أزمة المازوت والكهرباء ترفع سعر الحطب.. والثروة الحرجية الضحية الأولى


2021-10-06    |   

أزمة المازوت والكهرباء ترفع سعر الحطب.. والثروة الحرجية الضحية الأولى

“سأكتفي هذا العام بإشعال صوبيا (مدفأة) واحدة، ربما تلك الموجودة في المطبخ فقطـ، ولن أشعل الأخرى الموجودة في غرفة الجلوس”، تقول رحاب أمهز لـ”المفكرة القانونية” شارحة أنّها تحاول أن تقتصد باستخدام المازوت لعلّ الكمية التي وفرتها من مخزون الشتاء الماضي على سطح منزلها في اللبوة (بعلبك-الهرمل) تكفيها لتلك الأيام التي يشتد فيها البرد شتاء بعد أن تنخفض درجات الحرارة إلى 4 تحت الصفر، لاسيّما أنها تحتاج خلال فصل الشتاء الواحد إلى حوالي 1000 ليتر من المازوت الذي بات مؤخراً مفقوداً من السوق ويباع بأسعار خيالية إن وجد، حيث يصل سعر 20 ليتراً منه إلى 350 ألف ليرة في السوق السوداء إن وجد، بينما سعّرته وزارة الطاقة ب 162 ألف و700 ليرة لبنانية.

يبدو وضع رحاب السيئ أصلاً أفضل من غيرها، فجارتها مثلاً ستستغني عن مدفأة المازوت كلياً، لن تشعلها هذا العام، إذ قامت بقطع أشجار الصنوبر والسرو الموجودة أمام منزلها منذ عقود، لتدفأ مع عائلتها على خشبها “جيران وأصدقاء كثر قاموا بقطع أشجارهم” تقول رحاب.

حال رحاب وجارتها تلخّص حال معظم اللبنانيين الذين يسكنون في المناطق الجبليّة والذين باتوا  يبحثون عن وسائل تدفئة تكون أقلّ كلفة من تلك التي تحتاجها للمحروقات ولاسيّما بعدما تراجعت قدرتهم الشرائية بسبب انهيار قيمة الليرة مقابل الدولار، وبعدما ارتفعت أسعار السلع والخدمات ورفع الدعم عن السلع الأساسية ومنها المحروقات، ليصبح السؤال: بماذا يمكن الاستعانة هذا العام؟ المازوت مفقود وأسعاره خيالية إن وجد، والكهرباء غير متوافرة وأسعار فاتورة اشتراك المولدات تتجاوز المليون لكلّ 5 أمبيرات، أما الغاز فقد قاربت تسعيرة القارورة الواحدة منه 160 ألف ليرة قابلة للارتفاع أكثر بعد رفع الدعم كلياً في المرحلة المقبلة، وحتى الحطب الذي يعتبر أقل كلفة ارتفع سعره بسبب كثرة الطلب عليه، ليلامس مليوني ليرة حتى الآن.

“بحسبة بسيطة يبدو استعمال مدفأة المازوت ضرب من الجنون”، يقول سامر وهو رب أسرة في أواخر الخمسين، يسكن في الـ”قبيع” في المتن الأعلى، موضحاً لـ “المفكرة” أنه يحتاج في فصل الشتاء إلى حوالي 7 براميل مازوت (200 ليتر في البرميل) والتي لم يتجاوز سعرها العام الماضي 200 ألف ليرة للبرميل الواحد أما اليوم فلا سقف له، وبالتالي تحتاج كل أسرة كمية مازوت تتراوح قيمتها بين 15 و20 مليون ليرة.

الاستعانة بما تبقى من مخزون العام الماضي لا تكفي

يبدو أنّ بعض اللبنانيين توقّعوا ومنذ الشتاء الماضي أن تكون الأوضاع الاقتصادية أسوأ هذا الشتاء، فعملوا على تخزين كميات قليلة من المازوت مثل جاد حجار الذي احتفظ  بثلاثة براميل مازوت من العام الماضي، سعة الواحد منهم 200 ليتر. ويقول لـ”المفكرة”: “كنت أعرف أنّ هناك أزمة مازوت في طريقها إلينا، كانت واضحة، لذلك قرّرت ألّا أستهلك الكمية التي بقيت عندي من الشتاء الماضي وتركتها لهذه السنة”. 

يسكن جاد في شحيم (قضاء الشوف) حيث تنخفض الحرارة إلى درجتين أيام الشتاء الباردة والعاصفة، ما يعني أنّ كمية المازوت الموجودة في البراميل عنده ستنفذ قبل أن ينتهي فصل الشتاء، لذلك يحتفظ في منزله بمدفأة حطب للاستعانة بها في حال لم يتمكّن من تأمين المازوت لاحقاً. 

ومن الشوف إلى جنوب لبنان يبدو المشهد نفسه، إذ يشير جوزيف حنا من رميش، وهو أب لثلاثة أولاد، إلى أنه يحتفظ بنصف برميل من المازوت، ويقول لـ”المفكرة”: “أنا متل نص ضيعتي ح نعاني كتير بالشتا. الكمية الموجودة عندي لن تكفي لإشعال المدفأة مدة أسبوعين، الأزمة صعبة وتنكة المازوت إذا توفرت، غالية كتير، ونحنا منستهلك نحو برميلين ونصف بفصل الشتا”. 

الحطب كبديل.. ليس رخيصاً أيضاً 

نتيجة هذه الأزمة، لجأ كثيرون مؤخّراً إلى استخدام مدفأة الحطب، لتكون المفاجأة أنّ سعر الحطب الجاهز ارتفع مع ارتفاع أسعار المحروقات أيضاً، بسبب ارتفاع الطلب عليه.

ويقول جلال ضاهر لـ”المفكرة”: “احتفظنا من العام الماضي بحوالي طن من الحطب، لكن هذه الكمية لا تكفي”، مضيفاً: “لذا قرّرنا شراء كمية أكبر من الجفت (تفل الزيتون) نستخدمها للتدفئة مع قليل من الحطب، طلبنا من التاجر 3 أطنان من الجفت، لنفاجأ أنّ أسعارها تضاعفت أيضاً، فبعد أن كانت كلفة الطن 300 ألف ليرة باتت مليون و700 ألف ليرة”. 

فبحسب ضاهر (19 عاماً) وهو طالب جامعي، يقطن في بلدة بقاعصفرين (الضنية)  تستخدم غالبية سكان البلدة الحطب لا المازوت للتدفئة هذا العام، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، بل لأنّ المازوت لا يتوافر في المنطقة أيضاً.

ويضيف لـ”المفكرة”: “وضع الأهالي المادي هنا، ليس ميسوراً، ورغم هيك عم تحاول الناس فعل المستحيل لتأمين التدفئة لأطفالها ولكبار السن، وهيك بيستخدم الدفاية للطبخ والعجن كمان”.

وتشير رحاب أمهز إلى أنّ سعر طن الحطب في اللبوة بات بحدود 3 ملايين ليرة، في وقت تحتاج فيه كل عائلة إلى ما بين 4 و5 أطنان، وبالتالي تتراوح  كلفة شراء الحطب لكلّ عائلة من 12 إلى 16 مليون ليرة في موسم الصقيع.   

 

الأمر نفسه يؤكّده حسين عبدو (أبو رعد) الذي يبيع الحطب في منطقة اللبوة (البقاع)، ويقول لـ”المفكرة”: “تجار الحطب يستغلون إقبال الناس عليه هذا العام. لقد رفعوا سعر طن الحطب، لنفس النوعية، من مليون و200 ألف ليرة إلى مليونين ونصف ومليونين و700 ألف ليرة، رغم أنّنا كنا متفقين على السعر السابق”. 

ويضيف عبدو: “على هذه الحال، فإنّ راتب معيل العائلة لسنة كاملة لن يكفي لتأمين ثمن حطب المدفأة في الشتاء”.

وفي السياق نفسه، يشير المزارع  بيار نصّار من جرد البترون إلى أنّ الطلب على الحطب ارتفع أكثر من عشر مرات هذا العام رغم أنّ أسعاره مرتفعة كما المازوت، والسبب الرئيسي هو فقدان الأخير من السوق” ويقول نصّار الّذي يعمل في تنسيق الحدائق وهندستها وتشحيل (تقليم) الأشجار برخصة من وزارة الزراعة لـ “المفكرة”، إنّ “سكّان الأرياف والقرى يقومون بالتحطيب من الأراضي المجاورة، بهدف التدفئة المنزلية، أما الطلب الكبير فهو من مناطق بشري وكسروان وفاريا وعيون السيمان، حيث المطاعم الشتوية وأصحاب الشومينيه (المواقد)”. 

ويلفت نصّار إلى أنه بسبب الأوضاع الاقتصادية الراهنة، “لم يعد الناس يميّزون بين أشجار معمّرة ومصنّفة حرجية ولا تعوّض مثل الأرز، وبين الأشجار المثمرة مثل الليمون والزيتون، والأخيرة يمكن تشحيلها وقطعها لزراعة أنواع أخرى، وهي تحتاج، كي تنمو مجدداً، حوالي 3 سنوات، بعكس الأشجار المعمرة”. 

ويؤكد أنّ الحطّابين ليس بمقدورهم تلبية الطلب الكبير على الحطب، وأنّ هناك بعض الناس الذين يقومون بقطع عشوائي لاسيما بعد الحرائق التي حصلت، ما سيكون له أثر سلبي على البيئة.   

أسعار المدافئ مرتفعة أيضاً

ومن المتوقّع أن يزيد الإقبال هذا العام على شراء مدافئ الحطب، ولكنّ “الصورة لم تتضح بعد. فذروة الإقبال على شراء المدافئ، تكون خلال الشهر المقبل، ولكنّ الظاهر أنّ غالبية العائلات ستعتمد أكثر على مدافئ الحطب، لأنّه مهما ارتفع ثمنها، تبقى أقل كلفة من مدافئ المازوت”، وفق ما يقول عصام عاشور، وهو صاحب محل لبيع المدافئ في شقرا جنوب لبنان لـ”المفكرة”. 

ويضيف عاشور: “في السنوات السابقة، كنّا نبيع حوالي 1500 مدفأة وصوبيا، لكن السنة الماضية، بعنا 300 فقط، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، أما هذا العام، فالأزمة تفاقمت أكثر”.

وبالتالي فرضت أزمة المازوت تحوّلاً في المدفأة، ما تسبّب بكلفة إضافية على المواطنين، إذ اضطر كثيرون لشراء مدافئ جديدة على الحطب بدلاً من تلك الموجودة عندهم والتي تعمل على المازوت. 

وتبدأ أسعار مدفأة المازوت من 23 دولاراً وتصل إلى 700 دولار، إذ تسعّر بحسب الشكل والمواد التي دخلت في تصنيعها، أمّا أسعار مدفأة الحطب فتتراوح أيضاً بين 23 و650 دولاراً. 

قطع الأشجار من أجل “التحطيب” 

يهدّد ارتفاع أسعار الحطب الجاهز الذي دفع بعدد كبير من الناس إلى اللجوء إلى جمع الحطب عبر قطع الأشجار بعشوائية، البيئة الحرجية، وهو أمر يدفعنا إلى التساؤل عن دور المعنيين بحماية الأحراج، ومدى قدرتهم على منع القطع العشوائي. 

وفي الإطار يقول مصدر في وزارة الزراعة لـ”المفكرة”: إنّ القطع العشوائي سيبدأ في الأيام المقبلة. والخوف الكبير من خسارة الأشجار الحرجية وأنواع أخرى من الأشجار التي لا يمكن أن تنمو مجدداً في حال تمّ قطعها، مثل شجر الأرز واللزاب، لذا الخسارة ستكون كبيرة، معنوياً ومادياً.

ويضيف المصدر أنّه وبالتزامن مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات والحطب ومع تراجع قدرة مراكز الأحراج التابعة لوزارة الزراعة في ممارسة مهامها، لأسباب لوجستية تعود للأسباب الاقتصادية نفسها التي يعاني منها الناس، وتتمثل بعدم توافر الآليات الكافية للتحرك والمتابعة ونقص وقود البنزين وحتى عدد الموظفين، لن يكون بإمكان الوزارة منع القطع العشوائي ولا حتى التخفيف منه”، لذا يتوقع أن تشهد المناطق الحرجية قطع عدد كبير من الأشجار هذا العام. 

ويلفت المصدر نفسه إلى أنه، من أجل الحد من قطع الأشجار، لا بد أولاً من تأمين المازوت بأسعار مقبولة للناس، أو الحصول على مساعدات خارجية من الحطب، معتبرا أن الحواجز الأمنية الثابتة في المناطق، يمكنها لو  اتُخذ القرار، لجم القطع العشوائي راهناً، من خلال توقيف أي “بيك آب” محملاً بالحطب أو بالفحم، للتأكد من أن القطع مرخص له من قبل وزارة الزراعة أم لا.

ويلاحظ أحد تجّار الحطب في حديث مع “المفكرة” أن القوى الأمنية ومأموري الأحراج “يغضّون النظر عن قطع الأشجار هذا العام كون الأوضاع الاقتصادية للمواطنين سيئة، يعني في ناس إذا ما أمّنت الحطب ممكن يموتوا أطفالها من البرد”، ليخلص إلى “أنّ الأحراج ستدفع الثمن الأكبر للأزمة”.  

العودة إلى منقل الفحل

يتّجه بعض اللبنانيين نحو إعادة استخدام أساليب أكثر تقليدية، كمنقل الفحم، والاكتفاء بمدفأة الغاز رغم ارتفاع سعر قارورته، فيما لجأ آخرون إلى تغيير مكان سكنهم والانتقال إلى منطقة تكون أقل برداً، مثل النزوح من الجبل الى منزلهم في العاصمة بيروت، لقضاء فصل الشتاء.  

وفي هذا السياق، يقول جاد حجار “قرر عمي ينزل يقضي الشتوية ببيته بيروت، بس لو حتى ما عندو بيت، ودفع إيجار بيت خلال سكنه في المدينة، يبقى أرخص من كلفة وسائل التدفئة بالضيعة بشحيم”.

بالتزامن مع هذا الواقع الكارثي، بدأت بعض الأحزاب بالترويج بأنّها ستقوم بتوزيع حصص من المازوت، وهذا ما أكده أحد سكان اللبوة لـ”المفكرة”، معتبراً أنها رشوة انتخابية ولاسيّما في ظل تراجع تأييد الناس ونقمتهم على الأحزاب الممثلة هناك. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، تحقيقات ، فئات مهمشة ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني