إدانة المرزوقي أو الانقلاب على الحرية


2021-12-23    |   

إدانة المرزوقي أو الانقلاب على الحرية

مساء يوم 22-12-2021 أصدرت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس حكما غيابيا يقضي بسجن الرئيس التونسي الأسبق منصف مرزوقي مدة أربعة أعوام من أجل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي بتعمّد تونسيّ ربط اتصالات مع أعوان دولة اجنبية الغرض منها أو كانت نتيجتها الإضرار بالمصالح الديبلوماسية لتونس. وبالنظر لوقائع القضية التي تمثلت في تصريحات صدرت عن المرزوقي أدانت إجراءات 25 جويلية واعتبرتها انقلابا على الديموقراطية وللوقت القياسي الذي صدر فيه هذا الحكم وقسوة العقوبة التي رشح عنها، فإنه يشكّل مؤشرا خطيرا على ما قد يكون من توظيف سياسي للقضاء الجزائي صيغت أول فصوله أمام كاميرا التلفزة وكان مهندسها رئيس الجمهورية. 

لكي لا ننسى: الرئيس سعيد هرسل القضاء طلبا لهذه المحاكمة

بمناسبة أوّل مجلس للحكومة الجديدة في تاريخ 14 أكتوبر 2021، تحدّث الرئيس قيس سعيّد مطوّلا عمّن سمّاه “البعض” (وهو يقصد المرزوقي) متّهما إياه “بالتوجّه للخارج لاستجداء الإضرار بمصلحة بلدهم”. ولم يفُتْ سعيّد أن يعلن بأن “من فعل ذلك سيُسحب منه جواز السفر الدبلوماسي لأنه يعدّ في عداد أعداء تونس ولا مجال لأن يتمكّن من هذا الامتياز وهو يجوب العواصم ويلتقي عددا من الأشخاص”. أخيرا، وجّه الرئيس سعيّد أمرا بالمناسبة نفسها لوزيرة العدل استنادا للفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية بأن تثير تتبّعا جزائيا ضدّ هذا البعض (المرزوقي) على خلفية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي” طالما “أن الكلمة للشعب وليست لعواصم بالخارج أو لخونة يلتجؤون للخارج لضرب بلادهم التي تحملوا فيها المسؤولية.” وطبعا لم ينسَ الرئيس في كلمته تلك ما اعتاد من وصم للقضاة بالفساد واتهام لهم بالتقصير في تتبع السياسيين الفاسدين زيادة على تهديدهم بتطهير سيخلّص القضاء من المتسيّسين منهم. وكان واضحا في كل هذا أن السياسي بمزاج الحاكم المطلق اختار أن يكون خصمه منصف المرزوقي كبش الفداء لأول فشل ديبلوماسي له وأن يكون القضاء مذبحه .

وهنا لم يكن خافيا على من يتابع الشأن القضائي أنّ اضطرار سعيد لأن يثير التتبّعات ضدّ المرزوقي بواسطة وزيرته للعدل لم يكن ليحصل لولا مقاومة وجدها من النيابة العمومية بمحكمة تونس الابتدائية لضغط سابق لوسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي الموالية له. وقد بدا عند هذا الحدّ القضاء في موقع الممانعة للتدخل السياسيّ في عمله وهي صورة قد لا تكون خاطئة لكثرة المؤشرات التي تؤكدها ومن أهمها محدودية عدد الملاحقات التي قد توصف بالسياسية خلال فترة ما بعد 25 جويلية مقارنة بما تطلبه السلطة السياسية وبما تعرفه البلاد من حراك. وهو أمر أفسدت إجراءات محاكمة المرزوقي جماليّة الرسائل التي تضمّنها لما كشفت عنه من تسرّع وقبول بلعب الدور السياسي.

وجب أن ننتبه: إجراءات المحاكمة تبعث على الريبة

بتاريخ 15-10-2021، كشف الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس عن فتح البحث التحقيقي ضد المرزوقي . تبعا لذلك وبتاريخ 04-11-2021، أعلن عن إصدار بطاقة جلب دولية في حقّه لما ثبت من إقامته خارج التونس انتفى بعدها كل حديث عن القضية ليفاجأ الجميع بخبر تعهد الدائرة الجناحية بموضوعها وإصدارها حكما فيها. وهو ما يثير أكثر من سؤال حول إجراءات نظر القضية من أهمها:

  1. كيف تمكن قاضي التحقيق من ختم أبحاثه حال أنه أصدر في القضية التي تعهّد بها بطاقة جلب دولية لا يتوقع أن تصله نتيجتها في مثل الأجل القصير الذي استغرقه عمله؟
  2. هل تم استقراء الوقائع بحثا عن أدلة الإدانة والبراءة كما يفرض القانون؟ وهل يمكن أن يتم ذلك بمثل السرعة التي حصلت خصوصا وأن تأجيل القمة الفرنكفونية التي يتهم المرزوقي بكونه كان السبب فيه باب من شبه المؤكد أن عجز تونس عن الإعداد اللوجستي لها كان من أهم أسبابه؟

وكان في كل هذا وباعتبار ما هو معلوم من ضغط كبير للعمل القضائي بمحكمة العاصمة ختم التحقيق ونشر القضية بدائرة حكمية وصدور الحكم تاليا في أجل لا يتجاوز في كل الأحوال شهرا واحدا مما يثير الريبة ويمنع القبول بكون المحاكمة قد احترمت معايير المحاكمة العادلة وغاب عنها توظيف القضاء وهو أمر يدفع لخشية جديّة على الحريات.

محاكمة تقول لنا: قضاء تونس في خطر فلننتبه

يؤكد ما يتداول من أخبار عن نشاط الرئيس المرزوقي السياسي خارج تونس والمتّسم بكثرة تنقله بين العواصم الغربية أن بطاقة الجلب التي صدرتْ عن القضاء التونسي في حقّه لم يكن لها من أثر عليه لما هو واضح من رفض لها لصبغتها السياسية. وينتظر تاليا وكما أكد المرزوقي ذاته في أول تعليق صدر عنه بعد بلوغه العلم بالحكم أنه – أي الحكم – لن يؤثر فعليا على حريته. في المقابل، فإن ما برز من تسرّع في إصدار أحكام في قضايا كانت خلفيتها السياسية واضحة يولّد خشية على الحريات بتونس في ظل حكم الرئيس قيس سعيد لما هو واضح من محاولاته المتكررة والدائمة للتدخّل في القضاء والتي يظهر جليا أنها بدأت تحقق نجاحات لا تطمئن.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تونس ، قضاء ، محاكمة عادلة ، حريات ، المرصد القضائي ، سياسات عامة ، محاكم مدنية ، أحزاب سياسية ، حرية التعبير ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني