بعد مسار طويل ناهز 15 سنة من الانتظار صادق مجلس النواب بالمغرب وفي قراءة ثانية بتاريخ 14/02/2018 على قانون العنف ضد النساء، الذي يأتي ليعزز الحماية القانونية للمرأة المغربية ويلائم الترسانة التشريعية الوطنية مع دستور 2011، ومع المعايير الدولية. وقد تم نشر القانون مؤخرا في 12 مارس 2018 وهو يدخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من تاريخ النشر (تجدونه مرفقا).
التعاريف
خصص الباب الأول من القانون لتقديم تعاريف للعنف بشتى أنواعه وذلك كالتالي:
–العنف ضد المرأة: كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة؛
–العنف الجسدي: كل فعل أو امتناع يمس، أو من شأنه المساس، بالسلامة الجسدية للمرأة، أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه؛
–العنف الجنسي: كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية، أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك.
–العنف النفسي: كل اعتداء لفظي أو اكراه أو تهديد أو اهمال أو حرمان، سواء كان بغرض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها، أو بغرض تخويفها أو ترهيبها.
– العنف الاقتصادي: كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر، أو من شأنه أن يضر، بالحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية للمرأة.
ورغم أهمية هذا التعريف الذي يقترب للتعريف الوارد في المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة الصادر سنة 1993، غير أنه لا يتصف بالدقة الواردة في المادة الثانية من نفس الإعلان، والتي تستكمل التعريف بسرد قائمة غير حصرية لأشكال العنف ضد المرأة التي تحدث في نطاق الأسرة أو المجتمع؛ ومن بينها الاغتصاب الزوجي. كما أن التعريف لا يشمل العنف المدني والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه، أينما وقع، ولا يتضمن تعريفا للتمييز ضد المرأة بما يتماشى مع المادة الأولى من اتفاقية السيداو.
الأحكام الزجرية
خصص الباب الثاني من قانون العنف الجديد للأحكام الزجرية، وتمثلت في تعديل محدود لبعض فصول القانون الجنائي:
– تجريم أفعال جديدة لم تكن مجرمة في القانون الجنائي الحالي: مثل الإكراه على الزواج، وتبديد ممتلكات وأموال الزوجية بسوء نية، وطرد أحد الزوجين للآخر من بيت الزوجية أو امتناعه عن ارجاعه لبيت الزوجية، والتحرش الجنسي في الفضاء العام، والسبّ أو القذف المرتكب ضد امرأة بسبب جنسها.
– تشديد العقوبات على أفعال كانت مجرمة في القانون الجنائي الحالي من بينها: الإمساك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر؛ المساعدة في الأعمال التحضيرية أو المسهلة للانتحار؛ التهديد(…).
توسيع نطاق دائرة تجريم التحرش الجنسي
أبرز المستجدات التي جاء بها قانون العنف ضد النساء تعديله للمقتضيات المتعلقة بتجريم التحرش الجنسي، حيث تم تعريفه بأنه : كل "إمعان في مضايقة الغير، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛ أو توجيه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، وذلك في الفضاءات العمومية أو غيرها".
وعليه تم تمديد نطاق تجريم التحرش الجنسي، حيث لم يعد مقتصرا على شكله الكلاسيكي أو ما يعرف ب "تحرش الرئيس بالمرؤوس"، أي مقيدا بوجود علاقة تبعية أو سلطة بين الضحية والجاني داخل فضاء العمل، وإنما أصبح يشمل أيضا الفضاءات العمومية وغيرها من الأماكن (الواقعية منها أو الافتراضية).
ورغم هذا التقدم الملحوظ في توسيع دائرة تجريم التحرش الجنسي، إلا أن التعريف ما يزال محتاجا إلى تدقيق: فالمشرع يبدو وكأنه يشترط تكرار فعل التحرش حتى تتم معاقبته وهو ما يتجلى من خلال شرط الإمعان الذي يفيد التكرار والإصرار على القيام بالفعل.
المقتضيات المسطرية: للجمعيات أن تنتصب كمطالب بالحق المدني
خصص الباب الثالث من قانون العنف للمقتضيات المسطرية وشملت تعديلا محدودا لبعض فصول قانون المسطرة الجنائية، حيث أدخلت المادة 6 من قانون العنف تعديلا على المادة 302 من قانون المسطرة الجنائية يخول للمحكمة إمكانية أن تجعل الجلسة سرية بطلب من الضحية، متى تعلق الأمر بجريمة عنف أو اعتداء جنسي ضد المرأة أو القاصر.
في المقابل، لم ينص قانون العنف على أي مقتضى يسمح للضحية/الناجية من العنف بالإدلاء بشهادتها في المحكمة من دون أن تضطر إلى مواجهة المتهم. كما لم يتضمن أي مقتضى لتوفير الحماية للضحية/الناجية من العنف عند ولوج المحكمة أو مغادرتها.
وقد أدخلت المادة 7 من قانون العنف تعديلا أجاز للجمعيات التي تعنى بقضايا العنف ضد النساء بحسب قانونها الأساسي أن تنتصب كمطالب بالحق المدني بعد حصولها على إذن من الضحية.
أوامر الحماية
تعتبر أوامر الحماية من بين أهم سبل الانتصاف القانونية المتاحة للشاكيات أو الضحايا الناجيات من العنف. وقد أخذت بها الولايات المتحدة الأميركية لأول مرة خلال منتصف السبعينات من القرن العشرين. كما تبنتها غالبية قوانين مكافحة العنف في بلدان العالم. ويوصي دليل التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة الذي وضعته الأمم المتحدة بجعل أوامر الحماية متاحة للشاكيات والناجيات من العنف دون اشتراط لجوئهن إلى إجراءات قضائية أخرى، وأن تصدر بشكل مستقل وليس كبديل لإجراءات قضائية أخرى.
قانون العنف ضد النساء بالمغرب نص ولأول مرة في مادته 8 على أوامر للحماية تشمل:
– إرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن المعين له من قبل المحكمة؛
– إنذار المعتدي بعدم الاعتداء، في حال التهديد بارتكاب العنف، مع تعهده بعدم الاعتداء؛
– إشعار المعتدي بأنه يمنع عليه التصرف في الأموال المشتركة بين الزوجين؛
– إحالة الضحية على مراكز الاستشفاء قصد العلاج؛
– الأمر بالإيداع بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمرأة المعنفة التي تحتاج أو ترغب في ذلك.
في نفس السياق أضاف نوعين جديدين من التدابير الوقائية الشخصية وهي:
– منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية،
– إخضاعه لعلاج نفسي ملائم.
كما نص على عقوبات زجرية في حالة خرق تدابير الحماية.
ورغم أهمية هذه المقتضيات الجديدة إلا أن القانون الجديد لم يوضح بدقة ما إذا كان الأمر يتعلق بعقوبات إضافية، أو عقوبات بديلة للعقوبات الأصلية. كما أن تطبيق هذه الأوامر مرتبط بوجود دعوى عمومية، ولا توجد إمكانية لتطبيقها في الدعاوى المدنية (خاصة أمام أقسام قضاء الأسرة).
آليات التكفل
خصص قانون العنف ضد النساء الباب الرابع منه لآليات التكفل بالنساء ضحايا العنف، حيث تم فصلها عن خلايا الأطفال، ووضع لأول مرة إطارا قانونيا ينظم عمل الخلايا الموجودة على صعيد جميع المحاكم (المحاكم العادية الابتدائية ومحاكم الاستئناف). كما وضع لجانا مشتركة بين القطاعات المتدخلة في المجال، مهمتها الاستقبال والاستماع والدعم والتوجيه والمرافقة للنساء المعنفات (المادة 10)، تحت إشراف النيابة العامة. ورغم أهمية هذه الخطوة، يبقى نطاق المساعدة التي تقدمها الخلايا للناجيات من العنف محدودا لا يشمل الدفاع والحماية والمساعدة الاقتصادية والاستشارة والخدمات الصحية والخدمات المسهلة لاندماجهم الاجتماعي ومعافاتهم السريعة جسمانيا ونفسيا.
التدابير والمبادرات للوقاية من العنف
يوصي دليل التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة للأمم المتحدة بأن تعالج تشريعات مكافحة العنف ضد المرأة مسألة الوقاية، بما يشمل الإجراءات المتعلقة بالتوعية بحقوق المرأة، والبرامج التعليمية المتعلقة بتعديل أنماط السلوك الاجتماعي والتنميطات الجنسانية، وتوعية وسائل الإعلام فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة .
وبموجب القراءة الثانية لمشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء، تمّ إضافة باب جديد يتعلق بالتدابير والمبادرات للوقاية من العنف وهو الباب الخامس، وقد نص على ما يلي: "تتخذ السلطات العمومية كل التدابير والإجراءات للوقاية من العنف ضد النساء، ومن أجل ذلك تسهر السلطات العمومية على إعداد وتنفيذ سياسات وبرامج تهدف إلى التحسيس بمخاطر العنف ضد المرأة وتصحيح صورتها في المجتمع، والعمل على إذكاء الوعي بحقوقها".
ورغم أهمية هذا المقتضى، إلا أنه جاء بصيغة عامة لا تحدد مسؤوليات الهيئات الحكومية في تطبيق التدابير الوقائية، مثل أنشطة التوعية وتطوير المناهج التعليمية وتوعية وسائل الإعلام بالعنف الأسري.
دخول القانون الجديد حيز التنفيذ
تم تخصيص الباب السادس من هذا القانون للإجراءات الانتقالية حيث تم التنصيص على أنه سيدخل حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. وهو ما يفرض التعجيل بتهيئة شروط نجاحه، خاصة على مستوى توفير مراكز الإيواء وتوفير الموارد البشرية والمالية اللازمة لعمل خلايا التكفل.
هل تسهم سياسة التجريم التي تبناها قانون مكافحة العنف ضد المرأة في إحداث التغيير المنشود؟
ركز قانون مكافحة العنف ضد المرأة على الجانب الزجري، وذلك بتوسيع دائرة تجريم بعض الأفعال، وتشديد العقوبات بمضاعفة العقوبات السجنية والمالية على صور معينة من العنف إذا ارتكبت من طرف بعض الأشخاص. لكن لا بد من الاعتراف بمحدودية سياسة التجريم إذا لم تواكبها تدابير أخرى فعالة للتبليغ والتحقيق والملاحقة والمحاكمة. فالقانون الجنائي الحالي يحتوي بدوره على مجموعة من العقوبات، لكن النساء لا يستفدن منها بسبب ضعف ثقافة التبليغ عن جرائم العنف التي تستهدفهن، والصعوبات التي يواجهنها عند الإثبات، والطريقة التي تتم بها معالجة شكاياتهن خلال مرحلة البحث والتحقيق والمحاكمة.
وعموما يبقى قانون العنف ضد النساء –رغم كل الانتقادات- خطوة تشريعية هامة يمكن تدارك جوانب النقص فيه خلال المحطات التشريعية المقبلة، وعلى رأسها ورش مراجعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية .
-نشر بالجريدة الرسمية، العدد 6655، بتاريخ 12/03/2018، ص 1449.و لمزيد من التفاصيل حول المسار التشريعي الذي عرفه قانون مكافحة العنف ضد النساء بالمغرب، يمكن الاطلاع على الدراسات التي نشرتها المفكرة القانونية للمؤلف حول هذا الموضوع، موجودة على الرابط التالي :
قراءة نقدية في مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء في المغرب