أصدرت النائبة العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون في آخر الأسبوع الماضي قرارًا أمرت فيه شركة “كازينو وادي نهر الكلب” ش.م.ل. (Palms the Legend) بإزالة المنشآت التي أقامتها على مجرى نهر الكلب لعدم قانونيّتها في مهلة أقصاها نهاية الأسبوع الحالي. صدر القرار في وقت يبدو أنّ الشركة مصرّة على استكمال الأعمال بالمشروع إذ تعمل حاليًّا على استكمال إجراءات دراسة الأثر البيئي والتحايل على القضاء كما يؤكّد رئيس جمعيّة “الأرض” الناشط البيئي بول أبي راشد. هذا فضلًا عن أنّه نما لـ “المفكرة” أنّ الشركة تمارس ضغوطًا سياسية كبيرة للحؤول دون تنفيذ قرار النيابة العامة إلى حين انتهاء موسم الصيف. ويأتي قرار القاضية عون بعدما تقدّم وزير الثقافة محمد المرتضى في تاريخ 30/6/2023 بإخبار وشكوى إلى النيابة العامة المالية طالبًا فتح تحقيق قضائي بالمخالفات والتعديات على موقع نهر الكلب الأثري، ومحاسبة المعتدين أمام القضاء المختصّ وإزالة التعديات، وذلك لعدم التزامهم بأيّة معايير للحفاظ على المعالم الأثريّة والتاريخيّة وحجب الرؤية عنها.
وأشار أبي راشد في اتصال مع “المفكرة القانونيّة” إلى أنّ القرار القضائي بوقف التعديات مهمّ جدًا ومن الضروري تنفيذه لا سيّما أنّ ما قامت به الشركة هو نوع جديد من التعديّات غير المسبوقة إذ لم يأت على ضفّة النهر فقط كما هي حال التعديات على الأملاك النهريّة السابقة بل على مجرى النهر نفسه. وأسف أبي راشد لوجود من يحاول تمرير المشروع وتشريع التعدي على النهر إذ تعمل الشركة حاليًا وبعد إنشاء المشروع على تقييم للأثر البيئي محاولة استخدام اسم شركة أخرى هي شركة “نهر الفنون” التي كانت حاصلة على ترخيص استثمار على النهر في العام 2000 لسنة واحدة ولغاية إقامة مهرجانات فنية خلال الصيف، مشيرًا إلى أنّ الشركة تسبّبت بحريق تلّة يسوع الملك الشهر الماضي بسبب المفرقعات الناريّة. وفي هذا السياق، يشدّد أبي راشد على أمرين: (1) أنّ شركة “كازينو وادي نهر الكلب” ش.م.ل. (Palms the Legend) هي شركة قائمة بذاتها لا علاقة لها بشركة “نهر الفنون” وبالتالي ليس للشركة الأولى أن تتذرع بالمرسوم الممنوح للأولى لتبرير إشغالها للأملاك العامة النهرية؛ و(2) أنّه وحسب المرسوم رقم 4311/2000 الذي منح لشركة الفنون والوثائق التي حصلتْ عليها جمعية “الأرض” يتأكد أنّ ترخيص شركة نهر الفنون أيضًا قد سقط نهائيًا طالما أنه منح لسنة واحدة ولا يعتدّ بحصول تجديده ضمنًا طالما أنّ الشركة المرخّص لها تخلّفت عن دفع البدل المادي المحدّد وأيضًا عن القيام بالنشاط الذي كان أُعطيَ المرسوم من أجله (إقامة مهرجان). ويعزّز أبي راشد رأيه بوثائق زوّد بها “المفكرة” تثبت أنّه لم يسدّد أي رسوم طوال سنوات وأنّ الشركة سدّدت مؤخّرًا الرسوم المتوجبة حتى 2022 بصورة رجعية عن السنوات السابقة في محاولة منها لإعادة إحياء المرسوم. ويضيف المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي للمفكرة، أنّه ليس للشركة حال من الأحوال أن تحيي مرسومًا أعطي لسنة واحدة ويعتقد أنّه سقط منذ أكثر من عقدين، هذا فضلًا عن أنّ المنشآت المقامة تتعارض مع ما يسمح به المرسوم وكذلك الغاية من استخدامها، حيث باتت تستخدم كبار وليس من أجل إقامة مهرجان كما نصّ المرسوم عليه.
وليس بعيدًا يُشير وزير البيئة ناصر ياسين في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ شركة “كازينو وادي نهر الكلب” ش.م.ل. (Palms the Legend) تقدّمت بطلب تصنيف وهو طلب يسبق دراسة الأثر البيئي، مشيرًا إلى أنّه من حيث المبدأ لا يمكن إعطاء مشروع بهذا الحجم الترخيص من قبل وزارة البيئة إذا لم يكن لديه ترخيص استثمار في الأملاك البحريّة. ويؤكّد ياسين أنّ إعطاء ترخيص وزارة البيئة لا يعني أبدًا تغطية المخالفات في حال وجدت ولا يُعطي حقًّا مكتسبًا لاستكمال المشروع لأنّه يتعلّق فقط بالجانب البيئي. كما يشير إلى أنّ وزارة البيئة كانت قامت بدورها الإجرائي إذ وجّهت كتابًا إلى وزير الطاقة والمياه مطالبة بـضرورة الوقف الفوري لهذه الأعمال وإزالة التعديات والتقدم من وزارة البيئة بطلب تصنيف للمشروع تبعًا للقانون بخاصة أنّ مجرى النهر مصنّف كموقع طبيعي وليُصار بعدها إلى تحديد الدراسة البيئية اللازمة للمشروع وإعدادها من قبل مكتب استشاري متخصص ومراجعتها من قبل الوزارة للبت بطلب الترخيص للمشروع. ويستغرب صاغية هذا الأمر، حيث أنّ إقامة الإنشاءات من دون ترخيص واضح ونافذ ومن دون أثر بيئي يشكل جرمًا جزائيًا بحد ذاته، ممّا يفرض على الإدارات العامة مؤازرة النيابة العامة لإزالتها، لا التواطؤَ مع الجهة المرتكبة ومدَّ يد العون لها لإضعاف الملاحقة ضدّها أو إعطاءَها الذرائع لتأبيد المخالفة. ويتأكد خطر التواطؤ الحاصل من الإدارات العامة، وفق صاغية، في الكتابين اللذين وجههما وزير الطاقة والمياه وليد فياض إلى وزارة الداخلية في تاريخ 22 حزيران و24 تموز 2023 طالبًا منه التريّث في إزالة المخالفة، على خلفية مباشرة الشركة في إعداد دراسة أثر بيئي وتسديدها الرسوم المتأخرة.
وكانت الشركة أنشأت مطعمًا فوق مجرى النهر بعدما حصلت على ترخيص من وزير الطاقة (غير قانوني وفق ما أوضحت “المفكرة” في مقال سابق كون الترخيص يعطى من مجلس الوزراء وليس من وزير الطاقة سندًا للقانون رقم 192 تاريخ 16/10/2020) يسمح لها باستعمال “المساحة المتاخمة للأملاك العامة مؤقتًا وتشييد ممر خشبي على الأملاك النهرية وفوق النهر بطول 50 مترًا وعرض 25 مترًا، خلال الفترة الممتدة من أول شهر حزيران حتى آخر شهر أيلول”. وعليه، جاء عدم التزام الشركة بما رخّص به وزير الطاقة استكمالًا لسلسلة مخالفات قانونيّة يؤمل أن تنجح النيابة العامة في إزالتها حفاظًا على البيئة ولأحد أبرز المعالم الأثرية في لبنان، والأهم إثباتًا أنّ القانون ينطبق على الجميع، مهما كان محميًّا سياسيًا.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.