اختصاصات غير مسبوقة للمحكمة الدستورية العليا في مصر: ولاية عالمية على قرارات المنظّمات والهيئات الدولية


2021-09-20    |   

اختصاصات غير مسبوقة للمحكمة الدستورية العليا في مصر:  ولاية عالمية على قرارات المنظّمات والهيئات الدولية
المحكمة الدستورية العليا (مصر)

في 18 أغسطس 2021، صدّق رئيس الجمهوريّة على القانون رقم 137 لسنة 2021 الخاصّ بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا، والمتعلّق بإضافة اختصاصات جديدة توسّع من سلطات المحكمة لتشمل الرقابة على دستوريّة قرارات المنظّمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية الصادرة المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة. فوفقاً لنصّ المادّة 33 مكرّر المُضافة حديثاً إلى قانون المحكمة، يحقّ لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام الصادرة عن المنظّمات والهيئات الدولية، أو بالالتزامات الواردة على تنفيذها، على أن يبيّن في طلبه النصّ أو الحكم الدستوري المدّعى بمخالفته.[1] وعلى الرغم من موافقة الجمعيّة العمومية للمحكمة الدستورية على مضمون هذه التعديلات، بدون إبداء أيّ ملاحظات، أثارت الموادّ الجديدة حالة واسعة من الجدل داخل الأوساط القانونية المختلفة. وعليه، تحاول هذه المقالة الاشتباك مع عدد من الأسئلة المُلحّة التي تطرحها التعديلات الجديدة، وعلى رأسها مدى ملاءمة هذا التوسّع غير المسبوق مع الولاية القضائية للمحكمة الدستورية العليا التي تختصّ برقابة دستوريّة القوانين واللوائح الوطنية، وتفسير النصوص التشريعية إلى جانب اختصاصها المتعلّق بالفصل في تنازع الاختصاص وتنازع التنفيذ[2]. كما يناقش المقال فلسفة هذه التعديلات، وأهدافها، والأسباب التي قد تكون دفعتْ الحكومة إلى اقتراحها والآثار المترتّبة عليها، خصوصاً ما يتعلّق بجدوى التقاضي أمام الهيئات والمحاكم المعنيّة بحقوق الإنسان.

 

تدرُّج القواعد القانونية وطبيعة المعاهدات الدولية:

ملامح الرقابة الدستورية في مصر

وفقًا للدساتير المصرية المتعاقبة منذ عام 1971، وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر عام 1979[3]، يتبنّى النظام القضائي المصري نموذج الرقابة المركزية على دستوريّة القوانين واللوائح الوطنية. وكنتيجة أساسية لتبنّي هذا النموذج، تُعتبر نظريّة تدرّج القواعد القانونية إحدى السمات الرئيسية التي تشكّل ملامح الرقابة القضائية على دستوريّة القوانين في مصر[4]. تجادل المقالة بأنّ التعديلات الجديدة تشكّل خروجاً غير مبرّر، وغير مفهوم عن هذه النظريّة[5]. وتجدُر هنا الإشارة إلى أنّ الدستور المصري يمنح المعاهدات الدولية قوّة “القانون” بمجرّد التصديق عليها ونشرها بعد موافقة مجلس النوّاب[6]. وبالتالي يجوز، وفقاً للنظريّة المذكورة، أن تمارس المحكمة الدستورية رقابتها على دستوريّة المعاهدات[7] وفقاً للقواعد المعمول بها للطعن في دستوريّة القوانين وذلك من زاويتين: من حيث استيفائها للأوضاع الشكلية التي تتعلّق بإبرامها والتصديق عليها ونشرها، بالإضافة إلى مراقبة اتّفاق مضمونها مع الدستور.

ولكن وفقاً لهذه التعديلات، سيكون للمحكمة الدستورية علاوة على ذلك سلطة “الرقابة على دستوريّة قرارات المنظّمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة”. وهي القرارات التي قد تصدر في حقّ مصر عن المنظّمات والهيئات التي تنشئها المعاهدات الدولية التي صدّقت عليها مصر.

وعليه، إنّنا نرى أنّ بسط الرقابة القضائية على دستوريّة قرارات الهيئات والمنظّمات الدولية الصادرة في حقّ مصر، لا يمكن أن يُفهم إلّا أنه يمنح المحكمة الدستورية العليا سلطة تعليق تنفيذ “أجزاء” من المعاهدة الدولية (مصدر شرعيّة تلك القرارات)، والآثار المترتّبة عليها. فعندما تقضي المحكمة الدستورية بعدم الاعتداد بقرار منظّمة أو هيئة دولية صادر في حقّ الدولة المصرية بناءً على أحكام اتّفاقية دولية، وافقت عليها مصر، وأصبحت جزءاً من تشريعها الوطني، فإنّ القرار يرشح في حقيقة الأمر عن “تعطيل” جانب أو جزء من أحكام هذه الاتّفاقية، وهو الأمر الذي يتعارض مع منهج المحكمة الدستورية العليا. فوفقاً للمحكمة، لا يجوز تطبيق بعض جوانب المعاهدة دون أجزائها الأخرى؛ والمقصود من ذلك، هو الامتناع عن تطبيق أحد نصوص المعاهدة الدولية أو أكثر، في نسختها النهائية التي وافقت عليها الدولة. يوضح الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية العليا المستشار عوض المُرّ أهمّيّة الوحدة العضوية لنصوص المعاهدات الدولية، مؤكّداً أنّه “ينبغي النظر إلى المعاهدة الدولية على أنّ أحكامها تتكامل في ما بينها، وتنظّمها وحدة عضوية تجمعها، وأنّ التوافق على تنفيذ نصوصها في مجموعها، كان من العوامل الجوهرية التي أدخلتها الدول في اعتبارها عن إبرامها أو التصديق عليها أو الانضمام إليها، فلا تجوز تجزئتها بالتالي، بل تُعاَمل المعاهدة في تمام أحكامها، بوصفها كلّاً غير منقسم”[8].

كما يتعارض هذا التعديل مع وظيفتها كمؤسّسة دستورية تعمل على فحص مدى توافق القواعد القانونية المختلفة، لا الأحكام والقرارات الدولية، مع الدستور الوطني. وعليه، إذا رأت الحكومة أنّ نصّاً في إحدى الاتّفاقيات الدولية لا يتوافق مع أحكام الدستور عليها أن تسْعى إلى تحريك دعوى قضائية تهدف إلى الحكم بعدم دستوريّة ذلك النصّ من الأساس، وليس محاولة تجميد هذا النصّ بالالتفاف حول آثاره والتنصّل من الالتزامات الناشئة عنه.

أيضاً، إنّ اتّباع مثل هذا النهج الذي يتيح وقف تنفيذ قرارات صادرة عن هيئات ومنظّمات دولية قد يصيب سمعة مصر في الأوساط الدولية بضرر بالغ جرّاء التنصّل من التزاماتها الدولية التي تعهّدت بالوفاء بها بمحض إرادتها[9]. فالمحكمة الدستورية العليا حين تباشر رقابتها على دستوريّة المعاهدات الدولية، تأخذ في الحسبان آثار أحكامها على علاقة مصر بالدول الأخرى[10]، وهو ما يعني أنّ تلك الآثار يجب أن تؤخَذ بعين الاعتبار بشكل أكثر تمعّناً حين يتعلّق الأمر بالرقابة على “دستوريّة” القرارات الصادرة عن الهيئات والمنظّمات الدولية، نظراً إلى ما تمثّله تلك القرارات من التزامات على عاتق الدولة المصرية، ينتظر المجتمع الدولي تنفيذها والوفاء بها. وبالتالي، أيّ إخلال بتنفيذ تلك الالتزامات قد تترتّب عليه أضرارٌ واسعة من شأنها أن تضع الدولة المصرية في موقف يصعُب تبريره في الأوساط الدولية المختلفة.

تُعتبر مسألة حدود الولاية القضائية للمحكمة الدستورية العليا إحدى المسائل الخلافية التي تثيرها التعديلات الجديدة، نظرًا إلى ما تطرحه من بسط ولاية “عالمية” لنطاق عمل المحكمة، بما يتعارض مع طبيعتها كمحكمة وطنية في الأساس. فالأصل أنّ الدستور ينظّم الحدود التي تباشر فيها كلّ سلطة ولايتَها، بما يتّفق مع طبيعة وظائفها[11]. وعلى الرغم من أنّ الدستور المصري نصّ على سلطات محدّدة للمحكمة الدستورية العليا، كما فتح الباب أمام إضافة اختصاصات أخرى جديدة للمحكمة يعينها القانون، فإنّ هذه الاختصاصات الجديدة يجب أن تتّفق مع طبيعة وظيفة المحكمة بالأساس[12]. وعليه، إنّ مراقبة دستوريّة قرار صادر عن إحدى هيئات الأمم المتّحدة أو اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان في مواجهة مصر، أو محكمة أجنبية في حقّ مواطنين مصريين، لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يُفهم على أنّه متوافق مع طبيعة الوظيفة المنوطة بها المحكمة الدستورية العليا.

فضلًا عن ذلك، لا تزال طريقة تعامل المحكمة وفحصها للقرارات الدولية المطلوب عدم الاعتداد بها غامضة حتّى الآن، كما إنّها تطرح تساؤلات عديدة. فوفقاً للتعديلات الجديدة، يجب أن يبيّن الطلب المقدَّم من رئيس مجلس الوزراء إلى المحكمة الدستورية النص أو الحكم الدستوري المدّعى بمخالفته، بالإضافة إلى أوجه المخالفة. فكيف ستفصل تلك الطلبات أوجه المخالفات المزعومة؟ وكيف ستشتبك المحكمة مع هذه “المخالفات”؟ في الوقت نفسه، كيف تستطيع المحكمة أن تقضي بعدم الاعتداد بقرار صادر عن هيئة دولية على الرغم من سريان الأثر القانوني لنصّ الاتّفاقية الدولية سند القرار، باعتباره جزءاً من التشريع الوطني دون التطرّق إلى دستوريّة النصّ نفسه من عدمه؟ هل ستعمد المحكمة في أحكامها إلى الإشارة إلى طبيعة الوقائع والمعلومات التي دفعتْ تلك الهيئات الدولية إلى اتّخاذ هذه القرارات والأحكام؟ حقيقةً، تثير تلك التساؤلات عدداً من الإشكاليّات التي ليس بوسع أحد الإجابة عنها إلّا بعد بدء تطبيق أحكام هذا القانون. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ المحكمة الدستورية قد سبق وأكّدت على أنّه “كلّما كان خوض المحكمة في دستوريّة المسائل المطروحة عليها، متوقّفاً على موازين وضوابط ومعلومات لا تتوافر لديها، فإنّها تخرج عن ولايتها”[13]. بناء على ذلك، يمكن القول بأنّ الاختصاصات الجديدة الممنوحة للمحكمة الدستورية العليا تتعارض مع نهج المحكمة المستقرّ فيما يتعلّق بقراءتها لطبيعة المعاهدات الدولية، ووضعها في النظام القانوني المصري، والآثار الناتجة عنها.

 

فلسفة التعديلات المقترحة وأهدافها: حماية الأمن القومي

وفقاً لمشروع القانون المُقدَّم من الحكومة، إنّ الهدف الرئيسي وراء إضافة تلك الاختصاصات إلى قضاء المحكمة الدستورية العليا هو ضرورة “قيام الدولة بالتعامل الإيجابي وفقاً للمصالح الوطنية، وفي إطار الدستور والقانون، مع أيّ من القرارات الدولية التي قد تؤثّر على الأمن القومي المصري”[14]؛ وهو الهدف الذي انتهت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس النوّاب إلى مشروعيّته. فوفقاً للتقرير الصادر عن اللجنة، إنّ ما تشهده الساحة الدولية من تغييرات سياسية، قد يؤدّي إلى صدور بعض القرارات أو الأحكام من بعض المنظّمات أو الهيئات أو المحاكم الدولية في مواجهة الدولة المصرية بدون أن تستند هذه القرارات إلى أيّ مشروعيّة قانونية[15]. في الوقت نفسه، لم يقدّم القانون أيّ إشارة إلى ماهيّة هذه الأخطار التي قد تمسّ الأمن القومي المصري جرّاء تنفيذ القرارات والأحكام المذكورة. وهو ما قد يشير إلى الأسلوب الانتقائي الذي من المرجّح أن يُتَّبع في محاولة وقف تنفيذ قرارات دولية بعينها دون قرارات أخرى. كما خلا تقرير لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس النوّاب من أيّ تفسير لغياب المشروعيّة القانونية عن هذه القرارات؛ حيث إنّ أيّ هيئة أو منظمة دولية تصدر قراراتها وفقًا للأحكام والإجراءات الداخلية المنظمة لعمل تلك الهيئة فقط، وهي الإجراءات المُعلنة لكافّة الدول الأعضاء فيها.

من ناحية أخرى، لم يُقدِّم مشروع القانون أيّ تصور عن حجّة الأحكام التي قد تصدر عن المحكمة الدستورية العليا بعدم الاعتداد بقرار هيئة صادر عن هيئة أو منظّمة دولية. فبينما يمكن التذرّع بهذه الأحكام داخلياً كمبرّر لعدم تنفيذ أحد القرارات الدولية، تظلّ هذه الأحكام بلا قيمة حقيقية خارجياً في مواجهة الهيئات الدولية المختلفة. فوفقاً لاتّفاقيّة فيينّا لقانون المعاهدات “لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتجّ بنصوص قانونه الداخلي كمبرّر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة”[16]. وهو ما يعني أنّه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال التذرّع بأنّ القانون المصري الداخلي يتيح للمحكمة الدستورية العليا سلطة تعطيل تنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئات والمنظّمات الدولية، كونه يُعدّ إخلالاً بتنفيذ نصوص المعاهدة الدولية ذاتها. وبالتالي، لا يمكن أن يتمّ تبرير تبنّي تلك التعديلات المقترَحة على أنّها سوف تؤدّي إلى مزيد من الحماية لمقتضيات الأمن القومي المصري بأيّ شكل من الأشكال، كونها فاقدة لأيّ فاعليّة حقيقية على أرض الواقع في مواجهة كافّة أعضاء المجتمع الدولي.

 

كيف نقرأ هذا التوسّع غير المسبوق في اختصاصات المحكمة الدستورية العليا؟

يظلّ الدافع الحقيقي وراء الإقدام على مثل هذا التوسع غير المسبوق في اختصاصات المحكمة الدستورية العليا غامضًا وغير واضح وفقاً للمعطيات الحالية، خصوصاً بعدما شهدت الجلسات البرلمانية الخاصّة بمناقشة التعديلات حذفَ بعض أجزاء مشروع القانون المقدَّم من الحكومة. فوفقاً للنصّ الأصلي لمشروع القانون، تتولّى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستوريّة قرارات المنظّمات والهيئات الدولية، وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية، المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة. حينها ظنّ كثيرون أنّ الغرض الأساسي وراء تلك التعديلات هو محاولة الامتناع عن تنفيذ الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم الدولية في حقّ مصر. وذلك بعد أن تكبّدت الدولة المصرية خسائر مادّية تُقدَّر بمليارات الدولارات في عدد من المنازعات التجارية الدولية المرفوعة أمام المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية التابع للبنك الدولي (إكسيد) على مدار الأعوام الماضية[17]. ونظرًا إلى ما قد يمسّ سمعة مصر في الأوساط التجارية الدولية وتقليص فرص الاستثمار في حال إعطاء المحكمة الدستورية العليا سلطة عدم الاعتداد بأحكام هيئات التحكيم الدولية، وافق مجلس النواب على حذف عبارة “هيئات التحكيم الدولية” من النصّ المقترَح إضافته إلى قانون المحكمة. وعلى الرغم من إيجابيّة هذه الخطوة نظراً إلى ما كانت سوف تمثّله من انتكاسة للنشاطات الاستثمارية في مصر، إنّها تطرح العديد من الأسئلة حول حقيقة الغرض وراء تلك التعديلات المتوقَّع تمريرها.

ومن المرجَّح أن تكون هذه التعديلات بمثابة إجراء وقائي استباقي، تسعى من خلاله الحكومة المصرية إلى تبرير عدم التزامها بأيّ قرارات أو أحكام دولية مستقبلية قد تصدر في حقّ مصر أو مسؤولين مصريين خلال الفترة القادمة. وهي القرارات التي غالباً ما سوف تتعلّق بوضع حقوق الإنسان في مصر، كونها أكثر القضايا التي تعرّضت الحكومة المصرية بسببها لعدد من الانتقادات الدولية في أكثر من مناسبة[18].

من ناحية أخرى، تثير التعديلات الجديدة إشكاليّة تنفيذ الأحكام الصادرة عن الهيئات والمحاكم الدولية المعنيّة بحقوق الإنسان، وعلى رأسها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التي تُعتبر الآليّة الرئيسية لحماية الأفراد من الانتهاكات التي قد تقع عليهم من قِبل الدول أعضاء اللجنة[19]. فوفقاً للتعديلات الجديدة، تملك المحكمة سلطة “عدم الاعتداد” بأيّ من قرارات اللجنة التي قد تصدر بإدانة الأجهزة التنفيذية في مصر بارتكاب أيّ انتهاكات تتعلّق بحقوق الإنسان. فعلى الرغم من عدم إلزاميّة القرارات الصادرة عن اللجنة، كونها هيئة شبه قضائية وليست محكمة بالمعنى القانوني، تُعتبر التوصيات التي تصدر عن اللجنة بإدانة إحدى الدول، أو حثّها على رفع الضرر الواقع على المتقاضين، مؤشّراً قويّاً على وقوع الانتهاك، ودلالة لا يمكن الاستهانة بها في الأوساط الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

 

خاتمة

إنّ التوسّع في الاختصاصات الموكلة إلى المحكمة الدستورية بهذا الشكل غير المسبوق ليشمل مراقبة دستوريّة قرارات المنظّمات والهيئات الدولية يتعارض بشكل صارخ مع الوظيفة الرئيسية للمحكمة، كما يُعدُّ إقحاماً لها في مجال الصراعات السياسية التي لا يجب أن يكون القضاء طرفاً فيها بأيّ حال من الأحوال. يجادل توم جنسبرج وتامر مصطفى في تحليلهما الهامّ لدور المحاكم في الأنظمة السلطوية، أنّ “شرعنة” القرارات غير القانونية التي قد تقدم عليها السلطة التنفيذية هي إحدى الوظائف الأساسية التي عادة ما توكل إلى المحاكم في ظلّ تلك الأنظمة[20] وذلك بوصفهم أنّ “التقليل في استخدام القوّة هو أيضاً عامل رئيسي في الحفاظ على السلطة”[21]. وعليه، في حال صدور أيّ قرار أو حكم عن إحدى الهيئات أو المنظّمات الدولية في حقّ مصر، لن تلعب السلطة التنفيذية أيّ دور في رفض هذا القرار أو عدم تنفيذه. بدلاً من ذلك، سوف تمنح المحكمة الدستورية العليا الغطاء “الشرعي” للتنصّل من هذا الالتزام الدولي والامتناع عن تنفيذه.

 

لقراءة المقال باللغة الانجليزية اضغطوا على الرابط:

Egypt Court Seek to Override Jurisdiction by International Bodies

 

[1] «النواب» يوافق على تعديل اختصاصات المحكمة الدستورية في مجموعه، المصري اليوم، 28 يونيو 2021.

[2] المادّتان 25 و26 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979.

[3] قانون المحكمة الدستوريّة العليا رقم 48 لسنة 1979.

[4]هانز كلسن: الأب الروحي للقضاء الدستوري“، د. يحي الجمل أستاذ القانون العامّ في جامعة القاهرة، المجلة الدستورية الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا، العدد الأوّل، يناير 2003.

[5] وفقًا لتلك النظريّة، يشكّل القانون مجموعة من القواعد في شكل هرمي، تعلو تلك القواعد على بعضها البعض في الدرجة، وصحّة القواعد الموجودة في كلّ طبقة تعتمد على القواعد الموجودة في الطبقة الأعلى وهكذا. فكلّ قاعدة تطبيق للقاعدة الأعلى منها وأساس للقاعدة الأدنى منها.

[6] المادّة 151 من دستور 2014.

[7] وفقاً لأحكام المحكمة الدستورية العليا، ينصرف مفهوم المعاهدة الدولية إلى كلّ أشكال الاتّفاق بين دولتين أو أكثر، إذا كان مكتوباً، سواء في وثيقة واحدة أو في وثائق متعدّدة، كما يندرج تحتها صور عديدة لمثل هذا الاتّفاق، “عهداً كان أم ميثاقاً أم إعلاناً أم بروتوكولاً، أو نظاماً أو تبادلاً لخطابين”. (دستورية عليا، القضيّة رقم 30 لسنة 17 قضائية “دستورية”، جلسة 2 مارس 1996)

[8] المستشار عوض المُرّ، الرقابة القضائية على دستوريّة القوانين، مركز رينيه جان دبوي للقانون والتنمية – ص337.

[9] عضو «تشريعية النواب»: تعديلات «الدستورية العليا» تمس سمعة مصر وتضيع هيبة المحكمة، موقع المصري اليوم، 27 يونيو 2021.

[10] الرقابة القضائية على دستوريّة تلك المعاهدات لا يجب أن تكون مجرّد رؤية قانونية لأحكامها، بل “تتداخل في تقييمها كلّ العوامل التي تتّصل بمناسبة إبرامها، والأوضاع التي تواجهها، والآثار التي تحدثها في علاقة مصر بغيرها من الدول”. لمزيد من التفاصيل، الرجاء مراجعة المستشار عوض المر، المرجع رقم 9، ص6.

[11] المرجع السابق، ص21.

[12] المادّة 192 من دستور 2014.

[13] دستورية عليا – القضيّة رقم 10 لسنة 14 قضائية “دستورية”، جلسة 19 يونيو 1993.

[14] تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية الخاصّ بمشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا، 14 يونيو 2021 ، ص2.

[15] المرجع السابق، ص4.

[16] المادّة 27 من اتّفاقيّة فيينّا لقانون المعاهدات التي اعتُمِدت من قِبل الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في 23 مايو 1969.

[17] بعد خسارة مليارات الدولارات في تسوية المنازعات: «التحكيم الدولي» أين الخطأ؟!، موقع المصري اليوم، 25 أكتوبر 2018.

[18] أكثر من 30 دولة تدين انتهاك الحرّيّات في مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة، موقع فرانس 24، 12 مارس 2021.

[19] تُعتبَر مصر عضواً في اللجنة بموجب التصديق على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 20 مارس 1984.

[20] Tom Ginsburg, Tamir Mustafa, Introduction: The Functions of Courts in Authoritarian Politics, in Rule by Law: The Politics of Courts in Authoritarian Regimes, Cambridge University Press, (2008) P.5

[21] المرجع السابق.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم دستورية ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، مصر



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني