات لنقله إلى المستشفى الحكومي، وقد خرج من السجن يتنفس، بينما يقول المستشفى الحكومي أنه وصل متوفياً”، مشيرة إلى أنّ “العناصر رأوا رغوة بيضاء تخرج من فمه أثناء نقله ما يعني أنّه ربما توفي قبل الوصول إلى المستشفى الحكومي”.
وأشارت إلى أنّه التقى زوجته في النهار نفسه قبل حدوث العارض الصحي، كما مارس حياته الطبيعية لناحية تناول الطعام، والتمشي، الحلاقة، والاستحمام.
وأشارت المصادر إلى أنّها لم تتبلّغ بتعرّض السجين لأي عارض صحي سابق، وتشرح الآلية المعتمدة لمعاينة المرضى المقيمين داخل السجن، حيث يقوم الحراس بجولة على الغرف قبل يوم من أجل عرضهم على الطبيب المداوم في اليوم التالي داخل المركز الطبي المتّصل بالسجن، حيث تنظم قائمة ويدخلون بانتظام إلى العيادات لمنع الفوضى.
يتم تنظيم جدول المعاينات كل يوم لليوم الذي يليه، حيث يقوم الضابط بجولة على الغرف لتسجيل المرضى، وبحسب مصادر الإدارة زار الضابط “الغرفة 6 سفلي” يوم الأحد وقام بعض النزلاء من رفاق المتوفي في الغرفة بتسجيل أسمائهم ولكن هو لم يسجّل. مع العلم أنّ رفاقه أبلغوا العائلة أنّه كان يتألّم يومي السبت والأحد.
وتشير المصادر إلى أنه في حال أصيب السجين بمرض عادي لا يحتاج نقله إلى المستشفى يحال إلى المركز الطبي وإن كان الطبيب غائباً يحلّ محلّه الممرض، أما تلك الطارئة كحالة ن. ب.، فيتم نقلها مباشرة ومن دون تأخير إلى المستشفى الحكومي، ضمن الآلية التالية “المريض أو الشاويش يبلغ الحارس، فيقوم الأخير بإبلاغ المراقب العام، فالضابط، فالمركز الطبي لتنسيق عملية المعاينة أو النقل”، وتضيف المصادر أنّ “الأمر لا يستغرق إلّا بضع دقائق للتجهيز والنقل”. وتختم مصادر الإدارة أنّه في قضية وفاة الموقوف ن. ب. “لا يوجد لدينا ما نخفيه”.
لا طبيب مناوب عند إصابة السجين بالعوارض
“المفكرة” جالت داخل المركز الطبي، نهار الخميس الفائت في 15 أيلول، ورصدت عدم حصول معاينات للسجناء بسبب شغور الجدول الأسبوعي بفعل استقالة أحد الأطباء. اطّلعنا على عدد من العيادات العاملة في مجال الطب العام، الأمراض النسائية (ثمة قسم للنساء في السجن)، طب الأسنان، العيادات النفسية، الصيدلة، والتمريض. وأثناء الجولة، رافق حارس السجن أحد المرضى إلى عيادة طب الأسنان، وآخر يعاني من الحساسية التي عزاها فريق المركز إلى الاكتظاظ، والتي يمكن معاينتها من قبل الممرض، ويقدّر عدد المعاينات بحدود 60 مريضاً في كل يوم عمل. ويقوم الفريق التمريضي والطبي بتشخيص الحالات المرضية، معاينة الحالات الباردة والبسيطة، ومنح بعض العلاجات المتوفرة في الصيدلية. أما في الحالات الدقيقة والطارئة يتم إجراء اتصال سريع بين العناصر المتواجدة في السجن والمركز الطبي، ومن ثم نقل المريض إلى المستشفى الحكومي بسبب عدم توافر كافة الأقسام في المركز الطبي.
وشاء القدر أن يكون نهار الإثنين 12 أيلول (تاريخ الوفاة) هو من الأيام التي تتضمن شغوراً في جدول الأسبوع الماضي للأطباء، حيث لم يكن هناك طبيب يشخّص الأعراض التي يصاب بها الموقوف، وهو ما يخشى الأهل من أن يكون السبب في التأخير ٣ ساعات بين الأعراض ونقله إلى المستشفى.
ويعود السبب في الشغور إلى “استقالة أحد أطباء الصحة العامة المتعاقدين من دون التمكّن من التعاقد مع آخر جديد، وبالتالي يبقى ثُلث أيام الشهر شاغرة من دون طبيب مداوم”، ففي السجن كان هناك 3 أطباء، قبل سنة استقال واحد منهم لأن البدل اليومي أي 300 ألف ليرة لبنانية بات قليلاً جداً، وبما أن تقسيم الشهر يتم وفق معادلة 10 أيام لكل طبيب، فإن السجن يعاني من نقص بمعدل 10 أيام بالشهر. وكانت إدارة المركز الطبي أعادت إرسال طلب بالتعاقد إلى المديرية العامة للأمن الداخلي في 5 كانون الثاني من العام 2022، ولكن لم يتمّ تعيين طبيب إلى اليوم، ناهيك عن تقدّم أحد الأطباء للتعاقد مع المديرية لمعاينة السجناء داخل السجن إلّا أنّ الطلب معلَق بسبب عدم اكتمال المستندات، فهو “يحتاج إلى تصديق شهادة البريفيه ولكن بسبب الإضرابات لم يتمكن من الأمر”.
السجناء من معيلين إلى عبء على عائلاتهم
جاء خبر وفاة الموقوف داخل سجن القبة ليزيد القلق لدى أهالي السجناء والموقوفين. وترجم الأهالي قلقهم بوقفة احتجاجية ضمّت العشرات منهم أمام السجن المركزي في القبة في 15 أيلول، مطالبين بتحسين ظروف احتجاز أبنائهم.
وفي الوقفة، يتحدث الأهالي عن معاناة أبنائهم وتتكرّر القصص، وينقل هؤلاء عن السجناء ظروف احتجاز سيّئة، غرف مكتظة، تهوئة سيئة، نقصٌ في الطعام، غلاء في الحانوت، وقلة العناية بالنظافة الشخصية، وإصابة بأوجاع الظهر، والحساسية الجلدية.
وكل ذلك لا تنفيه مصادر السجن التي تتحدث عن مشاكل كثيرة في السجن لا يمكن التغاضي عنها، يأتي في مقدّمها الاكتظاظ، ففي الغرفة الواحدة هناك 40 سجيناً بين محكوم وموقوف ويرتفع العدد أحياناً إلى 45، كما أنّ الأعداد في تزايد مستمر وكبير، وقد لا تصل قوانين العفو أو تخفيض السنة السجنية إلى حل بفعل الأزمات وزيادة الجرائم. وتلفت المصادر إلى أنّ “جميع من في السجن من سجناء، قوى أمنية، وطواقم طبية ضحايا الانهيار لناحية الاكتظاظ وتراجع نوعية الحياة”.
ويروي الأهالي في الاعتصام صوراً من الحياة اليومية لهم ولأبنائهم. اختصرت أم إبراهيم. ك (سيدة ستينية) حالة “الدمار النفسي” للسجناء والأهل بسبب التأخير في المحاكمات وطول مدة التوقيف. تضطر أم إبراهيم للعمل على بسطة قهوة في البداوي من أجل تأمين الحاجيات الأساسية لابنها، من خلال الحانوت الموجود داخل السجن، لأنه يُمنع عليهم إدخال الطعام والشراب إلى السجناء من الخارج، ويشكو الأهل من أن الأسعار أضعاف ما هي عليه في الخارج. وبحسب الإجراءات المتبعة، يتم وضع مبلغ من المال في “الكشك” وتحديد الأغراض التي يتم إدخالها للسجين. وتضيف: “يا عيب الشوم الدولة تدفع امرأة كبيرة في السن للعمل وبيع فنجان القهوة لتأمين حاجات ابنها الموقوف ظلماً من سنة ونصف السنة”، وتروي “كل أسبوع أحتاج حوالي مليون ليرة من أجل تأمين الطعام لابني إبراهيم”. تطالب أم إبراهيم بتسريع محاكمة ابنها لأنه “عندها نعرف أنه محكوم”، وتحمّل القضاء مسؤولية جزئية لما يحصل في السجون بسبب الإضراب وتأخير الأحكام التي تترك أبرياء داخل السجون.
وتؤكد والدة سجين آخر جاءت من التبانة “لم يعد لدينا مدخرات لتأمين حاجياتهم في الداخل، قمنا ببيع أغراض البيت، والآن لم يعد هناك شيء لنبيعه”، مضيفةً أنّه “يتم تقديم الطعام إليهم بكميات قليلة غير كافية، كما أنّ نوعيته سيئة”.
من جهتها، تؤكد فاتن (لاجئة سورية) أنها تشعر بالخوف على حياة ابنها البالغ 19 عام داخل السجن، فهو أوقف بشبهة استخدام المخدرات ولم يصدر بحقه حكم بعد، كما أنه يقيم مع محكومين بجرائم خطيرة. تؤكد أنها أصبحت عاجزة عن تأمين الشراب والطعام له داخل السجن، لأنها تعيل عائلة أيتام كون زوجها متوفّي، ودخلها لا يكفي لدفع أجرة المنزل، وباتت في مفاضلة بين حرمان عائلتها الطعام والمسكن، أو تأمين الحاجات لابنها السجين.
من جهتها، تقول مايا (والدة سجين) أنّ ابنها اشتكى من الاكتظاظ وانتشار الالتهابات الجلدية، والجو الخانق داخل الغرف، لافتةً أن “ابنها تعرّض لحروق بسبب سكب الزيت عليه واقتصرت العناية على بعض من مرهم الحروق من أحد زملائه السجناء”، مضيفةً “عندما أصيبوا بكورونا تمّ رميهم في الانفرادي من دون أي علاج فعلي”. وحسب الوالدة “تحوّل الشاب من معيل للعائلة إلى شاب يحتاج من يعيله” وتؤكّد أنّها غير قادرة على شراء الدجاج أو اللحوم لابنها في السجن ويقتصر ما ترسله إليه عبر الحانوت على بعض ظروف القهوة و3 علب دخان.
السجون ليست بخير
يعتقد النائب ميشال موسى رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية أنّ “وفاة سجين بسبب نقص العناية الطبية هو مؤشر سيّئ على عدم التزام لبنان بحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن هناك حاجة لإجراءات سريعة من أجل تخفيف معاناة السجناء، لافتاً إلى أنّه طالما لا يوجد توافق على إقرار قوانين العفو وتخفيض السنة السجنية، “علينا العمل لتأمين الحقوق الأساسية للسجناء”، وأنه “كان قد دعا إلى عقد اجتماع للجنة حقوق الإنسان إلّا أنّه تم تأجيله بسبب ضغط الموازنة”، مكرّراً أن اللجنة ناقشت مع قادة وممثلي الأجهزة الأمنية أحوال السجون، ووجوب تحسين أوضاعها.
ويتطرق موسى إلى سلسلة كبيرة من الانتهاكات لحقوق السجناء في لبنان، ولا تقتصر على نوعية الحياة في السجون وإنما تتجاوزها إلى مخالفة القانون 65/2017 لمكافحة جريمة التعذيب، حيث ما زال استخدام العنف أمراً شائعاً أثناء التحقيقات الأولية لدى الضابطة العدلية وهو ما يشكل أيضاً إساءة إلى سمعة لبنان على المستوى الدولي لناحية عدم الالتزام بحقوق الإنسان.
من جهته، يتحدث المحامي محمد صبلوح، رئيس مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، عن ضرورة اعتماد حلول عاجلة، كمشروع قانون لتخفيف السنة السجنية إلى 6 أشهر بصورة استثنائية، متحدثاً عن أزمة مستفحلة “حتى قبل كورونا والانهيار”، حيث نعيش في ظل إهمال طبي داخل السجون حيث يدير المراكز الطبية “ضباط غير متخصصون”، ناهيك عن الاكتظاظ الكبير، فقد اعترف وزير الداخلية بسام المولوي أن السجون تعيش في ظل نسبة اكتظاظ وصلت إلى 335% أي ثلاثة أضعاف طاقتها. ويشير صبلوح أنه على سبيل المثال في ظل جائحة كورونا لم يكن هناك بنادول أو أسبيرين، وتتم مطالبة الأهالي بإحضارها، كما أن المرضى عند نقلهم إلى المستشفى لا يحصلون على العناية الصحية بسبب عدم تأمين الدولة لفروق العلاج بالدولار الفريش. يكشف صبلوح أنّ “الاستهتار بحياة السجناء سيقود إلى إدانة دولية للبنان لدى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والسجين”.
للاطلاع على وثيقة الوفاة يمكنكم الضغط هنا