اتجاه الحكومة المصرية لاستخدام الفحم في صناعة الأسمنت: انحياز جديد لأصحاب رؤوس الأموال على حساب حقوق المواطن


2014-03-25    |   

اتجاه الحكومة المصرية لاستخدام الفحم في صناعة الأسمنت: انحياز جديد لأصحاب رؤوس الأموال على حساب حقوق المواطن

في الشهور الأخيرة، القت المنظمات البيئة والحقوقية الضوء على اعلان الحكومة المصرية نيتها السماح لشركات الأسمنت باستخدام الفحم كمصدر بديل للطاقة في صناعة الاسمنت. وقد كانت الحكومة المصرية برئاسة هشام قنديل قد أعلنت في مايو 2013 عن دراستها لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة في صناعة الأسمنت[1]، ثم استمرت الحكومات التالية بما فيها الحكومة الحالية في انتهاج نفس الاستراتيجية.

شركات الأسمنت: الكثير من التسهيلات..القليل من احترام الحقوق
كان اتجاه الحكومة بالسماح لشركات الاسمنت باستخدام الفحم كمصدر للطاقة كنتيجة للنقص في الغاز الطبيعي[2]. والجدير بالذكر أن الحكومة تقوم بتوفير الغاز الطبيعي لشركات الأسمنت بأسعار مدعومة وليس بأسعاره الحقيقية، كما تقوم الحكومة كذلك بتقديم الدعم فيما يخص أسعار الكهرباء[3]. وهذا الأمر يطرح تساؤلات حول أسباب دعم شركات ضخمة لا تحتاج بالضرورة الى دعم، في موازاة تجاهل مستحقي الدعم، مما يؤشر الى خلل في العدالة الاجتماعية في مصر.

وعلى الرغم من حصول شركات الأسمنت على أسعار وقود تقل عن الأسعار العالمية، بادرت هذه الشركات في الفترة الأخيرة الى رفع أسعار الأسمنت لابتزاز الحكومة ودفعها للموافقة على استخدام الفحم في الصناعة، وهو الأمر الذي دفع جهاز حماية المستهلك بتقديم شكاوى ضد الشركات أمام جهاز منع الاحتكار[4]. ويعكس موقف الشركات إرادة بتخفيض كلفة مصادر الطاقة تبعا لرفع أسعار الغاز،  من دون أي اعتبار للأضرار البيئية والصحية التي قد تنجم عن ذلك.
 
استخدام الفحم كمصدر للطاقة: حقوق أساسية تنتهك والحكومة تغض النظر
رفض العديدون في مصر اتجاه الحكومة لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة، منهم الدكتورة ليلى اسكندر وزيرة الدولة لشئون البيئة بسبب أثاره السلبية على البيئة ومقومات الحياة في مصر. ولكن بالاضافة الى ذلك، فان استخدام الفحم كمصدر للطاقة يؤدي الى انتهاك حقوق أساسية دستورية.
فاستخدام الفحم يؤثر بشكل مباشر على الحق في الصحة (مادة 18 من الدستور المصري) والحق في بيئة صحية سليمة (مادة 46 من الدستور) حيث يؤدي على سبيل المثال الى زيادة نسبة الانبعاثات الغازية الخطيرة ومعها نسبة تلوث هواء القاهرة التي تعد من أسوأ مدن العالم من حيث نوعية الهواء[5]. فبدون استخدام الفحم يشير مصطفى مراد[6] أن مصر تتجاوز المعدلات المسموح بها لتلوث الهواء بنسبة 120% في المناطق الحضرية، و200% في المناطق الصناعية. وعليه، فان استخدام الفحم سيرفع من هذه النسبة، مما من شأنه أن يرفع نسبة الاصابة بأمراض متعددة منها سرطان الرئة وتضييق الأوعية الدموية على سبيل المثال[7].

كما تمثل النتائج السلبية المترتبة على استخدام الفحم كمصدر للطاقة انتهاكا للحق في السكن "الملائم والآمن والصحي" المنصوص عليه في المادة 78 من الدستور المصري، حيث ستؤثر الانبعاثات الصادرة من مصانع الأسمنت على المواطنين القاطنين على مسافات قريبة منها.
 
وفي الوقت الحالي، يعاني المواطنون المصريون من مشكلات صحية بسبب الانبعاثات الصادرة من شركات الأسمنت، ومخالفة الشركات لقوانين البيئة. ونذكر على سبيل المثال الدعوى القضائية التي اقامها سكان منطقة وادي القمر بالاسكندرية أمام محكمة القضاء الاداري ضد مصنع أسمنت في المنطقة بعد اصابتهم بأمراض صدرية وموت البعض منهم نتيجة الانبعاثات الصادرة عن المصنع بالمخالفة لقانون البيئة[8]. وهو ما يؤشر الى انتهاك الشركات حاليا للحق في الصحة، البيئة الصحية والسكن الصحي.

اضافة على ما سبق، يشير البعض[9] الى احتمالية تسرب بقايا الفحم الى التربة الزراعية والمياه السطحية والجوفية، ومن ثم الاضرار بالمحصولات الزراعية، الثروة الحيوانية، والاضرار بالمياه، والاضرار بالثروة السمكية اذا تسرب الى مياه البحار.
 
الحكومة المصرية: مصالح أصحاب رؤوس الأموال أولا
رغم كل ما تقدم، لم تقم الحكومة المصرية بأي دور فعال لوقف هذا التوجه أو للحد من مخاطره. وأكثر تحديدا، لم تقم بأي خطوة لدرس امكانيات تقليل الانبعاثات الغازية الخطيرة، أو لنقل المصانع بعيدا عن المناطق السكنية، أو لفرض عقوبات جدية وحازمة على الشركات المخالفة وغيرها من التدابير التي من شأنها الحفاظ على البيئة وصحة المواطنين وحقوقهم. 

كما تجدر الإشارة الى أن وزير الصناعة والاستثمار في الحكومة الحالية أعلن أن شركات الأسمنت ستقوم باستخدام الفحم في صناعة الأسمنت أول سبتمبر القادم "بشرط الالتزام بمعايير بيئية صارمة"[10]، وذلك قبل الانتهاء من الدراسة المعنية بتوضيح الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة التي تقوم بها لجنة وزارية[11] والتي ستحدد امكانية استخدام الفحم من عدمه، وبرغم رفض وزيرة الدولة لشؤون البيئة وتحذيراته المتكررة من التأثيرات السلبية لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة. وتأكيد الوزير على ضرورة الالتزام بمعايير بيئية صارمة يظهر خاليا من أي قوة تنفيذية عند النظر الى كيفية تعامل المراجع الحكومية مع ال850  مخالفة بيئية الخاصة بالانبعاثات الصادرة عن مصانع الاسمنت خلال عام 2012 فقط[12].

وعلى سبيل المثال، قامت بعض شركات الأسمنت منها شركة لافارج الفرنسية، في بداية العام الحالي، باستيراد الفحم فعلا دون انتظار صدور قرار رسمي من الحكومة المصرية[13] في انتهاك صريح للقوانين المصرية، مما يدلل ذلك على ثقتها في قدرتها في الافلات من العقاب. وقد خالفت الشركة بذلك نص المادة 19 من قانون البيئة الصادر عام 1994 التي تنص على ضرورة تقديم دراسة أثر بيئي للمشروع للجهة الادارية المختصة قبل البدء فيه للترخيص لتنفيذه. كما خالفت نص المادة 40 من القانون الذي يلزم الشركة أن يكون "الدخان والغازات والأبخرة الناتجة" من حرق أي نوع من أنواع الوقود في الحدود المسموح بها.

وختاما، بقي أن نذكر أن العقوبات التي ينص عليها القانون في مواجهة مخالفات مماثلة لا تتعدى الغرامة المالية وهي حكما عقوبات لا تردع أيا من الشركات الكبرى.
 



[1] راجع "حملة مصريون ضد الفحم تكتب لبوابة الشروق: هذه أسبابنا لرفض قرار الحكومة استخدام الفحم"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 11-3-2014.
[2] راجع ورقة موقف صادرة عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يرفض استخدام الفحم كمصدر بديل للطاقة"، صادر بتاريخ 16-12-2013.
[3] راجع "حملة مصريون ضد الفحم تكتب لبوابة الشروق: هذه أسبابنا لرفض قرار الحكومة استخدام الفحم"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 11-3-2014.
[4] راجع البيان الصحفي الصادر عن حملة مصريون ضد الفحم بتاريخ 11-3-2014، تحت عنوان "شركات الأسمنت تبتز الدولة والمصريين، فهل نخضع للابتزاز؟".
[5] راجع ورقة صادرة عن حملة "مصريون ضد الفحم" تحت عنوان "ورقة عن تأثير استخدام الفحم على الصحة".
[6] راجع "وزيرة البيئة للشروق: الحكومة لم تسمح باستخدام الفحم ومزيج الطاقة المطروح يشمل مصادر متجددة"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 12-3-2014.
[7] راجع "حملة مصريون ضد الفحم تكتب لبوابة الشروق: هذه أسبابنا لرفض قرار الحكومة استخدام الفحم"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 11-3-2014
[8] راجع "وادي القمر..احترس الهواء فيه سم قاتل"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة المصري اليوم بتاريخ 3-3-2014.
[9] راجع لويز سارانت، "حرب الفحم"، نشر على الموق الالكتروني "مدى مصر"، بتاريخ 17-11-2013.
[10] نشر الخبر على الموقع الالكتروني للأهرام الرقمي بتاريخ 11-3-2014، تحت عنوان "وزير الصناعة: استخدام الفحم في المصانع سبتمبر المقبل".
[11] راجع "وزيرة البيئة للشروق: الحكومة لم تسمح باستخدام الفحم ومزيج الطاقة المطروح يشمل مصادر متجددة"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 12-3-2014.
[12] نقلا عن صفحة حملة مصريون ضد الفحم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
[13] راجع "البيئة: ايقاف شركة لافارف لسعيها استخدام الفحم في صناعة الأسمنت"، نشر على بوابة أخبار اليوم بتاريخ 4-2-2014.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني