قضاة مقهورون في قصور عدل متقهقرة: البحث عن العدالة في ظلمة المحاكم

،
2024-02-07    |   

قضاة مقهورون في قصور عدل متقهقرة: البحث عن العدالة في ظلمة المحاكم
رسم رائد شرف

تم تعديل هذا النص بشكل طفيف ليتناسب مع غايات نشره ضمن الأوراق البحثية بعنوان “القضاء اللبناني في الأزمة (2019-؟)”.

يعاني العاملون في قطاع العدالة في لبنان منذ 2020 من “انهيار لوجستي”[1] لا سابق له في تاريخ قصور العدل اللبنانية. يعقّد هذا الانهيار عملَ القضاة بشكل كبير إلى درجة يجعله مستحيلًا أو غير فعّال. وهو ما كان دفعهم إلى إعلان “التوقّف القسري عن العمل” (كما يفضّلون تسمية اعتكافاتهم الأخيرة) مرّات عدّة، بما فيها صيف 2022. فتترك القاضية كلّ يوم بيتها وحياتها الخاصّة المثقلة بالهموم المعيشية (انظر الورقة السابقة في سلسلتنا، “القضاء اللبناني في الأزمة”) متّجهةً نحو مكان عملها، ليزيد من قهرها وضع القضاء المادي المزري والذي بات يفتقد لأبسط شروط العمل اللائقة. “العدلية عمّ تهرّ”، قال لنا أحد القضاة ملخّصًا الوضع في قصر العدل، فيما يصف لنا، كما فعل زملاؤه الذين قابلناهم، ظروف عمل لا تليق لا بالقصور ولا بالعدل.

لا يمكن فهم آثار الأزمة على مشروع العدالة والدولة في لبنان إذا لم نتوقّف عند ظروف العمل اليومية التي يواجهها القضاة منذ بداية الأزمة، علمًا أنّ العديد من هذه المشاكل المادية كانت موجودة قبل الأزمة بأشكال ودرجات متفاوتة. وهنا، لا بدّ من التذكير أنّه عندما تتراجع أحوال المحاكم بهذا الشكل، وتنهار مقوّمات العمل القضائي الأساسية، يتراجع موقع القضاء كمرجع عام محايد لحلّ النزاعات وحماية المصلحة العامّة  بالمقدار نفسه. ويتيح ذلك المجال أمام مراجع سياسيّة ودينية وأمنية أخرى لتطوير قدراتها على اجتذاب المواطنين من أجل إيجاد وسائل غير قضائية وغير رسمية لحلّ نزاعاتهم، ما يقوّي مكانتها السياسية على حساب دولة أصبحت متلكّئة في إحقاق الحق. ولعلّ هذه الورقة كما الورقة التي سبقتها تشكّلان توثيقًا أوّليًا لعملية إفقار القضاء أفرادًا ومؤسّسةً منذ بضع سنوات، كمقدّمة لتهميشه وإبراز عجزه وربما استبداله بوسائل خاصّة أخرى لحلّ مشاكل الناس. وقد يمهّد هذا التنافس الخاص/العام ومن ثمّ الخاص/الخاص الناشئ حول مرجعية بتّ النزاعات لتكريس نظام سياسي بدأت ملامحه تظهر منذ سنوات كثيرة، يستبدل المؤسّسات العامّة بسلطات خاصّة متنافسة ومتنازعة، كما نرى منذ زمن على صعيد الكهرباء أو النقل أو غيرها من القطاعات، وقد وصلت اليوم هذه الدينامية المدمّرة إلى المؤسّسة القضائية.

كما أنّ بحثنا يُظهِر كيف أنّ تدهور الوضع المادي في المحاكم الذي نصفه أدناه لا يجعل مهمّة القاضيات صعبة فحسب، بل يضرب أيضًا معالم القضاء الرمزية ويقلبها رأسًا على عقب، واصمًا العدالة اللبنانية بعكس ما تتخيّله التصوّرات الجماعية عن العدالة عامّة: نور/ظلمة، نظافة وطهارة/قذارة ووسخ، ترتيب وتنظيم/فوضى، سلطة/شلل وضعف وغياب الموارد، إضافة لشعور عارم باللا أمان يجتاح القضاة عندنا. ولا شك أنّ هذا الانقلاب في التصوّرات العامّة والشعبية بالنسبة للقضاء، لدرجة ربطه اليوم في اللاوعي الجماعي بكلّ ما هو سلبيّ وملوّث، له عواقب عديدة على مشروعيّة السلطة القضائية مستقبلًا، ما يصبّ في إطار التحوّلات السياسية والاجتماعية التي وصفناها. فكيف يبدو واقع المحاكم منذ 2020، وماذا يرى المتقاضي عندما يدخل قصور العدل؟

قضاء معتم: الظلام ينافس الظلم

خيّم الظلام على قصور العدل في لبنان. انهارت تغذية كهرباء لبنان، وتعطّلت المولدات الكهربائية طويلًا بفعل غياب الصيانة بسبب كلفتها العالية، بالإضافة إلى انقطاع المازوت أو عدم القدرة على تأمينه. “كيف يمكن أن أحكم بالعدل بلا كهرباء ولا ضوء؟”[2] قال لنا أكثر من قاض قابلناه، وهم يلمّحون مرارًا إلى العلاقة التقليدية بين العدالة والضوء. ونعرف أنّها معادلة اعتمدها كبار المهندسين المعماريين في العقود الأخيرة عند تصميم وبناء قصور العدل الجديدة التي تتميّز بجدرانها الزجاجية ونوافذها الواسعة (كقصر العدل الباريسي الجديد)، التي تهدف إلى طمأنة زوار القصر عبر إغراق ممراته وغرفه وقاعات محاكمه بنور خارجي يجتاح المساحات كلّها، وتساعده نظم إنارة داخلية مدروسة تبعث الثقة في نفوسهم: إنّ العدالة لا تخفي شيئًا عنكم. حلّت هذه القصور مكان القصور التقليدية ذات النمط الكلاسيكي، التي كان يُعتمد فيها استعمال الحجارة الكبيرة والأعمدة الضخمة في القرن التاسع عشر، لإحلال الرهبة في نفوس المتقاضين كمدخل لفرض احترام القضاء والقضاة على كلّ من يدخل قصور العدل. أمّا قصور العدل في لبنان، فلم نعد نجد فيها لا الرهبة ولا الطمأنينة، إذ لا يعير تصميمها المحافظ، النور أيّ اهتمام في معظم الأماكن (والعديد منها لم يصمَّم أصلًا كقصور عدل أو كمحاكم)، ولا تأثير يذكر لإنارتها الداخلية، بخاصّة بعد أن انعدمت الكهرباء تحت وطأة أزمة فضحت ركاكة الدعم الحكومي للقضاء والإدارة. إنّ الظلمة التي تحكم معظم مساحات قصور العدل في لبنان تصرخ بوجه المتقاضين المهمومين: إنّ العدالة اللبنانية تثير الريبة وتخبّئ عنكم أشياء كثيرة.

“بعد الساعة الخامسة ما بقدر شوف الموقوفين أمامي بجلسات محكمة الجنايات”.[3]

في ظلّ غياب أيّ خطة عامّة جدّية لتحسين الوضع، وعجز المؤسّسات القضائية على تغييره، لم يكن للقضاة منذ بداية الأزمة سوى اللجوء إلى علاقاتهم ومعارفهم الشخصية لإمداد مكاتبهم بالكهرباء: فكما يفاوض كلّ قاضٍ على حدة مدرسة أولاده من أجل تخفيض الأقساط المدرسية كما رأينا في الورقة السابقة، لجأ بعض القضاة والمحاكم إلى مواردهم وشبكات معارفهم الخاصّة لتأمين الكهرباء في مكاتبهم متى أمكن، ما يشكّل دليلًا آخر على اضمحلال المؤسّسات العامّة واستبدالها بمبادرات قضائية فردية تعزّز اللامساواة بين القضاة وتعرّضهم في هذا الإطار لخطر الانزلاق في عمليات تبادل الخدمات مع جهات عامّة أو خاصّة قد لا تكون نوايا جميعها حميدة. تحدثنا مع قاضية اضطرّت أن تمدّ خط كهرباء من مقرّ المحافظة المجاور إلى مكتبها، أمّن إيصاله وتركيبه مرافقها. وعندما تمّت إزالته من قبل جهات خارجية، عاودت وأوصلته. وهي تتحكّم بالكهرباء من خلال محوّل (disjoncteur) تطفئه وتديره كلّما دخلت أو خرجت من مكتبها، كلّ ذلك على نفقتها الخاصّة بالطبع. وتقول لنا القاضية إنّها استعانت “بقائد المنطقة” لتحقيق ذلك، معترفة بأنّ ذلك قد يشكّل إساءة استعمال سلطتها بنظر البعض، إلّا أنّه ليس لديها حلّ آخر، فلن تستطيع أن تمارس عملها إن لم تلجأ إلى هذه الوسائل. أمّا بالنسبة للجلسات التي تعقد خارج المكتب، فلا حيلة تؤمّن لها الكهرباء، إذ استعملت القاضية مرارًا في السنوات الأخيرة ضوء الهاتف لقراءة ملفاتها، أو فيما بعد ضوءًا تمّ تركيبه على الطاقة الشمسية. لكن حتى هذه المحاولات لتحسين الوضع ليست كافية في معظم القصور، بحسب المسح الميداني الذي أجرته “المفكرة”، إذ اعتبر كتّاب قابلتهم أنّ الألواح التي تمّ تركيبها تكفي فقط لإنارة الممرّات.

“عم يجرّبوا يحطّوا طاقة شمسية للإضاءة لأن مرقت فترة، ما فيك تشوف أصبعك ببعبدا أو ببيروت”. [4]

وتعدّدت منذ 2020 طرق الحصول على بضع ساعات من الكهرباء، إلّا أنّها تتشارك جميعها طابعها غير المنتظم وغير الثابت وحتى غير الرسمي. ففي محكمة عاليه مثلًا، نجد البلدية قد مدّتها بخط كهرباء في مرحلة من المراحل[5]، بما أنّهما تتشاركان المبنى نفسه. والجدير ذكره أنّ هذا التعويل على البلدية جعل الكهرباء متوفّرة في المحكمة يوميْ الإثنين والثلاثاء فقط، إذ لم يكن يداوم أحد في البلدية في الأيام الباقية، ما يحرم المحكمة وقضاتها من النور، فنجدهم خاضعين لدوام ونشاط وهمّة موظفي البلدية. في حالة ومرحلة أخرى، نجد المحكمة تأخذ كهرباءها من مركز الدرك المجاور من أجل إضاءة ضوء واحد فيها لا أكثر. أما مقرّ مجلس شورى الدولة، فقد أصبح متّصلًا بكهرباء المستشفى العسكري مثلًا، مع الإشارة الى أنّ شروط العمل الجيدة نسبيًا في المجلس، لناحية الصيانة ووضع المكاتب، تفقد قيمتها بشكل كبير في ظلّ عدم توفّر الكهرباء. أما في قصر عدل بيروت، فأخبرنا قاضٍ أنّ المولّد كان ينطفئ الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر، الأمر الذي كان يجبره على الخروج من مكتبه مبكرًا، مقارنة بما قبل الأزمة حين كان يبقى في مكتبه حتى الساعة السابعة أو الثامنة مساءً. وتجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من مساعد قضائي في أحد قصور العدل أكّد لـ “المفكرة” أنّ الكهرباء تُشغّل بشكل دائم فقط عند حضور الرئيس الأوّل، وفي باقي الأوقات تتوفّر بشكل أقلّ. كما أنّ موظفين أخبروا “المفكرة” أنّ الكهرباء تُشغّل فقط عند حضور القضاة إلى المبنى، فيما هم محرومون منها في الأوقات الأخرى.[6]

ينيرنا غياب الكهرباء في قصور العدل. فاللّحاق بخطوط التغذية، حتى متى كانت خالية من الطاقة، يسمح لنا بتتبّع موازين القوى وعلاقاتها وهرميّتها داخل عالم الدولة اللبنانية وقضائها. أوّلًا، إنّ هذه المبادرات القضائية الفردية أو المحلّية لم تحصل من دون علم الجهات الرسمية القضائية والسياسية، إنّما أخذت مجراها بمباركة وتشجيع منها. فعلمنا أنّه عندما لجأ بعض القضاة إلى وزارة العدل لحلّ مشكلة الكهرباء، دعتْهم الوزارة إلى القيام باتصالاتٍ محلّية مع كلّ المؤسّسات التي قد تقبل بمدّهم بالكهرباء، أي القائمقامية، الجيش، الأمن عام، إلخ[7]. وقد رأينا وزير العدل يشكر جهات خاصّة تبرّعت لقصور العدل، مثل “الشيخة” التي تبرّعت لإضاءة قصريْ عدل بعبدا[8] وصيدا[9] بألواح طاقة شمسية، من دون أن نعلم خلفيات هذه التبرعات الخاصّة وظروفها وكيفية التفاوض عليها وآثارها على العمل القضائي.

ثانيًا، وضعت هذه الحالة المحاكم والقضاة في علاقة تبعية كهربائية مع مؤسّسات أخرى كالبلديات أو القوى الأمنية، باتت تتحكّم مباشرة أو غير مباشرة بعمل القضاء وإنتاجيته.

ثالثًا، فضحت مسألة الكهرباء أولويّات وهرميّات بعضها مستتر داخل عالم العدالة في لبنان. فالسلطات المحلية والأمنية لديها كهرباء أكثر من القضاء، فتظهر بمظهر المؤسسة “الأهمّ”، بالنسبة للسلطات السياسية والإدارية، يطلب منها القضاء منحه بعض الساعات من الضوء. أمّا داخل القضاء، فقد ذكّرت مسألة الكهرباء كيف أنّ الرئيس الأوّل “أهمّ” من القضاة الآخرين، وكيف أنّ القضاة “أهمّ” من المساعدين القضائيين إلخ.. وهي لا مساواة متفرّعة سبق أن أشارت “المفكرة” إلى خطورتها مرارًا في الماضي، إذ أنّها تضع القضاة الشباب والموظفين تحت سلطة القضاة المسنّين المعنوية واللوجستية، بشكل لا تبرّره دائمًا الأقدمية، ويفتح المجال أمام انتهاكات عديدة. كلّها علاقات قوّة تشعّ في عتمة قصور العدل وتميّز بين فاعلي العدالة، إذ سمحت الخطوط الكهربائية برسم معالم جزر قضائية مفكّكة ومبعثرة منذ الأزمة، تديرها العلاقات والمبادرات الشخصية والمحلّية، بتنافس مع الجزر الإدارية والأمنية الأخرى للحصول على بعض الكهرباء، فيما القضاء كمؤسّسة عامّة يتابع انهياره منذ 2020، في ظلّ عدم اكتراث معمّم من قبل السلطات الأخرى.

قضاء تحت الغبار: أقواس المحاكم المتّسخة

يشتكي القضاة والمساعدون القضائيون من تفاقم أزمة النظافة في قصور العدل والمحاكم والمكاتب منذ 2020. وفيما يعترف الجميع بأنّ قصور العدل لم تكن تلمع نظافةً في السابق قبل الأزمة، إلّا أنّ الوضع منذ ثلاث سنوات أصبح سيئًا لدرجة أنّه يضرب صورة القاضي والقضاء والعدالة في نظر القضاة أنفسهم أوّلًا، لكن أيضًا في نظر المحامين والمتقاضين. فكيف يمكن للقاضية أن تحكم فيما يتكدّس الغبار حولها، وتتراكم في زوايا المحكمة أو القلم أو في الممرّات الأوراق المرمية والنفايات؟ هنا أيضًا، إنّ لربط عدالة الدولة وقضاتها بالوسخ المنتشر مفاعيل رمزية مؤكّدة وطويلة الأمد في ذهن الناس، تفاقم من تراجع ثقتهم في القضاء.

أخبرنا محامٍ كيف قالت له القاضية باستحياء: “الجلسة على القوس، ولكن جهزوا حالكن، في جيّة”، وقد وصف لنا قاعة القوس بأنّها “مقرفة ومتّسخة” وفيها غبار والكراسي منتشرة في كلّ مكان. وكنا قد وثّقنا سابقا خلال عملنا على مجالس العمل التحكيمية في الأزمة عامي 2021 و2022 غرق قصور العدل بالأوساخ على حساب ثقة المتقاضي واحترامه للقضاء، وهو وضع قد استمرّ عام 2023 بكلّ وضوح بالرغم من تحسينات محدودة، ما عزّز ضرب ثقة القضاة في أنفسهم وفي وظيفتهم، وإحباطهم المتزايد مع الزمن.

طبعًا، ساء الوضع بعدما غادر عمّال النّظافة الأجانب بسبب تدهور قيمة رواتبهم، إذ تُرِكت قصور العدل على وضعها من دون تنظيف فيما يدخلها ويخرج منها آلاف الأشخاص يوميًا، على الأقلّ في بيروت والمدن الكبرى. كانت النتيجة أن يتكبّد القضاة والمساعدون القضائيون همّ التنظيف اليومي والأسبوعي بخاصّة في المكاتب، فأصبح همّ مسح الغبار أو إزالة النفايات وتنظيف الحمّامات ينافس في ذهن القاضي همّ إخلاء سبيل موقوف أو الحكم على قاتل أو الفصل في دعوى تجارية، ما يؤدّي إلى نتائج سلبية بطبيعة الحال على نوعية العمل القضائي وإيلائه الاهتمام الضروري لهموم الناس ومشاكلهم. ولا شك أنّ الأولوية في التنظيف أصبحت تعطى لمكاتب القضاة، فيما زاد إهمال قاعات المحاكم أو الأماكن العامّة الأخرى داخل العدلية. يردّد أمامنا في هذا الإطار كلّ من يعمل في فلك قصر العدل كلمات مثل “جيّة، وسخ، زبالة” وهم يصفون لنا يوميّاتهم المهنية التي تجري في مساحة احتلّتها النفايات والغبار إلى جانب الظلمة.

“نحن نأخذ زبالة المكتب بأكياس ونرميها، ونمسح الغبار عن المكتب”.[10]

لم تشكّل النظافة ثقلًا ذهنيًا يعكّر مزاج القاضي وهو يدرس ملفّاته فحسب، إنّما تشكّل أيضًا همًّا ماديًا إذ أصبحت في مرحلة من المراحل كلفة التنظيف التي يدفعها من جيبه الخاص تأكل قسمًا غير قليل من راتبه المتدهورة قيمته منذ نهاية 2019. لدرجة أنّ بعض القضاة قد عبّر عن أنّه غير قادر على تحمّل التكاليف  الإضافية، ما رمى بهذا الهمّ على أكتاف الموظّفين أنفسهم الذين يعانون من أوضاع مادّية صعبة. هنا أيضًا وبعد الكهرباء، نلحق آثار الغبار لتتبّع علاقات القوّة في القضاء، علمًا أنّ العلاقة بين الموظّفين والقضاة تختلف من محكمة إلى أخرى، إذ أخبر مساعدون قضائيون “المفكرة” في أماكن أخرى أنّهم يتكبّدون مع القضاة تكاليف شراء أدوات التنظيف والمستلزمات من صابون ومساحيق وغيره، وقد فرض هنا بؤس الأزمة مساواة لطالما طمح إليها المساعدون القضائيون، ولكن ليس بهذا الشكل.

وأتى شحّ مياه الخدمة ليعقّد المسألة أكثر، إذ لم يعد العديد من القضاة يتمكّنون من الذهاب إلى الحمام خلال أوقات عملهم بسبب الوضع السيّئ للحمّامات وهو ما اضطرّهم في مرحلة من المراحل إلى اتخاذ إجراءات جذرية، كعدم شرب المياه في النهار مثلًا كما قالت لنا قاضية[11]، هذا فضلًا عن المشكلة السابقة للأزمة بالنسبة للموظفين، وهي أنّ بعض أقلام المحاكم ليس فيها مرحاض أصلًا. في بيروت، أدّى بهم ذلك إلى استعمال مراحيض مقرّ نقابة المحامين أو مخفر قصر العدل أو النظارة، لأنّ الدولة تغذّي المخفر بالمياه، ومركز النقابة يستفيد من مياهه، أمّا مكاتب القضاة ومحاكمهم فلا تنتمي إلى هذه المساحات المحظوظة في الدولة اللبنانية. أمّا في المحاكم الأخرى التي توفّرت مياه الخدمة فيها، فحصل ذلك بسبب متابعة البلدية شؤون المحكمة وتأمين حاجيّاتها، ما يظهر مجدّدًا الأثر الكبير للسلطات المحلية على سير العدالة، كما اللامساواة الكبيرة والمتعاظمة بين المحاكم والقضاة.

قضاء من دون حبر ولا ورق: بماذا وعلى ماذا تُكتَب الأحكام؟

اختفتْ لوازم العمل البسيطة مثل الأوراق وحبر المطابع من المحاكم لفترات طويلة منذ 2020. وحتى ولو لم تنقطع اللوازم كلّيًا في بعض الأحيان وبعض المحاكم، إنّما توفّرت بشكلٍ أقلّ، وبنوعية أدنى. هنا أيضًا، نجد خصائص الحرمان ذاتها. ففي الكثير من الأحيان، كان القضاة يشترون بأنفسهم بعض هذه اللوازم قبل الأزمة وفي بدايتها على حسابهم، إلّا أنّهم لم يعودوا قادرين على ملء هذه الفجوة عندما بدأت تتدهور قيمة رواتبهم لتصل إلى مئتي دولار في وقت معيّن، ما أفقدهم معظم الوسائل اللوجستية والتقنية الضرورية لإتمام أعمالهم.

“إذا المحبرة خربت بعتل همّ، أنا عم جيبهم لأن خيي بيعطيني مصاري، القاضي اللي ما عنده حدا يساعده بيطلّع قرارات كتابةً.”[12]

ومن أبرز ما فُقِد في المحاكم والأقلام في الأزمة هي الأوراق: أوراق القلم، وأوراق الهوامش، وأوراق المغلفات. فماذا تعلّمنا حركة الأوراق النادرة في قصور العدل؟ أبقى الموظفون لديهم نماذج عن هذه الأوراق الثمينة، يعطونها للمحامين ليصوّروا نسخًا عنها خارج المحكمة، ويعودون بها إلى الموظف ليستعملها في معاملاتهم.

“كانوا قبل يصوّروا بالعدلية عندهم، نعطيهم عالورقة 10 آلاف مثلًا، كان عندهم الـ capacity يصوّروا. هلّق يقولون sorry الـ printer منزوع أو ما في حبر أو ما في أوراق، صاروا يصوّروا لنا برّا، وبرّا في قرطاسية. صرنا ندفع أكثر بكثير، كلّه بالدولار”.[13]

محامٍ يريد تصوير ملف في صيف 2023، وردّة الفعل الأولى لدى القاضي كانت: “كيف بدّك تصوّره، هذا ألف صفحة”. أصرّ المحامي على التصوير بما أنّ ذلك من حقه، فكان جواب القاضي “ما بعرف شو بدنا نعمل بهذه الحالة، قبل كان عنّا مكنة كبيرة”. بالتالي اضطرّ المحامي أن يخرج بالملف من المحكمة برفقة موظف، ومعهما حراسة أمنية بقرار من القاضي، ليأخذوا الملفّ لتصويره في مكتبة خارج قصر العدل، “لينتبه الموظّف إذا عامل المكتبة أخذ شيء من الأوراق والملف، وبالرغم من ذلك، كان يمكن أخذ مائة ورقة من الملف من دون أن ينتبه أحد. شيء فاشل”.[14]

أمّا الطريقة الأخرى للتعايش مع هذه الحالة فهي أن يطلب الموظف من المحامي أن يحضر معه أوراقًا للطباعة من أجل إجراء معاملته، وهي ممارسة كَثُر اللجوء إليها في السنوات الماضية. في مجلس شورى الدولة مثلًا، أصبح من المعتاد أن يطلب الموظفون من المحامين أوراقًا، بعد صدور الحكم مثلًا، وحتى أن يطبعوا للخصم على حساب المحامي المتبرّع[15]. كلّ فترة يسأل الموظف المحامية: “فيكن تتبرّعولنا بأوراق؟”، علمًا أنّ ذلك لا يعني أنّ الأوراق ستُستعمل لمعاملاتها فقط، إنّما تصبح أوراقًا للمحكمة، تستعملها في جميع المعاملات.

أمّا الموظفون، فاستعملوا وسائل متعدّدة لتغطية فقدان المستلزمات. فبدلًا من الطبع على وجه واحد من الأوراق، أصبحوا مثلًا يطبعون على وجهي الورقة[16] (لحظنا هذا الأمر عند دراسة قرارات محاكم المطبوعات بين سنة 2019 و2022، إذ طغت الطباعة على وجهي الورقة سنة 2021 مثلًا). تتعدّد في هذا الإطار الحوادث التي يرويها المحامون: راح الكاتب يكتب على ورقة هامش خارج الهامش بعد أن امتلأت الورقة، حتى لم يبق مكان لزيادة أيّ حرف، فتعجّبت القاضية وسألته لماذا يفعل ذلك، وكان جوابه أنّه ليس هناك أوراق أخرى. نوادر يتناقلها المحامون والقضاة والموظفون لتشكّل توثيقًا شفهيًا أوّليًا لتاريخ الأزمة ووقعها على القضاء، وكيفية اكتشاف آثارها تدريجيًا في العمل القضائي اليومي. تسمح أيضًا هذه القصص بتوثيق تحوّل ردّات الفعل أمام انهيار مقوّمات العمل القضائي: ذهول المحامين أمام هذه الممارسات في فترات الأزمة الأولى عامي 2020 و2021، ليحلّ مكانه تطبيع تدريجي لها في الفترة اللاحقة، نلتمسه أيضًا من خلال خبريّات المحامين وقصصهم وكيفية نقلها. اعتاد الجميع على أزمة القضاء، وأصبح وضعه المهترئ طبيعته الجديدة. علمًا أنّ وضع المستلزمات تحسّن نسبيًا في النصف الثاني من عام 2023، حيث تمّ إمداد القضاء الجزائي مثلًا بأوراق إلقاء قبض ومذكّرات تحرٍّ ومذكرات توقيف وهوامش وملفات بعدما كانت مفقودة لوقت طويل.[17] كما أنّه في القضاء الإداري، عاد القضاة إلى الطباعة بمكاتبهم، بعدما أصبحت الأوراق متوفّرة مجدّدًا.

إلى جانب أزمة توفّر الأوراق، تفاقمت في الفترة الأخيرة أزمة حفظ الملفات في قصور العدل، حيث يشتكي الجميع، قضاة ومحامون وموظفون، من اكتظاظ أماكن حفظ الملفّات وبالتّالي رميها بطريقة غير منظّمة حتى أكثر من السابق، في أماكن متاحة للجميع، ما يعرّضها للسرقة أو التلاعب. فأصبح المحامون يعانون من تفاقم ظاهرة “ضياع الملفّات”، إذ أصبح “ضياع الملفّ” أمرًا عاديًا ومتكرّرًا في السنوات الأخيرة، بينما كان يشكّل مشكلة وإحراجًا للموظّف في السابق.

“أمّا الملفّات فهي في متناول الجميع إذ لم يعد بإمكاننا إقفال الخزانة التي توجد فيها، وقد وجد الكاتب اليوم حلًا مؤقتًا لحفظ الملفّات بالمفتاح ما يجبرني كلّ يوم على أن أقوم من مكتبي إلى الخزانة مرّات عدّة لفتحها…”[18]

هذا إضافةً إلى مشكلة قديمة جدًا وهي عدم وجود مساحة كافية في المخازن لتوضيب الملفّات، أو عدم تجهيز المخازن بالرفوف الكافية، فيضطرّ الموظّف إلى وضعها على الأرض أو أحيانًا في أكياس، الأمر الذي يعرّضها لخطر التّلف، أو حتى عدم وجود مخزن أساسًا في بعض الأقلام. وقد زادت الأزمة من سوء حال المخازن لدرجة أنّ الإنارة فيها أصبحت معدومة في بعض الأحيان، وتسرح فيه القطط والقوارض والحشرات في أماكن أخرى، فضلًا عن الرطوبة المنتشرة في أماكن التخزين، التي تتسبّب بالحساسية والسعال للموظفين.

قضاء “مكشوف أمنيًّا”: شعور متزايد باللا أمان

إضافة الى تراكم كلّ هذه المشاكل المادية في أماكن العمل، تعاظم شعور بعض القضاة باللا أمان في محاكمهم ومكاتبهم، وكأنّ القضاء تحوّل إلى مساحة مستباحة، معنويًا طبعًا ولكن أيضًا جغرافيًا، قد يدخله أيّ مستقوٍ منتهكًا حرمته ومعتديًا على قضاته. عبّر قضاة عن شعورهم بأنّهم “مكشوفون أمنيًا” بسبب ضعف التدابير الأمنية في قصور العدل. هم يرون بأعينهم بقلق تطوّرين متزامنين منذ 2020: من جهة استفحال الأزمة وما يرافقها من عنف جسديّ وماديّ ومعنويّ واجتماعيّ في المساحات العامّة والخاصّة، وانهيار منظومة فرض احترام القوانين على جميع الصعد، ومن جهة أخرى سوء أوضاع القوى الأمنية، عناصر ومؤسّسات، مع ما يستتبع ذلك من تراجع في قدرتها على حفظ الأمن عمومًا، وبخاصّة حماية قصور العدل. حتى مرافقو القضاة، لا سيّما القضاة العاملين في المجال الجزائي، هؤلاء الحرّاس الذين عليهم حماية من يحمي المصلحة العامّة والمجتمع، لم يعدْ وقارهم يفرض نفسه في مساحات القصر، أو على الأقلّ لم يعد وجودهم يُشعر القاضيات بالأمان.

“مرافقي عالباب بس ممكن يفوت لعندي شخص يضربني”.[19]

“إنّ المرافق الذي لديّ إذا طلبت منه أن ينزل إلى الطابق السفلي ثم يصعد فتراه منهكًا لا يتمكّن من الحركة بسبب لياقته البدنية السيّئة جدًا. فهل هذا هو الذي سيحميني من أصحاب السلطة والمال والسلاح في لبنان؟”[20]

أفكار سوداوية تساور أذهان القضاة الذين قابلناهم، لا سيّما الذين هم على اتصال بملفّات حسّاسة، إذ تكاثرت أمامنا عبارات لم نعهدها سابقًا، بالرغم من الحوادث الأمنية في التسعينيات وما بعدها، مثل اغتيال القضاة الأربعة في صيدا عام 1999: الخوف من “الاغتيال”، و”الاعتداء”، و”الإهانة”، و”الضرب”، وغيرها من مفردات القلق على السلامة الجسدية، إضافة إلى القلق الشخصي الكبير عندما يعود القاضي إلى البيت وهمومه المعيشية، كما كتبنا سابقًا.

ويزداد الشعور باللا أمان كلّما ازدادت المطالبات الشعبية للقضاء، بخاصّة بعد حراك 2019، بأن يؤدّي دوره في معاقبة المسؤولين عن الأزمة والفاسدين والهاربين من القانون، ومعظمهم من أصحاب السلطة والنفوذ، وفي محاسبة سلطة سياسية ومالية تفلّتت في العقود الأخيرة من أيّ محاسبة أو إمكانية عقاب. ويحصل ذلك بينما القضاة، لا سيّما في النيابات العامّة وقضاء التحقيق بخصوص الملفّات الكبيرة أو الحسّاسة التي طرحت في الأشهر والسنوات الأخيرة، يعيشون شعورًا عارمًا بالهشاشة الأمنية لدرجة أنّ واحدًا منهم، وهو كان يعمل على ملفّ حسّاس، أخبرنا أنّه بات ينتظر اعتداء أو ما شابه كلّما عاد مساءً إلى بيته وهو يركن السيارة في ظلمة الشوارع.

ولا ننسى أنّ انهيار الشعور بالأمان بالنسبة للاعتداءات المختلفة ليس منفصلًا عن شعور باللا أمان الجسدي بما يعني صحّة القاضيات في أماكن عملهنّ، التي باتت مصدر أمراض ومشاكل صحية، إذ أصبح بعضهنّ يعملن في مكاتب ومحاكم وأقلام مكشوفة أو رطبة للغاية، ما سبّب لبعضهم مشاكل صحّية جدّية، تضاف إلى قلقهم المستجدّ منذ 2020 بسبب غياب التغطية الصحّية الفعّالة بعد تقاعس صندوق تعاضد القضاة الذي ضربت الأزمة قدراته بشكل كبير. ولا يشكّل التأخّر في إصلاح آثار انفجار بيروت على بعض قصور العدل والمحاكم إلّا مثلًا آخر يضيفه القضاة الى قائمة أسباب شعورهم بالوحدة وبهشاشة وضعهم، الذي أصبح مثل لوح الزجاج المتكسّر الذي يشير إليه القاضي ويصفه وهو يتكلّم معنا[21]، وكأنّ كلّ كسر فيه يمثّل إحدى مشاكل القضاء الحالية، فيما اللوح لا يزال صامدًا بأعجوية ولا أحد يعرف كيف، إنّما قد ينهار في أيّ لحظة، تمامًا كقضاء لم يعد يسير إلّا بصبر قضاته النزهاء، ومساومات قضاته المنسجمين مع السلطة.

محاولة الالتفاف على النواقص المادية: نحو عدالة درجة ثانية؟

تتكاثر اليوم محاولات وابتكارات القضاة والمحامين والموظفين للالتفاف على مشاكل الأزمة المادّية في محاكمهم، والتعامل مع شحّ لوازم العمل وتزايد صعوباته من أجل الاستمرار به بما أمكن. وقد أنتجت هذه المحاولات بعض التحسينات المحدودة على سير الأعمال في المحاكم كما لاحظ الجميع عام 2023، لا سيّما بالنسبة للسنوات السابقة التي رأينا خلالها مفاعيل الأزمة تسحق العمل القضائي وتشلّه. كما أنّه وبعد ثلاث سنوات من انسداد الآفاق بشكل كبير، بدأ فاعلو العدالة ينظرون بخجل وتروّ إلى مستقبل عليهم العمل خلاله في ظروف مادية سوف تكون صعبة للغاية، على الأقلّ على المدى المنظور. فسمعْنا محامين وقضاة يقترحون بعض الوسائل التي قد تؤمّن حسن سير العمل من دون كلفة عالية ومن دون الحاجة إلى موارد مادية لن تكون متوفّرة على الأرجح، مثل تعميم العمل من المنزل (لا سيّما للموظفين، إذ أنّ العديد من القضاة يعملون في منازلهم في الكثير من الأيام)، والمحاكمات عبر الإنترنت. كما يشير بعضهن إلى أنّ المحاكم الروحية قامت ببعض هذه الخطوات طوال فترة كورونا، وتمكّنت من تأمين سير العمل من دون انقطاع يذكر، فيما لم يحصل ذلك في القضاء العدلي، ما يسلّط الضوء على التفاوت بين القضاء المذهبي والقضاء العدلي في قدرتهما على التعامل مع الأزمة. ولدى محامين عدّة قابلناهم شعور صلب أنّ المحاكم الدينية تعاملت مع الأزمة بشكل أفضل وأسرع.

إلّا أنّ هذه المبادرات والأفكار تدفعنا إلى التوقّف عند معنى هذا التأقلم العامّ مع واقع الأزمة المادي السيئ للغاية، ونتائجه على مؤسّسات العدالة في لبنان وقدرتها على حماية المصلحة العامّة وحقوق الأفراد. إنّ القدرة على التأقلم مع رواتب القاضيات والموظفين المنخفضة وغير المستقرّة أو المضمونة، ومع اضمحلال التغطية الصحّية والعائلية، ومع انهيار مقوّمات العمل القضائي كما رأينا في هذه الورقة، لن تكون بدون عواقب سلبية على العمل القضائي، كمًّا ونوعًا. إذ أنّ تمجيد صبر القضاة ومناقبيّتهم في تحمّلهم للمصائب التي تصيب مهنتهم والمؤسّسة القضائية، كما درجت الحال منذ 2020 على الأقلّ، لن يجنّب القضاء في لبنان تراجعًا ملموسًا في قدرته على القيام بواجباتها، وهي قدرة كانت محدودة حتى قبل الأزمة. وفيما سوف نستكشف في أوراقنا اللاحقة أبعاد هذا الإحباط القضائي الجديد، فقد لاقت مخاوفنا صدى عند الفاعلين القضائيين خلال عملنا الميداني، إذ فسّر بعضهم الوضع الحالي بأنّه نوع من التسليم للأمر الواقع، إذ استنتج الجميع على الأرض أنّ الحال لن يتغيّر على المدى القريب، وأنّ عليهم التأقلم مع الوضع والسير بالعمل “بالتي هي أحسن”. وقضاء “بالتي هي أحسن” قد يكون قضاء جميع سكان لبنان لسنوات طويلة مقبلة.

نشر هذا المقال في الملف الخاص في العدد 73 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان 

لتحميل الملف بصيغة PDF

لقراءة المقال باللّغة الانكليزيّة


[1] شهران على عودة القضاة: “الاعتكاف” متواصل، ندى أيوب، الأخبار، 9 آذار 2023.

[2] مقابلة مع قاضٍ، حزيران 2023.

[3] مقابلة مع قاضية، شباط 2023.

[4] مقابلة مع محامية، حزيران 2023.

[5] مقابلة مع قاضٍ، شباط 2023.

[6] من المسح الميداني الذي أجرته “المفكرة” في تموز 2023.

[7]مقابلة مع قاضٍ، شباط، 2023.

[8] الشيخة هند عبد المجيد المجذوب آل ثاني تؤمّن الكهرباء لعدلية بعبدا، محكمة، 20 شباط 2023.

[9] إضاءة عدلية صيدا بالطاقة الشمسية بهبة من الشيخة هند عبد المجيد المجذوب آل ثاني، محكمة، 31 أيار 2023.

[10] مقابلة مع قاضٍ، حزيران 2023.

[11] مقابلة مع قاضية، شباط 2023.

[12] مقابلة مع قاضية، شباط 2023.

[13] مقابلة مع محامية، تموز 2023.

[14] مقابلة مع محامٍ، آب 2023.

[15] مقابلة مع محامية، تموز 2023.

[16] مقابلة مع مساعد قضائي، تموز 2023.

[17] مقابلة مع موظف، تموز 2023.

[18] مقابلة مع قاضٍ، آذار 2023.

[19] مقابلة مع قاضية، شباط 2023.

[20] مقابلة مع قاضٍ، آذار 2023.

[21] مقابلة مع قاضٍ، آذار 2023.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مؤسسات عامة ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني