منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تزايدت ظاهرة إصدار قوانين لمكافحة الإرهاب فى كثير من الدول، حتى تلك الدول المسماة بالديمقراطية التى عُرفت باحترامها وحمايتها لحقوق الإنسان.
وفى مصر لم يكن هناك قانون خاص لمكافحة الإرهاب. لكن استحدثت نصوص فى القوانين الجنائية العادية لمواجهة الجرائم العادية التى ترتكب تحقيقا لغرض إرهابي. هذه النصوص أضيفت إلى قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية بالقانون رقم 97 لسنة 1992. وفي سنة 2007، تم تعديل دستور 1971، حيث وضعت المادة 179 أساسا دستوريا لقانون خاص بمواجهة أخطار الإرهاب. وتبعا لذلك، بدأ التفكير فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى إصدار قانون خاص لمكافحة الإرهاب يحل محل قانون الطوارئ الذى عاشت مصر تحت وطأته ثلاثين عاما متصلة، قيل عنه فى حينه أن القانون المزمع إصداره سوف يوازن بين حماية الحرية الفردية وحماية الأمن العام من الاعتداءات الإرهابية. وقد أُعدّ مشروع قانون لمكافحة الإرهاب فور سريان التعديلات الدستورية فى سنة 2007، لكن الحكومة ترددت تحت ضغط المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية فى إصداره. ولما صدر دستور 2012 تبعا لثورة يناير 2011، لم يتضمّن أيّ نص يؤسس لإصدار قانون لمكافحة الإرهاب. وبعد ثورة 30-6-2013، صدر دستور 2014 متضمّنا نصّ المادة 237 التي تقرّر التزام الدولة بمواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله وتعقب مصادر تمويله وفق برنامج زمني محدّد باعتباره تهديدا للوطن وللمواطنين مع ضمان الحقوق والحريات العامة. وينظّم القانون أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه.
وساهمت الأحداث الإرهابية التى أعقبت ثورة 30-6-2013 فى إحياء فكرة إصدار قانون مستقلّ لمكافحة الإرهاب. وأعد مشروع قانون لهذا الغرض قدم إلى رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور، لكنه رفض إصداره ووجه بضرورة طرحه أولا للحوار المجتمعي. وقامت لجنة الإصلاح التشريعي التى شكلت بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم فى البلاد بمناقشة المشروع الذى انقسم حوله الرأي بين مؤيد لإصدار قانون خاص بمكافحة الإرهاب لمواجهة أخطاره المتزايدة، ورافض لفكرة إصدار مثل هذا القانون. وقد تأسس الرفض على فكرة أنه يمكن تعديل النصوص الموجودة فى القوانين القائمة، وأن مصر لا تحتاج قانونا خاصا لمواجهة الإرهاب، لكن إلى استراتجية شاملة لمكافحة الإرهاب، تشكل النصوص الموجودة بعد تطويرها الشق الجنائي في هذه الاستراتيجية.
وجاء اغتيال النائب العام هشام بركات في 29-6-2015 ليحرّك من جديد الأصوات المنادية بضرورة الإسراع بإصدار قانون مكافحة الإرهاب قيد الدراسة. وتلا هذا الحادث الإجرامي الأحداث الإرهابية الدامية التى وقعت فى شمال سيناء فى الذكرى الثانية لثورة الثلاثين من يونيه، لتعجل بإقرار مجلس الوزراء في 1-7-2015 لمشروع قانون مكافحة الإرهاب، ضمن حزمة من التشريعات التى قيل إن هدفها تعجيل الفصل فى الجرائم الإرهابية تحقيقا للعدالة الناجزة التى تحول دونها القوانين القائمة.
وقد ظهر تأثير الأحداث الأخيرة واضحا فى البيان الصادر عن مجلس الوزراء عقب اجتماعه في 1 يوليو، حيث ورد فيه أنه “في ظلّ ما يمر به الوطن هذه الأيام من أحداث جسام تتصاعد فيها وتيرة الإرهاب بشكل يعرض أمن الوطن والمواطنين للخطر…إنعقد المجلس … لمواجهة ظاهرة تنامى الإرهاب، واتخذ من الإجراءات ما يردع تلك الجماعات الإرهابية على النحو التالى:
أولا: إقرار حزمة من مشروعات القرارات بقوانين التى تحقق العدالة الناجزة والقصاص السريع لشهدائنا،
ثانيا: الموافقة على مشروع قرار بقانون مكافحة الإرهاب والذى يحقق الردع السريع والعادل، وكذا اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجفيف منابع تمويل الإرهاب” .
وقد أدخل مجلس الوزراء تعديلات على المشروع القديم بعد موافقة مجلس الدولة عليها. فزاد عدد مواد المشروع من 52 إلى 55 مادة. ولا شك فى أن الأحداث المؤلمة التى عاشها الوطن فى الأيام السابقة على إقرار المجلس للمشروع، والتي دفعت إلى التعجيل بإرسال مشروع قانون الإرهاب إلى رئيس الجمهورية تمهيداً لإصداره خلال الأيام القليلة القادمة، قد ألقت بظلالها على نصوص هذا المشروع، سواء فى ذلك النصوص الموضوعية الخاصة بالتجريم والعقاب أو النصوص الإجرائية المتعلقة بإجراءات الاستدلال والتحقيق والمحاكمة. فالجرائم تنوعت وشملت عددا من الأفعال المعاقب عليها فى قانون العقوبات. كما أن العقوبات جرى تشديدها وأضيفت إليها تدابير احترازية جوازية للقاضي أن يحكم بها مع العقوبة الأصلية. وكانت المفكرة نشرت في وقت سابق تعليقا على المشروع المقترح عام 2013. ونعرض فيما يلى أهم التعديلات التي طالت هذا المقترح وملامح المشروع الحالي، قبل أن نجيب على التساؤل المطروح فى العنوان عن مدى حاجة مصر إلى قانون خاص بمكافحة الإرهاب.
أولاً: الأحكام الموضوعية في المشروع
وردت الأحكامالموضوعية فى الباب الأول من مشروع القانون. وقد خصّص الفصل الأول منه للأحكام العامة، التى تشمل التعريفات للعمل الإرهابي والإرهاب والجريمة الإرهابية والجماعة الإرهابية والأسلحة التقليدية وغير التقليدية المستخدمة فى العمليات الإرهابية، ونطاق تطبيق القانون…الخ.
وتناول الفصل الثانى الجرائم الإرهابية وهي عديدة ومتنوعة، وعددها 33 جريمة، منها 12 جريمة عقوبتها الأصلية الإعدام. وتوجد عقوبات أخرى مثل السجن المؤبد والمشدد والحبس لجنح مرتبطة بالجرائم الإرهابية. وفى كل جريمة من الجرائم المنصوص عليها، توجد عدة أفعال تدخل فى نص التجريم، وبعضها أفعال تجرمها نصوص فى قانون العقوبات أو غيره من القوانين العقابية المكملة لقانون العقوبات، وهو ما يؤدي إلى الإلغاء الضمني لهذه النصوص عند التعارض طبقا لقاعدة اللاحق يلغي السابق أو قاعدة النص الخاص يفضل على النص العام.
وأبقى المشروع الحالي على عقوبتي الإعدام والسجن المؤبد لجريمة إنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة جماعة إرهابية أو تولي قيادة أو زعامة فيها. بينما تم تشديد عقوبة الانضمام الى جماعة إرهابية أو الاشتراك فيها بأي صورة من السجن الى السجن المشدد. وتكون عقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات إذا تلقى الجاني تدريبات عسكرية أو أمنية أو تقنية لدى الجماعة الإرهابية أو كان الجاني من أفراد القوات المسلحة. ومعلوم أن جماعة الإخوان المسلمين صنفت بحكم القضاء جماعة إرهابية. لذلك من الممكن تطبيق هذا النص على أعضائها وكل من يضبط فى مظاهرة مؤيدة لها لأنه يكون قد اشترك فيها بطريق الاتفاق أو المساعدة متى توافر لديه العلم بأنها مظاهرة مؤيدة للتنظيم المعتبر إرهابيا، وإثبات العلم بذلك ليس بالأمر الصعب.
كذلك تم تشديد عقوبة إكراه شخص أو حمله على الإنضمام إلى الجماعة الإرهابية أو منعه من الانفصال عنها. فبعدما كانت العقوبة هي السّجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات في مقترح 2013، تم تشديدها لتصبح عقوبة السجن المؤبد.
بينما نص مشروع 2013 على عقوبتي السجن المؤبد أو المشدد لجرائم التمويل الإرهابي تاركا تقرير العقوبة للقاضي، حسم المشروع الحالي الأمر لينصّ على عقوبة السجن المؤبد لهذه الجريمة، وتصل العقوبة الى الإعدام إذا كان التمويل لجماعة إرهابية أو لعمل إرهابي. وهذا الأمر يجعل العقوبة فى الغالب هي الإعدام لكل جرائم التمويل، لأنه يسهل عدّ تمويل المنظمة الإرهابية على أنه يرمي الى القيام بعمل ارهابي. لكن يلزم توافر القصد الجنائى لدى الممول. وهو يتحقق بعلمه بالصفة الإرهابية للشخص الذى تبرع له أو للجماعة التى قدم لها الأموال. ولا يشترط علمه بعد ذلك بأن الأموال التى قدمها سوف تستخدم لتمويل العمليات الإرهابية. فهذا العلم يفترض، لأن من يقدم أموالا لشخص يعلم أنه إرهابى أو لجماعة يعلم أنها إرهابية يكون عالما بمصير هذه الأموال وأنها سوف تستخدم فى تمويل عمليات إرهابية، ولو استخدم بعض هذه الأموال فى أغراض خيرية بهدف التمويه على العمليات الإرهابية.
وبينما كان ينص مشروع قانون 2013 على عقوبة السجن المؤبد أو المشدد في حالة الدخول عنوة إلى مقار البعثات الدبلوماسية أو القنصلية أو الهيئات الدولية أو الإقليمية بغرض ارتكاب جريمة إرهابية، فقد وسع المشروع الحالي هذه الحماية لتشمل منشآت محلية أيضا. فنصت المادة 14 على عقوبة السجن المؤبد أو المشدد لجريمة الاستيلاء أو مهاجمة أو الدخول بالقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع فى المقار الرئاسية أو النيابية أو العسكرية أو القضائية أو الأمنية أو الأثرية أو دور العبادة أو التعليم أو المستشفيات بقصد ارتكاب جريمة إرهابية.
كما تم استحداث جريمة محاولة قلب نظام الحكم أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهورى أو شكل الحكومة بالقوة أو التهديد، وعقوبتها السجن المؤبد أو المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات. ولا يدخل فى نطاق هذا التجريم محاولة تغيير نظام الحكم بوسيلة سلمية لا تعد من وسائل العمل الإرهابى كالتظاهر السلمى مثلا فى الميادين العامة والمطالبة بتغيير النظام كما حدث فى 25 يناير2011 و30 يونيه 2013. كما لا يدخل التظاهر السلمي فى نطاق التهديد الوارد فى النص. ونأمل أن يكون ذلك هو مفهوم من وضعوا هذا النص.
وقد فرق مشروع القانون الحالي بين السلاح التقليدي والسلاح غير التقليدي على عكس مشروع قانون 2013. فنص على عقوبة السجن المشدد في حال تصنيع أو تصميم سلاح من الأسلحة التقليدية لاستعمالها فى ارتكاب جريمة إرهابية. وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا كان السلاح غير تقليدي.
وقد استحدث القانون جريمة الترويج بطريق مباشر أو غير مباشر لارتكاب جريمة إرهابية أو الترويج للأفكار والمعتقدات الداعية لاستخدام العنف وعقوبتها لا تقل عن 5 سنوات. وتشدد العقوبة إذا كان الترويج داخل دور العبادة أو بين أفراد القوات المسلحة أو الشرطة أو فى الأماكن الخاصة بهذه القوات. وهي المادة التي رفضتها نقابة الصحفيين معتبرة أنها تقيد حرية الصحافة، وذلك لأنها تحتوي على عبارات مطاطة مثل كلمة “الترويج”[1] معتبرين أن الأمر يمكن أن يطبق على مقالات الرأي أو الدعوات المطالبة بإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تفرضها ظروف البلاد. كذلك الأمر فيما يخص المادة 27 من مشروع القانون التي نصت على عقوبة السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات لكل “من أنشأ أو استخدم موقعا على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية الى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبثّ ما يهدف الى تضليل السلطات الأمنية أو التأثير على سير العدالة في شأن أي جريمة إرهابية.”
كما اعترضت نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 6-7-2015 على المادة 33 من مشروع القانون، التى أثارت جدلا لم يتوقف. وتنص هذه المادة على أن: “يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن”. واعتبرت النقابة أن هذه المادة تخالف نص المادة 71 من الدستور المصري التي تحظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الاعلام، كما تحظر الحبس في قضايا النشر. واقترحت النقابة إلغاء هذه المادة ، بينما طالب عدد من القانونيين والأحزاب السياسية ونشطاء حقوق الإنسان إما بإلغائها أو نقلها إلى قانون غير قانون مكافحة الإرهاب أو الإبقاء عليها فى مشروع القانون مع قصر العقوبة على الغرامة فقط. وقد أخذت الحكومة بالمقترح الأخير، مقررة للجريمة عقوبة “الغرامة من 250 ألف جنيه إلى 500 ألف جنيه مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد فى أى قانون آخر”. ووافق قسم التشريع بمجلس الدولة على المادة 33 بنصها الجديد وأرسلها إلى الحكومة تمهيدا لإصدار القانون، على الرغم من إصرار نقابة الصحفيين على موقفها المطالب بإلغاء المادة كلية من مشروع القانون.
وقد أبقى المشروع الحالي على جواز أن تحكم المحكمة بتدبير أو أكثر من تدابير نص عليها المشروع، ومنها إبعاد الأجنبي أو حظر الإقامة أو العمل فى أماكن محددة أو حظر التردد على أماكن معينة … إلخ، وذلك فضلا عن العقوبات المقررة للجرائم الإرهابية.
كما أجاز المشروع لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير التي يراها مناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، وهو ما لم ينص عليه مشروع 2013. فبإمكانه إتخاذ تدبير بإخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لاتجاوز ستة أشهر. ويجب عرض القرار على مجلس النواب خلال السبعة أيام التالية أو على مجلس الوزراء إذا كان مجلس النواب غير قائم. ويجوز للرئيس تمديد فترة “التدابير المناسبة” بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. وفى الحالات العاجلة، يجوز إصدار التدابير شفاهة، على أن تعزز كتابة خلال ثمانية أيام. وتجيز هذه المادة لرئيس الجمهورية ما يجيزه له قانون الطوارئ، لكن من دون إعلان حالة الطوارئ.
ثانيا: الأحكام الإجرائية فى المشروع:
احتوى المشروع على عدد من النصوص الإجرائية لتسهيل ضبط الجرائم الإرهابية عن طريق توسيع سلطات مأموري الضبط القضائي وضمان سرعة التحقيق فيها والمحاكمة عنها. ففي مشروع 2013، تمت الإحالة إلى قانون الإجراءات الجنائية بينما ينص المشروع الحالي على إجراءات خاصة. والخطير في الأمر أن المادة 6 في مشروع القانون الحالي نصت على عدم مساءلة القائمين على تنفيذ هذا القانون في حال استعمالهم القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر على النفس أو الأموال مشترطة أن يكون استخدام القوة ضرورياً وبالقدر الكافي لدفع الضرر. وهي المادة التي تضفي نوعاً من الشرعية على استخدام القوة من قبل قوات الأمن من دون أي عقاب. والنص على ضرورة أن يكون استخدام القوة ضرورياً وبالقدر الكافي لا يحد من استخدامها، كما يخضع للسلطة التقديرية لأجهزة الأمن وللمحكمة متى وصل الأمر اليها. وقد قيل عن هذا النص أنه يمنح “تصريحا بالقتل على بياض” للقائمين على تنفيذ قانون مكافحة الإرهاب من رجال الأمن وغيرهم.
ونوجز فيما يأتي أهم الأحكام الإجرائية في مشروع القانون، وهي أغلبها مواد تم استحداثها في المشروع الحالي.
فنص القانون على أنه يكفي مجرد قيام خطر من أخطار جريمة الإرهاب ليكون لعنصر الشرطة الحق فى جمع الاستدلالات عنها والبحث عن مرتكبيها والتحفظ عليهم لمدة لا تجاوز 24 ساعة. وللنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بحسب الأحوال أن تأمر باستمرار التحفظ لمرة واحدة لا تجاوز 7 أيام. ولم ينص القانون على مؤشرات الخطر التى تجيز لعنصر الشرطة البدء فى الإجراءات، تاركا له حق تقديرها تحت رقابة النيابة العامة أو سلطة التحقيق التى تتدخل قبل انقضاء مدة 24 ساعة.
وقد أعطى مشروع القانون الحق لمأمور الضبط القضائى، عند قيام خطر أو خوف من ضياع الأدلة، أن يستصدر إذنا مسببا من النيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بتفتيش مسكن المتحفظ عليه أو المحبوس احتياطيا، وضبط الأشياء والمتعلقات الخاصة بالجريمة التى يجرى التفتيش بشأنها. والفرض هنا أن الخطر ليس مصدره المتحفظ عليه أو المحبوس احتياطيا.
كما نصت المادة 44 على أنه يحق للنيابة العامة أو سلطة التحقيق أن تأذن بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التى ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وتسجيل وتصوير ما يجري فى الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها.
كما نص مشروع القانون على حق السلطات المختصة في اتخاذ التدابير التحفظية اللازمة، بما فى ذلك تجميد الأموال والمنع من التصرف فيها أو إدارتها أو المنع من السفر، فى الأحوال التى يظهر فيها من الاستدلال أو التحقيق دلائل كافية على الاتهام بارتكاب أى جريمة إرهابية. ويلاحظ على هذا النص أنه يمنح هذه السلطات لجهة الاستدلال أو التحقيق. كما أنه يكتفى بوجود “دلائل” من دون الحاجة الى أدلة. ويسمح بهذا الإجراء بالنسبة لأي جريمة إرهابية ولو كانت مجرد جنحة.
وبينما نص مشروع 2013 على إنشاء نيابة متخصصة للجرائم الإرهابية، ينص المشروع الحالي على إنشاء محكمة متخصصة لقضايا الإرهاب. وهو الأمر الذي اعترض عليه مجلس القضاء الأعلى مفضلا ان يتم تخصيص دوائر خاصة بقضايا الإرهاب في كل محكمة استئناف، كما هو معمول به حاليا[2].
كما حدد مشروع القانون مدة 40 يوما لتقديم الطعن في جميع الأحكام الصادرة فى جنايات وجنح الإرهاب أمام محكمة النقض، وهو ما عدله مجلس القضاء الأعلى في ملاحظاته لتصبح المدة 60 يوما وهو ميعاد الطعن بالنقض المقرر قانونا. كما استحدث مشروع القانون آلية خاصة لقبول الطعن أمام محكمة النقض، وهي تخصيص دائرة أو أكثر بمحكمة النقض منعقدة فى غرفة المشورة لفحص الطعون على الأحكام الصادرة فى الجرائم الإرهابية والمرتبطة بها. فإذا رأت الدائرة أن الطعن مرجح القبول، أحالته إلى دائرة أخرى بمحكمة النقض للفصل فى موضوعه. وإذا رأت بإجماع الآراء أنه غير مقبول شكلا أو أنه غير قائم على أسباب تبرره، أصدرت قرارا مسببا برفضه.
وفي حال قبول النقض، نصت المادة 52 على أنه يتعين على محكمة النقض أن تتصدى للفصل فى موضوع الطعن. ويختلف الوضع فى الجرائم الإرهابية عنه فى غيرها من الجرائم التى لا تتصدى فيها محكمة النقض، وإنما تحيل الموضوع إلى محكمة الجنايات التى أصدرت الحكم المطعون فيه لتفصل فيه دائرة أخرى غير تلك التى أصدرت الحكم. ويعني ذلك أن تتحول محكمة النقض إلى محكمة موضوع لتكون درجة ثانية للتقاضي فى الجنايات والجنح الإرهابية، وهو حكم مستحدث فى النظام القضائي المصري، لضمان سرعة الفصل فى قضايا الإرهاب. وقد طالب مجلس القضاء الأعلى بإلغاء هذا النص ضمن الملاحظات التي أرسلها الى مجلس الوزراء، واقترح الاكتفاء بالنص الحالي في قانون الإجراءات الجنائية.
وفيما يخص إجراءات المحاكمة العادلة، نص مشروع القانون في المادة 50 منه على اعتبار الحكم حضوريا في قضايا الإرهاب إذا حضر وكيل عن المتهم وأبدى دفاعه. وبذلك، لم يعد حضور المتهم ضروريا لاعتبار الحكم حضوريا. وهو الأمر الذي يعد استثناءً من المادة 388 من قانون الإجراءات الجنائية[3]. والهدف منه تقليل إعادة المحاكمات التي تتم عند حضور المتهم بعد صدور الحكم الغيابي بحقه[4]. وقد أعاد المجلس الأعلى للقضاء صياغة هذه المادة في الملاحظات التي أبداها[5] ليشترط أن يكون المحامي الحاضر قد أوكله المتهم وأبدى سند الوكالة، وحضر وترافع في الدعوى أمام المحكمة.
ثالثا: هل هناك ضرورة لقانون خاص بمكافحة الإرهاب؟
لاينكر غير مكابر خطورة الإرهاب فى العصر الحديث، وهى خطورة تفرض ضرورة مواجهته بالحزم اللازم عن طريق القانون، ووفقا لإجراءات خاصة تراعى طبيعة هذه الجرائم بما يحقق العدالة الناجزة التى تضمن تحقيق الردع العام والخاص. لكن السؤال الذى يفرض نفسه فى كل مرة يثار فيها موضوع مكافحة الإرهاب هو: هل يلزم وجود قانون خاص لمكافحة الإرهاب، أم يكفى مجرد تعديل نصوص قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية من أجل تطويع الجرائم والعقوبات والإجراءات المقررة فيهما لمتطلبات مواجهة ظاهرة الإرهاب بالنظر إلى طبيعتها الخاصة وخطورتها على الوطن والمواطنين والمقيمين؟
ينقسم الرأى حول هذه المسألة: فهناك من يرى أن القانون الخاص يمنح الجهات الرسمية المعنية بمكافحة الإرهاب سلطات أكثر من تلك التى تسمح بها القوانين العادية، مما يتيح مواجهة أشد حزما للجرائم الإرهابية، ويحقق لمصر العدالة الناجزة التى تفتقر إليها فى حربها ضد الإرهاب. وقد يؤيد البعض هذا التوجه بالقول بأن مجرد وجود قانون خاص بمكافحة الإرهاب يمكن أن يحقّق أثراً رادعاً لدى من تسول لهم أنفسهم الانخراط فى أنشطة إرهابية لم يقدموا عليها بعد. لكن هذا القول يتجاهل العوامل الحقيقية التى تدفع بعض الأفراد العاديين إلى ارتكاب الجرائم الإرهابية، وهي عوامل ينبغي الوقوف عليها لضمان المواجهة الشاملة المتكاملة للظاهرة الإجرامية الإرهابية. إن مواجهة الظاهرة الإرهابية تتطلب استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، تشغل نصوص التجريم والعقاب والنصوص الإجرائية الشق القانونى منها، لكنه ليس الشق الوحيد، بل إنه ليس الشق الأكثر أهمية.
ويرى البعض أن ما تمرّ به مصر فى الوقت الحاضر لا يترك مجالا للحديث عن استراتجية شاملة لمكافحة الإرهاب تتضمن حلولا جذرية للمشاكل المتراكمة على مدى عشرات السنين والتى ورثتها السلطة الحالية، وأن المقاربة الوحيدة المتصورة فى ظل هذه الظروف هى المواجهة الأمنية القضائية بالقانون وحده وبالتجريم والعقاب. من الممكن قبول منطق هذا الرأى بصورة مؤقتة، لكن هذا المنطق لا يفرض بالضرورة اللجوء إلى قوانين خاصة. فالقوانين القائمة لايوجد ما يمنع قانونا من تطويعها لضرورات مكافحة الإرهاب، عن طريق تعديلها وإضافة صور جديدة للتجريم وظروف مشددة للعقوبات وتدابير احترازية. وكذلك الحال فى قانون الإجراءات الجنائية ليس هناك ما يمنع من تعديله لتطويع نصوصه لمتطلبات مكافحة الإرهاب. وليس فى هذا الكلام ما يبرر الإرهاب الذي عاشته مصر فى الأيام الأخيرة، وقد يراه البعض مقالا ليس فى مقامه أو وقته، لكن التجارب علمتنا أن القوانين التى تصدر تحت تأثير الغضب والانفعال، ولو كان مبررا، يكون مصيرها الزوال بعد زوال حالة الغضب والانفعال.
ليس هناك ما يحول دون تعديل القوانين القائمة لضمان المواجهة القانونية الفعالة لظاهرة الإرهاب البغيض. لكن التسرع فى إصدار القوانين التى تغير من بنية النظام القانوني والقضائي المصري تغييرا قد يكون ضرره أكبر من نفعه، هو الذى ينبغى ألا ننزلق إليه مهما كانت درجة الغضب الذى يتولد عن الإرهاب.فقد تعرضت مصر فى تاريخها الحديث لموجات إرهابية عاتية، لكنها تمكنت من القضاء عليها ، وفى ظل قوانين عادية للعقوبات والإجراءات الجنائية.
وإذا كان التوجه نحو وضع قانون خاص بمكافحة الإرهاب هو الخيار الذى استقرت عليه الحكومة المصرية، فمن الأجدر التريث حتى انتخاب مجلس النواب، لأن قانون مكافحة الإرهاب من القوانين المكملة للدستور لتعلقه بالحقوق والحريات، وليس قانونا عاديا. فيكون من الضرورى إقراره من البرلمان بالأغلبية الخاصة (ثلثا أعضاء المجلس) التي يتطلبها دستور 2014 قبل أن يصدره رئيس الجمهورية. وخلال الفترة المتبقية على انتخاب البرلمان، يحسن طرح المشروع المقترح للحوار المجتمعي، حتى يخرج القانون المنتظر فى صورة تليق بمصر الثورة والحضارة والتاريخ.
[1] راجع البيان الصادر عن نقابة الصحفيين بتاريخ 6-7-2015.
[2] راجع “تفاصيل اعتراضات القضاء الأعلى على مشروع مكافحة الإرهاب”، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 7-7-2015. جدير بالذكر أن رأى مجلس القضاء الأعلى استشارى غير ملزم للحكومة أو للبرلمان فى مشروعات القوانين التى تتعلق بالسلطة القضائية .
[3] تنص المادة 388 من قانون الإجراءات الجنائية على:”لا يجوز لأحد أن يحضر أمام المحكمة ليدافع أو ينوب عن المتهم الغائب، ومع ذلك يجوز أن يحضر وكيله أو أحد أقاربه أو أصهاره ويبدي عذره في عدم الحضور، فإذا رأت المحكمة أن العذر مقبول، تعين ميعادا لحضور المتهم أمامها”
[4] تنص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية على:” إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لنظر الدعوى…”
[5] راجع “تفاصيل اعتراضات القضاء الأعلى على مشروع قانون مكافحة الإرهاب”، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 7-7-2015.